ماذا بعد؟ تكاليــف إنتــاج المحاصيــل الزراعيــة.. أرقــام تصاعديــة وإنتاجيــة منخفضــة!

ماذا بعد؟ تكاليــف إنتــاج المحاصيــل الزراعيــة.. أرقــام تصاعديــة وإنتاجيــة منخفضــة!

أخبار سورية

الخميس، ٢٧ يوليو ٢٠١٧

يبدو أن الحكومة أدركت بأن إنتاجنا الزراعي بدأ يتراجع حقيقة، ولم تعد القضية خافية على أحد، ولذلك كلّف مجلس الوزراء كلاً من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ووزارة الزراعة، والاتحاد العام للفلاحين، بدراسة تكلفة المحاصيل الزراعية التأشيرية، بما فيها الخضار، وهذه  خطوة تستحق التوقف عندها مطولاً، ولكنها ليست المرة الأولى التي يكلّف فيها مجلس الوزراء بدراسة تكلفة إنتاج المحاصيل الزراعية، ودائماً كانت النتائج مخيبة للآمال، بدليل واقع الحال القائم حالياً بالنسبة لمحصولي القمح والشوندر، فمازالت تكلفة الكيلوغرام من كل منهما أكبر من التسعيرة المحددة، فتسعيرة إنتاج كيلوغرام واحد من القمح، وفق مدير التخطيط والإحصاء في زراعة الغاب سمير ملحم، هي 123 ليرة للقمح، و223 ليرة للقطن، ما أدى إلى هجر المزارعين لمحصول الشوندر، وسبقه محصول القطن الشره للمياه في ظل حالات الجفاف، وتراجع الهطولات المطرية، ما يعني بشكل واضح أن من يقوم بهذه الدراسات التأشيرية التقديرية غير مطلع جيداً على أرض الواقع، أو يجامل الحكومة على حساب المزارعين، والأمثلة كثيرة على صحة ذلك!.مجرد أفكار
أكثر قضية طرحت للحديث طيلة سنوات الأزمة هي قضية الإنتاجية الزراعية، وزيادة غلتها في القطاع الزراعي، ولكن على أرض الواقع لاتزال جل هذه الأحاديث مجرد أفكار، إن لم يعتبرها المزارعون مضيعة للوقت، فالحديث الدائر الآن بعد تكليف مجلس الوزراء هاتين الوزارتين، ومعهما المنظمة الفلاحية بدراسة تكاليف الإنتاج، أن البعض يرى فيه بادرة طيبة نحو تسعير جيد، ولكن بالمقابل هناك من يرى بأن ذلك لم يغير في الأمر شيئاً، وإن كانت هناك “باسقة أمل”، لكن بحذر، وفق ما قاله مسؤول في المنظمة الفلاحية، فبعدما عشق المزارعون في مطلع الثمانينيات محصول الشوندر، وأخذ خطه البياني الزراعي بالتصاعد الإنتاجي ليشغل حيزاً كبيراً من اهتمام المزارعين والحكومة على حد سواء، وأقيمت له المعامل لتصنيع المادة، وإنتاج السكر، وكان معمل تل سلحب آخرها، فإن ذلك يعود إلى التسعيرة المناسبة آنذاك، فضلاً عن أن الدونم الواحد كان يعطي من خمسة إلى عشرة أطنان، وكانت تضيق ساحات المعمل والطرقات المحيطة به من زحمة الآليات والجرارات المحملة بالمحصول، وفي آخر إنتاج مع بداية الأزمة عام 2011 كان إنتاجنا من المادة مليوناً و700 ألف طن، ما دفع وزارة الزراعة آنذاك إلى المطالبة بحصر كميات الإنتاج على قدر الطاقة التصنيعية لشركات السكر الخمس، إلا أنه في آخر الأعوام الثلاثة الماضية تراجع الإنتاج بشكل لافت، حيث هبط هذا العام إلى ثلاثة عشر ألف طن، والذي قبله إلى 25 ألف طن، وعلى مدار الأعوام الثلاثة الماضية يزرع المحصول ليقدم علفاً للثروة الحيوانية، ما دعا المزارعين للملمة صفوفهم بحثاً عن محاصيل أكثر ريعية وأقل تكلفة، لتبدأ فيها عملية الطلاق التدريجي ليس بالثلاثة، فإمكانية العودة مازالت مفتوحة، لكنها مرهونة، كما يقول المزارع فراس منصور من نبع الطيب، بالتسعير المناسب والمجزي، وخاصة أن عمر المحصول في الأرض يستمر حوالي عشرة أشهر من الخدمة.
تراجع في الواردات المائية
كل الدراسات الجيولوجية تؤكد بأننا مقبلون على أزمة مياه مع متغيرات المناخ المتلاحقة، وقلة الواردات والهطولات المائية، فلأول مرة منذ سنوات تخلو بساتين ضفاف حوض نهر العاصي من الزراعات الصيفية، بدءاً من الرستن وسريحين، وصولاً إلى حماة والضاهرية، باستثناء من لديه آبار خاصة، ولعل المنبعثات الكريهة المنبعثة من نهر العاصي توضح حالة الجفاف المزمنة، وهي ما تعرف بنوبات الجفاف، أو تدهور النظام البيئي بكل مكوناته المنتجة والمستهلكة، بدءاً من قصر النمو النباتي نتيجة شح موارد المياه، ما يجعل الخلل في سلسلة العلامات البيئية هو العنوان البارز لتدني نمو المزروعات، وهذا بالتالي يعني نقص المحصول الزراعي!.
وقد كان وزير الموارد المائية مصيباً قبل أشهر من الآن حين أطلق مقولته بضرورة التوجه نحو زراعة محاصيل أقل شراهة للمياه ما أمكن باعتبار أن 85 بالمئة من مياه الشرب تذهب لسقاية المحاصيل الزراعية، ونحن بأمس الحاجة إليها!.
لكن ما نقله لنا أيضاً مدير عام مؤسسة مياه حماة كان أكثر إيلاماً حين قال بأنه يضخ يومياً من 80 -100 ألف متر مكعب من مياه الشرب لمدينة حماة لوحدها، لا يستهلك منها فعلياً للشرب أكثر من عشرين ألف متر مكعب، في حين يذهب الباقي هدراً مع مياه الصرف الصحي، وهذا استنزاف خطير للمخزون المائي الجوفي، والحقيقة التي يجب أن يقف أمامها الجميع هي حالة النقص في الموارد المائية التي بدأت في السنتين الماضيتين تطفو على السطح مصحوبة بزيادة “استهلاكية” المياه في سبيل إنتاج مزيد من الغذاء!.
فهذه الأرقام لها دلالاتها الكبيرة والخطيرة، فكيف سيكون الحال إذا ما غابت أيضاً هذه المياه عن محاصيلنا الزراعية، من هنا نرى ضرورة التركيز على المحصول الاستراتيجي الأول ألا وهو القمح الأقل حاجة للمياه، ولتحقيق الأمن الغذائي.
من الكم الهائل إلى القلة
قلنا في البداية بأن إنتاجنا من محصول الشوندر السكري كان ما قبل الأزمة يقارب المليون و700 ألف طن وخلال العام الماضي كان 25 ألف طن وهذا العام 13 ألف طن، وخلال السنوات الثلاث الماضية قدم علفاً للثروة الحيوانية وهذا مرده الى سوء السياسات الزراعية الخاطئة وعدم التركيز على المحاصيل الإستراتيجية الهامة من خلال تحفيز المزارعين بمنحهم الأسعار المجزية، فوحدها من يحفزهم على حد تعبير وقول المهندس غازي العزي، مدير عام الهيئة العامة لتطوير الغاب. وأشار العزي إلى أن الأمن الغذائي هو قضية محورية لا يمكن تركها للظروف المتغيرة التي لا يبدو أنها آمنة، بل يجب العمل عليها بشتى الوسائل والطرق وخلق المزيد من الفرص الاستثمارية الصناعية الزراعية لا التركيز على الجانب السياحي، كما يدور الآن في أروقة المؤتمرات الاستثمارية.
وراح يعدد ويعود بذاكرته معنا إلى ما كان ينتجه سهل الغاب منذ مطلع الألفية الثانية حتى ما بعد السنة الثالثة من عمر الأزمة السورية، حيث كان إنتاج محافظة حماة من الشوندر في عام 2012 يتعدى 578 ألف طن، رغم أن مساحة سهل الغاب هي 45 ألفاً و900 هكتار فقد كان يعطي من القمح 165 ألف طن، ومن الشوندر لوحده دون مجال زراعة حماة  650 ألف طن و25 ألف طن من الذرة، وألف طن من القطن  65، لكن شاءت الظروف الراهنة أن تفعل فعلتها فكان القطاع  الزراعي أكبر الخاسرين وتراجعت إنتاجية هذا السهل، بل مجمل الأراضي الزراعية السورية وليست الحرب وحدها من فعلت ذلك، وإنما عدة عوامل منها ارتفاع أسعار التكلفة والمستلزمات الزراعية وغياب التسعير المجزي المحفز والتطاول على شبكات الري وسرقتها، والأهم من كل هذا وذاك انخفاض الواردات المائية لسقاية هذه المحاصيل.
شركة السكر مهددة
الواقع الصناعي الزراعي ليس بمنأى عما لحق بالإنتاج الزراعي لجهة المواد الأولية لهذه الصناعات، فليس من العدل والصواب أن تبقى شركة سكر تل سلحب ثلاث سنوات متوقفة عن العمل رغم كل ما تملكه من تقنيات فنية وتجهيزات ميكانيكية لا يجوز أن تقف طيلة هذه الفترة، ففي هذا الخصوص قال المهندس  إبراهيم نصرا، مدير عام شركة سكر سلحب، طبعاً هذا التوقف الطويل له تأثيره على التجهيزات الميكانيكية والأنابيب والأفران والمخابر وغير ذلك، ونحن قلقون جداً من هذه الحال.
مضيفاً بأن وزارة الصناعة تابعت الموضوع باهتمام وكذلك وزارة الزراعة وكافة المعنيين الآخرين.
وهنا لابد لنا من أن نذكر بأنه في عام 2011 استطعنا إنتاج 140 ألف طن من السكر نتيجة تصنيع مليون و700 ألف طن، في ذات الوقت كان إنتاجنا من القمح 3 ملايين و600 ألف، فمن يستعرض هذه الأرقام ويقارنها مع ما ننتجه منذ سنوات، لابد من أن تنتابه الحيرة والاندهاش، لكن ما لحق بالبلد من خراب ودمار جراء الأعمال الإرهابية يعتبر أحد أهم الأسباب، مصحوباً بسوء التخطيط وعدم التركيز الفعلي على القطاع الزراعي الذي يشكل الرافعة الأولى للاقتصاد الوطني.
هذا ما قاله المزارعون
عدد كبير من المزارعين، من بينهم فادي العباس وخضر فطوم ووفيق زورف، قالوا لنا: إن العودة للقطاع الزراعي، كما كان ما قبل الأزمة، مرهونة بالتخطيط السليم وتأمين مستلزمات الإنتاج بالدين لمن لا يملك الأموال عند البدء في عمليات التحضير للموسم الزراعي أو بالتقسيط ولعل الأهم من كل هذا وذاك هو التركيز على التسعير المبكر ما يحفز المزارعين، وضرورة تصدير الفائض بمعنى أوضح عدم السماح بكساد المنتج المحلي، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار، وهذا ما يلحق بالمزارعين الخسائر الكبيرة ويضطرهم إلى عدم زراعة المحصول ثانية كما حدث هذا العام بالنسبة للعديد من الزراعات.
باختصار: يبقى القاسم المشترك بين الجميع هو حتمية الاستخدام الفعال لقدرات العلم والتكنولوجية لتحقيق التنمية الزراعية المستدامة، الأمر الذي يستلزم الاهتمام بأربعة موضوعات هامة ورئيسية، ألا وهي بناء جهاز علمي مرتبط بقضايا التنمية الزراعية، وجهاز إرشادي قوي وفعال يثبت حضوره، والتركيز على مكانة المياه ضمن محددات الأمن الغذائي، والعمل الجاد والفعال على عدم هدر المياه والاستفادة منها بأقصى الطاقات المتاحة، وقبل هذا وذاك إعادة النظر بالسياسات الزراعية، وما دام في السراج بقية من زيت، نأمل من اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء لدراسة الأسعار التأشيرية للمحاصيل الزراعية والخضار بارقة أمل ننتظر نتائجها من أجل غلة إنتاجية زراعية وافرة.
محمد فرحة