زيت الزيتون.. تداول تجاري خارج معادلة العرض والطلب.. وزيادة مؤشرات الإنتاج لا تكبح الأسعار

زيت الزيتون.. تداول تجاري خارج معادلة العرض والطلب.. وزيادة مؤشرات الإنتاج لا تكبح الأسعار

أخبار سورية

الخميس، ١٩ أكتوبر ٢٠١٧

من المفترض أن تحمل المؤشرات الإنتاجية المرشح الوصول إليها في محصول الزيتون خلال الموسم الحالي زيادة منتظرة في الزيت المستخلص من الثمار التي تبشّر بحسب توقعات الإنتاج غلّة وفيرة، ما يعني زيادة في العرض على حساب الطلب، لأنه من الطبيعي أن ينسحب إنتاج الثمار تلقائياً على المعادلة الإنتاجية نفسها في مادة زيت الزيتون المنتظر استخلاصها من الثمار، ولايخفى أن زيت الزيتون لم يعد مادة غذائية ميسّرة سعراً ونوعاً وكماً رغم أهميتها، وضرورتها للمائدة اليومية، لأنّ اشتداد الطلب عليها خلال السنوات الماضية بفعل تأثرها بالأزمة التي انحسرت معها المساحات المستثمرة على مستوى القطر،  أحالها إلى مادة احتكارية بامتياز جراء جشع التجّار والمحتكرين، ما أدى إلى تضاعف سعر الصفيحة عدة مرات خلال السنوات الثلاث الماضية ليتعذّر تمكين الأسرة من تأمين الحد الأدنى من احتياجاتها من هذه المادة الخارجة عن القيود الرقابية والضوابط التموينية رغم كل ما تعلنه الجهات المعنية عن إجراءات لضبط الأسعار، ومنع الاحتكار، وتحقيق المواصفات، إلّا أنّ الوقائع والمؤشرات تنأى بعيداً عن الرقابة النظرية، ولذلك فإن ما أفصحت عنه “الزراعة” من زيادة إنتاجية مرتقبة في محصول الزيتون هذا الموسم الذي دخل طور الجني يضع المؤسسات التسويقية والتموينية أمام مسؤوليتها المباشرة في ضبط عملية تداول زيت الزيتون بما يكفل استقراره في السوق لصالح المستهلك الذي يبحث عن صفيحة زيت سليمة بجودتها ومعقولة سعراً، وهذا الاستقرار الاستهلاكي لن يتحقق بيسر وسهولة بتعليمات نظرية وإجراءات روتينية، لأنّ سوق زيت الزيتون بورصة بحدّ ذاتها يستأثر تاجر السوق السوداء بجلّ أسهم ربحها المضاعف، أما المنتج والمستهلك فغالباً ما يتحمّلان أعباء الجشع والاحتكار.
ارتفاع مضاعف في سعر الزيت
سجّل موسم 2016-2017 ارتفاعاً خيالياً في سعر صفيحة زيت الزيتون مقارنة مع الموسم الماضي، حيث تخطّى سعر صفيحة الزيت أكثر من 30 ألف ليرة مع ندرة حقيقية في الحصول على المادة بالجودة المطلوبة وبالسعر المقبول، وذلك بسبب قلة إنتاج الزيتون خلال موسم 2016 الذي لم يتجاوز 70 ألف طن من ثمار الزيتون بفعل ظاهرة المعاومة، وهذا ما انعكس تلقائياً على تراجع كمية الزيت المستخلص، وتوازي  التراجع الإنتاجي مع الارتفاع السعري، لنكتشف أن كل ما أثير خلال العام الماضي، وما قبله عن إجراءات وبرامج لتحقيق التوازن في تداول زيت الزيتون بتشارك عدة مؤسسات تسويقية وإنتاجية وبحثية وتصديرية  عامة وأهلية لم يتحقق، كما لم تسهم في كبح جماح الأسعار، ولا في توفير المادة المطلوبة في السوق المحلية، ولاسيما المادة المحققة للجودة والنوعية،  وهذا ما كان معوّلاً عليه – على سبيل المثال –  من  مشروع  بنك زيت الزيتون السوري لدعم صغار المنتجين وحمايتهم  عبر تمويل إنشاء خزانات ستانلس كبيرة بالمواصفات العالمية للتخزين تستوعب الدرجات المختلفة للزيت السوري، وإنشاء إدارة لها كشركة مستقلة، حيث يقوم صغار المنتجين بإيداع الزيت في الخزانات كتخزين مأجور بالمواصفات الصحية المناسبة يعاد عند الطلب، أو يمكن أن يتم شراء الزيت منه، وتخزينه لحساب الشركة، والهدف من البنك السيطرة على أسعار زيت الزيتون السوري من خلال الموازنة بين العرض والطلب، والحفاظ عليه لتسويقه في أوقات ذروة الأسعار العالمية، وإمكانية تلبية الطلبات الخارجية والطلبات الداخلية للمعامل، ولكن الواقع لا يزال على حاله.

زيادة في المؤشرات الإنتاجية
كشفت  مديرية زراعة اللاذقية عن تقديرات  أولية  للمؤشرات الإنتاجية المتوقعة لمحصول الزيتون للموسم الحالي 2017 -2018 الذي يدخل طور مرحلة الجني خلال شهر تشرين الأول الجاري بحوالي  185 ألف طن، وأوضح المهندس منذر خير بك مدير زراعة اللاذقية أن كميّة زيت الزيتون المتوقع استخلاصها خلال الموسم الحالي تقارب 65 ألف طن بحسب  مؤشرات الإنتاج المتوقع من زيت الزيتون في محافظة اللاذقية  المسجّلة في المديرية، مبيّناً أنّ التقديرات الأولية لإنتاج المحافظة من ثمار الزيتون يمكن أن تصل إلى 175 ألف طن، ويمكن استخلاص أكثر من 60 ألف طن زيت، ولفت إلى أن هناك زيادة مضاعفة هذا الموسم مقارنة عن الموسم الماضي،  وعزا خير بك تحسّن الإنتاج هذا الموسم إلى أن هذه السنة تعدّ سنة إقبال باعتبار الزيتون محصولاً معاوماً، إضافةً إلى الظروف الجوية المواتية، والأمطار التي هطلت، والخدمات الزراعية الإرشادية، وأوضح أن المديرية وزعت المصائد الخاصة لذبابة الزيتون، ونفّذت حملة رش لمكافحة مرض عين الطاووس بشكلٍ مجانٍ، وذلك في الأراضي المنخفضة، حيث تغطّي زراعة الزيتون مساحة من الأراضي الزراعية قدرها  49409 هكتارات، ويصل عدد أشجار الزيتون أكثر من 10 ملايين شجرة، منها 9 ملايين شجرة مثمرة، ولفت إلى أنّ موسم محصول الزيتون يعتبر جيداً مقارنة بمواسم السنوات القليلة الماضية، حيث يذهب ما نسبته  20% للتخليل، والباقي للعصر، وتشكل شجرة الزيتون في اللاذقية مصدر دخل رئيسي لأكثر من 60 ألف أسرة.

جاهزية معاصر الزيتون
وأوضح خير بك أنّه تم تشكيل لجنة مختصة للوقوف على جاهزية معاصر الزيت المنتشرة في كافة مناطق المحافظة  من المديريات المعنية، مهمتها مراقبة آلية عمل المعاصر، والعمل على تقدير الكميات التي تحتاجها هذه المعاصر من الوقود لتخصيصها باحتياجاتها الحقيقية، مبيّناً أنّ  هناك/136/معصرة زيتون على مستوى المحافظة، نصفها يعمل بالطرد المركزي، والنصف الآخر آلي، ناصحاً المزارعين بقطاف الإنتاج في النصف الثاني من الشهر الجاري  حرصاً على زيادة المردود والذي سيكون بنسبة/25/بالمئة عن القطاف المبكر، ولفت خير بك إلى أن اللجنة الفرعية للمحروقات اتخذت إجراءات، هدفها التوزيع الأمثل والعادل للمحروقات على المنشآت، ومنها معاصر الزيتون، وتمكينها من الحصول على احتياجاتها ومستحقاتها، والعمل على قمع أية مخالفة، حيث تمّ التوجيه بتوفير مادة المازوت إلى معاصر الزيتون حرصاً على عدم حدوث ابتزاز من شأنه الإسهام بارتفاع الأسعار، وهو أمر لن يتم التهاون معه.

ضوابط بيئية وإنتاجية
وبهدف تحقيق أفضل مؤشرات إنتاجية في عملية استخلاص زيت الزيتون بما يسهم في توفير المادة، وسدّ احتياجات السوق المحلية، فقد اتخذت محافظة اللاذقية تدابير بيئية وإنتاجية لضبط عملية تشغيل معاصر الزيتون، وتنظيم آلية عملها بما يحقق معايير السلامة البيئية، ومؤشرات الكفاءة الإنتاجية للمزارعين، وقد جرى اتخاذ هذه التدابير من خلال لجنة تشغيل معاصر الزيتون في المحافظة، وتركزت التدابير على التقيّد التام بالإجراءات الفنية الناظمة لتشغيل المعاصر، وفي موعدها المحدد، وعدم السماح لأي صاحب معصرة بالعمل قبل الموعد المحدد حرصاً على مصلحة المزارعين في إنتاج كمية أكبر من الزيت بعد نضوج الثمار تحت طائلة فرض عقوبات في حال وجود أية مخالفة تقوم بها المعاصر، وبالتوازي مع  مراقبة تصريف مخلفات معاصر الزيتون من مياه الجفت من أجل الحفاظ على سلامة مصادر المياه والأحواض الجوفية لها، وإلغاء ترخيص أية معصرة زيتون تفتح أبوابها للعمل قبل الموعد الذي تحدده وزارة الزراعة لموسم عصر الزيتون، وإلزام المعاصر بعدم تكديس مخلفات العرجوم أمام المعاصر، والعمل على تصريفها كل أسبوع حفاظاً على السلامة العامة والمياه الجوفية، وإلزام أصحاب المعاصر بالالتزام بالتسعيرة التي تحددها مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وتزويد معاصر الزيتون بمادة المازوت حسب حاجة كل معصرة وعملها، وتشكيل لجان فرعية لمتابعة عمل المعاصر، وفرز فنيين للمتابعة، والإشراف على توزيع مياه الجفت في الأراضي الزراعية والحراجية لتحقيق أكبر فائدة مرجوة من المياه الناتجة عن عمل تلك المعاصر، وتفادياً لأي آثار سلبية يمكن أن يحدثها الاستخدام الخاطئ لها، وترحيلها بشكل دوري بواسطة صهاريج مخصصة لهذا الغرض إلى الأراضي الزراعية المطلوب ريها بماء الجفت.

توازن تسويقي مفقود
يدفع تزايد المؤشرات الإنتاجية نحو ضرورة ضبط ومراقبة حركة تداول الزيت في الأسواق، ولا سيما أن زيت الزيتون تخلّص من عقدة الكساد بوصوله إلى الأسواق الخارجية، ما أدى إلى زيادة حادة وكبيرة في الطلب عليه محلياً، وهذا انعكس ارتفاعاً مضاعفاً على سعر الكيلوغرام، وهنا تكمن أهمية تحقيق التوازن بين احتياجات السوق المحلية، والكميات المصدرة إلى الأسواق الخارجية، لاسيما إذا علمنا أن ارتفاع سعر زيت الزيتون لا يجني ثماره المزارعون المنتجون، لأن عوامل عدة تتداخل على شكل حلقات وسيطة، بدءاً من تكاليف الإنتاج ومستلزماته، وسماسرة السوق الاحتكارية ممن يضعون الربح التجاري البحت فوق أي اعتبار وأولوية، سواء ضرورتها وأهميتها كمادة غذائية استهلاكية أساسية، أو ضرورة سد احتياجات السوق المحلية من هذه المادة، وهذا يجعل من الضروري اعتبار حاجة السوق المحلية أولوية، لأن الجدوى الاقتصادية المباشرة لا تصب عند المزارع المنتج، ويمكن تحقيق التوازن المستمر ما بين استمرار تواجد المنتج المحلي في الأسواق العالمية للحفاظ على سمعة المنتج، وما بين توفيره بأسعار مناسبة في أسواقنا.

متطلبات زراعة الزيتون
يؤكد الدكتور جرجس مخول، عميد كلية الزراعة في جامعة تشرين، في ورقة عمل علمية تسنى لنا متابعتها في ندوة أقيمت مؤخراً في الجامعة حول واقع زراعة الزيتون، على الأهمية التاريخية، والاقتصادية، والاجتماعية لشجرة الزيتون في سورية، انطلاقاً من ارتباط زراعة الزيتون بشكل وثيق بالمجتمع وتقاليده، ولأنها مصدر رزق لعدد كبير من الأسر الزراعية، ولأن زراعة الزيتون متاحة وممكنة في أراض غير قابلة لزراعات أخرى، ولأن زيت الزيتون يعد غذاء صحياً، وذا فائدة طبية للعديد من الأمراض،  ويرى د. مخول أن زراعة الزيتون في سورية تطورت بشكل كبير بعد عام 1980 نتيجة زيادة أعداد البيوت البلاستيكية المنتجة لهذه الغراس لتأمين الطلب المتزايد من قبل المزارعين للتوسع الأفقي والشاقولي في هذه الزراعة، لتبلغ المساحة المزروعة حتى عام 2015 ما يقارب 694931 هكتاراً، أي ما يزيد عن 105 ملايين شجرة، بإنتاج قدره 913299 طناً، وتتوزع المساحات المزروعة على مساحة الوطن بنسب مختلفة بين المحافظات، إذ تتركز في حلب- ادلب- طرطوس- اللاذقية كزراعة مطرية، وفي غوطة دمشق، وتدمر كزراعة مروية، وأجمل د. مخول مشاكل زراعة الزيتون في سورية في اختيار الأصناف، والخدمة الزراعية، والقطاف، وأوضح أن  عمليات الخدمة الزراعية التي تشمل الري، والتقليم، والتسميد، والفلاحة، والمكافحة، والجني، إذا أنجزت بالشكل الأمثل فستسهم في زيادة عدد العناقيد الزهرية، ونسبة العقد، وبالتالي وزن الثمرة، ونسبة الزيت في النسيج اللحمي للثمرة، مع لحظ تأثير الري التكميلي، والتسميد الإضافي في الحصول على أفضل النتائج، إضافة إلى دور عمليات التقليم الصحيح في رفع إنتاجية أشجار الزيتون.

أهمية اقتصادية بالغة
من جهته الدكتور إبراهيم حمدان صقر، أستاذ في كلية الزراعة بجامعة تشرين، يعوّل كثيراً على الأهمية الاقتصادية لزراعة الزيتون، مبيّناً أن الدراسات التاريخية والاكتشافات الأثرية تؤكد أن سورية هي الموطن الأصلي لزراعة الزيتون التي يعود تاريخها إلى ستة آلاف عام، وقد انتشرت زراعة الزيتون في سورية انتشاراً واسعاً في العقود الثلاثة الأخيرة نظراً للأهمية الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، إذ تشكّل مساحته اليوم نحو 62% من إجمالي المساحة المشجرة المثمرة، ويقدر الإنتاج من ثماره ما بين سنة حمل وسنة معاومة بنحو 800 ألف طن سنوياً، وهذه الزيادة في عدد الأشجار والإنتاج رافقتها زيادة في عدد العاملين بها، حيث يقدر بنحو 350 ألف أسرة، ويقدر تعداد أفرادها بأكثر من 2 مليون فرد، أما رأس المال المستثمر في هذا القطاع فيفوق 60 مليار  ليرة سورية، وقيمة زيت الزيتون لوحده تصل إلى نحو 17 مليار ليرة، وتمثّل نحو 2,8% من الدخل القومي.

أعباء وقائية كبيرة
فيما يرى الدكتور نبيل أبو كف، أستاذ وقاية النبات في كلية الزراعة بجامعة تشرين، أن أعباء زراعة الزيتون ليست من السهولة بمكان، ومن هذه الأعباء والمشاكل الآفات الحشرية لشجرة الزيتون، ولاسيما ذبابة ثمار الزيتون، وعتّة الزيتون، وما تتطلبه هذه الإصابات والأضرار من وسائل المكافحة في إطار الإدارة المتكاملة للآفات، والتي تشمل الطرق الزراعية، والميكانيكية، والحيوية، والكيميائية، مبيّناً أن ذبابة ثمار الزيتون تتغذى بيرقات داخل لب الثمرة، ويصبح مكان التغذية بلون بني، وتتسبب بتساقط الثمار إلى التربة، أما الأضرار فتكمن في إتلاف الثمار، وقلة الزيت، وتدني النوعية، وزيادة حموضة الزيت، أما  عتّة الزيتون فلها  ثلاثة أجيال، منها الجيل الزهري، حيث يصيب العناقيد الزهرية، ويمنعها من العقد، والجيل الثمري يصيب الثمار، وتدخل اليرقات لداخل الثمرة، وتتغذى على اللب ونواة الثمرة، وبعد إتلافها تخرج اليرقة من الثقب قرب عنق الثمرة، وتتسبب في إتلافها وتساقطها إلى التربة، أما الدكتور عبد الرحمن خفتة، الأستاذ المساعد في قسم وقاية النبات في جامعة تشرين، فركّز على الأمراض التي تصيب شجرة الزيتون، ومنها مرض عين الطاووس، والعوامل المؤثرة على هذا المرض، وفترات الإصابة به التي تتمثّل في فصلي الربيع والخريف، مبيّناً العوامل المساعدة على انتشاره كالمطر، والرطوبة، والحرارة العالية، كما استعرض د. خفتة كيفية انتشار هذا المرض، حيث قارب على الانتشار بشكل وبائي، وأدى إلى تعري الأشجار في بعض مناطق الانتشار الكبير، وذلك نتيجة غياب الخدمات الزراعية الأساسية من تقليم، وفلاحة، وغيرهما من الخدمات الزراعية.

الوفرة والندرة
يرى الفلاحون المنتجون أن تحسن الإنتاج والأسعار لم ينعكس عليهم مردوداً، وهذا المردود يكاد لا يغطي التكاليف الإنتاجية، ولا يوفّر هامشاً مقبولاً للربح، حيث ارتفعت أسعار المبيدات الحشرية، وأجور العمال، والفلاحة، وزادت أجور الجني ومستلزماته من أكياس، ومدات، وامشاط، بالإضافة إلى أن المعاصر ضاعفت أجورها، لافتين إلى غياب الجهات الرقابية على عمل المعاصر الذين رفعوا الأجور من تلقاء أنفسهم، ويشير بعض المزارعين إلى مفارقة عدم الجدوى في حالتي الوفرة والندرة، إذ يبدو أن الجهات المعنية انشغلت خلال الموسم الماضي وما سبقه بتسويق خططها الورقية المكدّسة بعد استنفاد الترويج لها دون أن تبصر النور، بدليل تمكّن تجار السوق السوداء من احتكار الكمية الأكبر، وطرحها في السوق بأسعار كاوية، حيث يقارب سعر الصفيحة أثناء اشتداد الطلب على المادة نحو (35) ألف ليرة  في الموسم الماضي على مستوى محافظة اللاذقية التي تعتبر منطقة زراعة زيتون بامتياز، لجهة المساحة المزروعة، وعدد الأشجار، وعدد المشتغلين بهذه الزراعة التي يفترض أن تكون زراعة اقتصادية تلقي بظلالها على احتياجات السوق المحلية، وحاجة المستهلك بأسعار معقولة ومقبولة، وكذلك بالنسبة للمواصفات في سوق تداول المادة.

ضبط التداول العشوائي
وإزاء عدم تمكّن المؤسسات المعنية من ضبط التداول العشوائي لمادة زيت الزيتون التي دخلت السوق التجارية الصرفة من أوسع أبوابها دون أن تكون مادة تموينية – كما ينبغي ويفترض – جراء عدم الاهتمام المنتظر بهذه المادة، فإن سعر زيت الزيتون مرشّح لارتفاع جديد وارد ومحتمل،  لأن زيادة الإنتاج لن تشفع له تسويقياً وسعرياً، وهذا يفرض إيلاء حلقة التسويق، ومراقبة حركة تداول الزيت في الأسواق عبر المواءمة بين التصدير الخارجي والتسويق المحلي، أهمية كبيرة، وهذه المواءمة ضرورية لتغطية احتياجات السوق المحلية، ولتحقيق التوازن السعري للمنتج وللمستهلك بآن معاً، إذ لا يخفى على العارفين والمهتمين أن فائض زيت الزيتون شكّل عبر سنوات طويلة عبئاً ثقيلاً على المزارعين والمنتجين جراء كساد فائضه بفعل العجز الكبير عن التسويق الاقتصادي المضبوط للمنتج الذي تتالت خسائر منتجيه الذين تكبدوها دون أن تحرّك الجهات المعنية ساكناً، وخلالها ظل إيجاد منافذ تصديرية مطلباً ملحاً ومنتظراً بفارغ الصبر لإنقاذ هذا المنتج الزراعي، لأنه بقي رهن التخزين من عام إلى آخر، وما إن تخلّص الإنتاج من متاهة الكساد، سرعان ما دخل في دوامة لعبة التجار، والاحتكار، وجنون الأسعار.
مروان حويجة