خفايا اتفاق الجنوب السوري في هامبورغ.. ودور “إسرائيل” وداعش

خفايا اتفاق الجنوب السوري في هامبورغ.. ودور “إسرائيل” وداعش

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٥ يوليو ٢٠١٧

مما لاشك فيه أن الولايات المتحدة الامريكية تدعم استمرار الحرب في سورية وتشارك فيها ليس لأجل الحرب ذاتها، وإنما لتمرير مشاريع وسيناروهات تعجز عن تطبيقها بالوسائل السلمية والظروف الاعتيادية، كما أن قيام الجمهورية العربية السورية واستقرارها هي حالة طارئة في مسار التاريخ فإن الأزمات المتلاحقة واستمرار المشاريع على حساب كيان الجمهورية وشعبها أمر متوقع، واستمراره هو استمرار طبيعي للمسار التاريخي في المنطقة.

وبالعودة إلى الوراء بلقطات سريعة نجد أن مجمل المنطقة بما يتضمن الجمهورية العربية السورية كانت تحت الاحتلال الفرنسي الذي سبقه العثماني والعباسي والأموي وصولاً للروم والفرس والممالك السابقة المتناحرة، ويعود ذلك لأهميتها الجيوسياسية وتشكيلها لمفتاح الربط في الجغرافية على صعيدين السلم والحرب، واستناداً إلى ورقة نشرت للكاتب سابقاً في مركز كاتيخون katehon.com للدراسات في موسكو تحت عنوان البحار والمحيطات من الإسناد والإمداد إلى المواجهة الجيوسياسية ، تتوضح أهمية الدول المشاطئة وتركز الأهمية الجيوبولتكية عليها تبعاً لأهمية البحر أو المحيط المشرفة عليه، فكيف بالدولة السورية التي تشغل حيزاً جغرافياً يعد محط اهتمام دولي في المنظورين الجيوبولتيكي السابق والمنظور المعاصر، ومع اختلاف الأساس التي تقوم عليه الدول من الأساس الديني (دولة إسلامية -دولة مسيحية) سابقاً إلى الأساس القومي، وبعده الاقتصادي العابر للقومية، اختلف معه وسائل الحرب، فتحولت الدول نحو الحروب الممولة بشرياً ومادياً على حساب غيرها (بالوكالة)، استناداً إلى دعم الشرخ بين دول الأقليم نفسه وتعزيزه، وتعزيز مفهوم الحروب الصفرية والوجودية (إما رابح لكل شيء أو خاسر لكل شيء).

ومن الأمثلة على التنظيمات الناشئة تحت هذه الغاية هو تنظيم داعش المنشق عن تنظيم القاعدة، بفكره الوهابي الجهادي المأدلج لخدمة هذا الهدف، ولكن مايميز تنظيم داعش هو أجندته الخاصة غير التابعة لأوامر قياداته ومشغليه، وهو نتيجية متوقعة لتنظيمات تنتهج الإرهاب وسيلة لتحقيق أجنداتها، مما استدعى قيام التحالف الستيني الذي تقوده واشنطن لاحتواء التهديد والتمدد، ولكن دون إزالة الخطر، بحيث يبقى ذريعة فعالة أمام المجتمع الدولي للتدخل المباشر والإشراف على تطبيق المشاريع الغربية على مسافة قريبة، بحيث يتحول تنظيم داعش من خطأ ستخباراتي أمريكي إلى استثمار غير مباشر طويل الأمد في المنطقة.ولكن المتغير غير المتوقع كان كسر القيادة الروسية لحاجز الخوف من تجربتها الأفغانية وتدخلها المباشر في الحرب السورية في عملية مكافحة الإرهاب، وأدت فعالية الضربات الروسية وقوتها وجديتها إلى إعادة واشنطن لكل حساباتها الاستثمارية المتعلقة بتنظيم داعش، بحيث أطلقت على الفور عملية تحرير الموصل وعملية تحرير الرقة كعاصمتين لداعش في كل من سورية والعراق، سعياً لحصر إنجازات والانتصارات بالولايات المتحدة وحلفها الذي تقوده كحاجة ملحة لاستمرار هيبتها وفعاليتها أمام المجتمع الدولي، إضافة إلى المشاريع التي تسعى لتطبيقها من خلال ملئ الفراغ لمساحات داعش عن طريق قوات موالية لها تشغل هذه المساحات الجغرافية المحررة لغايات عديدة.

الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في سورية:

1- نشر القواعد العسكرية الأمريكية في محيط سورية من الشرق إلى الجنوب إضافة إلى قواعد ارتكاز وإمداد متقدمة داخل سورية وذلك لتحقيق غايتين رئيستين:


• . ضمان البقاء في العمق البري ككيان معادي لدول حلف المقاومة ومن ثم استبداله بكيان جديد يحمل أهداف واشنطن في ركائز وجوده والعمل على استقلاله، ولدينا نموذج حي على هكذا استراتيجية (الكيان الاسرائيلي الغاصب).
• . تطويق التواجد الروسي في شرق المتوسط ومنعه من التغلغل في الشرق الأوسط كخطوة استباقية ضد أي مشروع روسي استراتيجي يهدف للوصول إلى مياه الخليج.

2- الفصل البري لسورية كحلقة وصل بين أطراف حلف المقاومة ضد الكيان الاسرائيلي والذي أفشله الجيش باستعادة المناطق مع الحدود اللبنانية مثل القصير والزبداني وأيضاً محاولات الالتفاف حول القوات الأمريكية المتواجدة في التنف لإعادة وصل العراق بسورية.

3- تهديد أركان الأمن القومي السوري من خلال وضع الأمن الطاقوي والأمن المائي والذي بدوره ينعكس على الأمن الغذائي للجمهورية، تحت مرمى النيران عن طريق اقتطاع مناطق غنية بالمياه العذبة والأنهار والتي تحتوي على مشاريع كهرومائية ضخمة إضافة إلى المناطق الخصبة التي تقوم عليا الزارعة في سورية والتي بدورها يقوم عليها أكثر من 65% من الاقتصاد السوري، بالتالي تحويل الدولة السورية لدولة عاجزة غير قادرة على تمويل أو دعم أي حركة خارجية وتكتفي بالغرق بالأزمات السياسية والعسكرية المتلاحقة إضافة إلى ضمان استمرار حالة عدم الرضا وعدم الاستقرار الشعبي.

ولكن السؤال هنا لماذا الاستهداف الأمريكي للأمن المائي بالتحديد؟

فعلياً الأمن المائي في الشرق الأوسط يعد من أهم مقومات قيام الدول وحتى بقائها أو استمرارها،والعديد من الدراسات أشارت إلى ذلك ليس آخرها الدراسة الصادرة حديثاً من جامعة ميامي الأمريكية والتي ترأسها الباحث سيواخ مختيريان والتي تشير إلى استمرار الجفاف وانخفاض المياه والأمطار بسرعة في منطقة الشرق الأوسط ولمدة زمنية طويلة تتعدى 7000عام على أقل تقدير، فالدولة التي تستطيع الاكتفاء مائياً وغذائياً هي دولة باقية ومستمرة،وهي دولة يصعب إرضاخها أو الإطاحة بها ضمن أساليب ووسائل القوة الناعمة، أو عن طريق الحروب المباشرة، وإنما تحتاج إلى تدخل عسكري يأخذ أشكالاً غير مباشرة لإرضاخها بالقوة الصلبة أو مايعرف في العلاقات الدولية بالقوة الخشنة، فكيف إذا كانت هذه الدولة هي الجمهورية العربية السورية التي تتشارك الحدود مع العدو الصهيوني، الابن المدلل للتحالف الغربي، والذي يعتبر استمرار وجوده الأولوية الأولى لدى واشنطن والعواصم الغربية الأخرى، وهو يتشارك أيضاً ذات الظروف المناخية القاسية في الشرق الأوسط ويقبع أمنه المائي تحت الخطر في العقود المقبلة، والمشكلة ليست الحدود وحدها من تشكل هذه الخطورة فقط، وإنما أيضاً الكثير من الموارد المائية المشتركة بين كل من سورية والكيان الاسرائيلي، ومنها ماتم سرقتها من قبل الكيان الاسرائيلي عنوة، ومنها ما هو على جدول استهدافه كحوض اليرموك!.

بالتالي الاستهداف الأمريكي للأمن المائي السوري هو استهداف على المدى الاستراتيجي البعيد لمنع قيام دولة مكتفية أو قادرة على الحفاظ على سيادتها المطلقة وفي ذات الوقت لتأمين متطلبات الامن المائي الاسرائيلي للحقبة القادمة كضمان لاستمرار وجود دولة اسرائيل وضمان عدم ارضاخها تحت أي ضغط ممكن، ففي حال زيادة التعداد السكاني للمستوطنين الصهيونيين ضمن الإمكانيات المائية الحالية للكيان السرائيلي سيشكل ضغطاً وجودياً كبيراً على استمرار هذا الكيان، أي أن هناك حاجة لزيادة الموارد المائية وتوسع مساحات وإنتاجية الزراعة، فكيف إذا كان الماء بالنسبة للقيادة الصهيونية يدخل في مشاريع أكبر وأوسع من ذلك بكثير منها، ما هو طاقوي، ومنها ما هو أخطر من ذلك كالجيوسياسي!!.

وما هو مصير الأمن المائي السوري والمناطق الجغرافية المعنية به تحت هذا الاستهداف الأمريكي، والذي لسوء الحظ تتوزع المياه فيها بشكل غير عادل داخل الأراصي سورية؟؟.

هذه الأسئلة وأسئلة هامة أخرى سنجيب عليها من خلال الأجزاء القادمة.