بعد أن غزا شواطئنا.. أسراب سمك “النفيخة” تثير مخاوف الصيادين.. واستنفار للتوعية والتنبيه من أضرارها السمية

بعد أن غزا شواطئنا.. أسراب سمك “النفيخة” تثير مخاوف الصيادين.. واستنفار للتوعية والتنبيه من أضرارها السمية

أخبار سورية

الخميس، ٣٠ نوفمبر ٢٠١٧

على طول الشواطئ السورية يصطاد الصيادون بواسطة شباكهم أنواعاً مختلفة من الأسماك، بعضها سام يؤدي إلى الوفاة بعد تناوله بأربع ساعات، هذا السمك هو سمك “البالون”، أو كما يسمى بالعامية “النفيخة”، والذي يعد سمّه أقوى من الزرنيخ بآلاف المرات، ولا يوجد ترياق له حتى اليوم، والمصيبة أن “البالون” ليس النوع السام الوحيد الذي يغزو شواطئنا، وإنما توجد هناك أنواع أخرى لا تختلف عن “البالون” سوى أنها أقل سمية منه.

منذ أكثر من عشرة أعوام لم تكن هذه الأسماك السامة موجودة بهذه الأعداد الكبيرة في سواحلنا، إذ تزايدت أعدادها في السنوات القليلة الماضية بشكل كبير يثير الدهشة، وقد بدأت تتكاثر بالملايين حجماً وعدداً وبطريقة مخيفة باعتبارها تهدد حياة المواطنين، وخاصة الصيادين الذين يجهلون حقيقتها، فيقعون ضحية سمّها بعد أن تقع ضحية شباكهم.

أين التوعية؟

عدد من الصيادين أكدوا وجود هذه الأسماك السامة بغزارة في ساحلي اللاذقية وجبلة، حيث تتحرك على شكل أسراب ضخمة يصل عددها إلى المئات، يقول الصياد أبو محمد: أعمل بمهنة الصيد منذ أربعين عاماً، ولم أر مثل هذا النوع من السمك في مياهنا إلا منذ ثلاث سنوات عندما ظهرت فجأة بشباكي، ولما سألت عنها اكتشفت أنها سامة، وتسمى بالنفيخة، لأنها تنتفخ في الماء وتصبح مثل البالون.

فيما يؤكد الصياد أبو أنور أن هذه السمكة لا تترك فريسة تهرب منها، حتى إن شباك الصيد لم تنج من أسنانها الحادة، فتعمل بها تقطيعاً وتخريباً عندما تعترضها، عدا عن أنه من النادر أن تقع في شباكنا سمكة من هذا النوع إلا ونعثر في أحشائها على سمكة أخرى، وكذلك نرى أيضاً بقايا وآثاراً لتقطيع شباك الصيادين.

الصياد أبو علاء طالب الجهات المعنية، وخاصة الهيئة العامة للثروة السمكية، بالقيام بواجبها إزاء الصيادين، ومن يصطادون كهواة من خلال توعيتهم  لوجود هذا النوع من السمك السام في مياهنا، كما طالب الهيئة بشراء الكميات المصطادة من الأسماك السامة، وإتلافها حتى لا يضعف الصياد ويقوم ببيعها لأنه بحاجة إلى المال، ولا يوجد لديه مصدر رزق آخر، خاصة أنها باتت تظهر بكثافة، فلا يكاد يمر يوم من دون أن تظهر بشباك الصيادين، بالإضافة إلى تخصيص مكافآت لمن يصطادها، الأمر الذي يشجع على إتلافها للتقليل من وجودها بدلاً من تكاثرها بكثافة.

أقوى من الزرنيخ

الدكتور لؤي سعيد، مدير المشفى الوطني في اللاذقية، أكد أنه رغم وفاة 13 شخصاً بالمحافظة خلال العام الماضي نتيجة تناولهم  سمكة “البالون” السامة بسبب جهلهم لحقيقتها، فقد شهدت المحافظة خلال العام الجاري عشر حالات تسمم تمت معالجتها، عازياً السبب وراء ذلك إلى عدم توعية الناس، وخاصة الصيادين وهواة الصيد، بسمية سمك البالون، وأنه يشكّل تهديداً حقيقياً لحياتهم تصل إلى حد الوفاة وبساعات قليلة، مبيّناً أن المادة السمية الموجودة في هذا النوع من السمك تعتبر أقوى من الزرنيخ بـ 10 آلاف مرة، ولا يوجد أي ترياق حتى اليوم!.

وأوضح سعيد أنه من أعراض الإصابة بالتسمم: الإقياء، والشعور بالغثيان، و”التنميل” في الشفاه والأطراف، ثم يتفاقم إلى شلل عضلي وتنفسي يكون خلالها الشخص المصاب بالتسمم مشلولاً تماماً، والقلب يعمل طبيعياً لعدة ساعات تحدث بعدها الوفاة، مبيّناً أنه إذا كانت المادة السمية شديدة فإن الوفاة تحدث ما بين 4 إلى 6 ساعات بعد تناول السمكة، فكل 0,75 ملغ من هذه المادة قادرة على قتل شخص بوزن 70 كغ، أما إذا كانت قليلة السمية فتتم معالجة المريض من خلال الإسعافات اللازمة التي تعطى بالمشفى حصراً، وتكون بدعم هوائي باكر للقلب، وإفراغ المعدة من السوائل.

والتسمم بسمك البالون ليس حدثاً جديداً في المحافظة، كما يؤكد سعيد، ففي عام 2010 استقبل المشفى الوطني أول حالة تسمم بهذه السمكة، ويضيف: بقي المريض تحت المراقبة مدة 24 ساعة، حاولنا خلالها التواصل مع المركز الوطني للسموم لإعطائنا معلومات حول هذا النوع من التسمم، وكان الرد أنه لا توجد لديهم أية معلومات، وبعد البحث بطرق متعددة اكتشفنا أن المريض مصاب بسم سمك البالون، وقد تمت معالجته.

واللافت أن مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظة كانت على علم بهذا النوع من السمك السام، إذ قال سعيد: عندما راجعنا المعنيين في المديرية لاطلاعهم على الموضوع قالوا إنهم على علم بذلك، مشدداً على ضرورة توزيع منشورات على محال بيع الأسماك لتعريف الصيادين والمستهلكين بهذا النوع من السمك وأضراره، بالإضافة لمنع بيع سمك “البالون”، وتشديد الرقابة على الأسعار، لأن السمك السام يباع بأسعار رخيصة، الأمر الذي يشجع المواطنين على شرائه، خاصة في ظل ارتفاع أسعار بقية أنواع السمك.

وأكد سعيد أنه ألقى محاضرة لتوعية الناس وتعريفهم بمضار هذا النوع من السمك، وطالب بتنظيم حملات توعية، في محاولة لإنقاذ طفل أو شاب لا يعرف عن سمكة “البالون” شيئاً.

ستة أنواع للبالون

الدكتور أديب سعد، أستاذ علم الأسماك والبيئة المائية في جامعة تشرين، قال: ظهر في السنوات العشر الأخيرة في الساحل السوري نوع جديد من الأسماك السامة التي تأكل الأسماك الأخرى، وتقطع شباك الصيد، وهي سامة، ويضيف: رغم أن سمكة البالون، أو كما تسمى بالعامية “النفيخة” هي الأكثر شيوعاً، وخاصة خلال الفترة الأخيرة، إلا أنها ليست السمكة السامة الوحيدة المنتشرة في ساحلنا، فهناك أنواع أخرى مثل سمك الأسد، والسلور البحري، مؤكداً أن سمك البالون ليس نوعاً واحداً، وإنما ستة أنواع تتفاوت بدرجة السمية.

وأوضح سعد أن هذه السمكة تدعى بـ “النفيخة” أو “البالون” لكونها تنفخ نفسها تحت الماء فتصبح كالبالون، خاصة إذا ما اقترب منها أي كائن آخر، وتمتلئ بالشوك، بالإضافة إلى امتلاكها أربعة أسنان تجعلها ذات قضمة مؤذية جداً، ما يتسبب بقطع شباك الصيادين.

وبيّن سعد أن هذا السمك السام دخل المياه السورية مؤخراً من البحر الأحمر، والمحيط الهندي، وبحر الصين، عازياً السبب وراء ذلك إلى التغير المناخي، وارتفاع درجات حرارة مياه البحر المتوسط، وميلها أكثر نحو الدفء، ما جعلها تتأقلم هنا بسرعة كبيرة، لافتاً إلى أن ستة أنواع من سمك البالون تعيش في البحر الأبيض المتوسط، خمسة منها هاجرت إليه من البحر الأحمر بعد توسيع  قناة السويس، لافتاً أيضاً إلى أن هذا النوع من الأسماك يحوي أيضاً أخطر أنواع السموم، وهو سم “تيترودوتوكسين” الذي يتوضع في كمياته تحت الجلد، وفي “البطارخ” أي المبايض، أو المناسل، وفي الكبد.

ويضيف: لذلك ينصح بعدم تنظيفها من قبل أي شخص مصاب بجرح ولو خفيف في يده، فحين يلامس هذا الجرح المناطق التي يحوي جسم السمكة فيها السم يصاب بالتسمم حتماً، كما أن تناول هذه الأجزاء سيوصل إلى النتيجة نفسها، ونتيجة جهل الصيادين والمستهلكين في حوض البحر الأبيض المتوسط بطبيعة هذه الأسماك، فقد توفي 13 شخصاً في المحافظة خلال العام الماضي، ناهيك عن عدة حالات تسمم شهدتها المحافظة خلال العام الجاري.

وطالب سعد الجهات المعنية، ومن ضمنها المؤسسة العامة للثروة السمكية، بالقيام بحملة توعية، وإصدار بروشورات تعرّف بها، وبطريقة التعامل معها.

باسل يوسف  ‏