معمل العصائر قيد الإعلان منذ سنتين و 10 ملايين يورو للعارض الفائز.. فمتى يرى النور.. مزارعون: مشروع مجهول المصير ومجرد حبر على ورق

معمل العصائر قيد الإعلان منذ سنتين و 10 ملايين يورو للعارض الفائز.. فمتى يرى النور.. مزارعون: مشروع مجهول المصير ومجرد حبر على ورق

أخبار سورية

الأحد، ١٠ ديسمبر ٢٠١٧

أروى شاهين
كمسلسل «مكسيكي» تطول حلقاته وتتكرر مشاهده، حال واقع الحمضيات في كل موسم, فالأحداث كعادتها تشي بإنتاج ضخم عصي عن التصريف, وثمار يفضل زارعوها وأدها على أن تباع رخيصة الثمن, وأما أصحاب القرار فعالقون بزحمة التحضير لخطبهم المعهودة واجتماعاتهم الدورية و الطارئة وما أكثرها, إلا أنه غالباً ما تنطبق عليها مقولة «تمخض الجمل فولد فأراً», إذ تشير الأرقام الحديثة لإنتاج الحمضيات إلى بلوغها ما يقارب 1,100 مليون طن, في حين يقتصر الحديث عن التصدير على محاولات خجولة , لعل أوسعها نطاقاً المشاركة بجناح في معرض بغداد المرتقب, في حين تبقى الحلول الجذرية مرهونة بفتح المعابر الحدودية مع العراق رغم إجماع جلي بوجود الحلول البديلة وقابليتها للتحقيق على أرض الواقع حيث يأتي في مقدمتها تشييد معامل العصائر التي استوت على نار دراساتها الاقتصادية الهادئة معاناة الفلاحين.
أخبار مضللة؟
تبدو حالة الاستياء جلية في حديث عيسى الحايك مزارع حمضيات من «القرية العربية» في اللاذقية مؤكداً أنه فقد الثقة بتصريحات المعنيين وجولاتهم العابرة على الأسواق في كل موسم, واصفاً إياها بـ «الادعاءات الكاذبة والأخبار المضللة», قائلاً: التسويق «مبهدل» ونضطر إلى بيع محاصيلنا للتجار وفق أهوائهم لأن مؤسسات الدولة لا تأخذها منا, وفوق ذلك نبيع كيلو البرتقال بـ 35 ليرة في سوق الهال متحملين أعباء النقل وغيرها, وفي نهاية كل موسم نحصي الخسائر.
بلا جدوى
تسويق المحاصيل وترخيص ثمن عبواتها وإيقاظ الرقابة على أسعار نقلها لم يكن مطلب مزارعي الحمضيات في اللاذقية فحسب, بل يشاطرهم في ذلك نظراؤهم في طرطوس, حيث أكد رئيس غرفة زراعة طرطوس سابقاً وعضو في اتحاد المصدرين شفيق عثمان أن لا جدوى اقتصادية يجنيها الفلاح من زراعة الحمضيات منذ سنوات طويلة, وخاصة خلال سنوات الحرب, عازياً أسباب ذلك إلى عدم وجود سوق مناسبة للتسويق والتصدير من جهة، وغلاء أسعار الأدوية الزراعية والمسمدات اللازمة للحفاظ على جودة المنتج من جهة أخرى، الأمر الذي أجبر الفلاحين على الإحجام عن استخدام الأخيرة، ما سبب رداءة في نوعية المنتج ضيقت كثيراً من فرص تصديره المتاحة على قلتها , وذلك ما حصل العام الماضي عندما تم تصدير كمية 200 طن إلى روسيا عن طريق القرية السورية للصادرات وتم ردها لأنها لم تطابق المواصفات القياسية للتصدير, ويضاف إلى تلك الأسباب – حسب عثمان – عدم قدرة السوق المحلية على استيعاب كل كميات الإنتاجً.
تذبل «على أمها»
خبر رد البواخر المحملة بالحمضيات المصدرة عن طريق البحر بينه الدكتور محمد ونوس مهندس ومصدّر زراعي, الذي أوضح أن رداءة الأنواع التي كانت معدة للتصدير كانت السبب الأساس في رفض ثلاث بواخر تم إرسالها, واستقدام خبير روسي للإشراف على استلام وفحص حمولة الباخرة الرابعة و توضيبها, ويرى د. ونوس أن السبب في ذلك هو تنصيب أناس غير مختصين في زراعة الحمضيات وتسويقها ومنحهم صلاحيات لا تتناسب مع خبراتهم مع عدم اهتمام الجهات المعنية بتقديم الدعم الكافي لزراعة الحمضيات كمحصول اقتصادي مهم, ما اضطر الفلاحين إلى إحجام البعض وترك محاصيلهم عرضة للتلف والذبول «على أمها».
الفرز الضوئي مفقود
الحديث عن رداءة المنتج يرفضه مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة سهيل حمدان موضحاً أن المشكلة لا تكمن في منتج الفلاح بل في آلية عمل الجهات المسوقة و المصدرة له, فحشرة الذباب المتلف للحمضيات تصيب كل أنواع الخضر والفواكه وفي مختلف دول العالم, إلا أن المشكلة تكمن في عمليات الفرز والتوضيب ما بعد القطاف, إذ نفتقد إلى وجود مشاغل فرز وتوضيب متطورة, فلا يوجد إلا مشغل في طرطوس وعشرات المشاغل في اللاذقية معظمها لا يزال يعتمد وسائل فرز بدائية في حين تفتقد جميعها إلى وجود تقنية الفرز الضوئي.
أين معمل العصائر ؟!
تعددت الأسباب المؤدية إلى أزمة تصريف وتسويق الحمضيات رغم عدّها محصولاً اقتصادياً مهماً ومصدراً للرزق تعتاش منه شريحة واسعة من المزارعين, إلا أن مجريات الواقع تؤكد أن تداعيات الحرب لم تكن وحدها من ضيّق الخناق على الفلاحين, بل زادها إحباطا غياب دور مسؤولي إدارة الأزمات, بدليل إجماع كل من التقتهم «تشرين» على أهمية إقامة معامل للعصائر كبديل يكبح استيراد العصائر من جهة ويدعم تصريف المنتج بكميات كبيرة في السوق المحلية وبأسعار مجزية تعود بالنفع على الفلاح من جهة أخرى, ناهيك بالفوائد الصحية للعصائر الطبيعية وقدرتها على منافسة المشروبات الغازية المستوردة من الناحية الصحية والاقتصادية, فأين معمل العصائر بعد وضع حجر الأساس له منذ ما يزيد على سنتين؟
مشروع مجهول المصير
الملامح المستقبلية للمعمل المزعوم تبدو واضحة على لسان المزارع عيسى: «عطينا عمر» في حين يراه عثمان مجرد حبر على ورق, وأما د. ونوس فيصفه بالخيالي, ليبقى تعبير حمدان عنه هو الأبلغ لأنه من أعضاء اللجنة الدارسة للمشروع منذ بداياته الأولى واصفا إياه بمشروع مجهول المصير انقطعت أخباره منذ زمن مع العارض الفائز.
للأمانة لم ينكر مدير عام المؤسسة العامة للصناعات الغذائية المهندس ناصيف الأسعد طول الفترة الزمنية التي استغرقها عدم إبصار مشروع معمل العصائر في اللاذقية نوره المزعوم رغم وضع حجر الأساس منذ قرابة سنتين, كاشفاً أسباب تأخر تنفيذ المشروع على أرض الواقع حيث تم الإعلان عنه بالمراسلة بتاريخ 15/1/ 2017 بناء على موافقة وزير الصناعة على كتاب المؤسسة الصادر بتاريخ 22/12/2016 و المتضمن اقتراح ثلاثة خيارات للإعلان, وعليه تابعت المؤسسة دراسة العروض الواردة من الوزارة بعد انتهاء فترة الإعلان من دون الاعتماد على دفتر شروط فني ومالي وحقوقي ودراسة الجدوى الفنية والاقتصادية الموافق عليها أصولاً، وتم رفع كتاب لوزارة الصناعة بتاريخ 11/7/2017 لزوم رفعه إلى لجنة المرسوم 40 لعام 2014 للحصول على الاستثناءات القانونية الذي أعيد من قبل وزارة الصناعة بموجب كتابها رقم 2493 تاريخ 20/8/2017 مرفقاً بها كتاب رئيس لجنة المرسوم 40 لعام 2014 بان تقوم الوزارة بالإعلان بالسرعة الكلية عن المشروع بموجب دفاتر شروط (فنية مالية حقوقية) تعد لهذه الغاية وقد تم الإعلان بتاريخ 12/9/2017 بموجب كتاب صادر من المؤسسة, وحالياً تتم دراسة العروض الفنية المقدمة للمشروع ليتم التعاقد مع العرض الفائز قبل نهاية العام الجاري.
لمصلحة مَنْ؟
المفارقة الكبرى تكمن في حديث مصدر مطلع أكد لـ «تشرين» أن دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع والموضوعة في هيئة تخطيط الدولة بلغت قيمتها التقديرية 14,700مليون يورو وتشمل ترميم البناء القديم في معمل الأخشاب القديم في اللاذقية «المكان المقترح للمشروع» بطاقة إنتاجية تبلغ 50 ألف طن سنوياً, في حين يكشف العرض المرشح من قبل وزارة الصناعة والمرسل إلى لجنة المرسوم 40 عن تكلفة تقديرية تصل إلى 4,670 ملايين يورو وتشمل تكاليف بناء معمل جديد مزودا بنظام fda و تكنولوجيا متطورة.
وهنا سؤال يطرح نفسه بشراسة: لمصلحة من تقفز التكاليف التقديرية للمشروع المنتظر ما يزيد على 10 ملايين يورو؟؟, وإن كان بناء معمل جديد بتكنولوجيا متطورة يوفر 10 ملايين دولار مقابل إعادة ترميم معمل قديم , فلماذا يتم اعتماد الترميم بتكاليفه الباهظة بديلاً عن البناء مجدداً؟