غيـاب فـي الـدور وارتبـاك فـي الأداء.. الوحدات الإرشادية في مواجهة شكاوى الفلاح.. وضعف الرقابة الدوائية أنعش السوق السوداء

غيـاب فـي الـدور وارتبـاك فـي الأداء.. الوحدات الإرشادية في مواجهة شكاوى الفلاح.. وضعف الرقابة الدوائية أنعش السوق السوداء

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٠ أكتوبر ٢٠١٧

وصل المزارع لمرحلة الحصاد… حصاد نتائج تعبه طوال عام كامل… نتائج يترتب عليها الكثير من المهام المادية الملقاة، فمزارع السويداء يشكل الإنتاج الزراعي في الغالب مصدر دخله الوحيد أو الأساسي، وترتيب أوراقه البيتية تعتمد على حصاد بيدره، وما يجنيه منه من غلال، حصاد محفوف بالكثير من المخاطر “وحرق الأعصاب” حتى الوصول إلى نهاياته، بدءاً من عمليات التقليم والحراثة والمكافحة الحيوية، كلها مراحل لابد من المرور بها، وفي كل مرحلة الكثير من المحاذير والمخاطر التي يجب تجنبها للوصول إلى المرحلة التالية.. في السنوات الأخيرة بات الخطر الأهم إلى جانب العوامل الجوية هو عدم فعالية المبيدات الحشرية في ظل ضعف الرقابة الحكومية عليها، وسيطرة السوق السوداء على عمليات البيع بشكل انعكس بشكل واضح على جودة الإنتاج وتسويقه، وبالتالي المردودية المالية، فمن المسؤول عن انتشار أدوية غير نظامية في الأسواق، وأين دور الوحدات الإرشادية في عمليات المتابعة، ومن يتحمل تبعيات تلك الخسائر؟.
نريد تعويضاً
زيارة واحدة لأي بستان في قرى السهوة ومياماس وقنوات ومفعلة، وهي مناطق إنتاج أساسية لمحصولي العنب والتفاح في المحافظة، يدرك الزائر فوراً حجم الكارثة التي حلت بالفلاحين.. يقول كرم، وهو فلاح يملك عشرات الهكتارات من الأراضي: إن إنتاجه هذا العام تعرّض لكارثة التسوس كما وصف لنا، فإنتاجه يصل إلى 12 طناً سنوياً، معظمه  تعرّض للتسوس.
الفلاح السيتيني الذي أمضى معظم حياته في العمل الزراعي، ويدل ترتيب بستانه على مدى اهتمامه بالعمل الزراعي، إضافة إلى امتلاكه الخبرة الكافية للتعامل معه، إلّا أن “الدواء المغشوش” على حد وصفه هو سبب خسارته هذا العام، ونفى نفياً قاطعاً أن يكون عدم الالتزام بمواعيد الرش هو السبب في ذلك، فهو ليس جديداً على المصلحة كما يقول، وأنه ملتزم بتعليمات الوحدة الإرشادية والمواعيد التي تحددها، إلّا إذا كانت الوحدة نفسها لا تعطي مواعيد دقيقة، ويضيف: حالة المزارع كرم ليست الوحيدة، فمعظم فلاحي قرية مفعلة يعانون من المشكلة ذاتها، فهل جميعهم لم يلتزموا بمواعيد الرش إذا كان السبب هو ذلك؟ والحال ينسحب على قرى قنوات والسهوة ومياماس وغيرها من قرى الإنتاج، حيث طالب الفلاحون بتعويضهم عن خسارتهم تلك والتي يرجعون أسبابها إلى عدم مراقبة المبيدات الحشرية من قبل الحكومة، وتقصير الوحدات الإرشادية، وفي كلتا الحالتين لا يتحمل المزارع السبب والخسارة بمفرده.

صالة أفراح
رئيسا الجمعيتين الفلاحيتين في مياماس ومفعلة يختصران الحالة، فيقول  نصر أبو عاصي رئيس الجمعية الفلاحية في مياماس: إن المشكلة في دور الوحدات الإرشادية المهمش، وعدم حضورها بين الفلاحين كمرشد وموجه خلال فترة الموسم في المنطقة، كما يقول بأسلوب ساخر: ” نقترح كجمعية فلاحية أن نحول مقر الوحدة الإرشادية إلى صالة أفراح بدلاً من أنها تأخذ مكاناً، ولا يستفيد منها أهالي القرية بشيء”
أما رئيس الجمعية في قرية مفعلة فضل الله دعيبس، فيؤكد أن الفلاحين يعانون من كثرة حالات الإصابة بين الثمار، وعدم فعالية المركبات الموصوفة للرش مع اختلاف الضرر من محصول لآخر.
أما لرئيس الرابطة الفلاحية معين كاسب رأي آخر، فانتشار دودة الثمار (السوس) في محصول التفاح يعود إلى عدم التزام الفلاحين بمواعيد الرش، وضعف الخبرات الزراعية لديهم ليضرب لنا أمثلة عن البساتين التي يتكفل بها مهندسون زراعيون لم تصب ثمارها بالسوس أسوة بباقي البساتين، علماً أن رابطة المدينة تسعى للوصول إلى الفلاحين وتأمين مستلزماتهم ضمن الإمكانيات المتاحة من السماد أو المازوت، وحسب التنظيم الزراعي  2 ليتر للدونم الواحد مع المطالبة بزيادتها لعدم كفايتها، واقتراح زيادة كمية المخصص إلى ثلاثة ليترات من المازوت للأشجار المثمرة وليترين للمحاصيل الحقلية تفادياً لتقصير الفلاحين في متابعة حقولهم من فلاحة ورشوش بالشكل اللازم، وعدم الوقوع تحت رحمة دودة الثمار بالإضافة إلى ضرورة توفر جميع الأدوية مثل معقمات البذور غير الموجودة حالياً وسماد (البوتاس) ذي النتيجة الفعالة بعد انقطاعه في العامين الماضيين عن السوق الوطنية.

نقص في الأدوية
صاحب الأربعين عاماً من الخبرة المهندس كمال العيسمي يقول: إن الشركات السورية لوقاية المزروعات تعاني من نقص في بعض الأدوية وقلة ثقة الفلاحين بمدى فعاليتها، لكنه لا توجد خيارات واسعة أمام أصحاب الصيدليات، فليس هناك سوى ثلاث شركات وطنية محلية تفرض سياستها عليهم كتحميلهم لأنواع من الأدوية تندر الحاجة أو الطلب عليها، وبالمقابل أيضاً فإن الشركات الخاصة تفرض أسعارها على السوق بالدولار دون مراعاة ظروف الفلاح واقتداره.
وبالنظر إلى قانونية هذه الأدوية، يجيب العيسمي بأن جميعها، سواء كانت محلية أو أجنبية، يجب أن تكون ممهورة بموافقة مديرية البحوث الزراعية، ووزارة الزراعة، ونقابة المهندسين الزراعيين، مع مراقبة الصلاحية النقطية على الغطاء، علماً أنه لا يجب طرح أي منتج في السوق قبل أن يمر على مركز البحوث للتأكد من النسب المطروحة على العبوة، وضمن فترة تجريبية لمدة ثلاث سنوات للتأكد من فاعليتها على الأشجار المثمرة، وانحلالها الصحيح بالتربة.
ويضيف العيسمي: “إن العقلية الزراعية غير الحرفية للفلاحين هي العامل الرئيس في الوقوع بفخ قلة الإنتاج، وتناقل الأمراض بين الثمار الموسمية مقارنة مع الفلاح الأمريكي”، فحسب مجلة الأغذية الزراعية والعربية من الخرطوم، فإن كل فلاح أجنبي يوازي بخبرته ٦٥ فلاحاً عربياً على الأقل، رغم أن الطاقة العاملة للولايات المتحدة هي ٩ بالمئة من مستوى العالم، لكنها تشكّل ٣٥ بالمئة من الإنتاج  الزراعي العالمي، وهنا يكمن دور الإرشادات الزراعية المنتشرة في أنحاء المحافظة بلا جدوى أو عمل يذكر!.
وعلى ذلك فإن الدكتور أيهم صاحب مركز الخبرة لتوزيع الأدوية الزراعية اعتبر أن طريقة التعامل مع الأرض هي أساس الحفاظ على المحصول، فيقول: “إن النذر الخبيرة والمكافحة المستنيرة هي ما نبحث عنه في متابعة أراضينا، وعندما تكون مستطلعاً جيداً تكون مكافحاً جيداً للقضاء على الآفات التي تحل بمواسمنا”.

صيدليات مخالفة
تناقلت الأوساط الفلاحية كما الإعلامية خبراً مهماً نوعاً ما وهو ضبط 14 صيدلية ومحلاً لبيع الأدوية الزراعية لاحتوائها على مواد غير نظامية، إضافة إلى فتح بعضها دون ترخيص، وتسجيل تنبيه للصيدليات والمحال لعدم وجود المشرف الفني ضمنها، وأن الضبوط سجلت 3 صيدليات ومحل في بلدة قنوات، و5 ضبوط في بلدة المزرعة، و3 ضبوط في بلدة الكفر، إضافة إلى ضبطين في مدينة السويداء، ومثلهما في بلدة القريا.
ويتابع الخبر بأنه بعد ورود العديد من شكاوى المزارعين حول عدم فعالية بعض الأدوية الزراعية، ثبت وبالمطلق قيام بعض الصيدليات ومحال بيع الأدوية الزراعية باستقدام وبيع بعض الأدوية غير النظامية، والمهربة غير معروفة المصدر، فضلاً عن عدم معرفة محتوى تلك الأدوية، ومدى تأثيرها على الإنسان، والنبات، والبيئة، وأن مديرية الزراعة مستمرة في متابعة جميع الصيدليات والمحلات المختصة ببيع الأدوية والمواد الزراعية، حرصاً على سلامة المزارعين والمواطنين، والالتزام بالقوانين النافذة، حيث تمت مصادرة المواد المخالفة، وحجزها أصولاً، ومن ثم تحويل الضبوط إلى القضاء المختص.
هذا الخبر يحمل الكثير من الدلائل، فـ 14 صيدلية تبيع أدوية غير نظامية، هو بحد ذاته يشكّل كارثة، علماً أن تلك الصيدليات ليست الوحيدة، وبالتالي الدواء المغشوش وغير النظامي موجود وبكثرة، ويباع للفلاحين عديمي الخبرة، كما يصفهم أصحاب الاختصاص، فمن المسؤول؟!.
يقول المهندس أيهم حامد مدير الزراعة: إن الإصابة بدودة ثمار التفاح كانت واضحة هذا العام، ويعود ذلك لعدة أسباب أبرزها التغير في الظروف الجوية، وعدم التزام المزارعين بمواعيد المكافحة المناسبة، وإهمال المتابعة مع الوحدات الإرشادية، فهذا العام هناك مجتمع حشري كبير، وحمل قليل، وبالتالي يحتاج لمتابعة ومراقبة، مؤكداً وجود برنامج لدى مديرية الزراعة للعام القادم بإقامة حملات التوعية، والندوات حول نقص الحمل، وكذلك زيادة عدد المصائد.
وحول نوعية المبيدات المستخدمة بيّن حامد أنه لا توجد ذرائع للالتجاء لأدوية غير نظامية، وإن كان هناك فقد في بعض الأدوية، فهناك بدائل، وحتى إن كانت أسعارها مرتفعة، إلا أنها موثوقة، خاصة أن تلك الأدوية غير النظامية، وإضافة إلى عدم وثوقيتها، فإنها تحوي مواد مسرطنة!.

السوس ينخر
مشكلة المبيدات الحشرية ومدى فعاليتها تعتبر حديث فلاحي المحافظة اليوم وبالأمس وفي الغد، وطبعاً من السهل على المسؤولين أن يقولوا: إن المبيدات فعالة، والمزارع غير مبال، وبالتالي ترحيل المشكلة، أو الهروب منها، علماً أن الهروب من ذلك يحمل الإرشاد الزراعي مسؤوليات كبيرة، فماذا يفعل هذا الإرشاد إذا لم يكن الفلاح بخير فنياً وزراعياً، فهل يقوم بدوره على أكمل وجه، أم أنه يتحمّل كامل المسؤولية عن التفاح “المسوس” إذا كانت سوق المبيدات خالية من الشوائب، والخيارات متوفرة، ولا يوجد أي مبرر للفلاح بعدم شراء مبيدات ذات فعالية عالية وموثوقية كبيرة؟!.
وبعيداً عن طرفي هذه المعادلة التي نجد أن وزارة الزراعة والبحوث الزراعية معنية بموازنة حديها، سواء بتفعيل الإرشاد الزراعي، أو مراقبة تلك المبيدات، فلابد من معاملة المبيدات معاملة الأسمدة لجهة احتكارها من قبل جهة معينة، وتوزيعها على المزارعين مع ضمانها لموثوقيتها، وعدم تبديل لصاقتها، فلا أحد يستطيع أن يجزم بعدم وجود صفقات تبديل لصاقات بين المعنيين بعمليات التدخيل والتخريج، والمعاينة والمطابقة، والرصد والمتابعة، وبين تجار استغلال الأزمات، وباعتبار أن مزارعنا قليل الخبرة والدراية بالشأن الزراعي، لابد من الأخذ بيده بتأمين المبيدات الفعالة والآمنة بعيداً عن تلاعب التجار، وكذلك إرشاده وتوعيته نحو الطريق الأمثل للوصول إلى منتج بلا “سوس”، وباعتقادي أنه لهذه الغاية وجدت دوائر الإرشاد الزراعي المنتشرة في كل قرى القطر، وتنفق عليها ملايين الليرات سنوياً.
رفعت الديك-البعث