كيف نعيد الغلال إلى البيادر؟ الأمن الغذائي.. بوصلة الاستراتيجية الزراعية.. وتوفير المستلزمات أولى الخطوات

كيف نعيد الغلال إلى البيادر؟ الأمن الغذائي.. بوصلة الاستراتيجية الزراعية.. وتوفير المستلزمات أولى الخطوات

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٣ أغسطس ٢٠١٧

ألحقت المتغيرات المناخية منذ بداية الألفية الثانية وحتى الآن أضراراً بالغة لجهة النقص الحاد في المنتج الزراعي الغذائي مترافقاً بنمو سكاني متزايد، اختل فيه التوازن بين الحاجة الفعلية للاستهلاك، وبين ما هو متاح من هذا الغذاء، فمن يقرأ جيداً وبإمعان الإحصائيات والأرقام الإنتاجية الزراعية الحقيقية يدرك جيداً بأن كل الاهتمام للمرحلة القادمة يجب أن ينصب نحو زيادة الغلة الإنتاجية الزراعية الغذائية والصناعية بشقيها النباتي والحيواني.

ولمن يشكك بصحة وصوابية ما نقوله، فليعد إلى المركزي للإحصاء المخول الوحيد بإعطاء الأرقام الإحصائية، ويدقق ما كنا ننتجه من غلة زراعية  وفيرة، بل فائض إنتاج، وبين ما ننتجه منذ سنوات يدرك جيداً الفارق الكبير، وكيف أهمل القطاع الزراعي، حيث لم يلق الدعم والاهتمام  المطلوبين، فمن خمسة ملايين طن من القمح قبل الأزمة ونصفها مع بداية الأزمة إلى أقل من 275 ألف طن هذا العام.

قد تكون الأزمة الدائرة في البلد سبباً جوهرياً، لكنها مقنعة في بعض المحافظات، وغير مقنعة في بعضها الآخر، بل قال وزير الزراعة قبل شهر من الآن: إن زيادة كبيرة قد طرأت على الخطة الزراعية لجهة محصول القمح، وهذا بالتالي من المفترض زيادة الغلة وفقاً لعملية حسابية، وكل من يتابع تصريحات المسؤولين، كان يشتم منها الرغبة في استيراد القمح خير من زراعته، حيث يباع سعر الكيلو مستورداً بمئة ليرة، في حين تدفع الحكومة 140 ليرة للمزارعين بسعر الكيلو الواحد، رغم أن عملية الاستيراد في ارتهان للخارج، بينما الإنتاج المحلي يشكّل حالة من الاستقرار والطمأنينة للمزارعين، ويسهم في تشغيل حوالي 26 بالمئة من السكان لدينا.

والآن كل هذه الظروف آخذة في التغيير، فالموارد الطبيعية الزراعية المطلوبة للمزيد من الاستثمار لم تعد متاحة، بل إن المستثمرين فيها بالنسبة للفرد آخذ في التآكل نتيجة لاستمرار الزيادة السكانية ومستقبل إمدادات الغذاء.

فكيف لنا أن نعيد للقطاع الزراعي مجده الذي فقده، وفقد العاملون فيه الرغبة للمضي به قدماً، ما بات يهدد أمننا الغذائي، فالكل يتحدث عن هذا القطاع، وهو الحاضر دائماً على طاولات المعنيين، إذاً لماذا لا نرى نتائج ذلك على أرض الواقع؟.

أمننا الغذائي بأيدينا

الخبير الزراعي المدير العام للهيئة العامة لإدارة تطوير سهل الغاب المهندس غازي العزي، قال: إن الأمن الغذائي لأي وطن هو قضية محورية وجوهرية، لا يمكن تركها للظروف المتغيرة التي تشي، كما نلاحظ، وقائعها بأنها غير مطمئنة وغير آمنة، لقد طالبنا عدة مرات، وفي كل الاجتماعات الزراعية وغير الزراعية، بضرورة التركيز على القطاع الزراعي، فهو العربة الأولى في قطار الاقتصاد المحلي لدينا، وهذا لا ينتعش إلا بعدة شروط، يأتي في مقدمتها إعادة النظر بأسعار التكاليف بشكل دائم، وتأمين المستلزمات قبل فوات الأوان، وترك هامش ربح مغر للمزارعين، وهذا لا يتحقق إلا بالتقصي الحقيقي والفعلي مع المزارعين والعاملين في الحقول الإنتاجية الزراعية وليس المكتبية.

فعندما ينشغل الناس بقوت يومهم، يعتبر ذلك حالة من حالات القلق، وتبرز هنا المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بصورة أكثر حدة، ومن البديهي أن تحقيق الأمن الغذائي يستلزم بالضرورة تنمية زراعية شاملة ومستدامة والارتقاء بالقطاع الزراعي، كونه مصدراً للرزق، ولم يعد هناك طعام مجاني ورخيص لدى كل دول العالم.

المهندس مشهور أحمد خبير صناعات غذائية، قال: إن واقع  القطاع الزراعي وتراجع الإنتاج فيه يثبت أنه لم يعد هو الأولوية إلا بالأحاديث والتصريحات، ولو كان الأمر غير ذلك لكان الوضع  مختلفاً، ومن هنا نرى ضرورة التركيز، وبفكر منفتح، وبمزيد من الاهتمام على جميع مناطق القطر، وخاصة المهمل منها، فقد تحتوي على فرص للتنمية أكبر مما هو ظاهر شريطة أن تدرس بشكل علمي بعيداً عن الفكر التقليدي السائد.

البحوث الحاضرة الغائبة

أحد المهندسين الذين عملوا طويلاً في مجال البحوث العلمية الزراعية قال: لقد جرت العادة على احتساب مدى التقدم في البحوث الزراعية بحساب مقدار الزيادة في إنتاجية الدونم أو الفدان، بمعنى أوضح أي الإنتاج لوحدة المساحة، أو مدى خفض تكاليف الإنتاج، والمعياران صحيحان.

وأضاف متسائلاً: أين البحوث العلمية الزراعية من كل ما يلحق بزراعتنا من تدني الإنتاجية، والأصناف المقاومة للأمراض؟ فلا يتناسب ما يقدم للبحث العلمي الزراعي مع ما هو منتج على الأرض في الحقل، وساق مثالاً: مازال إنتاج الدونم الواحد من القمح يتراوح بين الـ 250- 300 كغ، لذلك نتساءل مجدداً، ومازال الكلام للمهندس: هل حقق البحث العلمي الزراعي لدينا أياً من هذين المعيارين؟ مشيراً إلى أنه لا يكفي تخصيص الاعتمادات اللازمة لهذه البحوث، إنما الأهم من ذلك هو رغبة القائمين على هذه البحوث في العمل، وتطويره بما يتناسب والدعم المقدم له.

مازال القطاع الزراعي بخير

المهندس رفيق عاقل، عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة في محافظة حماة، قال: رغم كل ما لحق بالقطاع الزراعي من خراب، وإيقاف مشروع الري الحديث وتخريبه، ورغم ارتفاع تكاليف الإنتاج، وغياب الأسمدة لهذا العام، والمحروقات، أستطيع القول: إن القطاع الزراعي مازال مميزاً لجهة الإنتاجية، ويكفي أن تطلع على حالة الأسواق.

وأضاف عاقل: صحيح أن المزارعين لم يحققوا ما يصبون إليه من هامش الربح، بل لحقت بهم الخسائر الكبيرة بسبب السياسة السعرية غير المناسبة، مثال على ذلك تراجع زراعة القمح والشوندر، والتوجه نحو زراعات أخرى أقل تكلفة، وأكثر ريعية.

في حين قال فراس منصرم، مزارع ومربي ثروة حيوانية: لم تعد تلك البهجة للقطاع الزراعي، كنا نغرق المستودعات بمخزون القمح والشعير والذرة الصفراء، أين هذه الإنتاجية الآن؟ لقد تأذى القطاع الزراعي من الأزمة، حيث تراجع الاهتمام بالثروة الحيوانية بشكل واضح بسبب ارتفاع أسعار المادة العلفية، ولم يقدم لهذا القطاع ما يستحقه من اهتمام، ثم إننا نسمع دائماً بأن الحكومة مهتمة بالقطاع الزراعي، فكيف لنا أن نرى ذلك إن لم يكن على أرض الواقع؟!.

رئيس قسم الإنتاج النباتي في هيئة تطوير الغاب، المهندس وفيق زروف قال: لتراجع القطاع الزراعي عدة أسباب، يأتي في مقدمتها ارتفاع تكاليف الإنتاج، ودون أخذ هذه المسألة كأولوية من قبل الحكومة طيلة سنوات الأزمة، ولكنها الآن تدرك أن الفجوة كبيرة ما بين التكاليف والأسعار الحكومية، ولذلك  قرر مجلس الوزراء تكليف وزارتي الزراعة، والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، واتحاد الفلاحين بتحديد السعر التأشيري، وبشكل يسهم في تحصين الأمن الغذائي الذي ينصب اهتمام كل العالم على الجانب الغذائي بحثاً عن الاكتفاء الذاتي.

بالمحصلة

أمننا الغذائي مازال محصناً، ولكننا نريد زيادة غلته، ووفرة اقتصادنا، ورغم تراجع قطاعنا الزراعي، مازال البحث العلمي الزراعي على الرف، فهل يمكن تحقيق التنمية الزراعية، والارتقاء بالإنتاجية والإنتاج الزراعي الكلي للوفاء باحتياجات السكان، وتحسين معيشة العاملين في هذا القطاع، فمتطلبات استدامة التنمية الزراعية تعني توفير مستلزمات الإنتاج، وإتاحتها للمنتج الزراعي بسهولة ويسر، وعلى جميع المعنيين أن يولوا هذا القطاع كل العناية الفائقة، فالخسائر المتلاحقة بالمزارعين، وارتفاع أسعار التكلفة من شأنهما أن يقللا من عدد العاملين بالزراعة في الوقت الذي نريده، العكس تماماً، فإنتاج القمح محلياً خير من استيراده مهما كان فارق السعر لصالح المستورد، ونرى من الأهمية بمكان أنه يجب التحضير للموسم الزراعي القادم منذ الآن، وتوفير كل مستلزماته، وبغير ذلك ستضيع كل الجهود والمحاولات.

محمد فرحة