الثروة الحيوانية…. الكنز المفقود!! من مخزون غني بالانتاج إلى عقود استيراد للترميم... تكاليف إنتاج مرتفعة وتهديد بالضياع!

الثروة الحيوانية…. الكنز المفقود!! من مخزون غني بالانتاج إلى عقود استيراد للترميم... تكاليف إنتاج مرتفعة وتهديد بالضياع!

أخبار سورية

الأحد، ٢٦ نوفمبر ٢٠١٧

بادية الونوس   
لاشك في أن تراجع الثروة الغنمية إلى أكثر من الثلث أدى إلى تبعات سلبية تركت بصماتها على صحة المواطن، فارتفاع أسعار اللحوم بشكل كبير جعلها خارج استهلاك أغلبية الناس، إذ وصل سعر الكيلو الواحد إلى 7 آلاف ليرة، وكذلك ارتفاع أسعار الحليب ومشتقاته، تجاوز سعر كيلو الجبن إلى 2000 ليرة لتحل محل هذه المنتجات لحوم مستوردة وحليب مستوردوألبان وأجبان مخالفة للمواصفات، وبذلك خسرنا الإنتاج وخسرنا القطيع الذي يوصف بالنفط الذي لا ينضب.. وحسب الجهات المعنية يعد تأمين مستلزمات الإنتاج الحيواني من أعلاف وغيرها ثاني أسباب تراجع الثروة الحيوانية بعد ظروف الحرب الشعواء، إذ يؤكد المهندس أحمد قاديش- معاون وزير الزراعة تراجع الثروة الحيوانية بما يزيد الثلث بنسبة 30-40%، إلا أن هذا القطاع مازال قائماً بفضل السياسة التي اتبعتها وزارة الزراعة من تقديم التسهيلات والدعم للمربين للمحافظة على ما تبقى منها في المناطق الآمنة.. وفي موازاة ذلك يرى أصحاب الاختصاص أنه من الضروري وضع الخطط الاستراتيجية وتأمين المستلزمات اللازمة للوصول بقطيع الأغنام إلى عشرين مليون رأس لأن هذا القطاع جزء من الأمن الغذائي السوري.

نتناول في هذا التحقيق واقع الثروة الحيوانية سيما بعد تحرير عدداً من المناطق من سيطرة المجموعات الإرهابية، وما هي الإجراءات والسياسات المتبعة من قبل الجهات المعنية للحفاظ على ما بقي منها في المناطق الآمنة.
مع المربين
تراجع حال الأسر التي تعتمد على تربية المواشي, كمورد وحيد في حياتها كحال الواقع العام لارتباط هذه المهنة بالظروف السائدة, وتالياً ارتفاع أسعار المواد العلفية ما أدى إلى تراجع هذه المهنة لتناقص الأعداد وتراجع مساحات الرعي..
ضمن حقل ألغام
عندما أراد أبو حسين الهرب من ناحية عقيربات في محافظة حماه قبل دخول الجيش العربي السوري لتحريرها باتجاه وادي (العزيب) اضطر أن يسير وعائلته وراء الأغنام ضمن حقل ألغام وكانت النتيجة أنه وصل معه من أصل سبعمئة رأس ثلاثمئة رأس.. هذه حالة من الحالات التي تقطن في المناطق الساخنة وتراجعت ممتلكاتها من المواشي إلى النصف..
تقديم المزيد
في اتصال هاتفي مع «أبو قاسم» من محافظة حماه أكد أن المشكلة تكمن في الارتفاع غير المقبول لأسعار المحروقات, إضافة إلى مزاجية الجمعيات الفلاحية في توزيع المواد العلفية وعدم كفاية كميات العلف المدعوم، كما اشتكى من غلاء الأدوية البيطرية, داعياً الجهات المعنية إلى النظر إلى أوضاع المربين بعين الرأفة وتقديم المزيد من التسهيلات لاستمرار العملية الإنتاجية.
تراجع أعداد القطيع
ظروفهم المعيشية مأساوية وتراجعت كحال بقية الأسر التي تعتمد على تربية المواشي, يضيف أبو نواف أن عدد قطيعه انخفض إلى النصف فبعد أن كان لديه 335 رأساً من الغنم، بسبب الظروف الأمنية وضيق مساحات الرعي وتكاليف التنقل تراجع إلى الثلث، متمنياً على الجهات المعنية زيادة الدعم حتى يحافظ على قطيعه مصدر رزقه الوحيد.
إحصاءات
المهندس أحمد عوض- مدير دائرة الإحصاء في الاتحاد العام للفلاحين, أكد أن أعداد رؤوس الأغنام في سورية حسب آخر إحصائية لوزارة الزراعة عام 2011، تزيد على 18.200 مليون رأس غنم لتتراجع في عام 2015 إلى 13 مليون رأس ما عدا محافظة حمص, مبيناً أنه تم استرجاع أعداد كبيرة منها بعد استرجاع عدد من المناطق من سيطرة «داعش» إضافة إلى تراجع أعداد الأبقار إلى تسعة ملايين رأس.
ويضيف أنه عادة يتم اعتماد الأرقام التأشيرية لصعوبة الوقوف على واقع الثروة الحيوانية في بعض المناطق، وعلى سبيل المثال في محافظة الرقة، كرقم تأشيري لعام 2014، عدد قطيع الأغنام كان يزيد على مليوني رأس غنم منوهاً بأنه عادة لدى إحصاء الأعداد في المناطق الشرقية ينخفض الرقم بشكل تقديري بنسبة 30% بسبب الظروف الأمنية السائدة والتهريب وما إلى ذلك ولكن في المجمل رغم كل ظروف الحرب نستطيع أن ننتج وبقي هذا القطاع قائماً. واقترح العوض العمل على تثبيت المربي بأرضه خاصة في المناطق الآمنة من خلال تأمين البنى التحتية من ماء وبذار ووسائل نقل وتأمين كل المستلزمات لضمان استمرار العملية الإنتاجية.
تأمين المستلزمات
يرى رئيس مكتب التنظيم في الاتحاد العام للفلاحين حكمت العزب أن السبب الرئيس لتراجع الثروة الحيوانية بشكل عام بعد الحرب القذرة التي طالت البشر والحجر هو غلاء مستلزمات العملية الإنتاجية ولاسيما منها الأعلاف، مبيناً أنه حتى نرمم التراجع في هذا الاقتصاد المهم يجب تأمين مستلزمات الإنتاج سواء الأعلاف, أوتقديم الأدوية البيطرية وتأمين اللقاحات والأهم تأمين المحروقات، مردفاً: أن هذا القطاع بدأ يتعافى ونعمل باتجاه تخفيض أسعار الأعلاف لأن هذا من شأنه أن يحسن من واقعه ما ينعكس على العملية الإنتاجية.
بادرة غير مسبوقة
يضيف العزب أنه لم يتسنّ لهم معرفة الوضع في المناطق المحررة, وحسب المعلومات المتوافرة لديه من الصعب أن يعرف أحد الوضع مثلاً في محافظة الحسكة, أو دير الزور لأن هذا يحتاج وقتاً طويلاً بعد تطهير أي منطقة من رجس الإرهابيين فعلى سبيل المثال يقول: أعلنّا عن مناقصة لبيع كميات من الشعير خوفاً أن تضربها «داعش» ثم تراجعنا عن البيع بعد أن تأكدنا أنها بخير.
من الخطوات التي عدّها رئيس مكتب التنظيم رائدة لتحسين الوضع مشروع استيراد الأبقار، مشيراً إلى أن هذه البادرة الحكومية التي لم تحدث منذ عقود تعد سابقة لدعم الانتاج من خلال استيراد 30 ألف رأس بدعم حكومي، إذ وصل سعر الرأس إلى 900 ألف ليرة بعد أن كان سعره 1.425مليون ليرة، كما تم مجدداً توجيه كتاب للحكومة لتخفيض السعر بما يتناسب مع الوضع الراهن بالتوازي مع إيجاد أسواق لتصريف الإنتاج ضمن خطة مدروسة.
ما يحدث!
النقطة الأهم التي تحدث عنها العزب هي تأمين الأعلاف بنوعية جيدة وأسعار مناسبة للمربي, ولكن ما يحدث عكس ما تشتهيه رياح اتحاد الفلاحين لأنه الجهة المدافعة عن الفلاحين، مشيراً إلى موضوع الإعلان عن بيع 125 ألف طن من النخالة من قبل وزارة التجارة الداخلية الذي أثار أسئلة كثيرة حين صرح وزير التجارة أن هذه الأطنان لديها صلاحية مدة ثلاثة أشهر وبعد فترة تكلف لجان وتعطي صلاحية جديدة لمدة سنة.
والنقطة الثانية التي نوه بها العزب أنه كثيراً ما يتم تحديد فترة زمنية لتوزيع المقنن العلفي ضمن الدورة العلفية الواحدة على أن يتم البيع للمربين الواردة أسماؤهم بموجب بطاقة شخصية، علماً أن عدداً كبيراً من المربين غير مسجل بالاسم، كما يوجد في كل قرية وحدة ارشادية يعلمون أعداد من يربي المواشي، ملمحاً إلى أين تذهب تلك الكميات في إشارة إلى التجار الذين يشترونها ويبيعونها في السوق السوداء ليجنوا أرباحاً طائلة؟
التهريب!
عماد عبد الرحيم- مدير الثروة الحيوانية في الاتحاد العام للفلاحين يؤكد أن التهريب سبب رئيس من أسباب تراجع الثروة الحيوانية فأغلبية المنافذ الحدودية مفتوحة أو خارج السيطرة، إضافة إلى الذبح العشوائي, ليأتي موضوع التصدير سبباً أيضاً وراء تراجع هذه الثروة، مؤكداً أنه تم الاقتراح لتصدير رأس من الغنم العواس مقابل استيراد رأسين, لأن هذا من شأنه تحسين هذا القطاع وهو حل إسعافي لتوفير اللحوم الحمراء في السوق.. إضافة إلى الإجراءات السابقة في هذا الصدد- يؤكد لنا المهندس مهند الأصفر وهو عضو في اتحاد المصدرين- أنه لم يتم تصدير رأس واحد هذا العام.
جملة من الإجراءات
لكن ماذا عن الإجراءات التي اتخذتها وزارة الزراعة لكونها الجهة المعنية باتخاذ ما يلزم للحفاظ على ما تبقى من هذه الثروة في المناطق الآمنة؟
معاون وزير الزراعة المهندس أحمد قاديش أكد أن تحسن واقع الثروة الحيوانية بطيء نوعاً ما, وتم تشجيع المربين وتقديم كل التسهيلات في المناطق التي تحررت من سيطرة المجموعات الإرهابية بهدف عودة نشاطها, حيث تم اتخاذ جملة من الإجراءات منها إعفاء منشآت الإنتاج الحيواني من ضريبة الدخل, وتطبيق تعرفة قيمة استجرار الطاقة الكهربائية لمنشآت الإنتاج الحيواني بالسعر الزراعي, إضافة إلى إعفاء استيراد البكاكير من الرسوم الجمركية ودعم المؤسسة العامة لتجديد قطيعها, وإنتاج لقاحات الثروة الحيوانية وتقديمها مجاناً وبسعر مدعوم ورمزي.
وفيما يتعلق بالمحروقات تم إعطاء الأولوية لتزويد منشآت الإنتاج الحيواني بالمحروقات، وكذلك البدء بمشروع ترقيم الثروة الحيوانية إلى جانب نقل معامل الأدوية البيطرية إلى الأماكن الآمنة.
تنمية المصادر العلفية
مدير مشروع تطوير الثروة الحيوانية د. رامي العلي تحدث عن تفعيل بعض النشاطات في المناطق المحررة، ففي حلب مثلاً تم استئناف دورات لتصنيع الألبان والأجبان, وسيتم تفعيلها في دير الزور في الفترة القادمة، كما سيتم العمل على دعم الثروة الحيوانية من خلال تنمية المصادر العلفية وتحسين المراعي، وفي العام الماضي تم ترقيم قطعان الثروة الحيوانية وفق النظام الوطني إضافة إلى إدخال بيانات الثروة الحيوانية في قاعدة بيانات.
ولفت د. العلي إلى أن أبرز الصعوبات التي تواجه تطوير الثروة الحيوانية، إضافة إلى موضوع تأمين الأعلاف، ارتفاع الأسعار والتسويق، فالتاجر هو المتحكم بالأسعار التي يعطيها للمربي.
وعن دور المشروع في تحسين واقع الثروة قال: هناك مشروع تداول بذار للمحاصيل العلفية حيث يتم توزيع بذار للمربين مجاناً، وفي المقابل يعيدها المربي في العام القادم بزيادة 10% ليستفيد منها مربٍّ آخر ضمن التجمع ذاته.. ونوه بالاستفادة من الصبار الأملس وفوائده كسماد للأرض إضافة إلى زراعة الشجيرات الرعوية في مناطق الاستقرار الثالثة والرابعة.
إعادة إعمار القطاعات الإنتاجية
يبقى لأصحاب الاختصاص وجهة نظرهم إذ يؤكد المتخصص بالشؤون الزراعية إسماعيل عيسى أهمية الأغنام العواس التي لا يوجد لها مثيل في العالم ولاسيما أن البيئة السورية تتميز بمقاومة الأمراض فهي ثلاثية الإنتاج (اللحم والصوف واللبن ومشتقاته) وهذه ميزة لا توجد في أصناف أخرى لذلك عندما بدأت الحرب كانت الأغنام أولى الضحايا بعد فقدان المراعي التي تقدم الأعلاف مجاناً لأن جزءاً كبيراً يقع ضمن مناطق وجود المجموعات الإرهابية ما دفع المربي للهرب باتجاه المنطقة التي توفر له الأمن والاستقرار.
ويضيف أن تراجع الثروة الحيوانية يعود إلى عدة أسباب أهمها سيطرة «داعش» وملحقاتها على معظم البادية السورية الأمر الذي أخضع المربين لسلطتها، وتالياً لم يعد باستطاعة المربي الحصول على الأعلاف، وكذلك عدم قدرته على التنقل بين البادية والمعمورة وهو تنقل معروف هدفه الاستفادة من بقايا المحاصيل إضافة إلى ذلك يعود تناقص هذه الثروة إلى مصادرة المجموعات الإرهابية أغنام من تعدهم معادين لها, وذبح هذه الأغنام أو بيعها للذبح, وكانت تتوارد الأنباء أن سعر كيلو اللحم في مناطق سيطرة «داعش» لا يتعدى ألف وخمسمئة ليرة سورية، والسبب يعود إلى مصادرة الأغنام أو ذبحها لعدم القدرة على تأمين المقنن العلفي لها، فضلاً عن فقدان الأدوية البيطرية ودخول الأدوية المنتهية الصلاحية من لبنان وتركيا والأردن.. كما فقد المربون الآبار التي كانت موجودة في البادية وحتى اليوم لا يوجد تواصل بين المحافظات السورية ولاسيما المناطق الساخنة لمعرفة واقع الثروة الحيوانية في سورية.
ويؤكد عيسى أنه من الصعب الحصول على رقم حقيقي لأعداد الأغنام في سورية سواء قبل الحرب أم بعدها, لعدة عوامل أهمها لارتباط التعداد لدى الكثيرين بتوزيع الأعلاف ما يدفعهم لزيادة الأعداد ابتغاء الحصول على كميات أكبر من الأعلاف, إضافة إلى دخول بعض المتنفذين، ومنهم موظفون وشيوخ عشائر وما إلى ذلك، وتقديم بيانات وهمية ابتغاء الحصول على أعلاف والمتاجرة بها في السوق السوداء.
ومن وجهة نظر الباحث عيسى لم يعد هناك الكثير للتصدير بسبب تدهور قطيع الثروة الحيوانية خلال السنوات الست الماضية كما أن الحكومة من جهتها لم تسمح بالتصدير، ويرى ضرورة وضع سياسة لإعادة إعمار القطاعات الإنتاجية ومنها الزراعة بقطاعها الحيواني تتضمن سبل تطويره وتقديم خطط تنموية واقعية تعتمد على برامج قابلة للتنفيذ من قبل الكوادر المحلية، مشيراً إلى ضرورة عقد ورشات عمل تعتمد هدفا استراتيجيا للوصول بقطيع الأغنام إلى رقم عشرين مليون رأس وهو الرقم القريب من رقم ما قبل الأزمة، ولتحقيق ذلك يجب التوجه للزراعات العلفية وتشجيعها والتزام مؤسسة الأعلاف باستلام الإنتاج، وبالتوازي مع ذلك يجب الاستفادة من مخلفات المحاصيل الزراعية والتشديد في وضع العقوبات على المهربين، وبكلمة موجزة يجب توفير كل احتياجات الثروة الحيوانية لأنه لا حياة للإنسان من دون وجود الحيوان وتالياً عدم الاستغناء عن منتجات الحيوان لأنها جزء من الأمن الغذائي.
المسألة الأخرى التي ركز الباحث عليها أن موضوع الاستثمار في قطاع الثروة الحيوانية من أسرع الاستثمارات مردوداً، مستشهداً بهولندا التي تبلغ مساحتها ضعف مساحة سهل الغاب وتصدر أكثر من ثلاثمئة نوع من الجبن من منتجات الأبقار إلى العالم، لذا يمكن أن نصدر للعالم منتجات الأغنام من عرق العواس السوري الفريد من نوعه والذي تلقى منتجاته رواجاً كبيراً قياساً مع منتجات الأغنام الأخرى، وبذلك نؤكد حقيقة المقولة الشهيرة «الأغنام نفط لا ينضب».