لماذا غابت الثقة بين المواطن ومؤسـساته.. مواطنون: الحكومات المتلاحقـة تقول عكـس ما تفعل.. وكلام الليل يمحوه النهـار

لماذا غابت الثقة بين المواطن ومؤسـساته.. مواطنون: الحكومات المتلاحقـة تقول عكـس ما تفعل.. وكلام الليل يمحوه النهـار

أخبار سورية

الخميس، ٩ نوفمبر ٢٠١٧

يسرى ديب– ميليا إسبر   

كثيرة هي الأسباب التي خلقت هوة كبيرة بين المواطنين والمؤسسات التي أنشئت لخدمتهم.
وكثيرة أيضاً الأسباب التي تسببت بضياع الثقة بين المواطنين والحكومات المتلاحقة، خاصة مع انتشار قضايا الفساد التي انتهى الكثير منها بسرقة لقمة المواطنين، ومع استمرار إطلاق تصريحات لا تنفذ على أرض الواقع انتشرت مصطلحات تعبر عن تشكيك الناس بالكثير مما يقال ودرجت مصطلحات تعبر عن هذا الحال مثل «حكي جرائد، كلام الليل يمحوه النهار..»
المزارعون سئموا سماع الوعود والتصريحات ذاتها مع كل موسم حمضيات أو بندورة أو تفاح!
والصناعيون والحرفيون اعتمدوا سياسة الاعتماد على الذات في حل الكثير من المشكلات التي تعترضهم بعد استمرار مشكلاتهم ذاتها وبعد ترجيح كفة العمل التجاري على الصناعي كما يشعرون.
العمال استنكفوا عن المطالبة بتحسين الدخل الذي يترافق بارتفاع أسعار مضاعف لكل شي، ومؤخراً لسياسة تخفيض الأسعار، لأنها أصبحت تترافق مع فقدان بعض السلع.. والخيبات كثيرة ومزمنة، بطريقة كانت كافية لقتل كل عناصر إقامة الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم.
كل هذا بالتزامن مع تعدد الجهات الرقابية المسؤولة عن أداء عمل المؤسسات الحكومية، لكن المشكلة هي أن أغلبها فقد مصداقيته أمام الناس، وأصبح يرى دورها حلقة من حلقات الفساد الذي كان من المفترض أن يكون دورها مكافحته!.

• ما هي الأسباب التي أدت لغياب الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم؟
• وكيف تمكن إعادة هذه الثقة وتقليص الهوة بين الجهتين؟
عندما كنا نسأل هذا السؤال: هل تثق بما تسمعه من الجهات المسؤولة؟ غالباً ما ينهال عليك سيل من الاستنكار وأحياناً السخرية الممزوجة بألم، أحد من سألناهم أجاب بأنه يعتقد أن كادر الحكومة يصدق عندما ينام فقط!.
بينما أجاب آخرون بأن أهم عوامل عودة الثقة هو شفافية المسؤول أمام وسائل الإعلام والصدق في كلامه، وفتح أبوابه في أي وقت أمام الصحافة الحقيقية، ومن كان أكثر جرأة قال إنه لا يمكن الحديث عن الثقة بين المواطن والدولة، إذا كان المسؤول غير صادق!.
«لا.. أصدق!»
لا تصدق لمى الموظفة في مستشفى الأسد الجامعي أي كلمة من الوعود والقرارات التي تصدرها الحكومة، وترى أن المراسيم تفشلها التعليمات التنفيذية التي تصدرها الوزارات، وقرارات الوزراء يلغيها التجار، وتتحول كل الوعود والقرارات إلى «حبر على ورق».
يضيف الموظف أحمد أنه لا يثق بأن الحكومة جادة في حل المشكلات الاقتصادية والخدمية التي تنعكس على تحسين المستوى المعيشي، وأن من يسمع تصريحات المسؤولين يعتقد أن المواطن «يفطر عسلاً ويتغدى لحماً» وأنه رغم شعارات الإصلاح الإداري أصدرت الحكومة عدة قرارات مخالفة له كتعيين مديرين لا يجسدون مقولة الشخص المناسب في المكان المناسب، وكذلك أظهرت ضعفاً في ملف مكافحة الفساد.
يقول قيس رمضان الذي غادر صفوف الجيش بعدما أمضى سبع سنوات احتفاظ ليبدأ رحلة بحث جديدة عن فرصة عمل يقول:إنه سيبدأ في الحديث عن العلاقة المختلة بين الجهات الرسمية والمواطنين من البلدية الموجودة في القرى، تلك البلديات الصغيرة التي تتقاضى مبلغاً كبيراً تحت مسمى رسم لأي معاملة كالترخيص لبناء بيت مثلاً، بينما يغيب أي دور فاعل لهذه البلديات سواء في جمع القمامة أو مشاريع التنظيم أو الصرف الصحي…الخ.
وإذا ارتفعنا درجة ووصلنا إلى المحافظة مثلاً، نجد أن نشاطها ينصب على الأمور التي تعطي بهرجة إعلامية كالاهتمام بالمنصف، وتزيين المواقف أكثر من الطرقات «المحفرة» ووسائل النقل.

يضيف قيس ساخراً العبارة التالية «أين دكان سعادته لنشتري منه؟» بعد كل قرار يتحدث عن تخفيض سعر سلعة، فالأمر يقتصر على الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي،أما في الجانب العملي فلا جديد في التسعيرة بل مؤخراً أصبحت السلع تختفي بعد الحديث عن تخفيض سعرها، ووصف الأمر بأنه يبدو وكأنه أشبه بمرض انفصام في الشخصية بين ما يقال وما هو سائد.
للإعلام نصيبه أيضاً من حالة الاستياء العامة عند خريج الدبلوم في الإدارة التربوية قيس رمضان، الذي يرى أن أغلب المؤسسات الإعلامية قد فقد مصداقيته بسبب سياسة تلميع المواطنين كبند رئيس أكثر من التركيز على معاناة المواطنين.
وكتجربة شخصية يذكر رمضان قصة حصلت معه وطالته شخصياً وهي تجاهل وزارة التربية لمرسومين ينصان على تعيين الدورات القديمة من المحتفظ بهم، وعند تقديمهم أوراقهم في المرة الأولى جاءت الإجابة، بعدم توافر الشاغر، وبعدما طلب منهم تقديم الأوراق ثانية كان الجواب بعد خمسة أشهر: إن الاعتماد المالي غير متوافر!
الأكثر قهراً في الأمر، كما يضيف، أن وزارة التربية أجرت مؤخراً مسابقة كبيرة مطلوباً فيها كل الاختصاصات، «لم يوافقوا لنا حتى على المشاركة فيها..» ووافقت التربية على كل المتقدمين، فمن أين جاءت الشواغر والاعتمادات؟
أما ما حصل في إحدى مسابقات مديريات الكهرباء فهو الأوضح، إذ نجح فيها خمسة أشخاص كان ثلاثة منهم يحملون «كنية» مدير الشركة واثنان يحملون اسم عائلة نائبه! يختم قيس حديثه بالسؤال عما بقي من مساحة للمصداقية والثقة؟
هل تستطيع؟
الباحث في حماية المستهلك د. جمال السطل يرى أن انعدام الثقة بين المواطنين والدولة ناجم عن عدم تحقيق ما يصبو له من عيش رغيد، ومن أسباب ذلك ما يقوم به تجار الأزمات من خطف لقمة العيش من أفواه المحتاجين، ويرى أن الحل في القضاء على تجار الأزمات والفاسدين «المعششين» في دوائر الدولة بكل حزم، عندها قد يتمكن المواطن من توفير شيء لمأكله وملبسه ومسكنه وتعود الثقة، ولكن هل الدولة قادرة على ممارسة دورها في هذا المجال؟
وضع صعب
الباحث الاقتصادي الدكتور عابد فضلية يرى أن مسؤولية الثقة بين المواطن والحكومة أو مؤسسات الدولة مسؤولية جميع الأطراف، وأن هناك تجاوزات لذلك يجب تعديل التشريعات بشكل أكثر دقة وحذراً.

أضاف د. فضلية: إن الوضع المعيشي للمواطن صعب جداً إلا أنه في المقابل هناك أزمة وتحديات هائلة على مختلف الصعد، مثلاً ما يتعلق بالوضع المعيشي لا تفكر الدولة بزيادة الرواتب بل تفكر برفع القوة الشرائية ليس كدخل نقدي وإنما عن طريق توفير السلع بأسعار أقل ومن خلال توفير بعض السلع المدعومة، ولكن مع تفاقم معدلات التضخم التي أحدثتها الأزمة أصبحت مهمة دعم القوة الشرائية صعبة جداً.
ولفت فضلية إلى أنه من عوامل تمتين الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة المزيد من الاهتمام بالقضايا التي تمس معيشته، إضافة إلى إيجاد تشريعات تحترم عقله حيث يأخذ كل ذي حق حقه.
ورأى فضلية ضرورة أن تصل العلاقة إلى تشاركية بين المواطن والجهات الحكومية حيث لا يشعر المواطن بسلطوية هذه الجهات ولا تعد تلك الجهات أن المواطن سلبي مسبقاً.
وعن موضوع الإصلاح الإداري يرى د. فضلية أن تطبيقه أخذ وقتاً أكثر من الحد الطبيعي، إلا أن الحكومة تحاول تنفيذه من خلال الطلب من كل الوزارات والجهات موافاتها باختيار الشخص المناسب للمكان المناسب.
أضاف: إن بعض الجهات لا تعمل كما يجب، وعملها لا يرقى إلى مستوى العمل العسكري أو الامني، فتحديات الأزمة كبيرة والجهود ضعيفة، ويعتقد فضلية أن الأسوأ أصبح خلفنا، سواء كان اقتصادياً أو عسكرياً أو اجتماعياً.
فساد تحت الرقابة
• أين الرقابة من سوء أداء المؤسسات الحكومية الذي تسبب بفقدان الثقة؟
الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش تتبع إدارياً لرئاسة مجلس الوزراء، وهذا أول خلل في آلية عملها، معاون رئيس الهيئة العامة للرقابة والتفتيش عبد المجيد فياض رأى أن موضوع مراقبة عمل المؤسسات لا يقتصر على الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، بل هناك جهات عدة تتقاسم هذه المهمة مع الهيئة، وأن هناك الكثير من الجهات ممنوعة على عمل الهيئة كالقطاع الخاص ووزارة الداخلية وأعضاء مجلس الشعب، وأنه كانت هناك قضية ثبتت فيها إدانة أحد أعضاء مجلس الشعب ولكنهم لم يتمكنوا من التحقيق معه، وكذلك الحال مع الوزراء حيث يحتاج التحقيق معهم أمراً دستورياً! يضاف إلى هذا خروج الكثير من المناطق من متابعة الهيئة خلال الأزمة كريف دمشق ومحافظات الرقة- الحسكة- إدلب- دير الزور وقد اختفت قضايا مع أضابيرها، غابت قطاعات كلها لم يعد في الإمكان التحقيق فيها كقطاع النفط مثلاً، أو شركة النسيج في القابون.
أضاف فياض: إن كل جهود الهيئة وعملها يذهب أدراج الرياح فيما إذا أصدر القضاء قراراً بمنع المحاكمة لأي قضية تم العمل عليها وتم تأكيد الخلل فيها، لأن التقارير والوثائق التي تتوصل إليها البعثة التفتيشية ترسل للقضاء.

وإن قرارات الهيئة لا تنفذ دائماً، حتى قرار إعفاء رئيس بلدية، وهذا يشكل نوعاً من الإحباط للعاملين في التفتيش، واللافت أيضاً أن ما يعانيه كل القطاع العام يمكن أن تجده في هذه الهيئة، من نقص في المعدات إذ إن هناك مشكلات في توافر وسائل المواصلات وكذلك الخبرات والكوادر.
وعن المطلوب ليكون عمل الهيئة أكثر فاعلية في معالجة الفساد وتجنب الخلل يقول فياض إن قسماً منها له علاقة بعمل الهيئة وقسماً بعمل الجهات العامة نفسها، فهناك قضايا توافق عليها الهيئة وعندما كانت ترسل لمجلس الوزراء تعود للتريث، لذلك من المفترض أن يكون عمل الجهاز الرقابي مستقلاً.
ويعد فياض أن الأزمة تسببت بتآكل الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة وخاصة الخدمية (المصالح العقارية– الكهرباء- الخدمة الصحية– الاستهلاكية– مؤسسات المياه– النقل والمواصلات– الوقود) ومن المتفق عليه أن الفساد من أهم معوقات التنمية وأهم مسببات تآكل الثقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية، وتالياً يؤدي ذلك إلى ضعف مؤسسات الدولة الحيوية وتدهور الخدمات العامة وغياب الثقة بين المواطن والحكومة ممثلة بمؤسسات ووزارات الدولة.
وإن العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة تحتاج إلى ثقافة وزمن طويل لإعادتها، وإن أهم الخطوط العريضة لبناء هذه الثقة هو تأمين حاجات المواطن الأساسية، ومن ثم التواصل معه حيث تكون الحكومة قريبة منه، أما ما يتعلق بالهيئة فيجب أن تكون مستعدة لمرحلة إعادة الإعمار، خاصة أنه في تلك المرحلة سيخلق كماً هائلاً من القضايا، وهذا يتطلب كادراً بشرياً جديداً يكون مستعداً لمعالجة تلك القضايا.
الجهاز المركزي يتهيأ
رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية محمد مازن يوسف يقول: إنّ المؤسسات في كل دول العالم قد تعاني خللاً في أداء عملها، وانحرافات في هذا الأداء تؤدي إلى عدم تحقيق الأهداف بشكل مقبول أو مرض للجمهور ولاسيما في ظل وجود أزمات أو حروب تعصف بتلك الدول كالتي يمر فيها بلدنا. فالأزمات تشكل بيئة خصبة لحصول الخلل سواء كان مقصوداً أو كان نتاجاً للأزمة.
ويرى أن ضياع الكفاءات والموارد نتج عنه ضعف في الإنفاق وفي الخدمات المقدمة، وكل هذا ينتج عنه خلل في الثقة بين المواطن والحكومة.
ولمعالجة هذا الخلل أو الحد منه يرى يوسف أنه لابد من التمييز بين الآثار الناجمة عن الأزمة وعن الآثار المفتعلة من داخل المؤسسات، ولاستعادة الثقة هذه لابد من تعزيز مقومات صمود المؤسسات وتفعيلها وتحسين أدائها ويكون ذلك برأيه من خلال: وقف حالات الفساد والتسرب والهدر لدى المؤسسات وخارجها، ومحاسبة تجار الأزمة والطبقة الفاسدة التي استغلت الأزمة لتحقيق مكاسب غير مشروعة وشخصية على حساب المجتمع سواء من داخل المؤسسات أو خارجها، وذلك بتفعيل عمل كل الجهات المعنية بذلك من الوزارات والمديريات كالرقابة التموينية والصحية وكذلك الأجهزة الرقابية وغيرها، وأن يتم ترميم رأس المال البشري، كماً ونوعاً، ومعالجة الترهل الاداري، وتأتي هنا أهمية برنامج الإصلاح الإداري الذي أطلقه السيد الرئيس بشار الأسد، وما له من أبعاد وأهمية بغية معالجة هذا الجانب ولاسيما إطلاق عملية الإعمار الشاملة في سورية.
ويؤكد رئيس الجهاز المركزي ضرورة تطوير آليات عمل وسائل الإعلام المختلفة بشكل يحقق التوازن بين الطرفين (المواطن والحكومة) و ألا يكون الإعلام فقط من جانب الحكومة أو جانب المواطن، من دون مراعاة الظروف التي تعمل بها الحكومة والإمكانات المتاحة لها، وهذا الأمر يحتاج تعاوناً مشتركاً بين الطرفين، فالجميع شركاء.
ونحن كجهاز رقابي معنيون بكل ما ورد إذ إننا على الصعيد الداخلي نسعى إلى ترميم رأس المال البشري لدينا كماً من خلال إجراء مسابقة لتعيين ما يقارب مئتي مفتش في الجهاز تم الانتهاء منها وسيلتحقون بالجهاز خلال أيام معدودة، وكذلك نوعاً، من خلال إجراء دورات تدريبية علمية ومهنية وورشات عمل للمفتشين الجدد والقدامى وكذلك بغية إعادة بناء المفتش بشكل علمي ومتطور حيث يرقى أداؤه ومستواه الفني، فقد تم إطلاق ماجستير عملي متخصص في مجال الرقابة والتدقيق لبلورة منهجية برنامج تدريبي كعامل رئيس ورافعة لجهوزية العملية الرقابية في ضوء تنامي المتغيرات وسرعة التغيير والسياق الاستثنائي للأزمة والتحضير لمرحلة إعادة الإعمار، ولتحقيق التخصيص الأمثل للموارد وصحة وسلامة الإنفاق، الأمر الذي يساهم في تعزيز الثقة بين المواطن والحكومة.
ويؤكد يوسف أن الجهاز ساهم في معالجة الكثير من الملفات كملف القروض المتعثرة واستثمار أملاك الدولة وغيرها من الملفات التي أعادت عشرات المليارات المهدورة إلى خزينة الدولة.
إضافة لمعالجة ملفات فساد عبارة عن اختلاسات في عدد من المؤسسات وكانت حصيلتها مئات الملايين وأحدها وصل قيمته إلى المليارين تقريباً.
وذكر هذا ليس للترويج لعملنا بل للتأكيد على هدفنا وتمنياتنا بألا يكون لدينا فساد نهائياً.
نتابع دورنا
نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال إبراهيم عبيدو يرى أنّ الإجراءات الحكومية لا تلامس شريحة الدخل المحدود إلى حد كبير، وأن أفضل طريقة لإعادة الثقة بين المواطن والدولة يمكن اختصارها بثلاث قضايا:
توفير الأمن الغذائي، الضمان الصحي، الأمان.. هذه المجموعة من المتطلبات يفترض على الحكومة تأمينها للمواطن وبعد ذلك يمكن لها أن تحاسبه، لكن غياب المصداقية أحد أهم العوامل.
وعن دور اتحاد العمال في ترميم هذه الهوة بين الطرفين قال عبيدو نحن كمنظمة نقابية ومن خلال القوانين والأنظمة دورنا رقابي وإشراف على ما تقوم به الجهات العامة التنفيذية، ونحن نطرح بشكل دائم هواجس ومعاناة العمال، ونشير إلى بعض مواقع الخلل وإلى بعض القضايا التي تشكل حالات فساد في بعض الجهات العامة وقد تمت تسميتها بالاسم في مذكرة لاقت اهتماماً من رئيس الحكومة وهو يتابع تنفيذها.
الإصلاح القضائي
عضو الهيئة التدريسية عقبة الرضا يقول: إن أزمة الثقة أو الفجوة بين المواطن ومؤسسات الدولة لها في حقل القانون مجالات مختلفة، لكن الأهم هو السؤال: هل تعامل مؤسسات الدولة المواطنين وفق مبادئ قانونية، أم إن بعض الأشخاص يستفيدون من بعض الميزات القانونية التي لا يستفيد منها مواطن آخر؟
ويرى أن أهم خطوة لأي إصلاح تلك التي تبدأ بالإصلاح القضائي، والإداري، وهو ما يعني خلق دولة القانون، ونحن لدينا قوانين جيدة، لكن عدم تطبيق هذه القوانين ضمن إطار واحد هو الذي يخلق فجوة الثقة.
الجانب القانوني مهم جداً، يتابع الرضا، لأنه يؤسس لترتيبات كبيرة تأتي بعده، مثلاً: حق المواطن في الحصول على المعلومات من أبسطها إلى أعقدها، أي من المعلومات الإدارية البسيطة كتلك المتعلقة بإنجاز المعاملات الحكومية مثلاً، وهو ما يتطلب أن يعرف المواطن كل المراحل التي ستمر خلالها تلك المعاملة، وإذا أردنا تطوير العمل أكثر يجب أن تكون تلك الإجراءات مدروسة من حيث المدة الزمنية، والتزام الجهة العامة بها من دون استثناءات لأحد، سيزيد الثقة بين المواطن والمؤسسات. المواطن هو أساس الدولة، وأرى أن نقطة البداية لدى الحكومة ومؤسسات الدولة.
وضمن هذا السياق، يشدّد الرضا على حق المواطن في الحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة، كي لا يضطر إلى العمل في مكانين أو ربما أكثر، وهو ما سيؤدي إلى أن يجعله مقصراً في عمله الأساس.
ويضيف أن سبب وجود مؤسسات الدولة هو ذلك العقد الاجتماعي بينها وبين المواطن، إذ إن عليها أن تؤمن له مجموعة من الخدمات للمواطنين وعلى هؤلاء في المقابل أن يقدموا عملاً لائقاً يحققون عبره دخلاً، وكذلك يقدمون الضرائب بما يسهم في رفاه الدولة، وطبعاً هناك اجراءات وقوانين ومبالغ مالية يجب أن تخصصها الحكومة لمكافحة الفساد، إضافة إلى الإجراءات والقواعد السليمة، بما يؤدي إلى تحسين حياة المواطن، حتى يقدم بدوره دوراً مماثلاً، يساهم في التنمية، لكن هذا الشيء يكاد يكون غائباً، والواقع أن أزمة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة أدت إلى خلل واضح في تلك المؤسسات نفسها، وهو ما أدى إلى خلل جوهري في عملها وفي تقديم الخدمات للمواطن.
ويستعرض الرضا عدداً من الأمثلة التي تؤكد عدم حصول المواطنين على حقوق متساوية، منها التفاوت في الخدمات بما يشمل الصحة والتعليم، بين الريف والمدينة، ليصل إلى أن جوهر الموضوع هو كيفية وضع الخطط التنموية كي تنمي الإنسان بالدرجة الأولى، وتؤسس دولة القانون التي تضمن مساواة جميع المواطنين أمامه، عندها لا تبقى مشكلة لدى المواطن، فالمساواة بالقانون أولاً ثم في الاقتصاد. وأكد الرضا أن غياب المحاسبة والمساءلة، زاد من الرشوة والفساد بشكل كبير، ويرى أن المؤسسات بشكلها الحالي لن تكون قادرة على المساهمة في إعادة الإعمار، وربما من هنا جاءت فكرة الإصلاح الإداري، كي يكون لدينا إصلاح مؤسسة بكل مفاصلها والبداية من الموارد البشرية لكل مؤسسة، وهذا يتطلب تغيير بعض الإدارات، وتأهيل بعضها الآخر، كي تكون الإدارة قادرة على إدارتها بما يتناسب مع الأسواق الجديدة لفترة إعادة الإعمار لكي لا تصبح خارج الزمن.
تراجعت المؤشرات
معاون وزير الكهرباء الدكتور حيان سلمان يؤكد أن الشعب السوري يستحق الأفضل من كل المسؤولين، ولكن واقع بعض المؤشرات الاقتصادية تغير كثيراً، فقبل الحرب كنا ننتج 8500 ميغا واط كهرباء، في هذه الظروف انخفض الإنتاج إلى 1000 ميغاواط، المواطن لا يعرف السبب وليس مطلوباً منه أن يعرف لكن المطلوب منا، كمسؤولين، أن نوضح للمواطن ما الأسباب وأعتقد أنه عند التوضيح له يقتنع إذا كان الكلام مقنعاً.
أضاف إن هناك فجوة بين معيشة المواطن والدخل لكن الخسائر التي تعرضت لها سورية بعد سنوات الحرب كثيرة، فالسياحة تراجعت 96 %، والزراعة 80%، والصناعة 70%، مؤسسات الدولة دمرت، النفط كان ينتج 85 ألف برميل يومياً الآن بحدود 9 آلاف برميل فقط.
يقول سلمان: إن تراجع الثقة بين المواطن والمسؤول، يحمل الكثير من الاستفسارات: كيف يتم اختيار المسؤول؟ المشكلة عندما لا يكون المسؤولون على قدر المسؤولية، يقول بعضهم إن هناك تعليمات وتوجيهات، وهذا غير موجود، لأن كل مسؤول قادر على أن يعمل ضمن الصلاحيات المعطاة له، لكن قد يأتي مسؤول ويصادر الصلاحيات وذلك لعدم ثقته بنفسه أولاً، وبالآلية التي أتى بها ثانياً.
يضيف سلمان أن كل الجهات تتحمل مسؤولية عدم الثقة بين المواطن والمسؤول ابتداء من الصف الأول وحتى الأخير، وأن رئيس الحكومة وجّه بأن يكون هناك منبر إلكتروني للمواطن تابع لرئاسة الوزراء وكل شخص لديه ملاحظة يمكنه أن يكتبها على هذا المنبر، ويؤكد ضرورة عدم تقديم وعود للمواطنين لا يمكن تنفيذها.
أضاف سلمان إنه في إحدى دول الجوار فصلوا أكثر من 50 ألف عامل من عملهم وليس لديهم حرب، أما في سورية فرغم الحرب لم يسرح عامل واحد، هذا مؤشر إيجابي، فالمواطنون في الرقة وإدلب يتقاضون رواتبهم حتى اللحظة.
ويؤكد سلمان أن هناك مسؤولين يعملون، وآخرون لا يعملون، ومواطنون جيدون، وآخرون غير جيدين، وهناك قسم كبير غادر سورية مع أول طلقة، وهناك من قدم الكثير من الشهداء لذلك لا يجوز التعميم.
وعن المحاسبة، يضيف معاون الوزير، إن هناك إعفاءات وتعيينات جديدة وإعفاءات ومحاسبة، فالجميع يعلمون أنه في ظروف الحرب تكثر الأخطاء ويكثر ضعاف النفوس الذين يستغلون الأزمة وينشط تجار الأزمة، وهؤلاء ليسوا أقل ضرراً ممن حمل السلاح بوجه الدولة.
وختم بالقول: إنه يجب أن ننطلق من أن مواطنتنا هي أساس قوتنا، وأن يجري العمل على إرضاء المواطن، والابتعاد عن المظاهر الفاسدة، هناك أخطاء لكن يجب أن نسعى لمعالجتها والتقليل منها وأن نسمي الأشياء بمسمياتها.
من الداخل
معاون وزير الصناعة الأسبق المهندس بركات شاهين والذي أمضى عدة عقود من العمل في القطاع العام شرح في حديثنا معه واقع الأداء في مؤسسات الدولة الذي أدى لقطع حبل الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم، والمطلوب أيضاً للخروج من هذه الحلقة.
رأى شاهين أن البنية الهرمية الحادة السائدة حالياً في الإدارة تغيّب الشفافية وتغطي على الفساد في بعض مؤسسات القطاع العام، وأن أولويات الإصلاح في سورية يجب أن تستهدف الإدارة أولاً، لأنه من دون إدارة أفقية في الحكومة وكوادر مؤهلة وخطة وبرامج للإصلاح لا يمكن استئصال الفساد.
ويشير شاهين الى أن الاقتصاد السوري بعد التأميم أُثقل بتعدد المرجعيات والجهات الوصائية وبمجموعة من القيود البيروقراطية والإدارية وابتلي بالنظام المركزي للتخطيط والتنفيذ وبالبنية الهرمية الحادة في إدارة شؤون الصناعة والاقتصاد ككل.
إضافة إلى هيمنة الجهات الوصائية والرقابية على كل أوجه نشاطها، أضاف أن هناك العلاقات المتشابكة بوزارات الدولة الأخرى ومؤسساتها سواء ما يتعلق منها بمدخلات الإنتاج أو المخرجات أو الاستيراد والتصدير أو الترخيص أو الإنتاج، يضاف لكل هذا تكبيل نشاطها بقيود المنع والحصر أو التقييد المفروضة على العديد من السلع والخدمات ومستلزمات الإنتاج الأخرى.
ولم يسلم حتى القطاع الخاص وتنظيماته من هذا التدخل وكذلك القطاع الحرفي والتنظيم الحرفي وجمعياته، وهذا التدخل بشكل عام أخل بسياق النسيج التشريعي والقانوني والقضائي وضيق الحرية الاقتصادية، وأدى بدوره الى غياب الشفافية والمنافسة وحجم قوى السوق والكفاءات الوطنية في أن تأخذ دورها الفاعل في الحياة الاقتصادية، ونشأت في تلك الظروف إدارات الظل في المفاصل الحكومية، وأصبحت هناك أرضية خصبة لنشوء الفساد والمحسوبيات، وتشكلت طبقة طفيلية تعتاش على التناقضات حتى باتت سمة عامة لمرحلة ما قبل الانفتاح على الاقتصاد العالمي.
لذا فإن الاقتصاد السوري وبشكل خاص الصناعة يحتاج إلى إصلاح سواء بسبب الأحداث أو من دونها بهدف تأهيل الصناعة وإعادة النظر في وظيفة ودور الدولة من مالكة للقطاع العام إلى جهة راعية وداعمة له في ظل إدارة أفقية لأجهزة الدولة يراعى تطبيقها فصل السلطات بشكل يسمح لكل فئات المجتمع المشاركة الفعالة في العملية الاقتصادية.
والعمل على تبني أسلوب الإدارة المحلية، لكن على أساس أقاليم تستحدث على قاعدة تنموية تعتمد في إحداثها مجموعة من المعايير الاقتصادية وعلى رأسها إما التماثل أو التكامل في قاعدة الإنتاج الصناعي والزراعي أو الخدمي والسياحي.
وإلغاء كل أشكال الوصاية على قطاع الأعمال وعدم التدخل في خياراته التنظيمية ودعم قيام اتحادات صناعية نوعية ودمج الغرف الصناعية والتجارية وتقليص عددها بهدف زيادة فاعليتها.
وإطلاق حرية العمل النقابي بعيداً عن أي تأثير واحترام رغبات العمال والفلاحين وخياراتهم في تمثيلهم، وإطلاق العنان لقوة العمل وقوى الإنتاج والسوق لتأخذ دورها الفاعل في الحياة الاقتصادية وفي عملية إعادة البناء، وتعزيز مفهوم الانتماء لوسائل الإنتاج والمنتج وتعزيز ثقافة تقديس القانون والنظام وحب العمل والتعلق بمصادر الرزق.
واعتماد نظام اقتصادي يختاره نواب الشعب في برلمانهم، مع التنويه بأن خيار الشعب الألماني لاقتصاد السوق الاجتماعي كنهج دولة ساهم في إعادة إعمار ألمانيا بعد الحرب بشكل سريع وحقق معجزة اقتصادية جعلت من ألمانيا رابع قوة اقتصادية في العالم وتحديد ساعة الصفر إيذاناً بإطلاق مشروع إعادة الإعمار.
نؤسس لمشروع وطني
تؤكد وزيرة التنمية د. سلام سفاف أن أهم أسباب غياب الثقة بين المواطنين والناس في وزارة التنمية مثلاً هو غياب المخرج، حيث يتم وضع الأهداف الاستراتيجية ومن ثم تضيع بالخطط التنفيذية على المستوى المباشر كما أن هناك بطئاً في الاستجابة، والخدمات دون المستوى المقبول للمواطن عموماً.
وحتى في حال الاستجابة لصوت المواطن وحل مشكلاته، فإنها تكون إما متأخرة، أو لا يعرف المواطن أن هذا الحل بناء على شكواه، أي أنه لا يتلمس التغذية الراجعة.
أدوات خلق الثقة وتحسين العلاقة ليست كافية حتى الآن، فالمواطن يعيش تحت ثقل الحرب والأسعار وأزمة من هنا وأخرى هناك، مع ضغط نفسي ومادي، فيصبح عمل الحكومة لا يعطي النتيجة الكافية، خاصة مع غياب الإمكانات المطلوبة.
تضيف د. سفاف أن المشروع الوطني للإصلاح الإداري شكل جديد لإعادة صياغة العلاقة بين المواطن والحكومة، لأن للمواطن الدور المباشر في اتخاذ القرارات، وسيكون له دور مهم جداً في المستقبل في تصحيح الأداء المؤسساتي والكشف عن مكامن الخلل الإدارية.
تقاس خدمات الحكومة من خلال المشروع بطريقة متساوية في كل المناطق السورية، ودور المواطن في مركز العاصمة كما أي منطقة أخرى، وهذا يسمح بدخول كل المواطنين ومساهمتهم في مرحلة التنمية والنهوض من الأزمة.
وتضيف الوزيرة سفاف أن المشروع يتيح الفرصة أمام جميع المواطنين لإيصال آرائهم إلى أصحاب القرار من دون الحاجة لمقابلة الوزير في دمشق مثلاً، بل من خلال منبر يُعد صلة وصل ويساهم في تعميم عمل المؤسسات، وسيتم من خلال المشروع تقييم التغذية الراجعة ويجب أن يصل الجواب للمواطن ومعرفة فيما إذا كان اقتنع أو لا، فهذا سيساهم في بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
وترى د. سفاف أن آليات العمل تلك ستخلق ثقافة جديدة في المجتمع المؤسساتي، تقوم على سعيها لتحسين خدماتها للمواطن، وتقبل آرائه وقبول تقييمه، وهناك أيضاً مسؤولية تقع على المواطن لممارسة الدور السليم خلال عملية التقييم.
في المرحلة الأولى لن تبدأ العلاقة بشكل مثالي، توضح الوزيرة، فهي تحتاج للعديد من الممارسات والوقت لبناء الثقة، وهذا لن يتم «بكبسة زر».
تؤكد د. سفاف أن المشروع سيحدث فرقاً نوعياً في إعادة الثقة؟ بل تؤمن بذلك، وتشير إلى أن هذا الإيمان ناتج عن معرفة علمية، فالمشروع انطلق بخطواته الأولى وهي الأصعب، ووصفت المشروع بأنه تاريخي في الحياة السورية.