بعد تعثّر الإقلاع به   معمل تصنيع العصائر المرتقب تحييد عن قائمة الأولويات.. والخسائر تزيد من مخاوف المزارعين

بعد تعثّر الإقلاع به معمل تصنيع العصائر المرتقب تحييد عن قائمة الأولويات.. والخسائر تزيد من مخاوف المزارعين

أخبار سورية

الثلاثاء، ٣ أكتوبر ٢٠١٧

أسفر التعثر الواضح في إنشاء مشروع تصنيع العصائر الذي لم يتعدّ إنجازه عن محو بريق المؤشرات الإنتاجية المتزايدة المعلنة حول تقديرات الموسم 2017- 2018 التي من المرشّح وصولها إلى 1,4 مليون طن من الحمضيات على مستوى القطر، لأن تزايد الإنتاج لن ينعكس على مردود المنتج في ظل العجز المستمر عن تصريف الفائض الذي يقارب نصف الإنتاج، ولاسيما أن معمل تصنيع العصائر المعلّق مصيراً وإنجازاً،  كان واحداً من أهم الحلول السحرية المنتظرة لحلّ جزء كبير من المشكلة التسويقية بحسب ما تمّ الإفصاح عن الطاقة الإنتاجية المخططة لهذا المعمل الذي لم يجد طريقه إلى الإنجاز، بل على العكس تماماً، فقد انحسرت بشكل كبير مساحة الاهتمام الرسمي به إلى درجة توحي بسحبه من التداول، لأن المقارنة بين ما كانت عليه عزيمة الجهات المعنية بهذا المشروع في العام الماضي الذي تلاحقت فيه الاجتماعات واللقاءات والتصريحات المبشّرة بإنجاز وشيك للمعمل، وما بين الانحسار الكبير لهذا الاهتمام يدفع نحو الاعتقاد الجازم بأن هذا المشروع بات شبه مسحوب من التداول سوى من المطالب الفلاحية المتجددة والداعية لإحياء مشروع تصنيع العصائر الذي تنتظره آلاف الأسر التي تعمل بزراعة الحمضيات، ولذلك لا يملّ، ولا يكلّ الفلاحون من طرح هذا المشروع كأحد أهم الخيارات الكفيلة بفكّ عقدة التسويق الزراعي وحلحلتها، وهذه المشكلة بحسب الفلاحين المنتجين لن تنفرج إلا من خلال حلقات ثلاث، تكمن في التصدير والتصنيع والتسويق الداخلي، وعلى هذه الحلقات يمكن أن تتوزع منافذ تصريف محصول الحمضيات.

مقارنة مشروعة

تعود مطالبة مزارعي الحمضيات بضرورة إحداث معمل تصنيع للعصائر إلى أكثر من عشر سنوات عندما أخذت مؤشرات إنتاج القطر من المحصول بالتزايد المضاعف إلى حدّ يفوق الاحتياجات المحلية الاستهلاكية عدة أضعاف، حيث طرق الإنتاج باب المليون طن، وتخطى هذه العتبة تباعاً، ورغم اعتماد التصنيع حلقة أساسية لمعالجة الفائض من وزارات الصناعة والزراعة والتجارة الداخلية منذ سنوات وتداوله، والبحث في أولويات وآليات واحتياجات إحداثه، إلا أنه لم يقترب من خط الإنجاز، ولم يعد في واجهة الطرح كما كان سابقاً، بينما تمكّن مشروع معمل الألبان والأجبان الذي تزامن معه في الطرح المطلبي رغم البون الشاسع بين الإنتاج المليوني للحمضيات وفائضها بما يفوق كثيراً إنتاج المحافظة من الحليب، وأيضاً مقارنة العدد الكبير للمشتغلين بزراعة الحمضيات، ورغم ذلك فإنّ معمل تصنيع الألبان والأجبان دخل مسار الإنجاز خلال أشهر من إقراره، حيث تمّ إبرام عقد تنفيذه، والانطلاق بإنجازه ليوضع في الإنتاج خلال أشهر ليحلّ مشكلة تسويق الحليب دعماً لمربّي الثروة الحيوانية، وبما يغطّي احتياجات السوق المحلية من منتجات الألبان والأجبان، وأما مشروع معمل تصنيع العصائر، فلا يزال في طور الحلم الموعود الذي أتخمته الدراسات والوعود.

تداول نظري لا أكثر

مع اقتراب نضوج محصول الحمضيات الذي يقتصر الاعتماد على تسويقه داخلياً، إضافة إلى تصدير كميات متواضعة متواترة متباينة بين الفينة والأخرى، فإن الحلقة التصنيعية أحوج ما يكون إليها المحصول ليودّع حالة كساد الفائض منه، ولدى سؤالنا قبل أشهر عن مآل هذا المشروع المنتظر المطروح منذ سنوات لمعالجة مشكلة اختناقات تسويق الحمضيات، فقد أكدّ لـ “البعث” وزير الصناعة المهندس أحمد الحمو أثناء زيارته إلى منشآت القطاع الصناعي في اللاذقية دخول المشروع مرحلة الحصول على العروض ودراستها بما يعيد إحياء هذا المشروع الاقتصادي الحيوي الهام الذي يشكّل أهم الحلول الضرورية الناجعة لحل مشكلة اختناقات تسويق فائض الحمضيات، لاسيما أن التسويق الداخلي للاستهلاك المحلي لا يمكن أن يحل المشكلة، وهذا ما يؤكده الخبراء والمختصون والمزارعون الذين استبشروا حينها خيراً بقرب موعد إنشاء معمل تصنيع العصائر الذي يكفل تصريف  جزء هام من فائض محصول الحمضيات،  لأن التسويق الداخلي بالاستهلاك المباشر لا يحلّ المشكلة، وهذه حقيقة محسومة، وهذا ما يدعو إلى الإسراع بطرح مشروع معمل العصائر الذي غابت معطياته ومستجداته خلال الفترة الماضية، ولم يكن في واجهة التداول رغم أن  السؤال الأهم الذي يحمله له أبناء المحافظة، ولاسيما فلاحوها ومزارعوها هو عن مصير معمل العصائر وجديد المشروع، لأنه معوّل عليه في حل مشكلة تسويقية مزمنة بالتوازي مع تصدير ما يمكن تصديره حسب الإمكانات المتاحة، إلا أن تفاؤلهم لم يكتمل، لأن المشروع لم يتخط بعد مرحلة الدراسة، في وقت كثرت فيه التصريحات المتباينة حول رؤية الإنجاز والأولويات والاشتراطات الكمية والنوعية العصيرية المطلوبة.

تصنيف مجحف

ومن المستغرب ألا تشفع الزيادة الإنتاجية المضاعفة لمحصول الحمضيات في إعادة النظر في التصنيف الاقتصادي لهذا المحصول الذي لا يزال يصنّف في قائمة المحاصيل الأساسية رغم الإصرار الشديد من مزارعي المحصول لسنوات طويلة بتصنيفه من المحاصيل الاستراتيجية في ضوء التضاعف السنوي المحقق في مؤشرات الإنتاج في ضوء قابليته التصديرية والتصنيعية، لاسيما أن هذا التصنيف “الأساسي” حال دون تحقيق القيمة المضافة في هذه المحاصيل لجهة الجدوى الاقتصادية قياساً على تكاليف الإنتاج وأعبائه وجهد ووقت المزارع، وهذا يعني خسائر تطال الغالبية العظمى من مزارعي الحمضيات جراء ارتفاع التكاليف الإنتاجية وأعباء وأجور وسائط الشحن لنقل المحصول لتعذر تأمين  المازوت، ناهيك عن دور الحلقات الوسيطة التي تزيد الواقع تعقيداً، وأمام هذه المعطيات التسويقية المخيبّة لا يزال المزارع يشعر بعدم تحقيق الجدوى الاقتصادية  لأن عملية التسويق خاسرة دون أية ريعية  ترتجى منها، مع الإشارة هنا إلى أن أصناف المحصول عالية الجودة وبثمار نظيفة وخالية  من الأثر المتبقي للمبيدات بفعل اعتماد برامج المكافحة الحيوية والإدارة المتكاملة للآفات.

أعباء زيادة الإنتاج

يبدو أن الزيادة المتوقعة في إنتاج الحمضيات للموسم الجديد تحمل عبئاً حقيقياً على المزارعين الذين يخشون أن تكون هذه الزيادة نقمة بدل أن تكون نعمة وفق حسابات الجدوى الاقتصادية البسيطة القائمة على العرض والطلب، ومن هنا فإنه من البديهي أن يتجدد ماراثون البحث عن منافذ لتصريف المحصول، سواء أكانت تسويقاً داخلياً، أمّ تصديراً خارجياً لتصريف فائض المحصول الذي تقترب بعض أصنافه من النضج تدريجياً، ولاسيما مع بلوغ تقديرات مؤشرات الإنتاج المتوقع من محصول الحمضيات للموسم الزراعي 2017 – 2018 إلى نحو ( 1,38) مليون طن من مختلف الأصناف بحسب ما ذكره لـ “البعث” المهندس منذر خير بك مدير زراعة اللاذقية الذي أوضح أن إنتاج محافظة اللاذقية من المحصول خلال هذا الموسم يصل إلى (  832,6 ) ألف طن، لافتاً إلى زيادة في المؤشرات الإنتاجية خلال الموسم 2017 – 2018، مبيّناً أن مديرية الزراعة لديها إجراءات عديدة خلال الموسم الحالي في التسويق الزراعي، ولاسيما محصول الحمضيات رغم أنها جهة منتجة للمحاصيل، ويؤكد خير بك الأهمية البالغة للحلقة التسويقية لانعكاس التسويق على مردود المزارع، ومن هنا تكمن أولوية الخطط المفصّلة للتسويق وآليات تنفيذها بما يدعم القطاع الزراعي عبر المساهمة في تسويق الإنتاج الزراعي وبالأخص محصول الحمضيات، وأشار المهندس خيربك إلى أن مديرية زراعة محافظة اللاذقية ساهمت في مجال تسويق الحمضيات في الموسم 2016- 2017 عبر إحداث مراكز استلام وتسويق واستجرار المحصول على مستوى المحافظة لشراء المنتج من المزارعين من مواقع الإنتاج لتخفيف أجور النقل عليهم، بالتوازي مع إجراءات بالتشارك والتعاون مع المؤسسات المعنية لدعم التصدير من خلال إعفاء صادرات الحمضيات من كامل العمولات والرسوم التي تتقاضاها شركة التوكيلات الملاحية، وغرفة الملاحة البحرية، وتخفيض بدلات المناولة في مرفأي طرطوس واللاذقية، ورسوم الموانىء وأجور الحاويات في المرفأ بنسبة 50 بالمئة.

دعوة استباقية

لأن الواقع التسويقي ليس على ما يرام، ولأن ما هو مطلوب فعله لايزال كثيراً وكبيراً، كان من الطبيعي أن يشغل هذا الموضوع الشائك حيزاً هاماً وواسعاً من مناقشات أعضاء مجلس محافظة اللاذقية، حيث حرصوا على أن يستبقوا موعد نضوج موسم الحمضيات بتجديد المطالبة الحثيثة من الجهات المعنية بوضع آليات تسويقية لتصريف فائض المحصول لضمان حصول المزارعين المنتجين على مردود يغطي التكاليف الإنتاجية المرتفعة هذا الموسم بسبب غلاء أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي، وطالب أعضاء المجلس في اجتماع الدورة العادية الرابعة بضرورة التحضير المبكر لتسويق موسم الحمضيات المقبل عبر آليات جديدة أكثر فاعلية ونجاعة تسهم في خدمة المزارعين، وتفعيل صالات بيع المؤسسة السورية للتجارة كصالات تدخل إيجابي، والإقلاع بمشروع بناء معمل تصنيع العصائر الذي تم وضع حجر الأساس له قبل أكثر من عام، كما  طالبوا بتشديد الرقابة التموينية الصارمة على الأسواق، وضبط الأسعار، ومراقبة جودة مادة الطحين، والألبان والأجبان، والمثلجات للحفاظ على صحة المواطنين، وتنظيم ضبوط بحق المخالفين.

الاحتضان المؤسساتي

حفّزت زيادة مؤشرات زراعة التبغ نحو إحداث وتشغيل خط إنتاجي جديد لتصنيع السجائر “القصيرة”، وآلتي تعبئة وتغليف جديدتين للسجائر القصيرة والطويلة في المؤسسة العامة للتبغ، بما يوازي ويستوعب المؤشرات الإنتاجية المتزايدة الناجمة عن استقطاب زراعة التبغ لأعداد كبيرة من المزارعين الذين يحصلون على حزمة تسهيلات ومحفّزات تسهم في تلازم حلقتي المحصول الزراعي، والإنتاج المصنّع، وأوضح معاون مدير عام المؤسسة العامة للتبغ قتيبة خضور بأن هذا التوسع في إحداث الخطوط الإنتاجية يأتي حصيلة طبيعية للتلازم بين زيادة المحصول الزراعي، وأولوية استيعابه تصنيعياً بما ينعكس على ضمان مردود المزارع المنتج، وعلى الريعية الإنتاجية للمؤسسة العامة للتبغ التي أحدثت وأنشأت الخط التصنيعي الجديد، وآليات التعبئة والتغليف، لما لهذه الخطوط الجديدة من دور اقتصادي وإنتاجي داعم للإنتاج الزراعي، وأكد خضور أن المؤسسة، ونتيجة زيادة أسعار التبغ، واتساع المساحات المزروعة، وإقبال المزارعين على زراعة هذا المنتج، تعكف على استخدام خطوط إنتاج تستوعب هذه الكميات لتلبية حاجة السوق من التبغ، وتسير بخطوات متسارعة في تنفيذ خططها، وتطويرها، وتحديث آلاتها وتجهيزها رغم الصعوبات، وأن الخط الجديد الذي أحدث في المعمل مؤخراً يهدف إلى استيعاب الفائض من المنتج الزراعي نتيجة اتساع المساحات المزروعة، وتعويض الطاقة الإنتاجية الفاقدة نتيجة خروج معامل حلب ودمشق من الخدمة بسبب الاعتداءات الإرهابية عليها.

تلازم  ضروري

إزاء التطور الزراعي والتصنيعي الحاصل في مؤسسة التبغ الذي أفصح عنه المعنيون بهذا القطاع الاقتصادي، وفي موازاة ما يتحقق لمحصول التبغ من دعم متكامل ومستمر، بحسب ما تكشف عنه الوقائع والخطوات المتلاحقة المشار إليها من قبل المعنيين في الوزارة والمؤسسة، فإنه يتجلّى هنا بشكل واضح تماماً أثر ودور المؤسسة الحاضنة لأي محصول أساسي، إنتاجاً، وتصنيعاً، وتسويقاً، وهذا مازال بعيداً عن محصول زراعي آخر  يحقق أرقاماً إنتاجية قياسية كمحصول الحمضيات الذي تشتغل بزراعته آلاف الأسر الزراعية، في وقت بات فيه واضحاً أن المحصول الزراعي الذي تعود حصريته لمؤسسة تتبناه من أرض الزراعة وحتى نافذة التصدير وخط التصنيع، يتمايز كثيراً ودون وجه للمقارنة عن غيره من المحاصيل التي تكون لكل حلقة من دورة زراعتها وإنتاجها وتسويقها جهة تختلف عن قبلها، حيث تتشعب وتتعقد المسارات الإنتاجية للمحصول المجرّد من العائدية الحصرية، وبالتالي لا يمكن بالمطلق المقارنة بين القيمة الاقتصادية المضافة المحققة في محاصيل كالحبوب، والتبوغ، والأقطان عن مثيلها في محصول كمحصول الحمضيات الذي يفتقر إلى مؤسسة تتبنى كامل حلقات زراعته، وإنتاجه، وقطافه، وعصره، وتصنيعه، وتصديره، وهذا يجعل منه محصولاً ناقص القيمة الاقتصادية المضافة المميزة، لأنه يمر بحلقات أساسية في دورة إنتاجه: (زراعة، جني، تصنيع، عصر، تصدير، حفظ، فرز، توضيب..)، وهنا نؤكد مجدداً بأننا حققنا أرقاماً مضاعفة في الإنتاج بأفضل المواصفات، ورغم ذلك لاتزال مشكلاتها التسويقية مدورة من عام إلى آخر!.

حاضنة تسويقية

وإزاء التباين الكبير والواضح بين مؤشرات الإنتاج المتصاعدة بتسارع في محصول الحمضيات، وتواضع وتدني مؤشرات تسويقه، فإن الحيادية التسويقية غير المبررة للمؤسسات الإنتاجية نفسها لم تعد مقبولة رغم كونها قطاعاً إنتاجياً يعنى بتنفيذ الخطة الزراعية، وتوفير مستلزماتها واحتياجاتها، بل يتحتم عليها التخلّي عن هذه الرؤية المحدودة القاصرة، لأن تسويق المحصول يشكّل ثمرة العملية الزراعية وحصيلتها، وهذا يدفع المؤسسات الإنتاجية كي تكون شريكاً فاعلاً في العملية التسويقية، وفي كل حلقات ومفاصل العملية التسويقية، بما في ذلك احتساب كلفة المنتج الزراعي، ولحظ المستجدات الطارئة على التكاليف، ومن هنا فإن وزارة الصناعة، بحسب المعنيين فيها، تتعاطى مع المؤشرات والدراسات التي تقدمها وزارة الزراعة بما يخص طاقة إنتاج محصول الحمضيات، وأصنافه العصيرية، وغيرها من مؤشرات، ومعطيات، وبيانات، وإحصائيات يتم البناء عليها في هكذا مشروع حيوي هام ينعكس في حال أبصر النور إيجاباً على محصول زراعي يشكّل مصدر عيش ودخل لآلاف الأسر الزراعية، ولعدد كبير من المشتغلين في قطاع الخدمات الرديفة الداعمة لاحتياجات زراعة وتسويق الحمضيات، وهذا كله دفع الكثيرين ممن يطرحون موضوع المعمل المنتظر المرتقب إلى وصفه بمشروع اجتماعي اقتصادي تنموي قبل أن يكون مشروعاً زراعياً صناعياً لاعتبارات كثيرة لا حدود لها، ولا مجال للخوض والتفصيل فيها، فالمهم أن يتحرك العمل بإنجاز المشروع، سواء من خلال نهج تشاركي، أو استثماري، أو أي نمط تشغيلي، لأن التصنيع حل ضروري ومطلوب لدعم تصريف فائض محصول الحمضيات.

مروان حويجة