منافسة ساخنة بين الأزواج على ساحة الطموحات.. ومعاناة أسرية تحت ضغط إثبات الذات!

منافسة ساخنة بين الأزواج على ساحة الطموحات.. ومعاناة أسرية تحت ضغط إثبات الذات!

أخبار سورية

الجمعة، ٢٨ يوليو ٢٠١٧

لا يمضي يوم دون أن نتدخل لحل الخلافات التي تراكمت في حياتهم الزوجية، ولفض ذلك النزاع الأبدي بين منى، وهي المرأة المتعلّمة العاملة التي تمتلك عقلية منفتحة على الآخرين، وموهبة شعرية تعكس شخصيتها العاطفية الحالمة، والباحثة في عالم الخيال عن حياتها الزوجية المفقودة في غياهب الصدمة من شخصية الشريك المغلقة التي لا تتقبل شخصيتها المستقلة، ورأيها كمتعلّمة، ومربية أجيال مؤمنة بقدراتها، ونديتها للمجتمع الذكوري القائمة على قاعدة: “خل الشوارب على جنب”، وسامر “الزوج”، وهو الشخص العملي الذي لا يعرف سوى المطرقة والسندان، وكلام صاحب المهنة الذي أتقن فن تطويع الحديد، ولوي وكسر صلابته، إنه الحداد الذي تعكس خشونة يديه طبيعة مشاعره القاسية، وفهمه للحياة من باب الجد والمثابرة، والتعامل مع الواقع بعقلية 1+1=2، وهنا لا مكان للعواطف أو الكلام الفارغ الذي تتشدق به زوجته “ثرثرة المتعلّمات” كما يقول، ويجب زجرها، ولجم الترهات التي تتكلم بها، وتحييد علمها وثقافتها المزعومة بوجوده، وكل ما عليها أن تثابر لترضيه، وتقدم له فروض الطاعة كأي زوجة صالحة!.

وطبعاً صلة القربى بين منى وسامر هي أساس العلاقة التي جمعت بينهما تحت سقف واحد، ولكن منذ اليوم الأول لم تعرف حياتهما الهدوء والسكينة، فالهرة التي تستخدم لتطويع الزوجة في الليلة الأولى، كما هو متعارف عليه، مازالت حية ترزق، لم يقطع رأسها، ولن يقطع بحضور الطموح الأنثوي، رغم كل المحاولات، بل على العكس تعج البيوت بنوائها، وهي تراقب وتشهد في كل يوم معركة زوجية تكاد تكون واحدة وعامة في حياة الزوجة المتعلّمة، والزوج غير المتعلّم، وبالعكس!.

قصص أخرى

في كل يوم يتعرّض مطبخها لهجوم مباغت، ولأتفه الأسباب، حيث تبدأ معركة الصحون الطائرة رداً على أي رأي أو اعتراض على كلمة ما، أو تصرف لا يخرج من دائرة الخطأ، ولا شك في أن هذه الحياة التي تعيشها سعاد ليست بالجديدة، بل بدأت مع المحاولة الناجحة التي بدأ بها زوجها لمنعها من إكمال دراستها الجامعية في كلية التربية، ونجاح المحاولة نال أيضاً موافقة الأب الذي يؤمن بأن المرأة لخدمة زوجها وأولادها فقط!.

ومنع سعاد من إكمال السنة الأخيرة يعود في رأيها لمخاوف زوجها من فكرة تفوقها عليه في التعليم، فهو حاصل على الشهادة الثانوية التي أهّلته ليكون موظفاً في إحدى الدوائر العقارية، وقد قرأت ذلك في الكثير من المشاجرات التي جرت بينهما، حيث كان يقول لها: “لن أسمح لك بالتفوق وبس آخد أنا الجامعة، وقتها بفكر خليك تكملي دراستك”، والخطورة في حياة سعاد أنها تكمن في محاولات زوجها لإهانتها أمام الناس، والتقليل من قيمتها، وافتعال المشاكل بسبب أو دون سبب، وأنهت سعاد كلامها: “ظننت أنه سينفذ وعوده لي أثناء الخطبة، وأنني سأكمل دراستي، ولكنه الآن يثور عندما يراني أحمل كتاباً، حتى ولو كان ذلك لتعليم الأولاد ومساعدتهم في واجباتهم، وليقطع علي الطريق قام بتسجيلهم في معاهد خاصة لمتابعتهم يومياً”.

 

لماذا تهتم بشكلي؟!

قصة الصيدلاني اياد، المقيم في الإمارات، مختلفة في تفاصيلها عن القصص السابقة، حيث أراد أن تتفرغ زوجته لتربية أولاده، وخاصة في الغربة، فهو يحتاج إلى ربة منزل تنسيه غربته، ولذلك كان لأمه الدور الأكبر في اختيار شريكته التي كانت قريبة إلى المواصفات التي طلبها، فهي غير متعلّمة، وجميلة، ومن عائلة معروفة، ولكن هذه الشروط تبخرت قيمتها خلال الأيام الأولى لزواجه، فهو يتكلم بالعلم، وبالتقنية الحديثة، وهي مشغولة بالجمال، والأناقة، ووصفات التنحيف، ويوماً بعد يوم ازدادت القطيعة المعرفية بينهما، وتسللت العزلة إلى حياتهما الزوجية، وكان كما قال لنا: “يحكيها من الشرق فتجاوبه من الغرب”، والصدمة الأكبر كانت في خلخلة العلاقة مع الأصدقاء، وزوجاتهم المتعلّمات، وهذا ما عزز شعور النقص لديه، ودفعه للانكفاء، وقطع الكثير من علاقاته، اتقاء للمواقف المحرجة التي كانت تضعه فيها زوجته التي لا تمتلك في رأيه أي فكر، أو ثقافة سوى لغة الجسد، واهتمامات المرأة التقليدية السطحية، حتى في طريقة تعاطيها مع أولادها وتربيتهم!.

متناقضات ناجحة

في بيوت أخرى نابضة بالحب والرقي، نجد أن القدر جمع بين شركاء من بيئات مختلفة، وبمستويات تعليمية متباينة، وبشكل كبير، فزوج هيفاء، العامل في مهنة الحلاقة، لم يشعر بالفرق بينه وبين زوجته المتعلّمة والموظفة، فلكل إنسان مهمة ودور في هذه الحياة التي لا فرق فيها بين المرأة والرجل إلا من حيث العطاء، ومسألة التعليم بالنسبة لهذه العائلة هي حالة مهمة بالنسبة للأولاد، وضرورية للمستقبل، ولكنها لا تحمل صفة الأولوية بالعلاقة الزوجية التي تبنى بالحب، والتشاركية الخالية من العقد، والحواجز، والإيمان بالشريك، وشخصيته المتميزة، وطبعاً هيفاء التي ترى في زوجها المثقف الذي لا يستطيع أي متعلّم منافسته بالمعلومات والثقافة، فقد فرضت عليه الحياة وظروف أهله أن يكون غير متعلّم، لكنه يقرأ الصحف، ويمتلك فكراً حراً، ويطالع الكثير من الكتب،  ولا يتوانى في تحفيزها وتشجيعها على متابعة تحصيلها العلمي العالي، وإكمال رسالة الماجستير في الكيمياء: “الوعي والتفاهم أساس زواجنا، لم يبن على توقيع شراكات، وتقييم كفاءات”.

مساعدة الشريك

لم تقف العادات والتقاليد في طريق أفكاره، فقد تزوج حسان، وهو المخبري الناجح، من ابنة عمه غير المتعلّمة، وقد استطاع، كما يدعي، أن يقرّب المسافة العلمية والثقافية معها، فهو يؤمن بأنه يمكن التغاضي عن تشاركية الأفكار، والاهتمام، والميول، حتى في المواهب لفترة محددة، ولكن بشرط الرغبة المشتركة القائمة على الحب بين الطرفين، والإصرار على متابعة الحياة الزوجية، والعمل المتواصل على تنمية وتدعيم ثقافة كلا الشريكين، وتحفيز الشريك غير المتعلّم، وتشجيعه على القراءة والمطالعة، وعلى استخدام الحاسوب، وكل ما يفيده لرفع حالته الثقافية.

ويدافع حسان عن فكرة أنه ليس كل متعلم مثقفاً، والعكس صحيح، وهناك أمثلة كثيرة تكون فيها حياة صاحب العلم فاشلة بامتياز من كافة النواحي فالكثير من  المتعلمين يبتعدون عن المطالعة والقراءة وحالة تثقيف الذات بمجرد إنهاء المرحلة التعليمية بكل مستوياتها، فنجدهم غير ملمين بما يحدث من مجريات الأمور من تطور فكري وعلمي وثقافي.

قبل الزواج

في كلية الآداب وفي مقصف كلية الصحافة تحديداً جلسنا مع هلا وريا ولين ومحمود وخالد على إحدى الطاولات وهم من كليات مختلفة تجمع بين بعضهم أيام دراسة سابقة وعلاقات صداقة وزمالة جامعية حيث تعاركت الأفكار والأحلام المتناقضة في حوار ابتدأته لين  بالقول “مابدي متعلم ولابدي عقل بدي رجل مكتنز (مقتدر مالياً) يستطيع تلبية كل حاجات وكماليات الحياة الزوجية بعيداً عن التعليم” وطبعاً كان هذا الكلام موجهاً بحسب النظرات والحركات نحو خالد الذي لم يتوان بالرد (هذا تفكير البنت السطحية التي لاتعرف قيمة العلم والرجل المتعلم) وهنا تدخلت هلا لتقطع خط النظرات الساخن بين لين وخالد بكلمات حاسمة وواثقة: “لقد رفضت كل من تقدم لخطبتي لأن معظمهم  غير متعلم ولا أقتنع بأن المال وحده يحيي الإنسان فالرجل المتكامل والمناسب علمياً وفكرياً من الصعب إيجاده”.

وفي زحمة النظرات والمعاكسات الكلامية جاءت عبارات محمود: (سيد راسي، هي العبارة التي أحب أن أسمعها من زوجتي المستقبلية، وواجب الزوجة المثالية هي تربية الأطفال وتعليمهم وخدمة زوجها بلا تعليم وبلا وظيفة ووجع رأس) وهذه  العبارات المعبرة عن رأي حقيقي واقتناع تام أجهزت على جدية الحوار الذي انتهى بضحكات شبابية عالية استفزت بنات حواء اللواتي لم يكن ردهن متوقعاً فقد استخدمن قنينة المياه لتفريق تلك الوجوه الضاحكة.

ومايثير الغرابة أن أكثر الذين استطلعنا رأيهم في الجامعة كانوا يتحدثون بمنطق متناقض فهم يرغبون بالمرأة الموظفة ويسعون للارتباط بها ولكنهم  في الوقت ذاته لايؤمنون بنجاح الزواج من المرأة المتعلمة، وبالعكس على اعتبار أن العلاقة بينهما تكون مشحونة بالندية التي يصعب تقبلها من كلا الطرفين.

تداعيات الشخصية

ماري خوري رئيسة اللجنة العاملة في الاتحاد العام لنقابات العمال اتفقت مع رأي الباحثة الاجتماعية هند زين التي ترى في العلم أحد المعايير الاجتماعية المهمة التي تبنى عليها الحياة السليمة بين الزوجين فلابد من التوافق الفكري والمستوى التعليمي بينهما لكي لا تخلق مشكلات مستقبلية تتعلق بإرضاء الذات، فالمرأة لا تشعر بالنقص إن وصل زوجها إلى مستوى تعليمي أعلى منها بينما الرجل يشعر بالنقص وقد تتشكل لديه (عقدة) إن كانت زوجته أكثر تعليماً منه..

كما اتفقتا على أن المستوى المادي لا يشكل دوراً مهماً بين الزوجين كما هو حال العلم لأن المال حالة تشاركية في الأسرة الواحدة بينما العلم نابع من شخصية المرء الذي أثبت نفسه وجدارته في الوصول إلى المستوى والطموح الذي يبتغيه..

ماذا تقول الدراسات؟

العديد من الدراسات الاجتماعية التي قام بها علماء الاجتماع والخبراء في زواج المتعلمات من المتعلمين أو العكس تتفق على أن الشعور بالنقص لا يتوقف عند المتعلمين فحسب بل عند زواج أصحاب الحرف والأعمال والتجارة أيضاً، فغيرة الرجل من نجاح المرأة ليست جديدة بل واضحة عبر التاريخ ومنذ أن أكل آدم تفاحة حواء خاصة أن المرأة تشهد تقدماً على جميع المستويات ولا يقف شعور النقص عند الرجل غير المتعلم أمام تعليم المرأة فقط بل عند نجاحها بعملها أو نجاحها بحياتها الاجتماعية.

وهذه القاعدة لايمكن تعميمها  على العلاقات الزوجية كافة فهناك علاقات استطاعت النجاح وتحقيق التكامل والتخلص من تداعيات الصراع التاريخي بين الرجل والمرأة لإثبات الذات، وبأسلحته المعروفة كالغيرة من التفوق الذي يضع الكثيرات أمام خيارين ترك دراستها وإيقاف مستقبلها عند نقطة الصفر الثقافي، وبالتالي حرمانها من العمل ومن فرصة إثبات ذاتها كشريك حقيقي وكسر عضويتها في المجتمع وملاحقة مستقبلها بصفة الضلع القاصر، أو اختيار إكمال المسيرة التعليمية وبالتالي تحقيق وجودها الفاعل والتخلص من عقدة الذكورة، وغالباً ماتكون المحصلة الحرمان من الحياة الزوجية ومشاعر الأمومة والتعرض لانتقادات المجتمع الذكوري.

وبعكس حال الكثير من العلاقات داخل المجتمع، يؤكد علماء الاجتماع أن التعليم لكلا الزوجين يزيد من نسب التفاهم ويقوي العلاقة الزوجية والفكرية بينهما ويستطيعان بتر الخلافات الزوجية إلى أدنى درجة ممكنة نتيجة الثقة وعدم الشك بأن كلا الزوجين يعبر عن رأيه وحقه وواجبه دون إجحاف بحق الآخر.

ويجد علماء الاجتماع أن الغيرة والشعور بالنقص لدى الأزواج الأقل تعليماً من المرأة واضحة، ولكن بنسب مختلفة تلعب البيئة الاجتماعية دورها فيها، والمرأة تشعر بالغيرة من تفوق الرجل لكنها لا تظهر كما الرجل نتيجة طبيعة الرجل الشرقي المنفعل.

من بيادر الزوجية

تبرئة العلاقة بين الرجل والمرأة من أزلية التفاحة وأحكامها الغيبية المطلقة تحتاج إلى جهود كبيرة وتعاون متواصل بين المجتمع الأهلي ورجال الدين، والجهات التربوية التي تتشارك فيما بينها مسؤولية كسر تلك المفاهيم والعادات وتحييد الحالات الإيمانية الخاطئة التي مازالت تلعب على وتر التمييز بين بنات حواء ذوات العقل الناقص وأبناء آدم الممنوحين الولاية.

ولكن بالمحصلة هناك الكثير من النقاط التي ستبقى في حكم الجدلية نظراً لخضوعها لسيرورة الحياة البشرية وعلاقاتها الإنسانية التي يحكمها الفشل والنجاح في وقت واحد، وهذا يعود لشخصية الإنسان وتكوينه الفكري، وهذا مايصعب عملية الحكم على نجاح أو فشل العلاقة الزوجية التي تربط بين المتعلم وغير المتعلمة وبالعكس.