تحت شعار استثمار كل شبر من الأرض.. الزراعات الصيفية تنتعش في السويداء رغم التحديات

تحت شعار استثمار كل شبر من الأرض.. الزراعات الصيفية تنتعش في السويداء رغم التحديات

أخبار سورية

الجمعة، ٢٢ سبتمبر ٢٠١٧

تنتعش في السويداء زراعة الخضروات الصيفية، زراعة تحقق عائداً اقتصادياً مهماً لأبناء المحافظة لتشكل أحد عوامل الصمود في ظل الحصار الاقتصادي، وتضييق الخناق الذي فرضته دول الجوار، فكان شعار استثمار كل شبر من الأرض، فكل شبر يكفي حاجة طفل جائع، ويسد رمق أسرة محتاجة، والأهم أنه يشكل حجراً من أحجار سد المواجهة في الحرب الاقتصادية التي فرضها الأعداء في ظل المؤامرة.
فما هي أهمية الزراعات الصيفية بالنسبة لأبناء السويداء، وماذا قدمت للسلة الغذائية السورية، وما هي المعوقات التي تعترض المزارعين، وهل حققت النتائج المطلوبة، وما هو انعكاسها على واقع أسواق المحافظة وجوارها لجهة تخفيف الأسعار، وإغراق هذه الأسواق بحاجتها من الخضار؟.
واحات خضراء
فريد مصطفى من المزارعين الذين استثمروا في الزراعة، حيث  يجد في زراعة الخضروات الصيفية بوابة مهمة لتحسين الدخول، ومواجهة الضغوطات الاقتصادية.. نحو 60 دونماً من الأراضي المروية، زرعها بالبندورة والباذنجان.. صنفان مطلوبان في السوق المحلية والأسواق المجاورة.. سهولة التعامل مع تلك الزراعة، شجعه على هذا النوع من الاستثمار خاصة بعد إغلاق المعابر الحدودية، وتوقف استيراد الخضروات من الخارج.
“البعث” زارت مشروع فريد مصطفى وعدداً من المشاريع في ريفي السويداء الغربي والشرقي، حيث انتشرت العديد من المشاريع الزراعية لتحوّل المنطقة إلى واحات خضراء، آلاف الهكتارات المزروعة بمختلف أنواع الخضار تجعل من عملية زيارة تلك المنطقة والتي كانت لفترة قريبة مقفرة، إلّا أن خضرة تلك المساحات الشاسعة لم تكن لولا وجود رغبة حقيقية بالمواجهة رغم كل المعوقات، فاخضرار الأرض لا يعني نجاح المشاريع، وهنا يروي فريد مصطفى تجربته.
يقول مصطفى: ” لقد زرعت 60 دونماً هذا العام، وقد أشرفتُ على الانتهاء من الحصاد، ولم أصل بعد إلى رأس المال”.. بهذه الكلمات يلخص كامل تجربته مع هذا النوع من الاستثمار، أما الأسباب فيجملها بسوء مبيدات المكافحة غير الخاضعة للرقابة الحكومية، فمعظمها غير صالح ومنتهي الصلاحية، باعتبار أن القطاع الخاص هو المتحكم بالعملية، وهذا حمّل تكاليف الإنتاج أعباء إضافية لجهة زيادة عدد الرشات التي تصل إلى عشر مرات، في حين كانت تقتصر على مرتين، والأنكى من ذلك فهو عدم فعالية عملية المكافحة رغم كثرة عدد الرشات بسبب عدم فعالية المبيدات المستخدمة.

لغة الأرقام
المشروع الذي استوعب 25 عاملاً يحتاج إلى 60 برميل رش كل مرة بكلفة 12 ألفاً للبرميل الواحد، وهذه الأرقام تعني ارتفاع فاتورة التكلفة للكيلو غرام الواحد والذي وصل إلى 50 ليرة للبندورة و60 للباذنجان،  ويضاف إلى هذه الأرقام تكاليف عبوات التحميل والحلقات التجارية الأخرى ليصل سعر المبيع إلى أكثر من 75 ليرة للكيلو غرام الواحد، وبمقارنه مع سعر مبيعه بالأسواق مع إضافة التالف من الإنتاج، نجد أن المزارع يبيع بسعر التكلفة أو أقل في بعض الحالات.
ليس بعيداً عن مزرعة فريد مصطفى، مزرعة أخرى صاحبها خلدون قيس، شاب ثلاثيني اعتمد على هذه النوع من الاستثمار منذ سنتين رغم ضعف المردود الاقتصادي، إلّا أن أمله مازال معلّقاً بتحسن الحال إلى حال أفضل، ومع ذلك يقول:”طالما نحن نأكل مما نزرع، فهي حالة صمود وتحدٍ رغم الخسارة المالية، إلّا أننا ربحنا معركتنا ضد الأعداء الذين أرادوا من أسواقنا فارغة، وأفواهنا مفتوحة، وأيدينا ممدودة لهم، أغلقوا المعابر الحدودية لحصارنا، فأغرقنا أسواقنا بالإنتاج”.
ومع ذلك يطالب قيس بضرورة دعم المزارع كي تتحقق النتائج على أكمل وجه، فالرقابة على المبيدات الحشرية، وتسهيل عمليات مرور السيارات المحملة بالإنتاج يشكلان ذراعي المساعدة، وبالعودة إلى الأرقام، وبحساب الورقة والقلم فإن سيارة صغيرة تحمل 3 أطنان برأسمال 180 ألف ليرة، تكلف 21 ألف ليرة “كومسيون محل” و60 ألف فلين للتعبئة و10 آلاف  نفقات الطريق  وآجار السائق والسيارة، ما يعني أن تكاليف الإنتاج ستزيد 50 %، أما إذا أردت بيع المحصول للتاجر، فإنه سيفصل السعر على قياسه، ويشاطر هذا المزارع أتعابه كاملة.

مصدر رزق
وبعيداً عن الحسابات، وتعقيد التفصيلات، يقف أحمد وأسرته بين شتول البندورة والباذنجان يجنون الثمار، وأحمد  القادم من الحسكة مع أسرته المكونة من اثني عشر فرداً وجد العمل في تلك المشاريع مصدر رزق ومعيشة له، فكل فرد من أفراد الأسرة له مكان في المشروع، من الطفل الذي لا يتجاوز عشر سنوات، إلى المرأة والفتاة، ورب تلك الأسرة، الجميع يعمل هناك بحيوية ونشاط، والمهم بالنسبة لأحمد أنه لم يقف مكتوف اليدين بانتظار المعونات على أبواب الجمعيات الخيرية، يقول: “إن مثل هذه المشاريع هي بمثابة باب رزق لنا، وذلك لتأمين معيشتنا عن طريق العمل والسكن فيها”.

ضعف في الاستهلاك
في الأسواق الواقع مختلف تماماً، وإن كان التجار والحلقات التجارية المتهم الأول في رفع الأسعار، والتسبب بإرباك للعملية التسويقية برمتها، إلا أن للتجار رأياً آخر، يقول  ثامر رباح،  وهو تاجر قديم: “إن النقص الذي تعانيه المحافظة من إنتاج الخضار الصيفية يضطره إلى استجرارها من أسواق المحافظات الأخرى، وهذا يحمّل الأسعار عبئاً إضافياً، خصوصاً في موسم المونة كالمكدوس، والملوخية، وبعض البقوليات، حيث يدخل السوق أيام الأحد، والثلاثاء، والجمعة أكثر من 100 طن تقريباً من الخضروات والفواكه من المحافظة وخارجها”.
أما باسل بدر فتحدث لنا من أمام بسطته في أول السوق عن أسباب هذه الفوضى التسويقية التي تعود إلى ضعف القوة الشرائية عند المواطن، خاصة في مثل هذا الوقت من العام، حيث افتتاح المدارس، والمونة، والأعياد، وغيرها من مناسبات تجعل عملية التسوق ضعيفة،  يقول  بدر: كنت أتسوق يومياً الخضار من مزارع السويداء، وأسواق دمشق، أما اليوم فأتسوق مرتين في الأسبوع فقط!.

إنتاج جيد
في مديرية الزراعة، وحسب الأرقام المتوفرة بين يدي مديرها المهندس أيهم حامد، الواقع مختلف، حيث يقدر إنتاج الخضروات الصيفية في السويداء لهذا العام بنحو 75 ألف طن موزعة على مساحات زراعية تصل إلى 14 ألف دونم للموسم الزراعي الحالي، ما يحقق عائداً اقتصادياً يزيد عن 200 مليون ليرة سورية، ويؤمن أكثر من 25 ألف فرصة عمل مؤقت، وهو مردود يغني آلاف الأسر عن العوز في ظل الواقع الاقتصادي المتردي الذي تمر به الأسر الريفية في المحافظة.
شعار استثمار كل شبر من الأرض شكّل حافزاً عند الآلاف من مزارعي المحافظة للعمل رغم المعوقات الكثيرة التي تعترضهم، خاصة غلاء مستلزمات الإنتاج الذي قلّص من هامش الأرباح، إضافة إلى إغلاق المنافذ الحدودية الذي خفّض من فرص تسويق الخضروات، وحصرها بالسوق المحلية للمحافظة، إضافة لأسواق المدن المجاورة كدمشق، إلا أن صعوبة الوصول إلى تلك الأسواق زادت من فاتورة التكاليف التي انعكست على أسعار تلك المنتجات.
وقد تبدو المعطيات الأولية للواقع الإنتاجي الذي حققته المشاريع الزراعية في محافظة السويداء وكأنها جيدة، فكما أشار مدير الزراعة بلغت تقديرات إنتاج البندورة هذا العام 49 ألف طن من مساحة 684 هكتاراً، والبطيخ 22,4 ألف طن، بالإضافة لإنتاج 1.5 ألف طن من مادة الباذنجان، و760 طناً من مادة الخيار.

“نصيب” هو الحل
إذاً معادلة الخضروات الصيفية ليست مستحيلة الحل في محافظة تمتلك كل مقومات نجاح هذه الزراعة كالسويداء، وبالتالي مساهمتها في رفد الدخل الوطني برصيد لابأس به في حال تأمين متطلبات انتعاشه، خاصة الرقابة الدوائية، بحيث يتم تسويقها عن طريق مؤسسات الدولة المعنية بعد التأكد من مدى صلاحيتها، وفعاليتها، وعدم ترك المزارع عرضة لابتزاز تجار الأزمات من مستوردين، وسماسرة لتلك الأدوية، وكذلك الإسراع بإنجاز سوق هال المحافظة لما يلعبه من دور فعال في تقليص الحلقات التجارية، ويبقى الأهم هو فتح معبر حدودي للمحافظة باتجاه أسواق الأردن والخليج كمعبر نصيب، أو غيره من المعابر التي تساهم بتصدير المنتجات للخارج، وتعويض جزء من خسارة المزارعين عبر البيع بالقطع الأجنبي، وهذا يساهم في الوقت ذاته بدعم خزينة الدولة بهذا القطع.

رفعت الديك