مدنيّو الرقة: «الأمم» استيقظت أخيراً!

مدنيّو الرقة: «الأمم» استيقظت أخيراً!

أخبار سورية

الجمعة، ٢٥ أغسطس ٢٠١٧

بعد أكثر من تسعة أشهر من المعارك وشهور أطول من القصف الجوي، وبعد استشهاد الآلاف منهم وتناقص أعدادهم من مئات الآلاف إلى حوالى عشرين ألفاً، اكتشفت الأمم المتحدة أخيراً وجود مدنيين في الرقّة، ودعت إلى «هدنة إنسانيّة» كرمى لهم. وثمة علامات استفهام كثيرة تُطرح في ملف معركة الرقة، على رأسها الفوارق الهائلة في تقديرات أعدادهم والفجوات بين التقديرات والأرقام الرسمية للنازحين

قبل تسعة أشهر ونصف شهر أعلنت قوّات «التحالف الدولي» بدء معركة «تحرير الرقّة»، وكانت التقديرات بخصوص أعداد المدنيين فيها متباينة حينها (ما بين خمسمائة ألف وثمانمائة ألف). قبلها بستة أشهر (أيّار 2016) كانت معارك ريف الرقة الشمالي مستعرةً، وكانت وكالة «الأناضول» التركيّة تؤكّد أن عدد المدنيين في الرقة «أكثر من مليون». أخيراً تنبّهت الأمم المتحدة إلى هذا «التفصيل»، لتدعو أمس إلى «هدنة إنسانيّة» للسماح لقرابة «20 ألف مدني محاصرين في الرقّة بالخروج منها».

وزادت على ذلك «حثّ التحالف بقيادة الولايات المتحدة على تحجيم ضرباته الجويّة التي أسقطت ضحايا بالفعل»، وفقاً لوكالة «رويترز». وقال مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، يان إيجلاند، في تصريحات صحافية في جنيف، «دعوتنا الملحة اليوم لأعضاء قوة المهام الإنسانية: المطلوب أن تبذلوا كل ما في وسعكم لتمكين الناس من الخروج من الرقة». وأضاف «هناك قصف مكثف من قوات سوريا الديمقراطية التي تطوّق المنطقة، وهناك غارات جوية مستمرة من التحالف. لذلك فإن أعداد الضحايا المدنيين كبيرة، ولا يبدو أن هناك مخرجاً حقيقياً لهؤلاء المدنيين».


«الاستيقاظ» الأممي على مسألة وجود المدنيين في الرقّة كان قد بدأ قبل يومين، عبر إدانة متأخرة جدّاً لسقوط مدنيين بنيران «التحالف»، على لسان المتحدث الرسمي باسم الأمين العام («الأخبار»، العدد 3275). وجاء بالتزامن بيان صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة يعرب عن «القلق» إزاء «عدد المدنيين الكبير ممن قيل إنهم لقوا حتفهم». المفارقة أن البيان «الإنساني» المذكور وصف (حرفيّاً) أنباء سقوط المدنيين بـ«التقارير غير المؤكدة». أمس، انضمّت منظمة العفو الدولية (إمنيستي) إلى حفلة القلق، عبر بيان أكّدت فيه أنّ «اعتماد التحالف بقيادة الولايات المتحدة على الصواريخ غير الموجهة في حملته في الرقة يؤدي إلى خسائر كبيرة في المدنيين»، مشيرة إلى توثيقها «خمسة وتسعين مدنيّاً قُتلوا في شهري حزيران وتموز بنيران التحالف».

أرقام ومفارقات

وعلى أهميّة الدعوة إلى «هدنة إنسانيّة»، فإن إشارات استفهام كثيرة تطرح نفسها لدى الحديث عن أعداد المدنيين في الرقة منذ بدء «حملة التحرير» حتى اليوم، كذلك تنسحب تلك الإشارات على الحملة وملابساتها بشكل عام. في لغة الأرقام، توحي بيانات مختلف المنظمات الأممية بأنّ عديد سكان الرقة إبّان بدء المعركة لم يتجاوز حاجز المئة ألف مدنيّ. وعلى سبيل المثال، يشير البيان الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي، عن «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة» (أوتشا)، إلى أنّ عدد النازحين من مدينة الرقة منذ بدء حملة «غضب الفرات» يُقدّر بـ«نحو خمسة وسبعين ألف شخص»، فيما لا يزال «ما يقدّر بـ18 إلى 25 ألف مدني محاصرين». البيان نفسه قدّر أعداد النازحين من محافظة الرقة بالعموم منذ بدء الحملة (تشرين الثاني) بـ«أكثر من 271 ألفاً»، فيما كان تقرير سابقٌ للجهة ذاتها قد أكّد أن عدد نازحي الرقة (المحافظة) بين نيسان وحزيران قد قارب 185 ألفاً («الأخبار»، العدد 3218). بعملية حسابية بسيطة، يتضح أن عدد سكان مدينة الرقة من المدنيين، وفقاً للأرقام الأممية، كان إبّان بدء الحملة نحو مئة ألف، نزح ثلاثة أرباعهم وحوصر ربعهم. ورغم أن الأرقام الأممية تعتمد على عدد النازحين المسجلين رسمياً، غير أنّ الفارق بين أعداد المدنيين قبل بدء «غضب الفرات»، وفقاً لمعظم التقديرات، وما سجّلته الأمم، يبدو هائلاً، ويعني أن قرابة نصف مليون على الأقل قد غادروا الرقة من دون حاجة إلى المرور بالمخيمات ولا الاستعانة بأي منظمة إنسانيّة (وهو أمرٌ مخالف للمنطق). ومن المفارقات اللافتة أن «التحالف الدولي» كان قد أعلن عن أرقام تتجاوز الـ75 ألفاً (الذي أوردته المنظمات الأممية) بكثير. ووفقاً لـ«التحالف»، حتى مطلع حزيران كان «نحو مئتي ألف شخص قد فرّوا من المدينة قبل بدء معارك تحريرها». ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية حينها عن الكولونيل راين ديلون قوله، في مؤتمر عبر الدائرة المغلقة من بغداد، إن «عدد النازحين من الرقة ارتفع إلى 200 ألف، بينهم 92 ألفاً باتوا في مخيمات للنازحين»!
حملة متعثرة؟
من بين علامات الاستفهام التي تفرض نفسها في شأن معركة مدينة الرقة، يبرز التعثّر غير المفهوم للحملة، والذي لم تتطرّق أيّ مصادر إلى أسبابه بشكل واضح، باستثناء الكلام العام عن صعوبة المعركة وتمترس «داعش» في الأحياء. وفي منتصف آب الجاري، كان المتحدث باسم «التحالف» رايان ديلون قد أكّد أن «قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على 55% من مدينة الرقة، وهي تواصل التقدم والضغط على الرغم من كثافة السكان والعبوات الناسفة التي زرعها داعش». المتحدث أكّد حينها أنّ «عدد مقاتلي التنظيم الإرهابي قد تقلص في المدينة إلى أقل من 2500». قبلها بخمسة أشهر (آذار) كان المتحدث باسم «التحالف» جون دوريان يؤكد أن «عدد مقاتلي داعش في الرقة يراوح بين 3 و4 آلاف»، ما يعني أن خمسة أشهر من القصف المستمر والمعارك البرية قد أدّت إلى تقلص عديد مقاتلي التنظيم بمقدار 1500 مقاتل. في المقابل، يبلغ عديد قوات «قسد» في الحملة ثلاثين ألف مقاتل، وفقاً لما أعلنته المتحدثة جيهان شيخ أحمد في إعلان بدء الحملة. يرفض المتحدث الرسمي باسم «قسد» طلال سلو وصف معركة مدينة الرقة بالمتعثرة. يقول سلو لـ«الأخبار» إن «الرقة عاصمة تنظيم داعش الإرهابي، ومن المؤكد أنه سيستميت في الدفاع عنها». ويرى أن مسار المعركة «جيد، والعمليات تسير وفق الخطة المرسومة. حتى اليوم حررنا أكثر من 60 في المئة من مساحة المدينة في خلال 75 يوماً من المعارك، وهذا يُعتبر زمناً قياسياً». ويشير في الوقت نفسه إلى أن التنظيم «يتبع أساليب جديدة في المعركة، منها الأنفاق تحت الأرض والعربات المفخخة داخل المدن والقناصون، علاوة على استخدام المدنيين كدروع بشرية، وهذا هو العائق الأكبر».


«قسد»: دعوة الهدنة نجاح لـ«داعش»

لدى اتصال «الأخبار» به، لم يكن المتحدث باسم «قسد» قد سمع بدعوة الأمم المتحدة إلى الهدنة. وحول الموقف من هذه الدعوة قال طلال سلو إن «قواتنا مستعدة للالتزام بهذا العرض الذي تقدمه الأمم المتحدة، لكنه في واقع الأمر عرض غير منطقي». وأضاف «تنظيم داعش هو تنظيم إرهابي ولا يمكن أن يلتزم بأي هدنة، لا سيما أنه يستخدم المدنيين دروعاً بشرية ويحاول استغلالهم لعرقلة تقدمنا». وأكّد أن «احتجاز المدنيين وسيلة يتبعها التنظيم الإرهابي لتحريك الرأي العام ضدّنا، ودعوة الأمم المتحدة مؤشر على أن خطة التنظيم تلقى نجاحاً، وأنه بدأ في التأثير بالرأي العام». لا تقديرات عند «قسد» لأعداد المدنيين المتبقين في الرقة، ولا يستبعد المتحدث أن يكون العدد عشرين ألفاً بالفعل، ويراه «رقماً غير ضخم بالقياس إلى ما كان العدد عليه سابقاً، وإلى نسبة 40% من مساحة المدينة ما زالت في قبضة التنظيم الإرهابي». يختم سلو بـ«عتب على أهلنا في الرقة»، ويقول إنّ «معاركنا بدأت منذ ثمانية أشهر في الريف، وكنا نطالبهم طوال الوقت بالخروج من المدينة كي لا يتم احتجازهم، ومع ذلك لم يخرجوا».