«بـاصات وسرافيس» قديمة «سـكراب» لنقـل الـركاب.. خسائر بشرية وأذيات جسدية ومادية لغياب الفحص الفني للمركبات

«بـاصات وسرافيس» قديمة «سـكراب» لنقـل الـركاب.. خسائر بشرية وأذيات جسدية ومادية لغياب الفحص الفني للمركبات

أخبار سورية

السبت، ١٤ أكتوبر ٢٠١٧

محمد هواش قنبس- لمى علي 

في مراكز وكراجات انطلاق حافلات نقل الركاب يسخر السائقون من مواصفات مركبات بعضهم بعضاً وفي الأمس صعدت إلى أحد السرافيس في كراج الفحامة للذهاب إلى منطقة نهر عيشة وأخذ صاحب السرفيس أحمد الذي ركبت فيه يسخر ويتهكم على حال سرفيس صديقه ماهر الذي تعرض إلى ضرر كبير في هيكله الخارجي ولم يقم بإصلاحه رغم مضي أكثر من عامين على الحادث الذي نجم عنه هذا الضرر، وعلى أي حال فإن السرفيس الذي كنت أركب فيه لم يكن فيه مقعد صالح للجلوس ولا مكان بداخله سالم من العيوب وكلما نزل أو صعد راكب يتعثر إما بجرح في جسده أو تمزيق لثيابه نتيجة نتوءات الحديد والبراغي والبللور المكسور وعدد الكراسي الإضافية الزائدة داخل السرفيس الذي يتعرض بابه إلى الوقوع عند نزول وصعود كل راكب أيضاً إضافة إلى معاناتنا من كثافة الدخان المتصاعد من أحد باصات النقل الجماعي الذي سار بجانبنا على الطريق.. عندها أثارنا الفضول لسؤال سائقي السرافيس وباصات النقل الجماعي والتكاسي عن الإهمال وسوء الحالة الفنية التي حلت بمواصفات مركباتهم فقالوا: في السابق كانت العناية بالمواصفات الفنية وشكلها الخارجي والداخلي أمراً محتوماً ومفروضاً على أصحاب المركبات بمختلف فئاتها، نظراً لإجراء الفحص الفني الدوري لهذه المركبات من قبل لجنة فنية في مديريات النقل في المحافظات التي تم فيها تسجيل هذه المركبات، ومنذ عام 2011 لم يتم إجراء الفحص الفني اللازم لمركباتنا وكلنا يعلم أن إجراء الفحص الفني لمركباتنا أمر ضروري لضمان سلامة المركبة ومدى صلاحيتها للسير على الطرقات حتى إن عناصر دوريات المرور على الطرقات لا يهمها سوى التدقيق على بطاقة التأمين للسيارات فقط وأنه منذ ذلك التاريخ لم نبلغ عن موعد لترسيم مركباتنا حتى اليوم لذلك نشاهد معظم المركبات التي تجوب طرقاتنا تعاني عدم توافر المواصفات الفنية التي تؤهلها للعمل واستخدام الطريق وتحقيق كل متطلبات السلامة لحماية الركاب والمشاة على الطريق.
وفي تقرير صادر عن إدارة المرور من وزارة الداخلية حصلت تشرين على نسخة منه يتبين أن نسبة كبيرة من المركبات التي يفوق عددها 2.3 مليون سيارة في القطر قديمة وقد انتهى عمرها الزمني «سكراب» مثل الباصات والسرافيس المستخدمة كوسائط نقل للركاب كما ذكرنا والأسطول القديم للسيارات الحكومية من دون الأخذ بالحسبان المواصفات الفنية لهذه السيارات التي تعد أيضاً أحد أسباب التلوث الضارة بالبيئة وصحة الإنسان بسبب الدخان المتصاعد وتشكل الغازات المنبعثة من عوادم السيارات التي تزيد نسبتها في هواء دمشق عدة أضعاف عن النسب المسموح بها وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية التي تؤدي إلى أمراض رئوية وتحسسية وسرطانات وغيرها، لذلك، فإنه من الواجب والضرورة أن يتم اتخاذ الإجراء اللازم لفحص كل المركبات من مختلف الفئات وتوفير المكان المناسب لذلك، على أن يتم فحص المركبات بشكل حقيقي وليس شكلياً وأن يكون الفحص شاملاً وليس جزئياً للمحرك والكوابح والمساحات والإطارات وحزام الأمان والشكل الخارجي ومواصفات المركبة والتعديلات التي طرأت عليها والمرايا والأنوار والأبواق وعدد المقاعد باعتماد الفحص الفني الإلكتروني الحديث الذي يحدد سلامة المركبة بشكل آلي ومدى جودتها لنقل الركاب وعدم السماح بسير هذه المركبات إلا بعد إصلاح العيوب واستدراك النواقص والمواصفات وتجهيز المركبة بما يتناسب مع المعطيات المحلية والبيئية وتوفير مستلزمات الأمان فيها.
أسباب أخرى للحوادث
ويلفت التقرير إلى أن حوادث المرور في بلدنا تشكل إحدى المشكلات المهمة في سلم الحوادث بشكل عام وينجم عنها خسائر بشرية وأذيات جسدية تترافق بإعاقات جزئية أو كاملة وعاهات مشوهة وقصور في الحواس تتأتى عنها آثار اجتماعية كبيرة، فضلاً عن الخسائر المادية الفادحة التي ترهق الاقتصاد الوطني .
وتأتي في مقدمة أسباب الحوادث إضافة لما ذكرناه من عدم توافر المواصفات الفنية التي تؤهل المركبات للعمل واستخدام الطريق ورداءته الطرق وعدم توافر المواصفات الفنية المرورية كمسبب مهم للحوادث المرورية وعدم ضمان سير المركبات الآمن والخالي من الخطورات والتعرض إلى حوادث مرورية مفاجئة وعدم استخدام أنظمة التحكم الحديثة على الطرقات مثل مراقبة إشارات السير وحركة السيارات والكاميرات والرادارات واللوحات الإرشادية المضيئة للسيطرة بشكل أفضل على كل مفاصل التدفق المروري، كما يسبب عدم التأهيل الجيد للسائقين المستخدمين للمركبات والطريق الكثير من الحوادث، حيث من الضروري ومن خلال مدارس السياقة أن تتوافر في السائق قبل منحه رخصة القيادة كامل الأهلية من حيث القدرة على القيادة والتعامل مع المركبة بشكل صحيح كوسيلة نقل وقضاء الحاجة والالتزام بمبدأ «قيادة المركبة فن وذوق وأدب» ومن هذا المنطلق يجب إعادة دراسة أوضاع مدارس السياقة وتنظيم هيكل عملها وفق الشروط التي تكفل تخريج سائقين مؤهلين بشكل جيد مع التركيز على السلوكيات الصحيحة عند السياقة ليكون السائق صمام الأمان في البيئة المرورية.
ضحايا وخسائر مادية
من المؤسف جداً أن خسائرنا من حوادث الطرق تطول نسبة كبيرة من فئة الشباب التي هي الأكثر إنتاجية وفعالية في قوة العمل ثم يأتي الأطفال في المرتبة الثانية كضحايا من هذه الحوادث، وتبين إحصائية إدارة المرور في وزارة الداخلية المتوافرة لدينا أن عدد الحوادث المرورية التي حدثت خلال العام الماضي كمؤشر على ضرورة إجراء الفحص الفني للمركبات وصل إلى 8357 حادثاً مرورياً نتج عنها 714 حالة وفاة و3797 جريحاً منهم 1149 جريحاً عمره أقل من 18 عاماً و791 جريحاً أقل من 29 عاماً و1182 جريحاً أقل من 49 عاماً و652 جريحاً أكثر من 50 عاماً وعدد المتوفين الذين هم أقل من 18 عاماً 84 حالة وفاة وأقل من 29 عاماً 333 حالة وفاة وأقل من 49 عاماً 231 حالة وفاة وما فوق 50 عاماً 66 حالة وفاة، وفي تفصيل حالات الحوادث وصل عدد حوادث الصدم إلى 5421 بنسبة 63% من عدد الحوادث و2714 حادث تدهور بنسبة 32% و156 حادث دهس بنسبة 3% و66 حادث حريق بنسبة 1,5% نتجت عن هذه الحوادث خسائر مادية مباشرة فقط تصل إلى 521 مليون ليرة وبلغ عدد المركبات المشتركة بأسباب الحوادث المذكورة 11667 مركبة منها 3632 مركبة عامة و3943 مركبة خاصة و400 باص و935 ميكرو باصاً و1458 شاحنة و125 سيارة أشغال و458 سيارة حكومية و716 دراجة.
المخالفات المرورية
وأشار التقرير إلى أن عدد الضبوط المرورية المنظمة في محافظات القطر خلال العام المذكور 94947 ضبطاً مرورياً نتجت عن عدم الالتزام بأنظمة السير وعدم تطبيق المادة المتعلقة بحزام الأمان داخل المدن بحجة عدم فائدته في السرعات المنخفضة داخل المدن، علماً أن كل التجارب والإحصاءات الدولية والمحلية أثبتت أهمية استخدام حزام الأمان حتى في سرعة 20 كم في الساعة، إضافة إلى تجاوز الحمولات الزائدة المحددة للمركبة وقيادة المركبة من قبل سائقين لا تخولهم رخص قيادة المركبة قيادتها والتجاوزات الخاطئة وتغيير مواصفات المركبة وإعاقة المرور وترك أبواب مركبات النقل الجماعي مفتوحة واستعمال المسجل أو الراديو بشكل يؤدي إلى إزعاج الآخرين وعدم العناية بنظافة المركبة وتسيير المركبات بشكل غير لائق وغيرها من الأسباب.
الاعتماد على الاهتمام الشخصي
وأشار مدير النقل الطرقي في وزارة النقل محمود أسعد في حديثه لـ «تشرين» إلى أن غياب الفحص الفني للمركبات الذي كانت تقوم به مديريات وزارة النقل بشكل سنوي لجميع المركبات العامة والخاصة، جاء بعد موافقة رئاسة مجلس الوزراء على المقترح المقدم من قبل الوزارة، بقرار صدر عام 2011، وكانت الأسباب التي قدمتها وزارة النقل وفقاً لحديث أسعد، أن الظروف الحالية للأزمة التي لا تخفى على أحد شكلت عقبة حقيقية أمام دخول وخروج السيارات إلى مديريات النقل في عدة مناطق لإجراء الفحص الفني، ويعود ذلك إلى قطع عدد من الطرقات المؤدية إلى تلك الأماكن، وخروج أخرى من الخدمة بسبب الأعمال الإرهابية، موضحاً أنه في الوقت الحالي تقوم مديريات النقل بإجراء الفحص الفني بشكل إجباري على جميع المركبات عند نقل الملكية وتجديد الترخيص.
وعن الآثار السلبية لغياب الفحص الفني الإجباري السنوي للمركبات والمترافق مع إهمال كبير من قبل مالكي وسائقي تلك المركبات في إجراء فحوصات دورية لها، ما ينتج عنه خلل في آلية عمل تلك المركبات التي تؤثر سلباً في المحيط، يجيب أسعد: الاعتماد حالياً يكون على الاهتمام الشخصي لأصحاب تلك المركبات بها، فأي صاحب ملكية سيعمل على المحافظة على أملاكه بالقدر المستطاع، وسيكون مهتماً بسلامة مركبته أكثر من أي جهة أخرى، لذلك نرى أصحاب المركبات الخاصة يقومون بإجراء الفحص الفني لدى أماكن الصيانة الخاصة بشكل شبه دوري.
دراسة ضبط الموضوع
أما عن المركبات التابعة للجهات العامة، فيقول أسعد أنها لا تخضع لفحص فني دوري، وأنه لا يمكن ضبط هذا الموضوع حالياً، لأن أجهزة الفحص الفني لم تعد موجودة أساساً، فمنها دُمر ومنها تعرض لعطل ما ولم تتم صيانته، وتالياً لا يمكن في الوقت الحالي إعادة تفعيل الفحص الفني الدوري من جديد.
وتابع: تقوم وزارة النقل حالياً بدراسة مشروع إعادة تفعيل الفحص الفني الدوري للمركبات، لكن هذا المشروع بحاجة إلى وقت ليصبح جاهزاً للتطبيق، وبحاجة لإعادة بناء أرضية متكاملة للقيام بهذا العمل، من خلال تجهيز مديريات النقل الـ 14 في المحافظات ومراكز الفحص الخاصة بها، وتزويدها بالأجهزة اللازمة.
غيمة سوداء فوق المدن
المهندس البيئي محمد دبرها يوضح أن احتراق الوقود في المركبات بشكل غير كامل ينتج عنه غاز أحادي أوكسيد الكربون «co»، وهو غاز شره جداً، يتصف بأن دخوله إلى الرئة يجعل كريات الدم الحمراء ترتبط فيه بدلاً من ارتباطها بالأوكسجين، فينتقل مع الدم إلى خلايا الجسم، ما يسبب مشاكل صحية كبيرة، إضافة إلى التأثير الضبابي لعوادم المركبات التي تسبب ضباباً دخانياً يتشكل فوق المدن خصوصاً في ساعات الصباح الباكر، والضباب الدخاني هو ارتباط جزيئات «co2» مع بخار الماء الموجود في الهواء، وبظروف معينة من الضغط الجوي ودرجات الحرارة يتكاثف ذلك المزيج في الارتفاعات القليلة فوق المدن المزدحمة، ويتسبب في حدوث احتباس حراري في الجو، ما يؤدي إلى جعل جو المدينة في فصل الشتاء أعلى من حيث درجات الحرارة بكثير من محيط المدينة، كما تزيد درجات الحرارة صيفاً بزيادة جزيئات هباب الفحم المنتشرة في الجو، إضافة إلى الضباب الدخاني يتشكل مزيج آخر من الغازات أهمها كبريت الهيدروجين، وهذا المزيج يبعث رائحة كريهة في الجو، ويسبب مشاكل صحية كالالتهابات والتسممات التنفسية.
ويضيف م. دبرها أن هذه المشاكل البيئية تكون أقل تأثيراً في المركبات الحديثة لكون محركاتها مزودة بنظام مزج للأوكسجين ببخار الوقود، وهذا يسبب احتراقاً كاملاً ويخفف من انبعاث «co»، وتزيد تلك المشاكل والتأثيرات السلبية على البيئة في المركبات المهملة التي لا تخضع لفحوصات دورية وتحقق شروط السلامة الفنية.
حماية البيئة بمراقبة المركبات
وعن الحلول الممكنة لحماية البيئة من هذا النوع من التلوث يوضح دبرها: يمكن أن يكون الحل بتغيير نوع الوقود متل استخدام الغاز بدل المازوت والبنزين، فهو وقود أرخص من حيث التكلفة وانبعاثاته الغازية أقل لكن اشتراطات السلامة فيه أصعب من أنواع الوقود الأخرى، كما يمكن تزويد المركبات القديمة بفلاتر تصفية. من جانب آخر، من الممكن أن تعمل الحكومة – كما في الدول المتطورة – على فرض ضرائب بيئية على المركبات التي تستخدم الوقود السائل أو تستخدم كميات كبيرة من الوقود، مقابل تخفيض الضرائب على المركبات الصديقة للبيئة أو التي تكون أقل ضرراً على البيئة في الحد الأدنى، وهذا يحتاج متابعة من قبل الجهات المعنية لجميع المركبات وإخضاعها إلى فحص دوري وتقييم الضرر الذي تسببه كل منها على البيئة.
أمراض صدرية وقلبية وحوادث مميتة
من المعروف أن إهمال الحالة الفنية للمركبات يؤدي إلى آثار سلبية على صحة الإنسان ناتج بشكل أساس عن انبعاث غازات عوادم ضارة بشكل كبير، لكن الحالات التي يعد ضررها أكثر من مجرد آثار سلبية، هي التعرض للحوادث بسبب عدم توفر حالة السلامة الفنية للمركبة، وقد تؤدي تلك الحوادث إلى الموت، وهذا يعود إلى عدم القيام بفحص دوري فني للمركبة يؤكد سلامتها وأمنها من احتمال التعرض للحوادث المرتبطة بحالة المركبة فنياً.. وبالعودة إلى الآثار السلبية على صحة الإنسان يوضح الطبيب فهد أسعد (اختصاصي قلبية) أن الدخان والغازات الناتجة عن عوادم المركبات خاصة تلك التي تعتمد على وقود المازوت لها الكثير من التأثيرات السيئة على صحة الإنسان، فهي قد تحرض على حدوث نوبة ربو لدى الأطفال الذين يعانون أساساً من مرض الربو، وقد تؤدي أحياناً إلى إصابة الشخص الذي يتعرض لها بشكل كثيف إلى إصابته بمرض الربو، إضافة إلى احتمال الإصابة بالعديد من الأمراض الصدرية والقلبية التي قد تؤدي إلى الوفاة، ومن تلك الأمراض يمكن ذكر: داء الشرايين الإكليلية، قصور القلب، اللانظميات القلبية، الربو، التهاب القصبات الساد المزمن COPD، سرطان الرئة إضافة إلى الداء السكري.
ويبين الطبيب أسعد وجود عدة دراسات طبية عالمية درست وأكدت وجود علاقة سببية ما بين تعرض الإنسان لغازات عوادم السيارات وتسرع تصلب الشرايين لديه، كما أن هذه الغازات تؤثر في سرعة ضربات القلب بشكل سلبي، إضافة إلى ما تسببه من توتر نفسي يؤثر في الصحة بشكل عام، ويؤثر سلباً في صحة القلب والأوعية الدموية بشكل خاص. مشيراً إلى أن التلوث الناتج عن عوادم المركبات لا يمكن عزله عن تلوث الجو ككل والناتج عن بقية الأسباب كدخان المصانع وغيرها من الملوثات البيئية.