في دراسة نشرها «مركز دمشق للأبحاث والدراسات»: الأزمة تستدعي إعادة تقييم الصيغ «البعثية» وتجديدها لتواكب الحداثة

في دراسة نشرها «مركز دمشق للأبحاث والدراسات»: الأزمة تستدعي إعادة تقييم الصيغ «البعثية» وتجديدها لتواكب الحداثة

أخبار سورية

الاثنين، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٧

اعتبرت دراسة نشرها مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد»، أن الأزمة «المحرقة» التي أُدخلت سورية فيها تستدعي إعادة تقييم الصيغ «البعثية» وتجديدها باستنباط بدائل وخيارات إصلاحية بما يتلاءم مع ما يواكب الحداثة ويحقق الاستقرار والوحدة الوطنية.
الدراسة التي تلقت «الوطن» نسخة منها، وجاءت بعنوان «العلمانية التوفيقية في سورية بين العروبة والإسلام»، ناقشت إشكالية الدين والدولة عبر الصيغة الثقافية البعثية «جسد عروبي بروح إسلامية» كنظرية للتفاهم التعايشي بين الدين والسياسة، معتبرة أنها قادت عبر التطبيق إلى «تأميم الدين»، بدلاً من «خصخصته» أي حصره بالفضاء الخاص ووقف تضخمه في الفضاء العام، ومن ثم اختل التوازن المركب لطرفيها لمصلحة هيمنة الدين، فأدت إلى «تأسلم المجتمع بدلاً من لبرلته». وتتألف الدراسة من مقدمة وخمسة محاور، هي: أولاً: السياق النظري للتحليل، وثانياً: العلمانية السورية: إشكالية أقلية-أكثرية، وثالثاً: صيغة العلمانية البعثية: جسد عروبي بروح إسلامية، ورابعاً: التفاهم التعايشي بين الدين والدولة: علمانية بدين معتمد، وخامساً: العلمانية في السياسات العامة، وأخيراً خاتمة. وافترضت الدراسة، أن تحقيق نقطة التوازن في العلاقة بين الدولة والمجتمع، يستدعي إعادة تعريف العلمنة كمنطلق للديمقراطية والحداثة بالاستناد على تفكيك الغموض الذي يكتنف السياسات التي ميّعت الحدود الفاصلة بين الدين الإسلامي والثقافة الوطنية من جهة، ومن جهة ثانية، على حرية المعتقد أو عدم المعتقد وحيادية الدولة وتعاملها بالتساوي حيال كل الأديان.
ورأت الدراسة، أنه ضمن الإطار السابق فإن اختلال معايرة الصيغة البعثية وانزياح نقطة التوازن لمصلحة الدين أدى إلى عدم وقوف الدولة على مسافة واحدة من مواطنيها وعدم حيادها حيال معتقداتهم، ما خلق مواطنة منقوصة هذا من جهة، وأدى من جهة أخرى إلى تكريس «مركزية» معتقدات جماعة على حساب «تهميش» جماعات أخرى بذريعة أكثريتها العددية وتكريس ما تَعُدُّهُ حقها في الشمولية والتسيّد وإخضاع الجماعات الأخرى لمركزيتها الثقافية والسياسية الموروثة. واعتبرت، أن مشكلة العلمانية البعثية، أنها تتقومن على ذاتها، وأنها تعتمد ديناً معيناً أي تعتمد العروبة كعقيدة والإسلام الأرثوذكسي كدين، لذلك تتكثف إشكالية العلمانية في مجتمع متعدد الإثنيات والأديان والطوائف، أنها إسلامية- إسلامية أولاً ومن ثم ثانياً وثالثاً مسيحية- إسلامية وغربية- إسلامية.
ورأت الدراسة أن العلمانية صراع ضد نفوذ الأديان وهيمنتها على المؤسسات والفضاء العام، كما أنها مبدأ عدم تدخل المتدينين في الحياة العامة هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تحييد السلطة السياسية للدين من شؤون قوننة وتنظيم الحياة العامة. وأكدت أنه ضمن الإطار السابق تأتي أهمية البحث عن حيز محايد مشترك بغض النظر عن الانتماءات الفطرية، وبهذا المساق تأتي أهمية الإجماع على مفهوم سياسي ليبرالي، يرتكز على مبدأ العدالة كإنصاف، خصوصاً للمجتمعات الفسيفسائية. وبناء عليه، رأت الدراسة أن تحقيق المساواة دستورياً بين المواطنين على طريق تحقيق «المواطنة الكاملة» هو الحل لمشاكل عدم الاستقرار في المجتمعات الفسيفسائية، لأنها الصيغة القادرة على سحب صواعق الانفجار في المجتمع وهي التي تمثل حاجز الصد أمام الاختراق الخارجي الديني والسياسي. وقالت الدراسة: إن الأزمة «المحرقة» التي أُدخلت سورية فيها منذ عام 2011 تستدعي من دون أدنى شك على الأقل إعادة تقييم الصيغ البعثية وتجدديها باستنباط بدائل وخيارات إصلاحية بما يتلاءم مع ما يواكب الحداثة ويحقق الاستقرار والوحدة الوطنية والدفع بهذا المساق بنموذج «الإسلام الدولوي» الرسمي نحو نموذج ما بعد الإسلامية الذي يحترم حقوق الإنسان.
ورأت الدراسة، أنه لإعادة التوازن للعلمانية البعثية وعودة البعث ليكون قابضاً على التوازن الوطني يتوجب عليه إما خلع العباءة الدينية الإسلامية، أو أن «يحترم الجميع ويدعم الجميع بالتوازي». إن أهم ما أوصت به هذه الدراسة هو العمل على «تفكيكك السحر والوهم» الديني-الإيديولوجي عن سورية لتجاوز الثقافة الخلدونية وتمكين مفاهيم دوركهايم وماكس فيبر من أجل الوصول إلى الحداثة، إذ إن المقدس المشترك هو الوطنية السورية التي تعبر بصدق عن الاجتماع السياسي السوري ودون مركز وهوامش. وأشارت الدراسة إلى أنه لذلك، يتوجب على الحكومات عندما تتوافر لديها الإرادة إقامة مواطنة جمهورية متطهرة من «العثمانية المحدثة» التي يرفض الكثيرون القطع معها والسعي لإعادة تعريف الثقافة الوطنية السورية بتخليصها من هيمنة الدين والتماهي معها. وعلى المستوى المؤسساتي السياسي، رأت أنه يتوجب السعي لحماية الدولة من تدخل الدين وحماية الدين من تدخل الدولة عبر تقييد الدور المتزايد والمتضخم للدين في الحياة العامة، ومن ثم العمل على إعادة هيكلة تداخل وتدخل الدين في الدولة وتدخل الدولة بالدين في مساق إعادة بناء عقد اجتماعي جديد يضمن علاقة متوازنة بين الدولة ومواطنيها وعلاقة متوازية بين الموطنين أنفسهم. واعتبرت الدراسة، أن هذه الدينامية تقتضي بلا شك دفع عملية الإصلاح السياسي ما بعد – البعثية لإعادة التوازن للعلاقة بين الديني والسياسي واستجرار الشرعية من المجال السياسي أكثر من المجال الديني بما يتوافق مع الحداثة السياسية والعصرنة لتكون العلمانية هي مصدر العيش المشترك.