اقتصاد من نوع خاص.. الاستعاضة عن تطبيق الأنظمة المولّدة للأزمات البيئية بأخرى تمنع وقوعها

اقتصاد من نوع خاص.. الاستعاضة عن تطبيق الأنظمة المولّدة للأزمات البيئية بأخرى تمنع وقوعها

أخبار سورية

الأحد، ٣٠ يوليو ٢٠١٧

لعل ثمّة عوامل بدأت تضغط باتجاه تبني مفهوم “الاقتصاد الأخضر” وتتعلق بالدرجة الأولى بمستقبل الزراعة المهدّد من المنعكسات البيئية غير المواتية لهذا القطاع، وقد أشارت دراسة صادرة عن المركز الوطني للسياسات الزراعية بهذا الخصوص إلى هذه المنعكسات المتمثلة بالخسارة المستمرة للتنوع الحيوي وأنظمته، واستهلاك وتآكل المغذيات في الجزء العلوي من التربة، واستمرار ندرة المياه العذبة، وتفاقم تلوّث المياه بسبب الإدارة السيئة للمغذيات، وطرح وتحرير الكيميائيات الضارة والفضلات والانبعاث الغازي وظاهرة البيت الزجاجي.

المتضرر الأول

وبيّنت الدراسة التي –حصلت “البعث” على نسخة منها- أن الزراعة هي المتضرر الأول من التغيّرات المناخية ولكنها بالمقابل أحد كبار المساهمين فيها “تساهم الزراعة بحوالي 17% – 32% من الانبعاث الغازي العالمي”. ومن جهة أخرى فإن الحاجة إلى الطاقة ستزيد بنسبة 40% ومن الآن حتى عام 2030، ما سيفاقم تدهور البيئة بأشكال متعددة وهي المتدهورة أصلاً، بالتالي فإن الاعتماد على موارد الطاقة غير المتجددة سيزيد بنسبة 65% حتى عام 2035، وسيضع العالم على مسار حتمي خلال خمس سنوات من تاريخه بحيث تزيد حرارة الكوكب درجتين مع نهاية القرن الحالي. لذلك الحل الوحيد لمنع هذا السيناريو الكارثي من الحدوث هو جعل كل الاحتياجات الطاقية المستقبلية من نوع صفر كربون “طاقة نظيفة”، وبالنتيجة فإن التحدي الرئيسي المزدوج هو الحاجة الماسة إلى تخفيض الانبعاث الغازي لتجنب التأثيرات الرهيبة للدفيئة العالمية، والحاجة الماسة أيضاً إلى زيادة إنتاجية الموارد الطبيعية المتاحة لمواجهة الطلب غير المسبوق على المياه النظيفة والغذاء والتنمية.

مقاربة

وبيّن معدّ الدراسة المهندس محمود ببيلي أن هناك عوامل عديدة دفعت مفهوم الاقتصاد الأخضر باتجاهات مختلفة، منها عدم الاستقرار في الأسواق التجارية العالمية ولاسيما أسواق النفط وأزمات الغذاء وارتفاع أسعاره، والتأثير المتوقع للتغيرات المناخية في الوجود البشري، مشيراً في تصريح خاص لـ”البعث” إلى أن مقاربة مفهوم الاقتصاد الأخضر تتعلق بمن هو المستفيد منه، بمعنى أنه في ظل عدم وجود تعريف موحّد متفق عليه لمفهوم الاقتصاد الأخضر، إلا أن تعريف البرنامج البيئي للأمم المتحدة يبقى الأكثر انتشاراً وقبولاً بين الاقتصاديين البيئيين، وحسب البرنامج فإن الاقتصاد الأخضر هو ذلك الاقتصاد الذي ينتج تحسّناً في الرفاهية البشرية والعدالة الاجتماعية، ويقلل بشكل كبير من المخاطر البيئية والندرة الحيوية، مبيّناً أن التحول إلى الاقتصاد الأخضر هو تحوّل من تطبيق الأنظمة التي تسمح وأحياناً تولّد الأزمات البيئية، إلى تطبيق النظام الذي يرصد بفعالية تلك الأزمات ويمنع وقوعها، فهو تكامل بين البيئة والاقتصاد، بدل أن يكون في موضع مقايضة، أي أنه أسلوب مصالحة بين البيئة والاقتصاد.

نهضة تقنية

إن التحوّل الاقتصادي –من حيث المبدأ- هو دائماً عملية تغيير بنيوية، لذلك لابد من إحداث تغييرات فعلية في أنماط الإنتاج والاستهلاك لتحقيق هدف التحول إلى الاقتصاد الأخضر، فهذا الاقتصاد هو أشبه بنهضة تقنية جديدة. وبيّن ببيلي أن الاقتصاد الأخضر يجب ألا يكون مجرد “أمنيات خضراء” للاقتصاد، ففضلاً عن تحسين الأداء البيئي للاقتصاد وتحقيق الاستدامة البيئية يجب على الاقتصاد الأخضر أن يكون شاملاً ومقاداً بالتنمية وراصداً للاختلالات المعاصرة الاقتصادية منها والاجتماعية المحلية والإقليمية، ويجب على هذا الاقتصاد أن يحسّن ظروف المعيشة من خلال توليد فرص عمل جديدة للفئات الفقيرة وتحسين إمكانية دخولهم إلى الخدمات الأساسية كالطاقة والماء والسكن والنقل والاتصالات والعناية الصحية والتعليم. فهذا الاقتصاد بالنتيجة يدعو إلى التزام واضح بتنمية فعّالة بهدف تحقيق تحول أخضر موزع بعدالة على كل الفئات السكانية.

تكامل

وأضاف ببيلي: إن الاقتصاد الأخضر يتحقق من خلال تصميم برامج استثمار وطنية شاملة في مجال الطاقة النظيفة وكفاءة الطاقة وإدارة المياه والزراعة المتحمّلة للظروف المناخية المعيقة، وبالتالي فإنه يحتاج إلى شراكة بين القطاعين العام والخاص لأن القطاع الخاص لا ينجذب بسهولة لمثل هذه المشاريع. وبيّن ببيلي أنه في الوقت الحالي لا توجد عالمياً استثمارات خاصة كبيرة في هذه المجالات بسبب عامل المخاطرة من جهة ولأن فكرة الاقتصاد الأخضر جديدة نسبياً من جهة أخرى، لكن يمكن التقدم باتجاه الاقتصاد الأخضر من خلال مبادرات مشتركة بين القطاعين العام والخاص كالتشاركية التي أعلنت عنها الحكومة السورية وتوجيه الاستثمارات الحكومية نحو المشاريع غير الجذابة مثل مشاريع البنى التحتية للاقتصاد الأخضر لتوطيد ثقة القطاع الخاص وتشجيعه على المشاركة. وأشار ببيلي إلى أن ثمة شروطاً لتحقيق التكامل بين سياسات الاقتصاد الأخضر والفرص التجارية تتمثل بالاستثمار والإنفاق، الذي يشمل الاستثمار الحكومي في البنى التحتية الاقتصادية المفتاحية والمساعدات التقنية وبرامج الدخول إلى الموارد المستدامة كتوليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، وترشيد الدعم الحكومي بحيث يبتعد عن تشجيع الإنتاج والتجارة غير المستدامة كتجارة الأسماك المبنية على الصيد الجائر.

حسن النابلسي