الدولار….هل هو سبب لعنة حمى الأسعار.. أصحاب الدخول الثابتة هم المتضررون.. والمستفيدون التجار ورجال الأعمال

الدولار….هل هو سبب لعنة حمى الأسعار.. أصحاب الدخول الثابتة هم المتضررون.. والمستفيدون التجار ورجال الأعمال

أخبار سورية

الأربعاء، ١٣ ديسمبر ٢٠١٧

هني الحمدان- رحاب الإبراهيم  
هبط سعر صرف الدولار….ارتفع سعر صرف الدولار….. ما شأننا والدولار؟! لماذا يربط التجار أسعار السلع بالدولار؟ هل الدولار هو سبب لعنة ارتفاع الأسعار؟!
لماذا لا يرحموننا ويخفضون الأسعار ما دام سعر الدولار قد انخفض؟! انعدمت قدرتنا على تلبية ضروريات حياة الأسرة…..!!
تلك هي لسان حال أصحاب الدخول المحدودة، وهم الفئة الأكثر تضرراً بارتفاع الاسعار، صيحات من هنا وهناك تطالب بخفض الأسعار ما دام سعر الدولار قد انخفض…نواب يطالبون الحكومة برفع الرواتب والأجور والحكومة تطرح بديلاً يتمثل بخفض الأسعار…..فقراء يصبون جام غضبهم على وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك… سجال مستمر بين الجهات الرسمية و ممثلي التجار في محاولة لخفض أسعار السلع ومستلزمات المعيشة….. اضطراب في السوق بين البائعين والمشترين، المنتجين والمستهلكين، فما حقيقة الأمر؟؟ وما علاقة الدولار بهذا المشهد وبأسعار سلعنا وعلى الأقل المنتج محلياً منها؟!.
سياسة سعرية
السعر هو القيمة التجارية (البيعية – الشرائية)، لسلعة ما عند نقل ملكيتها من البائع إلى المشتري، وفي اقتصادنا النقدي، حيث يكون النقد المعادل العام للأسعار، يكون السعر هو كمية النقد التي يجب دفعها للحصول على وحدة من السلع أو الخدمات المتبادلة، وللأسعار دور كبير في الاقتصاد الوطني والوظائف، فالسعر منظومة إعلامية يوفر إشارات مهمة إلى النقص في بعض السلع والفائض في بعضها عن الطلب عليها. والسعر يشكّل منظومة لتوزيع الدخول أيضاً ففي اقتصاد السوق يحفز السعر زيادة الإنتاجية ومكافآت عوامل الإنتاج وبذلك يوجه الموارد نحو القطاعات الأكثر تقدماً في الاقتصاد. والسعر أيضاً يشكل منظومة توجيه ومؤشراً دقيقاً لتوجيه الاستثمارات نحو الفروع التي يزداد الطلب على منتجاتها، كما يقود إلى تلافي زيادة الاستثمارات في الفروع التي تعاني فوائض الإنتاج.
وليؤدي السعر دوره على نحو أمثل في الاقتصاد الوطني يُفضل أن تلجأ الجهات الرسمية، وبصرف النظر عن نظامها الاقتصادي الاجتماعي، إلى التدخل في اعتماد سياسة سعرية تيسر قيام الأسعار بوظائفها الاقتصادية عند حدوث أي خلل في هذه الوظائف.
تضخم كبير
هناك العديد من العوامل التي تؤثر في سعر أي سلعة، منها مدى توافر الموارد المالية والبشرية والطبيعية، وتكلفة إنتاج السلعة، حجم الطلب، والمنافسة في سوق السلعة، والأحوال الاقتصادية العامة، والعرف السائد في التسعير، والقوانين والقرارات الحكومية. وجميعها تؤدي الى انخفاض أو ارتفاع اسعار السلع، وتختلف أسباب ارتفاع الأسعار ومنها: ارتفاع أسعار السلع المستوردة، زيادة الطلب بشكل مفاجئ، الحروب والكوارث.
والظروف الاقتصادية غير المواتية، الحروب، والحصار الاقتصادي، تراجع الانتاج المحلي، وانكماش الاقتصاد، تقود الى تشوهات واسعة في منظومة الأسعار، وارتفاعات وانخفاضات متبادلة في اسعار السلع والخدمات، وينتج عن تلك الظروف حالة تضخم يعبر عنه بانخفاض في القوة الشرائية للعملة بسبب ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء الاقتصاد، «وفق ما أكده الخبير لدى البرنامج الوطني للجودة المهندس عبد الرحمن قرنفلة».
هنا وفي الذاكرة الحية، كان متوسط سعر طبق البيض 110 ليرات قبل الأزمة واليوم السعر أقرب إلى 1300 ليرة أي إن السعر الحالي تغير بأكثر من 11 مثل للسعر قبل الازمة، ويمكن أن يكون هذا التغير في الأسعار ناجما عن زيادة شعبية البيض أو احتكار البيض من قبل تجار البيض أو سنوات من الصراع المدمر في المناطق الرئيسة لإنتاج البيض، تلك السيناريوهات، تفرض ارتفاع سعر البيض، ولكن بقية مفاصل الاقتصاد سوف لن تتأثر إلى حد كبير. ولن تكون هذه الزيادة مؤهلة للتضخم، حيث إن المستهلكين الذين يستهلكون البيض هم الوحيدون الذين سيشهدون انخفاضاً كبيراً في قوتهم الشرائية الإجمالية.
إن تذبذب سعر صرف الدولار لا يفسر تماماً ارتفاع اسعار السلع بشكل مطلق، حيث بدأ التضخم مع بداية الحصار الاقتصادي الذي مارسته قوى ودول خارجية على البلاد مترافقاً مع أعمال عنف وتخريب مارستها عصابات ارهابية أدت إلى جمود كثير من مفاصل الانتاج وتعطيل الحياة الاقتصادية وهروب بعض الاجزاء المتحركة في الاقتصاد الوطني ما ساهم في رفع الاسعار وضعف العملة الوطنية.
حصار اقتصادي!
عن الحصار الاقتصادي وتأثيره في الأسعار أوضح قرنفلة أنه عندما تصبح الأمور سيئة للغاية وتخضع البلاد لحصار اقتصادي من قبل دول وقوى خارجية عدة تتقلص عملية الاستيراد والتصدير وتتراجع مستويات الانتاج في كافة مفاصل القطاعات الانتاجية وتتباطأ معدلات النمو الاقتصادي، يقود الى ارتفاع في معدلات التضخم وتنخفض قيمة العملة المحلية وترتفع أسعار كافة السلع والخدمات بمعدلات غير مقبولة، ومع استمرار الأزمة التي تعصف بالبلاد وارتفاع وتائر الاعمال التخريبية التي مارستها العصابات الارهابية حصل تراجع كبير في القوة الشرائية للعملة الوطنية وارتفاع في اسعار صرف العملات الأجنبية وساهم ذلك في زيادة ارتفاع معدل التضخم الى حدود أكثر حدة، ومن الثابت أن التضخم يلعب بمنظومة الأسعار النسبية المختلفة لأن ارتفاع الأسعار لا يشمل جميع السلع والخدمات بنسبة واحدة أو في وقت واحد، فبعض السلع والخدمات ترتفع أسعارها بسرعة كبيرة، في حين إن البعض الآخر يرتفع بسرعة أقل كما أن بعض السلع والخدمات تظل أسعارها ثابتة، ويسبب الارتفاع المستمر في الأسعار آثاراً تمس معيشة أفراد المجتمع، فأصحاب الدخول الثابتة هم المتضررون من هذا الارتفاع. وفي المقابل قد يستفيد منها رجال الأعمال والتجار وغيرهم (ممن ترتفع دخولهم بنسبة اكبر من نسبة ارتفاع الأسعار)
خفضُ القوة الشرائية
ومن جانب آخر فإن ازدياد معدلات التضخم تؤدي إلى خفض القيمة الشرائية للنقد ما يؤدي إلى زيادة الطلب على رؤوس الأموال لتمويل المشروعات وزيادة الطلب على رؤوس الأموال تؤدي حتماً إلى ارتفاع أسعار الفائدة. ارتفاع أسعار الفائدة يقلل من إقبال المستثمرين ورجال الأعمال على الاقتراض ما ينتج عنه تراجع الاستثمار، والمشكلة المتعلقة في استخدام أسعار فائدة أعلى هي أنه على الرغم من أنها ستخفض التضخم فإنها قد تؤدي إلى انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي. كما ان أسعار الفائدة منخفضة، تسمح لقطاع الأعمال والأفراد الاقتراض بتكلفة زهيدة لبدء الأعمال التجارية، وبعبارة أخرى، فإن المعدلات المنخفضة تشجع الإنفاق والاستثمار، ما يؤدي عموماً إلى ارتفاع التضخم.
التضخم وسعر الصرف!
ويتأثر سعر الصرف بمعدلات التضخم, حيث يؤدي ارتفاع التضخم إلى تغير سعر الصرف نحو الارتفاع وتتأثر أسعار الطاقة من وقود وغاز وكهرباء ارتفاعاً ما يرفع سعر النقل، وبذلك تشهد جميع المنتجات ارتفاعاً في التكاليف، كما ترتفع قيمة الضرائب وقيمة الأجور التي تساهم أيضاً بارتفاع التكاليف وزيادة الاسعار وخاصة أسعار المواد الغذائية لأن الغذاء يشكل نسبة مئوية مرتفعة من إجمالي إنفاق الاسرة السورية.
لزوجة الأجور والعلاقة بين التضخم والبطالة
كما أن الرواتب والأجور تمثل أحد التكاليف الرئيسة التي تواجهها الجهات المنتجة للسلع. ومن شأن زيادة الرواتب و الأجور أن ترفع الأسعار، لأن المنتجين یجب أن يدفعوا تكالیف أعلی ويؤدي التضخم في التكاليف إلى انخفاض النمو الاقتصادي وغالباً ما يؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة، ( وقد یؤدي ارتفاع الأجور أیضاً إلی ارتفاع الطلب على السلع).
والحال أيضاً فالتضخم يمكن أن يدفع معدلات البطالة نحو الأسفل، حيث تميل الأجور إلى أن تكون لزجة أي إنها تتغير ببطء استجابة للتحولات الاقتصادية، إذ ترتفع نسب البطالة عندما يقاوم العمال انخفاض الاجور وعدم تلبية مطالبهم برفع الرواتب استجابة لتزايد التضخم. ويمكن أن تعمل الظاهرة نفسها أيضاً في الاتجاه المعاكس: فالالتزام في الارتفاع في الأجور يعني أنه بمجرد أن يصل التضخم إلى معدل معين، تنخفض تكاليف الأجور الحقيقية لأصحاب العمل، ويصبحون قادرين على توظيف المزيد من العمال وهذه الفرضية تفسر العلاقة العكسية بين البطالة والتضخم.
الدولار وجنون الاسعار!
ظاهرياً يقوم التجار باستيراد السلع بناء على إجازات استيراد تمنح لهم من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ويحسب التاجر قيمة بضاعته المستوردة بناء على سعر صرف العملة التي استورد بها مقابل العملة المحلية، وقد يتم بيع البضاعة المستوردة خلال فترة قصيرة من الزمن وقد تستغرق وقتاً أطول، وفي حال تبدل سعر الصرف انخفاضاً فإن استجابة التاجر على التماشي مع ذلك الانخفاض تكون بطيئة لأنها ستعرضه الى خسائر فادحة إذا باع بضاعته وفق سعر الصرف الجديد المنخفض، وهذا يقتضي الانتظار ريثما تنفد تلك البضاعة ويتم استيراد كميات جديدة وفق سعر صرف جديد، حسب «رأي قرنفلة»، أما المنتجات المحلية من خضر وفواكه وغيرها فيبدو تأثرها بتبدل سعر الصرف ناجماً عن التغيرات التي تطول كل مرافق النشاط الاقتصادي والمتأثر أصلاً بحالة التضخم السائدة في البلاد وحالة عدم اليقين تجاه استقرار سعر صرف العملة المحلية تجاه سلة العملات الاجنبية في المدى القصير.
منظومة معقدة!
ارتفاع الأسعار منظومة معقدة ولا ترتبط بسعر الدولار فقط وإنما هناك مجموعة من العوامل تسبب في الغلاء الكبير في الأسواق، وإن كان لسعر الصرف التأثير الأكبر، وخاصة في ظل وجود نسبة كبيرة من السلع المستوردة مع استيراد المواد الأولية اللازمة للصناعة، حسب الباحثة الاقتصادية د.رشا سيروب، التي أكدت أن ارتفاع الطلب على القطع الأجنبي سينعكس حتماً على سعر السلعة، كما يؤدي احتكار السلع أو ما يسمى قوى العرض والطلب في تحديد سعر المادة، فإذا كان الطلب أكثر من العرض سيلجأ المواطنون إلى الشراء، إضافة إلى عدم وجود منافسة حقيقية في الأسواق، نظراً لعدم وجود منتجين ومستوردين كثر، حيث يوجد عدد محدد من التجار يسيطرون على السلع يتفقون ضمنياً على احتكار السلع وتحديد أسعارها، لدرجة أن محتكر السلع يعد المحدد الرئيسي للسلعة.
طباعة العملة خطأ كبير
وأشارت د.سيروب إلى أن تمويل الموازنة العامة عن طريق الإصدار نقدي، خطأ كبير لا يجوز القيام به بهذه المرحلة وخاصة أنه لا يوجد إنتاج يغطيها وخاصة أن طباعتها ستوجه نحو نفقات جارية، بالتالي حينما يحصل مشكلة في المعروض النقدي ستترفع الأسعار، لافتاً إلى قدرة المركزي على طباعة العملة النقدية، لكن هذا الإجراء غير صحيح نظراً لعدم امتلاكه حجم إنتاج كاف واحتياطات نقدية كافية أيضاً، لكن عموماً هو قادر على طباعتها لكنها ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، لكونها ستتجه نحو نفقات جارية وليس استثمارية، علماً أن الانفاق الاستثماري في الموازنة 28% إذا انفقت.
أين دور مؤسسات الدولة؟
تعود د.سيروب لتشدد على أن الأسباب المؤدية إلى ارتفاع الأسعار متداخلة ومتشابكة لكن الأكثر وجعاً للمواطن هو سعر الصرف، إلا أنه عموماً هناك خلل كبير في الأسواق، وهذا تتحمل مسؤوليته الحكومة وليس التجار، لكون هدفهم الأساسي الربح، ما يفترض بالحكومة إيجاد آليات محددة تضبط الأسواق وتمنعهم من زيادة أرباحهم على حساب المواطن، لكن السؤال المطروح حالياً: أين دور مؤسسات الدولة في مراقبة الأسواق والأسعار؟ وماذا تفعل التجارة الداخلية من أجل المنافسة في الأسواق، لافتة إلى أنه في الحقيقة واقع الأسواق يبين أنها لم تقم بأي دور إيجابي وفاعل، مع أنها يفترض اتخاذها إجراءات منافسة مع التجار ما دامت تمتلك القدرة على ذلك، لذا يفضل أن تقوم بدروها بالشكل المطلوب مع رقابة فاعلة على الأسواق لضمان تخفيض الأسعار على نحو ملموس يستفيد منه المواطن جدياً.
ولفتت د.سيروب إلى وجود فساد ممنهج يتسبب في ارتفاع الأسعار، فمثلاً نسمع مصطلحات أنه لا يمكن استيراد هذه السلعة لأن هذا التجار الفلاني أو «الحوت» الفلاني مسيطر على سوقها، بالتالي ما دامت الدولة قد خصصت أدواتها تصبح غير قادرة على التأثير في الأسواق، لذا يمكن القول: إن بُعد الاجهزة المختصة عن ممارسة دورها الفعال في الأسواق وسحب يدها مع فرض عقوبات مخففة لا تقارن بحجم أرباح التجار ويصعب إحداث تغير فعلي في الأسواق، بالتالي لا بد من أن تغير أدواتها في السوق مع تعديل هذه العقوبات حتى تكون لها قدرة على الأسواق والتجار أنفسهم.