“غير مخصص للبيع”.. المساعدات الإنسانية في اللاذقية برسم البيع تجارة رائجة تنافس السلع المحلية.. والمهجّرون: نريد المال لنعيش

“غير مخصص للبيع”.. المساعدات الإنسانية في اللاذقية برسم البيع تجارة رائجة تنافس السلع المحلية.. والمهجّرون: نريد المال لنعيش

أخبار سورية

الخميس، ٧ ديسمبر ٢٠١٧

على الرغم من عبارة “غير مخصص للبيع” التي يتم وسم المساعدات المقدّمة من قبل الأمم المتحدة للمهجّرين بها، إلا أنها سرعان ما تشق طريقها إلى الأسواق السوداء لتباع بأسعار منخفضة عن طريق المهجّرين أنفسهم الذين يبيعونها على مضض للحصول على المال لسد احتياجات معيشية أخرى، ومحافظة اللاذقية كغيرها من المحافظات السورية التي تنتشر فيها المساعدات الإنسانية على الأرصفة، وعلى رفوف بعض المحال التجارية كغيرها من السلع لتكون خاضعة للعرض والطلب، ومنافسة قوية غالباً ما تجذب الزبون الذي يرغب بشراء السلعة الأرخص، ولو كان على حساب النوع والجودة والمنشأ، وعليه فقد تحوّلت المساعدات الإنسانية التي من المفترض أن تصل إلى المتضررين، إلى سلع تباع في المحافظة، وبأسعار منخفضة لتغدو الهدف الأول لكل من يقصد أسواق المواد الغذائية، وتتربع في صدارة قائمة المشتريات، وانتشرت في الأسواق -أخيراً- ظاهرة شطب كلمات “أونروا، توزع مجاناً، غير مخصص للبيع” من السلع بعد جمعها ممن يرغبون في بيعها؛ لتعلن عن نفسها دون مواربة على البسطات في الأسواق باللاذقية، ودون اكتراث من الجهات المعنية لوجود هذه الظاهرة، أو ملاحقتها، أو معرفة القائمين عليها.
“عايشين على رحمة الله”
تتنوّع مواد المساعدات الإنسانية المعروضة للبيع في السوق السوداء،  ما بين برغل وأرز وعدس وزيت وسكر وبقوليات، وتباع بأسعار أدنى من أسعارها المعتادة بكثير.. أم أيهم واحدة من المهجرات من ادلب التي لا تخفي أنّها تبيع ما تحصل عليه من مساعدات غذائية لتشتري بثمنها بعض الخضار، ومواد غذائية أخرى لأفراد أسرتها، وتقول: ما نحصل عليه من المنظمات ضروري، لكنّ ثمّة سلعاً مهمة أخرى نحتاجها، لذلك نبيع بعض المواد للحصول على المال لشرائها، فمن الصعب جداً الاستغناء عن بعض المواد الغذائية مثل الخضار والخبز ومستلزمات أخرى ضرورية في المنزل.
أبو جلال “مهجّر” من دير الزور، لا يجد حرجاً في الإعلان أنّه يبيع قسماً ممّا يحصل عليه من المعونات، معللاً ذلك بحاجته إلى المال لتأمين أشياء أخرى مهمة لا تتضمنها تلك المساعدات، ويقول: إن أحد أولاده يعاني من مرض الربو، ويضطر إلى اصطحابه للطبيب وشراء أدوية بين حين وآخر، ويضيف: ليس أمامي إلّا بيع بعض المساعدات، ولو بسعر زهيد  لتسديد تكاليف العلاج، على الرغم من حاجتي إلى تلك المساعدات.
بدوره يقول أبو خالد من مدينة حلب:  أبيع قسماً من المعونات بسبب عدم امتلاكي المال، وعدم وجود مصدر رزق أعيش منه، وأطعم أولادي من خلاله، فالحرب أخذت “الحيلة والفتيلة” في حلب، وهجّرتنا بثيابنا التي علينا، ويضيف: “عايشين على رحمة الله”، ونعتمد على الخبز كمادة رئيسية للغذاء، فيما نحاول قدر الإمكان التقنين، فيما يتبقى من مواد غذائية في السلة الغذائية لتكفي حاجتنا حتى يحين موعد السلة التالية.
وتابع: رغم أننا نعلم أن التاجر مستغل، ويشتريها بأسعار منخفضة، ويبيعها بأسعار مرتفعة، إلّا أننا نستطيع توفير مبلغ لا بأس به من خلال بيع المعونات، حيث إننا نبيع الأرز والسكر والزيت والمعلبات والبرغل والعدس وغيرها مقابل أن نشتري الخبز والخضار، وندفع إيجار المنزل.

أرخص من السوق
تحولت العديد من الأسواق القديمة في المحافظة إلى مركز رئيسي لبيع المعونات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة للمهجّرين، حيث يمكن للمتجول في هذا السوق أن يشاهد كل الأنواع التي تحتوي عليها السلال الغذائية موضوعة على الرصيف بشكل علني، حيث يلجأ المستفيدون من السلال الغذائية إلى بيع محتوياتها بمفردهم على الأرصفة والبسطات، ليتمكنوا من جني أرباح أكبر بعيداً عن التعامل مع التجار.
وفي المقلب الآخر، وأمام مراكز توزيع المساعدات الإنسانية للمهجّرين في المحافظة يتربص العديد من الأشخاص الذين يسارعون باتجاه من يستلم معونته ليعرض عليه شراءها لقاء مبالغ زهيدة، مستغلّين حاجة بعضهم إلى المال بقدر ما هم في حاجة لما بداخل السلة، ثم يقوم أولئك الأشخاص  ببيعها في السوق بسعر أعلى، أو يستهلكونها بأنفسهم.
أبو ربيع واحد ممن يشتري المعونات من المهجّرين، يقول: نحن كتجار نتعامل مع من يبيع لنا بسعر أقل، لأننا نريد الربح، ويضيف: لسنا معنيين بالتأكد من مصدر هذه البضائع، فعندما نتعامل مع التجار، لا نسألهم عن قانونية الأشياء التي يبيعونها أو طريقة الحصول عليها.
من جهته، قال أبو علي، صاحب أحد المحال التجارية التي يبيع فيها المواد الإغاثية: تتوافد إلى دكاني يومياً عشرات العائلات التي حصلت على سلال غذائية لبيعها، وأنا أشتريها لأنهم بكل الأحوال سيبيعونها لأنهم مضطرون للحصول على المال، لافتاً إلى أن بعض الأهالي لا يستفيدون من الحصص الإغاثية بشراء تلك المواد بسبب انخفاض ثمنها، مقارنة مع أسعار المحلات التجارية.
وقال أبو سامر، أحد المواطنين الذين يرتادون سوق الريجي في المدينة: إن أسعار مواد المعونات أرخص بكثير من أسعارها في السوق، لذلك أرتاد هذا السوق وأشتري الأرز، والسكر، والزيت بأسعار أرخص بكثير، فأرز المعونة أشتريه بـ 100 ليرة، فيما يباع بالسوق بـ 275 نوع ثان، وأيضاً البرغل، سعر الكيلو معونة 150، بينما في السوق 300 ليرة، وعلبة زيت دوار الشمس المعونة بـ 500 ليرة، فيما تباع بالمحال بـ 650 ليرة.
أبو رائد أكد أن مواد الإغاثة تباع بفارق كبير في السعر عن المواد الأخرى، وأن بعض التجار يستغلون الناس ويبيعونها بسعر المواد الأخرى نفسه، أو بنقص بسيط عن المواد المستوردة للتجارة!.

علّموهم الصيد
محمد عبد الله، الدكتور والخبير الاقتصادي، أكد أن المنظمات الدولية تتحمّل المسؤولية عن عملية بيع المعونات في السوق، لأنها عملت خلال سنوات الأزمة على تحويل السوريين إلى متلقين للمساعدة فقط، فبدلاً من أن تقدم السمكة لهم، لماذا لا تعلّمهم الصيد، وتعطيهم أدوات اصطيادها لينطلقوا بدلاً من الاعتماد على الاتكالية، وتعمل إلى جانبهم على مشاريع الإنتاج، أو ما يعرف بمشاريع التنمية، وبرامج سبل العيش؟!.
كما اقترح أن تكون هناك استبيانات تطرح على النازحين لمعرفة المواد التي يحتاجون إليها بدلاً من توزيع مساعدات قد لا يستفيدون من أغلبها.
ويضيف: من الضروري جداً اليوم إعادة دراسة احتياجات المسجلين لدى الجمعيات والمنظمات، وحتى المجتمع السوري “وافد ومتضرر” من أجل الوصول إلى صيغة توصل الحقوق إلى أصحابها، ويحصل من خلالها كل محتاج على حاجته، فلا يبيع حصة ليشتري حاجة أخرى، ولا تتحول المساعدات إلى تجارة في السوق السوداء، ولمن يدفع أكثر، ويتاجر بحياة واحتياجات الأسر المهجّرة التي لا حول لها ولا قوة؟!.

من أجل المال
أحمد نجم، مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في اللاذقية، أكد قيام بعض المهجّرين ببيع بعض محتويات سلتهم الغذائية من أجل الحصول على المال لسد احتياجات معيشية أخرى، ومعظم الحالات تكون لأطفال ومراهقين يبيعون كميات قليلة من المواد الغذائية مثل: “كيلو أرز، أو عبوة زيت عدد2” لقاء بعض المال، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه ليس كل المتضررين يبيعون معوناتهم.
وأوضح نجم أن عملية بيع المعونات تحدث بشكل مباشر عندما يخرج المواطنون من مركز الهلال الأحمر، حيث يكون بعض الأشخاص بانتظارهم ويشترون منهم السلل الغذائية، علماً أن بيعها ممنوع منعاً باتاً، والتموين يحاسب كل من يقوم ببيع المعونات تحت أي ظرف كان، مبيّناً أن قيمة الضبط تبلغ 25 ألف ليرة، ويتم تحويل المخالفين إلى القضاء المختص بتهمة المتاجرة بالمواد الإغاثية.
ويضيف: منذ ستة أشهر تم ضبط كميات كبيرة من المواد الإغاثية تباع لأحد التجار داخل مركز إيواء في منطقة الكورنيش الجنوبي، مؤكداً أنه تمت إحالة التاجر والبائع إلى القضاء موجوداً، كما أشار إلى أنه منذ أيام وردتهم شكوى أنه في داخل مستودع بمنطقة الدعتور توجد كميات كبيرة من المعونات والسلل الغذائية المعدة للتجارة، وبعد الحصول على إذن من النائب العام دخلنا مع الجهات المعنية إلى المستودع ليتبيّن لنا أن الشكوى غير صحيحة.
كما ناشد نجم المواطنين الذين لديهم معلومات حول معونات تباع بكميات كبيرة في أي مكان بالمحافظة، الاتصال بمديرية حماية المستهلك ليصار إلى إجراء اللازم.

باسل يوسف