في مواجهة الترهل الإداري.. محاولات لإنعاش المسؤوليات.. وكثرة المنظرين تُحبط الخطوات الإصلاحية

في مواجهة الترهل الإداري.. محاولات لإنعاش المسؤوليات.. وكثرة المنظرين تُحبط الخطوات الإصلاحية

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٩ سبتمبر ٢٠١٧

تتحدث إحدى القصص عن نملة نشيطة كانت تعمل بحيوية وعطاء وإنتاجية مرتفعة، فأثارت انتباه وإعجاب صاحب العمل الذي تؤديه، وفكّر: لماذا لا أعيّن لتلك النملة مديراً مباشراً، علّها تضاعف إنتاجيتها، وتحقق لي مزيداً من الأرباح، لكن حين نفذ صاحب العمل ما فكّر فيه وعيّن مديراً للنملة النشيطة يتولى مراقبتها، كانت نتيجة مغايرة تماماً، فالمدير المباشر عيّن بدوره سكرتيرة لتنظيم الأعمال، ثم مجموعة من الموظفين لإعداد الخطط والتقارير الدورية، ووجد أن الأداء يتراجع باستمرار، وبدأت التساؤلات عن أسباب تراجع عمل النملة، وأمر المدير فوراً بإعداد خطط الإنقاذ، ثم قام بتعيين خبراء ومستشارين إضافيين للوصول إلى حلول واستدراك الخسائر، وكل هذا كان يتبعه تكاليف مالية ضخمة من رواتب وأجور للخبراء والمدراء والمراقبين الجدد، لتنتهي الحكاية بتحميل النملة المسؤولية الكاملة عن التقصير والتراجع والخسائر، ثم فصلها أخيراً من العمل في المؤسسة التي تحولت من حالة الربح إلى الخسارة كنتيجة لواقع مفاده: قلة العمال، وكثرة المنظرين والمشرفين والمدراء.

الحلقة الأضعف

وبتشابه ملحوظ تلخص هذه القصة إلى حد بعيد واقع العمل الإداري في الكثير من مؤسساتنا الحكومية التي نجد اليوم أن معظم العاملين فيها يتهربون من الأعمال والمسؤوليات، ويقومون بتحميلها إلى غيرهم، أو يقومون بالتدخل بشكل سلبي في العمل، فيفسد الطبخ لكثرة الطباخين فيه، وحين نبحث عن طرف لتحميله مسؤولية التراجع والخسارة، أو عدم القيام بالمهمات، تكون الحلقة الأضعف عند عامل مغلوب على أمره، أو موظف بسيط، وفي البحث عن الحلول نجد أنفسنا أمام واقع إداري شائك ليست هذه الجزئية إلّا حلقة صغيرة ضمن سلسلة من التحديات والعقبات، وتبدو الطريق طويلة وشائكة أمام خطوات إصلاح إداري فعال، فهل يتحقق ونطوي واقع الترهل والفساد في مؤسساتنا، خاصة مع أدوار منتظرة من وزارة التنمية الإدارية التي يقع على عاتقها بعد الحرب، وفي مرحلة إعادة الإعمار مسؤوليات كبيرة إن كان لجهة إدارة الموارد البشرية المتاحة، والاستفادة منها بالشكل الأمثل، أو لناحية دمج العناصر الشبابية في المؤسسات العامة، ومحاربة أشكال الترهل الإداري والفساد.

توصيات مأمولة

وربما يكون في مؤتمر الشباب الأول للتنمية الإدارية والمشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي اختتم أعماله قبل أيام بادرة طيبة لخطوات فعلية في مشروع الإصلاح الإداري الذي تحتاجه مؤسساتنا في المرحلة القادمة، خاصة حين تكون بوادر هذا الإصلاح تعتمد على عناصر شبابية واعدة، شاركت في المؤتمر، وقامت بطرح أفكار ورؤى وحلول مستقبلية للكثير من العقبات والإشكاليات الإدارية التي تواجه عملية التنمية والفساد المتجذر في الكثير من المؤسسات، إضافة إلى المشاكل الإدارية المتعلقة بالروتين وبيروقراطية المكاتب، ومن المهم فعلاً العمل بجدية على تنفيذ التوصيات التي خرجت في ختام المؤتمر، والعمل على متابعتها، دون أن تبقى حبراً على ورق، أو أن تبقى في خانة التنظير والمصاريف الإضافية التي تشبه قصة النملة التي بدأنا بها، إذ أكدت التوصيات على إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب، ووضع برنامج وطني للتدريب المجاني بالتشارك مع القطاعات كافة، أما في الشق الإداري، فأوصي بوضع خطة شاملة للإصلاح الإداري ضمن القطاع العام، تعمل على زيادة تمكين العاملين من خلال برامج لتنمية مهارات وقدرات العاملين، وإخضاعهم لمجموعة من الدورات التدريبية بما يتلاءم مع التطور التقني، وتغيرات سوق العمل، كذلك تفعيل نظام الحوافز، والارتقاء الوظيفي بما يتناسب مع القدرات التي يمتلكها العاملون، والأداء الذي يقدمونه مع مراعاة الفروق الفردية، إضافة لإدخال الشرائح العملية ضمن التوصيف الوظيفي، واعتماد سلسلة الرتب والرواتب، وتوضيح مفاهيم الترفيع والترقية، وربطها بإنتاجية العمل، كما  تمت التوصية لوضع آليات لتأمين سياسات الخروج الآمن من الخدمة العامة، وتطوير سياسات الإحلال الوظيفي، وإصدار دليل عام لمعايير الأداء، وقوانين تُعنى بمكافحة الفساد، وتطوير القوانين السائدة حالياً، وتفعيل دور الإعلام، وبشكل خاص الإعلام الاستقصائي لمكافحة الفساد، وإصدار مدونة أخلاقية، ومدونة سلوك في القطاع العام، إضافة لتعزيز دور القضاء الإداري، ومجلس الدولة ليصبح قوياً وحصيناً ضد تصرفات الفاسدين.



صلة وصل

في المقابل يبدو منبر صلة وصل الذي تم الإعلان عنه في المؤتمر، وينتظر أن يرى النور خلال الأشهر القليلة القادمة بجهود من وزارة التنمية الإدارية نافذة تفاعلية منتظرة تسمح بقياس مستوى الأداء الإداري في المؤسسات، وتفتح باب إبداء الرأي، أو الاعتراض على واقع العمل في أي من مؤسسات الدولة، واستقبال الشكاوى والإشكاليات التي يتعرض لها المواطنون من خلال استبيانات خاصة برضا المواطن، فالمشاركة حسب القائمين على المنبر تهدف إلى الحصول على مستوى رضا المواطن عن جودة الخدمات، للعمل على تحسينها في المؤسسة، وتمثل أحد مؤشرات قياس الأداء الإداري، كما تساهم في مكافحة الفساد، وتقليل الإجراءات وتبسيطها، وربما ستكون لهذا البرنامج نتائج ملموسة قريبة، وهو ما أكدته وزيرة التنمية الإدارية حين تحدثت عن نتائج ملموسة ستظهر قريباً، وسنلمسها لبرنامج الإصلاح الإداري، وقالت: صحيح أن النتائج المرجوة لن تتحقق بين ليلة وضحاها، فالأمر يتطلب السير عبر مراحل مخططة ومدروسة، لكننا في الوقت نفسه قادرون على النهوض بسرعة، والمؤكد أن ثمرات هذا المشروع ستلحظ خلال وقت قريب، وربما تكون الحرب التي تعرّضت لها سورية فرصة للنهوض مجدداً، وإعادة بناء مؤسسات سليمة في المناطق المتضررة وفق منطق إداري سليم، وبحسب الوزيرة سفاف، من المهم في الظروف التي تتعرّض لها سورية، والحرب الطويلة التي تبدأ اليوم بالخروج منها، أن يتم السير بكل محاور هذا المشروع دفعة واحدة، ودعم قياس الأداء الإداري هو وضع مؤشرات قياس وفق شرائح ونقاط لتقييم الأداء، كذلك تحليل النتائج، وترتيب المؤسسات وفق معيار الجودة، وبالنسبة لمؤشرات القياس الإداري بيّنت الوزيرة أن هناك خمسة معايير مرتبطة ببعضها، ويعتمد نجاح أحدها على الآخر، وهي: جودة التنظيم المؤسساتي، وتبسيط الإجراءات، ومكافحة الفساد، ورضى المواطن، ورضى الموظف، لتكون المخرجات المنتظرة بعد ذلك هي: ترتيب الجهات العامة على مرصد الأداء الإداري، وتقرير سنوي لكل جهة يتضمن إرشادات ونصائح، وكذلك إعداد خطط تنمية إدارية.

في المقابل أوضحت د. سفاف أن الوزارة تعمل بالتوازي على موضوع أتمتة عمل بعض الجهات العامة، فمثلاً نلاحظ أن الكثير من الأوراق التي تطلب من المواطنين هي أوراق موجودة فعلاً، ومؤتمتة في وزارات أخرى، فلماذا لا يحصل الموظف الذي يطلب من مواطن ما ورقة غير موظف على هذه الثبوتية بشكل فوري من برنامج مؤتمت يتم ربطه بين كافة الوزارات؟.. وختمت بأن للحرب بعض الآثار التي يمكن أن ننظر إليها بإيجابية التنمية المتوازنة، فهي فرصة لإعادة بناء مؤسسات سليمة منذ اليوم الأول لبدء الإعمار، وهو ما يتطلب التركيز للنهوض والمضي قدماً.

 

أفكار واعدة

أفكار كثيرة تتعلق بالتنمية الإدارية، والحلول الإصلاحية لقضايا الفساد، طرحت خلال أسبوع امتد فيه مؤتمر الشباب الأول عبر محاور كثيرة، وأوراق عمل لن نتمكن من حصرها في عرض وحيد، لكن إحدى أهم الإشكاليات والقضايا التي تتصل بخطط التنمية والإصلاح الإداري هي مكافحة الفساد التي كانت من أهم المحاور التي تمت مناقشتها، والتي قدمها الدكتور عمار الفاضل بعنوان: الفساد والإصلاح الإداري، والدكتور ولاء زريقة الذي تحدثت محاضرته أيضاً عن دور الإصلاح الإداري في مكافحة الفساد، فركزت ورقة العمل التي قدمها الدكتور عمار فاضل على جوهر الفساد الإداري، وانطلقت منه لتوضيح العوامل المسببة لانتشار الفساد الإداري، ودور هذه المظاهر في تعزيز بعض المشكلات في المجتمع، ورأى الفاضل أنه من الضروري جداً أن نعمل اليوم على حالة تشبه ما نقوم به في التعامل مع أمراض طبية، فبدلاً من محاولة القضاء على الفساد بشكل نهائي ثم الفشل في النهاية، يمكن أن نعمل على طرق إدارة الفساد وتنظيمه للتخلص منه بشكل تدريجي كما نفعل مع المرضى المصابين بالسرطان، وربط الفاضل بين الفساد والعوامل الاجتماعية التي تشجع الفساد وتسير وفق ثلاث مراحل خطيرة مثل: ثقافة التساهل مع الفساد، وثقافة تبرير مظاهر الفساد، وثقافة تعزيز مظاهر الفساد كأسلوب حياة، إضافة لنمط علاقات اجتماعية قائمة على انتماءات ما دون وطنية، خاصة بعد الضخ الإعلامي الهائل في الحرب السورية، إضافة لغياب الحوامل الثقافية التي تعزز ثقافة الانتماء الوطني لصالح فئات تتغذى على العصبيات لنيل المكاسب الشخصية، والمناصب القيادية، بدوره الدكتور ولاء زريقة نائب عميد كلية السياحة في طرطوس ربط في ورقة العمل التي قدمها بعنوان: دور الإصلاح الإداري في مكافحة الفساد، بين الإرهاب الذي تعرّضت له سورية والفساد، وأوضح: كما يحاول الإرهاب تدمير سورية من الخارج، كذلك يعمل الفساد على تدميرها من الداخل، فالفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة، واليوم بقدر ما نركز على عملية التنمية وزيادة الإصلاح، سيكون بمقدورنا معالجة هذه الإشكالية، وأكد أن هذا الأمر يتم بمعرفة الأسباب الحقيقية، والعمل على معالجتها وإصلاحها.

بين القائد والمدير

دروس كثيرة وأفكار عديدة تم لحظها في أيام المؤتمر، إن كان من خلال أوراق عمل حملت بصمات شبابية واعدة، ونوقشت من قبل الشباب أيضاً، أو عبر سلسلة من الدروس والمحاضرات في الأيام المتبقية بما يتصل بالعمل الإداري، وتطوير الأداء، والارتقاء بالإدارة، وإدارة الموارد البشرية، ولكن ما يمكن أن نختم به فعلاً هو التأكيد على ما جاء في إحدى الجلسات التدريبية، وهي محاضرة للدكتور عبد السلام سلامة بحثت تعزيز القدرات القيادية، خاصة أن معظم مؤسساتنا اليوم تعوّل على إدارات حكيمة تعمل بمنطق القادة، فتقف في وجه المشكلات، وتتحمّل المسؤوليات كاملة، وتنهض بكل العاملين فيها، فالوظيفة القيادية، بحسب سلامة، تفرض على شاغلها مسؤولية عظيمة، لأن العامل الرئيسي وراء نجاح أية إدارة وموظفيها يكمن في مدى قدرة رؤسائهم على إثارة اهتمام الموظفين بأعمالهم،  فيجب التمييز فعلاً بين القائد الذي يكون ملهماً لموظفيه وعناصر مؤسسته، والمدير الذي يصل إلى منصبه بحكم تسلسل إداري معين، وينفذ مجرد تعليمات إدارية تبقي الأمور على حالها، ولا تبتكر الأفكار والحلول لنجاح المؤسسة وارتقائها.

محمد محمود