تنافس بقوة منتجات اقتصاد الظل “الأقبية “.. انتشار واسع في الأسواق وهروب ممنهج من الرقابة والضرائب

تنافس بقوة منتجات اقتصاد الظل “الأقبية “.. انتشار واسع في الأسواق وهروب ممنهج من الرقابة والضرائب

أخبار سورية

الخميس، ٢ نوفمبر ٢٠١٧

لم تمنعنا الحرب الطاحنة التي مررنا بها من ابتكار أساليب وطرق ووسائل جديدة، تمكننا من الاستمرار بأعمالنا ومرافق حياتنا المختلفة الصناعية والتجارية والتعليمية وغيرها ، فكان لا بد لنا من اختراق كل الصعوبات التي من شأنها إيقاف عزيمتنا للنهوض من الدمار الذي لحق بمصانعنا ومعاملنا ومنشآتنا، وهذا دفع بالعديد من الصناعيين السوريين للبحث عن أماكن عمل جديدة في الأقبية، والعمل فيها ضمن ظروف قاهرة، لكنها استطاعت معظم هذه الصناعات العودة إلى السوق بمنتجات لن نقول: إنها تضاهي الصناعات العالمية إلى أنها جيدة لدرجة أنها قابلة للتصدير إلى معظم الدول العربية والعالمية، ورفعت لها القبعات في معظم المعارض الداخلية والخارجية، لكن الآن وفي ظل تحرر معظم المناطق السورية، وعودة المدن، والمناطق الصناعية، وتأهيلها بالبنى التحتية أصبح من الضروري إعادة تلك الصناعات إلى مكانها الصحيح لتعمل بالشكل الطبيعي لها تحت سقف القانون والأنظمة المتعلقة بالمعامل والمصانع، حيث تأخذ مسارها الطبيعي في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، ومن هنا بدأت تظهر مخاوف أهل الاختصاص بما يتعلق باقتصاد الظل وتبعيتها السلبية على الاقتصاد الكلي، حيث لا مجال لبقاء هذه الصناعات في الأقبية.

تهرب ضريبي

يأخذ اقتصاد الظل العديد من الأشكال، منها التهريب وتجارة المحروقات والأسلحة والآثار، وغير ذلك من الأعمال التي تهدر ثروات البلد، وتدخل في مصالح تجار الأزمة، إلّا أن ما يهمنا في هذا السياق يتجلى في نشاط الأقبية والتي انتشرت بشكل غير قانوني على نطاق واسع في ظل اقتصاد مبعثر ومنفصل مناطقياً بدرجات متفاوتة بسبب محدودية فرص العمل التي يمكن توفيرها خلال الحرب لتأمين متطلبات العيش، ويؤكد أستاذ الاقتصاد رسلان خضور أن مشكلة عمل الأقبية، والتي تعتبر شكلاً هاماً من أشكال اقتصاد الظل، أنها لا تخضع للأنظمة والقوانين، فالعاملون فيها غير مسجلين لدى مؤسسات التأمينات الاجتماعية، فمعظم تلك الوحدات الإنتاجية غير مسجلة لدى الأجهزة الحكومية المختصة، وبالتالي يبقى إنتاجها خارج الحسابات الاقتصادية للناتج والدخل القومي، وخارج الإحصائيات الرسمية للدولة، والنقطة الأهم هي أن وحدات إنتاج السلع والخدمات التي تعمل في اقتصاد الظل بكل أشكاله، لا تدفع الضرائب، وفي الوقت نفسه تستفيد من كل الخدمات العامة التي تقدمها الدولة.

منافسة غير عادلة

استمرت العديد من  المعامل والمصانع التي عملت بشكل رسمي، وخضعت للقوانين والأنظمة، ودفعت الرسوم والضرائب مقابل الخدمات العامة، ما سبّب فجوة حقيقية بين سعر السلع المنتجة لتلك المصانع، والسلع التي أنتجتها الأقبية، ويرى خضور أن المنافسة بين الطرفين أصبحت غير عادلة، فاقتصاد الظل المتمثل بالأقبية أصبح أقل تكلفة، وبالتالي فإن المنافسة بينها وبين الاقتصاد الرسمي غير عادلة وغير منصفة، فوحدات الاقتصاد الرسمي أصبحت غير قادرة على منافسة وحدات اقتصاد الظل، حيث نفقات عناصر الإنتاج أقل في اقتصاد الظل، وهذا يعطيها ميزة تنافسية، وبالتالي تتحول الموارد من الأنشطة التي تعمل بكفاءة، وتلتزم بالمعايير المواصفات القياسية والصحية، وتدفع ضرائب إلى الأنشطة الأقل كفاءة أمام المنتجات التي لا تدفع ضرائب، ولا تلتزم بأي معايير، ويضيف خضور: إن الأثر الأخطر هنا هو دفع وحدات الاقتصاد الرسمي باتجاه اقتصاد الظل كي يصبح منافساً، بالإضافة إلى أن معظم الأموال الناجمة عن نشاطات اقتصاد الظل غير المشروعة يتم تهريبها خارج القطر، ما يؤثر سلباً على ميزان المدفوعات، وعلى سعر الصرف، وعلى مصادر تمويل الاستثمارات.

انخفاض المصداقية

يشوّه اقتصاد الظل السياسات والبرامج الاقتصادية، حيث يصعب اتخاذ القرارات الصحيحة والمناسبة لتخصيص الموارد، وكذلك القرارات الاقتصادية الفعالة والمؤثرة، وإصدار التشريعات المناسبة عندما يكون حجم اقتصاد الظل كبيراً، وهنا يوضح دكتور الاقتصاد فادي عياش بأنه عندما يكون حجم اقتصاد الظل كبيراً، ونسبته مرتفعة،  تكون الإحصائيات، والبيانات، والمعلومات الرسمية غير دقيقة، بل ومضللة، حيث تكون قيم الناتج، والدخل، والاستهلاك، ومعدلات البطالة والتشغيل، وغيرها، غير صحيحة، إذ لا يتم حساب العاملين في وحدات اقتصاد الظل ضمن أعداد المشتغلين في الاقتصاد، وبالتالي فإن معدلات البطالة تظهر مرتفعة، كما يتسبب اقتصاد الظل “الأقبية” بانخفاض درجة مصداقية كل المؤشرات والمتغيرات الاقتصادية، ولا يمكن الاعتماد عليها في وضع السياسات والبرامج التنموية، ما يؤثر سلباً على القرارات، وعلى فعالية السياسات المتعلقة بالنمو، والسياسة المالية “الإنفاق العام”، والسياسة الضريبية، والنقدية، وسياسة التشغيل والبطالة، ومعالجة التضخم، وإعادة توزيع الدخل القومي.

غياب المعايير

يعمل اقتصاد الظل “الأقبية” بعيداً عن الرقابة الفنية أو الصحية، وهذا يعني أن المنتج التي تطرحه الأقبية في الأسواق لا يمكن الوثوق بجودته، وهنا يؤكد عياش أن عمل الأقبية لا يخضع لأية شروط أو معايير للمنتج، وغياب الرقابة يفتح أمامها سبلاً كثيرة للتلاعب بالمواد الأساسية للسلع، ما يؤدي إلى انخفاض مستوى الكفاءة، ونوعية السلع المنتجة، وقد تم كشف حالات عديدة من الغش في عمليات التصنيع الغذائية كالألبان، والأجبان، وغيرها، كما ساهمت منتجات الأقبية بتشويه الأسعار، حيث قدمت منتجاتها بأسعار تنافس السوق دون الالتزام بالمواصفات الفنية، أو المعايير الصحية.

جانب اجتماعي

اقتصاد الظل له آثار سلبية على العاملين فيه دون أمان وظيفي، ودون ضمان اجتماعي، ومعاشات تقاعدية، ودون رعاية صحية، وأية حقوق قانونية، ولا تظلهم أية شبكة من شبكات الحماية الاجتماعية، وهذا يعني أن مئات الآلاف من العاملين في اقتصاد الظل يفتقدون إلى أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، ما يشكّل تهديداً للأمن والتماسك المجتمعي.

 

نظرة إيجابية

يرى البعض أن لاقتصاد الظل بعض الآثار الاقتصادية والاجتماعية  الإيجابية التي تتمثّل بامتصاص جزء من قوة العمل، وبالتالي المساهمة في تخفيف حدة البطالة، وبحسب رئيس غرفة تجارة دمشق غسان القلاع فإن عمل الأقبية يخلق فرصة أمام بعض شرائح المجتمع لزيادة دخلهم، ويرى القلاع أن اقتصاد الظل أكثر مرونة على التكيف مع الأزمات، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة، وأكثر ديناميكية على تجنب الإجراءات التنظيمية، وأكثر قدرة على الاستجابة للتغيرات في الاقتصاد، مقارنة بالاقتصاد الرسمي، لأنه يشكّل عامل امتصاص وتخفيف للاحتقان في فترات الانكماش، والأزمات الاقتصادية، والحروب، كما يوفر اقتصاد الظل الكثير من السلع والخدمات التي تلبي احتياجات المجتمعات المحلية، والتي قد لا يوفرها الاقتصاد الرسمي، أو قد تكون أسعارها مرتفعة.

إبصار النور

يعتبر اقتصاد الظل ظاهرة عالمية متعددة الأبعاد: اقتصادية، اجتماعية، سياسية، قانونية، وغير ذلك، ورغم أن هذا النوع من الاقتصاد يستفيد من أغلب الخدمات والسلع العامة التي تقدمها الدولة دون أن تدفع منشآته شيئاً، إلا أنه لا يعمل بشكل منفصل عن الاقتصاد الرسمي، بل يرتبط نشاطه بشكل وثيق مع نشاطات الاقتصاد الرسمي، وبالرغم من ذلك تبقى سلبياته أكثر سوءاً وضرراً للمجتمع، وفي واقعنا المحلي فإننا لا يمكننا الاعتماد على اقتصاد الظل “الأقبية” في مرحلة تنموية اقتصادية تستوجب الكثير من الدقة والحذر، والابتعاد عن الرهانات الخاسرة، وأصبح من الضروري العمل تحت سقف القانون، وابتعاد منتجاتنا عن الظل لتبصر النور من جديد، وتعمل ضمن معايير ومواصفات تنافس بها أمام المنتجات الأخرى.

ميادة حسن