يسألون عن حسابات البيدر مزارعو الحمضيات مضغ متكرر لعلقم الوعود.. والتحديات تبقى على حالها

يسألون عن حسابات البيدر مزارعو الحمضيات مضغ متكرر لعلقم الوعود.. والتحديات تبقى على حالها

أخبار سورية

الاثنين، ١٣ نوفمبر ٢٠١٧

في موسم  الحمضيات تتجدد معاناة مزارعي طرطوس، حيث  تتبخر وعود الحكومة مع بداية قطاف المحصول، أو ربما تتأخر توجيهات الاستجرار، كما حصل في هذا الموسم ليدفع المزارع وعائلته التي تتعرض لخسائر كبيرة نتيجة تدني الأسعار، وتأخر تسويق المحصول،  وأمام كل هذا الواقع المؤلم تقف الجهات الحكومية عاجزة عن الوفاء بما يجب عليها في محاولة لإنقاذ موسم تصر على عدم اعتباره استراتيجياً، كما هو واقع بقية المحاصيل كالقمح والشوندر السكري،  وفي محافظة مثل طرطوس تعتاش على محصولين أساسيين، هما الزيتون والحمضيات، فإن صرخات المزارعين يبدو أنها لم ولن تصل.
المساحات المزروعة
بحسب كلام مدير زراعة طرطوس المهندس تيسير بلال، فإن المساحة المزروعة بالحمضيات تقدر بحوالي 9300 هكتار، يتوزع مجملها على الشريط الساحلي، وتقوم مديرية الزراعة والوحدات الإرشادية بكافة الأعمال والمهام المطلوبة منها بغية تحقيق الإنتاج الجيد والآمن والنظيف من خلال تطبيق برنامج المكافحة المتكاملة، وإقامة الندوات الإرشادية والجولات الميدانية للحقول بغية تقديم المشورة والخبرة للمزارع.

صرخات بالجملة
يقول المزارع أحمد علي، وهو الذي يملك مع إخوته حوالي 32 دونماً من الحمضيات بكافة الأنواع في منطقة مجدلون البحر، وتتوزع هذه  الأشجار بين الحامض بأنواعه، والبرتقال أيضاً بأنواعه المختلفة، مثل أبو صرة ورأس الملك والكرمنيتنا وغيرها، وجراء الخسائر المتلاحقة مع كل موسم، وغلاء الأسمدة والأدوية من مبيدات وغيرها، وقسم من هذه الأدوية يكون مغشوشاً أو منتهي الصلاحية بسبب عدم المراقبة، أو دخولها مهربة إلى الصيدليات الزراعية، إضافة لعدم توفر مادة المازوت، أو ارتفاع أسعاره بالسوق السوداء نتيجة عدم توفره بشكل نظامي بالوقت المحدد،  وأجور النقل، وانخفاض الأسعار التي تقل عن سعر تكلفة الموسم التي تزيد عن 62 ليرة سورية مقابل كل كيلو منه، في حين يقل سعر مبيعه عن الخمسين ليرة بالنسبة للبرتقال، وحتى سعر كيلو الليمون الحامض يكون سعره متدنياً مقارنة مع مبيعه بالأسواق، جراء ابتزاز تجار سوق الهال، حيث يصل سعره بالسوق إلى حوالي 200 ليرة، في حين يقل سعر المبيع بالنسبة للمزارع عن 100 ليرة، إذا ما أخذنا سعر التكلفة والنقل والفرز، وبقية المصاريف التي يتحملها المزارع فقط، وأمام كل هذه المعاناة، الأمر الذي اضطررنا لاقتلاع مئات الأشجار من البرتقال،  وزراعة أشجار الحامض بدلاً عنها، أو  زراعات محمية وغيرها، وتحويلها لأحطاب من أجل التدفئة الذي يباع طن الحطب منه بحوالي 50 ألف ليرة.
بدوره اشتكى المزارع نصرسليمان من عدم وجود أي دعم تقدمه الدولة، والجهات المعنية للمزارع، وعدم تسليم مادة  المازوت، وكذلك تدني الأسعار، وكل هذه المبررات جعلتنا نحول عشرات الدونمات إلى زراعة الزيتون، أو حتى بيعه أحطاباً لتجار الحطب، ونحن مكرهون لذلك، ولكن  لم يبق لنا خيار آخر، ونحن نرى تعب الموسم يتساقط أمام عيوننا، ويضيع تعبنا وجهدنا وعرقنا، ولا نستطيع فعل أي شيء، وليس بمقدرونا فعل شيء.

غياب خطوط التصدير
جراء ظروف الحرب، وما تتعرض له سورية من حرب وحصار جائر، وكذلك عدم وجود، أو عدم السماح بإقامة معامل للعصائر، ودخول المكثفات للأسواق بناء لرغبات التجار والموردين، وعدم قدرة الدولة على تسويق كامل المحصول، رغم كثرة تصريحات اتحاد المصدرين والمعنيين، إلا أن شيئاً لم يحرك في مياه  هذا المحصول الراكدة، ويقول العديد من المزارعين بأن الوضع بات صعباً للغاية، وتساءل المزارعون باستغراب لماذا تصر الحكومة على عدم اعتبار موسم الحمضيات من المواسم الاستراتيجية كالقطن والشوندر، والإبقاء عليه بلا حماية ودعم حكومي،  سواء لجهة تسويقه، أو حتى شموله بالمخصصات المدعومة من مازوت وأسمدة وأدوية وغيرها،  ويتابع البعض بالقول: حتى السماح بإقامة معمل للعصائر، تم رفضه مراراً وتكراراً من قبل الحكومة لغاية في نفس يعقوب نتيجة تدخل كبار الموردين لمادة المكثفات،  ووجودها بالأسواق رغم مخاطرها، في حين وجود معامل للعصائر الطبيعية، فهي مضمونة النتائج صحياً وغذائياً، ولاسيما أن المنتج السوري من الحمضيات خال من كل أثر كيماوي ونظيف بشهادات دولية وغيرها.

اتحاد فلاحي طرطوس
مضر أسعد، رئيس اتحاد فلاحي طرطوس، يؤكد أن التنظيم الفلاحي في المحافظة قام بعدة محاولات، سواء لجهة العمل على تفعيل عملية التسويق، أو من خلال تحديد الأسعار المقبولة التي تضمن تخفيف ما يلحق المزارع من أذى بسبب تدني سعر المادة، أو عدم وجود تسويق له بالوقت المناسب، وطالب أسعد بأهمية وجود جبهات للتصدير، والسماح بإقامة معامل للعصائر في المنطقة الساحلية لكي تستوعب فائض الإنتاج المقدر بحوالي 250 ألف طن في هذا الموسم، وقال رئيس اتحاد فلاحي طرطوس بأنه يخشى أن تتحول مئات الهكتارات المزروعة بالحمضيات إلى زراعات بديلة، وتخسر المحافظة أهم زراعة اشتهرت بها تاريخياً جراء كل هذه الخسائر المتلاحقة سنوياً، ونوّه أسعد بضرورة وجود ثقافة تسويق محلية تبدأ من أنفسنا كمواطنين، وهي تناول مادة العصير الطبيعي، واستخدامها كبديل عن المشروبات.

على خط التسويق
خلال اجتماع  خصص لغاية تسويق الحمضيات، ذكر علي سليمان، مدير فرع السورية للتجارة، بأن المؤسسة خصصت مبلغ مليار ليرة لتسويق حمضيات الساحل، وخلال الاجتماع النوعي تم التركيز على ضرورة الاتفاق لتحديد سعر الكيلوغرام بحسب الصنف ما بين 60- 70- 80 ليرة، وكذلك الاتفاق على تحديد مراكز لاستلام المحصول، كما ذكر سليمان بأن المؤسسة قامت بتجهيز خط آلي لعملية فرز المحصول وتأمينه بالمعدات والعمال، وكذلك تم الاتفاق على تحديد مبلغ 4 ليرات لكل كيلوغرام مقابل عملية الفرز، كما طلب المحافظ صفوان أبو سعدى خلال الاجتماع من مديرية سادكوب تأمين صهريج لتعبئة سيارات نقل المحصول من المزارعين على مراكز الاستلام، والتي ستقوم بها سيارات الشركات والمؤسسات العامة في حال تعذر نقل أو عدم قدرة المزارع لنقل محصوله، وقال المحافظ بأن هذه الخطوة تأتي للمساهمة قدر الإمكان بالتخفيف من الأعباء التي يتحمّلها المزارع جراء غياب جبهات تصدير المحصول الأساسي للمحافظة وأبنائها.

غرفة تجارة طرطوس والمطلوب منها؟
كفاح قدور، أمين سر غرفة تجارة طرطوس، طالب بضرورة تقسيم موسم الحمضيات إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول هو الذي يجب أن يخصص للعصر، بحيث تقوم المؤسسات المعنية باستلامه مقابل منع المكثفات بكافة أنواعها، والتي تم ترخيصها، أما القسم الثاني فهو عنصر المائدة، وهنا تقوم مؤسسة السورية للتجارة باستجرار كامل الكمية، وبسعر تفضيلي للمزارع، وسوق الهال، يتناسب مع المؤسسة، الأمر الذي يؤدي لرفع الخسارة عن المزارع، وأيضاً المؤسسة لكي لا تخسر، لكون المزارع لا يبيع بسعر أقل من سعر المؤسسة، وبالنسبة للعنصر الثالث، وهو المعد للتصدير، فيمكن تشميعه، أو تخزينه وتسليمه للمصدرين، وأضاف قدور بأن المليار التي تم تخصيصها للمؤسسة لاستجرار الموسم يمكن أن تساهم بدعم المنتج من خلال مساعدة شركات العصر، ودعم المصدرين، وبموضوع زراعة الحمضيات استغرب قدور لماذا لا تقوم الحكومة بإحداث مؤسسة على غرار مؤسسة القطن والشوندر السكري والأقماح تكون متخصصة بالحمضيات، حيث تحتكر هذه المؤسسة كامل الموسم، مع تقسيمه وفرزه، يضمن تكلفة المزارع مع هامش ربح له، وعندئذ تقوم بالفرز والتوزيع بالاتجاه الصحيح، وتؤمن حاجة المصدرين بأصناف تناسب البلدان التي يمكن التصدير لها على غرار ما هو قائم في مصر وتونس، إذ إن المساحات المزروعة بالحمضيات لدينا تكون ضمن مساحات وحيازات صغيرة، ولكن بأصناف مختلفة، وقد لا تكون مرغوبة للتصدير.

محصول استراتيجي
مهما يكن من محاولات وعزيمة قد لا تثمر في الكثير من الأحيان، وتكفل ضمان تسويق المحصول الذي تصر الحكومة على عدم اعتباره استراتيجياً  لأسباب نجهلها، وقد لا نبررها إذا ما عرفناها!.. فإن واقع الحال، حيث تفترش أطنان من الثمار الأصفر الأرض وتغطيها، هو المسيطر، في حين تبقى صرخات من يعتاش عليها من آلاف العائلات، وربما تشكّل مصدر دخلها الوحيد، بلا صدى لدى المعنيين، وكأن المطلوب مواصلة تقطيع ملايين الأشجار، وتحطيبها، وتحويلها لفحم، فهل تستفيق جهاتنا العامة من غفوتها الطويلة؟!.

لؤي تفاحة