الشــائعة.. هناك من يصدقها! افتعال الأزمات على مواقع التواصل لنشر الخوف وقلة الثقة

الشــائعة.. هناك من يصدقها! افتعال الأزمات على مواقع التواصل لنشر الخوف وقلة الثقة

أخبار سورية

السبت، ٢٥ نوفمبر ٢٠١٧

فراس القاضي
يعلم مروجو الشائعات أنها تتحول إلى حقائق في كثير من الأحيان، وخاصة عندما تكون تحريضية وتتعلق بما قد يدفع شرائح كبيرة إلى تغيير تصرفاتهم، بناء على ما سمعوه وصدقوه، لذا يعتمد المخربون عليها كثيراً، وخاصة في المجتمعات التي يحوّل أفرادها أي مشكلة شخصية إلى قضية رأي عام، ويعممونها من دون أدنى تفكير بنتائجها، وللأسف.. ينجح مروجوها دائماً.
وتتحول الشائعات – حتماً – إلى حقائق، عندما تتمحور حول الأمور الخدمية للمواطن، إذ إن شائعة صغيرة حول ارتفاع سعر سلعة ما، أو فقدانها من الأسواق، كفيلٌ بتحويلها – وبسرعة البرق – إلى حقيقة، وبخلق أزمة ما كانت موجودة أساساً، والغريب فيما سبق، ليس في أن تؤتي الشائعة أكلها، وإنما الغريب هو أن تفعل الشائعة فعلها في كل مرة تُطلق فيها مهما تكررت، وحتى لو تم التنبيه منها قبل إطلاقها!
الحرب
يُرجع البعض السبب في تصديق الشائعات المتعلقة بالخدمات إلى الحرب ومفرزاتها وتأثيرها في الواقع الخدمي والمعيشي، إذ من الممكن جداً أن تخلق الحروب أزمات معيشية بسبب ضعف الاقتصاد أو العقوبات أو الحظر الدولي، لذا يبقى المواطن مستنفراً، وأحياناً يكون على دراية بأن ما يُقال ما هو إلا شائعة، لكن خوفه من تحولها إلى حقيقة، يدفعه من حيث يعلم أو لا يعلم إلى المشاركة في ذلك، وفي خلق أزمة مفتعلة سيناله هو – المشارك فيها – الكثير من ضررها. وفي مثل هذه الحالات، يعلو صوت العقل الجمعي للمجتمع، الذي يبتلع – وبكل سهولة – صوت المنطق والأصوات الفردية التي تحذّر مما يجري، هذا إن تجرأ أحد أساساً على مخالفة التيار السائد في مجتمعات لا ترحم من يخالف الأغلبية فيها حتى ولو كانوا على باطل،
ناهيك بأنه حتى العقلاني والمنطقي الذي لم يُصدق الشائعة، سيُجبر على المشاركة في مفاعيلها عندما تتحول إلى حقيقة، إذ إنه يعلم أن منطقيته ورفضه المشاركة في الهجوم على شراء سلعة ما مثلاً، لن تنفعه حين تختفي هذه السلعة من الأسواق.
وقبل الحرب؟
السؤال الذي لا بد من طرحه هو: في الحرب هناك مسوغات لتصديق الشائعة.. فماذا عن تصديقها قبل الحرب؟
الجواب لا يبتعد كثيراً عن مضمون حديثنا.. أي الشائعة، فتصديق الشائعة قبل الحرب سببه تصديق شائعات أخرى، من قبيل أن التاجر الفلاني (المدعوم) استورد صنفاً معيناً من الأغذية سيحل محل صنف آخر يفوقه جودة.. مثل هذه الشائعة كافية جداً لضمان الهجوم على الأسواق لشراء المادة التي يُفترض أنها ستختفي عند وصول المادة الجديدة، وكفيلة أيضاً بتحويل الموضوع إلى الوجبة الرئيسة على مائدة النقاشات والأحاديث والتحليلات التي قد تستمر حتى بعد التأكد من أن الموضوع برمته محض شائعة، وأن المادة التي من المفروض أن تختفي لا تزال موجودة!
وليس هذا فقط، بل إن أزمة الثقة التقليدية بين المواطن والحكومات التي لا يذكر أحد تاريخ بدايتها، تدفعه لتصديق كل ما يسيء إليها، وكل ما يؤكد فكرته حول تقصيرها تجاهه مهما حاولت أن تثبت له العكس.
مواقع التواصل الاجتمـــاعــــي
ولأننا شبه مختصين باستعمال الحد المؤذي لأي سلاح ذي حدين، تلعب مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها (فيس بوك) دوراً سلبياً جداً في موضوع الشائعات، إذ يكفي أن يُكتب على إحدى الصفحات – وأقصد هنا صفحات أشخاص عاديين وليس الصفحات المعروفة والمتابعة من قبل أعداد كبيرة – أن سعر أسطوانة الغاز المنزلي مثلاً سيرتفع، وما هي إلا ساعات قليلة لينتشر الخبر على آلاف الصفحات الشخصية وحتى الإخبارية التي لا يهتم الكثير منها بصحة المعلومات التي يقومون بنشرها مادامت ستزيد من متابعيها، وبعد ذلك ربما بدقائق، سيتوجه الكثيرون إلى أقرب بائع غاز، ليستبدلوا أسطوانتين أو ثلاثاً، وستنفد الكمية الموجودة لديه، وسيبدأ تسجيل الأسماء، والوقوف في طابور طويل، وسيزداد الاستجرار، وستعمل المعامل بطاقتها القصوى للاستجابة للأزمة التي حدثت، وقد تنتقل الأزمة إلى محافظات أخرى سيظن أهلها أن الأزمة ستطولهم أيضاً، وبالطبع لن تنفع أي تطمينات رسمية أو شعبية حول عدم ارتفاع الأسعار، فالخوف وقلة الثقة سيدا الموقف.
كيف تنتشر.. ولماذا؟
أحمد المر خريج علم اجتماع، يقول: إن لانتشار الإشاعة شروطاً، وهي للأسف متوافرة في مجتمعنا، أولها: وجود أزمات تجعل الناس مهيئين لتقبل الإشاعة مثل, التحولات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى والأزمات والحروب، وثانيها: استسهال الخوض في الأحاديث التي لا يعلمون عنها شيئاً.
ويضيف المر أن منطقية الإشاعة أو عدم منطقيتها لا يؤثران في انتشارها، لأنها مهما كانت غير صحيحة أو باطلة، هناك من سيصدقها مدعوماً إما بحقد وإما بمصلحة أو غباء.
الحل
مادمنا نسمح للآخرين بالتفكير بدلاً منّا، وبتغييب وعينا، واستغلالنا برضانا، فإن أي حديث عن حل ما هو إلا.. شائعة.
تشرين