من مسببات الجلطة المالية: فواتير المشافي الخاصة.. تحلق بأرقامها دون رادع .. وتجاهل تام لإنسانية الدور

من مسببات الجلطة المالية: فواتير المشافي الخاصة.. تحلق بأرقامها دون رادع .. وتجاهل تام لإنسانية الدور

أخبار سورية

الأربعاء، ١٢ يوليو ٢٠١٧

تفوقت المشافي الخاصة في مضاعفة أرباحها خلال الأزمة على كافة المشاريع التجارية والاستثمارية، لتغدو المشروع الأمثل لاستثمار الأموال وتوظيف الطابع الإنساني في أبشع صوره، في ظل غياب الرقابة الصحية والطبية من وزارة الصحة والجهات المعنية في متابعتها ومحاسبتها، وقد يكون أكبر دليل عدم اتخاذ أي إجراء رادع منها كإغلاق مشفى أو إحالة أحد القائمين عليه للقضاء، بالرغم من تعالي صيحات المواطنين من سوء المعاملة وارتفاع نسبة الأخطاء الطبية في هذه المشافي، لا تزال المشافي الخاصة تستوفي جرائمها باستصدار فاتورة غير متوقعة من إدارتها لتقضي على المواطن الذي قد ينجو من مرضه، بجلطة مالية موجهة تصيب كافة ممتلكاته ومدخرات أقربائه، وتبقيه رهين الديون أو الحجز لحين استيفائها؟

خدمات طبية تجارية
استندنا في المقدمة على قصص عديدة تواردت إلينا، تشكو ارتفاع أسعار الخدمات الطبية في هذه المشافي واستغلال جهل المواطنين بنوعية الخدمات الضرورية اللازمة لهم وإضافتها للفاتورة التي تصل إلى أسعار خيالية، كالسيدة إلهام التي خضعت لولادة قيصرية في مشفى التوفيق، وبعد الولادة تمت إحالة المولودة إلى الحاضنة بحسب الأطباء الذين أكدوا ضرورة بقائها لمدة عشرة أيام للمراقبة، بالرغم من الوزن الطبيعي للمولودة والحالة الصحية الجيدة، لتتضاعف فاتورة إلهام من 120 ألف ليرة سورية لقاء عملية الولادة إلى 600 ألف ليرة سورية، وتم حجز المولودة وعدم تسليمها للأم لحين استيفاء كامل المبلغ، والسيدة إلهام لم تكن حالة خاصة، بل حدثتنا أم فادي أيضاً بأن والدتها دخلت مشفى الفرنسي باتفاق مسبق مع الإدارة والطبيب الجراح على قيمة الفاتورة مع التكاليف كاملة بـ 450 ألف ليرة سورية لإجراء عمل جراحي لوقف نزيف في المخ، ولكن يبدو أن الفاتورة أيضاً أصابتها حمى شديدة لتصل إلى 750 ألف ليرة سورية، ولا تزال الفاتورة مفتوحة وقابلة لزيادات غير منطقية، مؤكدة أم فادي أنها راجعت الإدارة أكثر من مرة دون جدوى، فالجواب متفق عليه وهو “تكاليف إضافية”.

تسعير عشوائي
جولات عديدة على مشافي خاصة حاولنا من خلالها رصد فروقات الأسعار لخدمات طبية محددة، ففي مشفى الراضي في مدينة جرمانا تبدأ تكلفة الإقامة لمدة يوم واحد في غرفة “العناية المشددة” على سبيل المثال بحسب محاسب المشفى مهند الجط بـ50 ألف ليرة سورية، وقد تصل إلى 100 ألف حسب كل حالة على حدة، وفي مشفى جرمانا الجراحي تكون التكلفة لنفس الخدمة20 ألف ليرة سورية وقد تصل إلى 60 ألف ليرة سورية بحسب المدير الفني للمشفى الدكتور قصي السعدي، أما الولادة القيصرية في مشفى الراضي تصل إلى 120 ألف ليرة بحسب الاتفاق مع الطبيب المختص، وفي المشفى الجراحي 75 ألف ليرة، لتكون فاتورة مشفى الفرنسي لنفس العملية 150 ألف ليرة سورية وقابلة للزيادة، لتبلغ ذات العملية في مشفى الحياة 250 ألف ليرة سورية فما فوق.

خمس نجوم
أكد معظم من التقيناهم في جولتنا على ارتفاع الأسعار والتلاعب بالفواتير، وغياب الطابع الإنساني عن المشافي الخاصة، ويبدو أن هناك اعترافاً ضمنياً بتصنيف المشافي على أساس الخدمات الفندقية المقدمة والتي لا يحتاجها المريض، لكنها الركن الأساسي الذي تبنى عليه الفواتير، فبحسب رأي د. قصي السعدي أن البناء والتجهيزات والمنطقة تلعب دوراً أساسياً في حساب التكاليف، بالإضافة إلى خبرة الطبيب وشهرته، فالأسعار في مشافي العاصمة تفوق أسعار مشافي الأرياف، وأشار السعدي إلى ارتفاع الأسعار للمستلزمات العلاجية والأدوية، وغياب بعض أنواع الأدوية واللجوء إلى الأدوية المهربة وشرائها بالعملة الأجنبية، التي شكلت بمجملها الأسباب الحقيقية لارتفاع أسعار الخدمات الطبية في المشافي الخاصة، ولكنه أكد أكثر من مرة أن مشفى جرمانا مازال يقدم خدماته بأسعار تقارب التكلفة الحقيقية، إضافة للخدمات الإسعافية المجانية خلال الأزمة لكل مصاب قدم إلى المشفى، أما الدكتور نهاد عساف مدير مشفى الفرنسي عزا ارتفاع الأسعار إلى تضاعف التكاليف وأسعار مستلزمات العلاج وإعادة صيانتها، وطرح مثالاً عن سعر أنبوب الأشعة الذي تضاعف سعره من 2 مليون ليرة إلى 14 مليون ليرة خلال سنتين فقط، وأضاف أن الأسعار ترتبط باتفاق مسبق مع الأطباء الجراحين، حيث يتم الاتفاق مع المريض، وهنا يرى د. عساف أن المواطنين مسؤولون بشكل أو بآخر عن قبولهم بأسعار مرتفعة، والتي تلغي دور المشفى في التدخل أو تحديد السعر.

منافسة وتشويه
بالعودة إلى أسباب إقبال المواطنين على المشافي الخاصة والعزوف عن العامة، رأينا الانتشار الكبير لأفكار تسيء إلى نوعية الخدمات الطبية المقدمة في المشافي العامة والتشكيك بكفاءة الخبرات والكوادر الموجودة فيها، ولكن بالاطلاع على واقع مشفى المواساة على سبيل المثال، بدا الأمر مختلفاً، حيث يستقبل المشفى عشرات الآلاف يومياً من المرضى المراجعين للمشفى الذي يتمتع بطاقة استيعابية 820 سريراً، إضافة إلى وجود أجهزة نوعية غير موجودة في أي مشفى آخر كجهاز يوروديناميك لتصوير الجهاز البولي، وأجهزة نوعية في قسم العينية، وعرض المدير الإداري في المشفى الدكتور زكوان قريط جملة من الخدمات الطبية من تحاليل ومعالجات وصور أشعة دون تكاليف مادية، بالإضافة إلى وجود كوادر خبيرة في المشفى، مؤكداً أن الثقافة السائدة لدى المواطنين عن المشافي العامة، عملت على نشرها جهات معينة في إطار التنافس القائم بين القطاع العام والخاص بغرض تشويه أداء المشافي العامة، والتشكيك بمستوى الخدمات الطبية من تحاليل وصور لاستغلال هذه الفكرة لصالح المشافي الخاصة والمخابر المرتبطة بها، كما أشار إلى استقطاب المرضى من المشفى العام باتجاه الخاص من قبل أطباء، هدفهم الربح المادي فقط، وقد يكون الطبيب يعمل في الجهتين، إلّا أنه يجذب المرضى إلى المشفى الخاص لارتفاع أجره هناك، وهنا يتحمل المريض وذووه مسؤولية الخيار، ومنه بيّن قريط أن المواساة يقدّم خدمات طبية نوعية بتكاليف رمزية لا تتعدى فئة المئات ليرة في بعض الحالات، ويحتوي المواساة قسماً خاصاً يقدّم خدمات فندقية إضافية لمن يرغب بأسعار مناسبة، حيث تبلغ تكلفة الإقامة في الجناح الخاص 400 ليرة سورية، ولا تتعدى فاتورة عملية المرارة على سبيل المثال مبلغ 35 ألف ليرة سورية، في حين تتجاوز في المشفى الخاص 100 ألف ليرة سورية.

تدعيم ورقابة
وفي السياق نفسه أكد قريط أن المشافي العامة تتعرض لمنافسة شديدة من القطاع الخاص الذي يعمل على تسويق خدماته بطرق إعلانية مشروعة وغير مشروعة، ما يتوجب على القطاع العام والإعلام بشكل خاص عرض الخدمات المقدمة في المشافي العامة، وتسليط الضوء عليها كي يستطيع  المواطنون كافة الاستفادة منها، وتجنبهم الوقوع في شباك المشافي الخاصة التي تحولت إلى مشاريع تجارية رابحة بامتياز، وبالتالي تحسين الصورة الذهنية لدى المواطنين، ولفت قريط إلى ضرورة تدعيم المشافي العامة، وتأمين كافة مستلزماتها، ورفدها بالكوادر الطبية، ومعالجة أية حالة قد تسيء إلى سمعة المشفى العام، ورأى أن معالجة واقع المشافي الخاصة يكون بتشديد الرقابة على التسعيرة في المشافي الخاصة، وفتح باب الشكوى للمواطنين لدى وزارة الصحة، ومعالجة الشكوى فور وصولها، ولمعالجة الزيادات التي تطرأ على فاتورة المشفى، اقترح د. قريط أن تكون هناك لجنة مختصة طبية لديها صلاحيات لإجراءات رادعة في وزارة الصحة للتقييم الطبي والمالي، وتقوم بجولات مفاجئة للاطلاع على سجلات المرضى ومراقبتها مالياً وصحياً، بمعنى أن تراجع عينة عشوائية من السجلات لترى ماهية الخدمات الطبية المقدمة للمريض، وهل المريض بحاجة إلى جميع هذه العلاجات، أو تمت إضافتها بهدف الربح ورفع قيمة الفاتورة؟.
وطرح قريط اقتراحاً يقضي بتطبيق مبدأ التشاركية بين المشافي العامة والخاصة، والجمع بين المزايا التي يتمتع بها كلا الطرفين، حيث يستفيد القطاع الخاص من الدعم المقدم للقطاع العام، بينما يستفيد القطاع العام من الخدمات الإضافية والفندقية التي يقدمها القطاع الخاص، لنتمكن من تطوير القطاع الصحي، والحد من ارتفاع الأسعار في المشافي الخاصة.

فاتن شنان