الفحص الطبي العام «تشيك آب»… ثقافة مفقودة وترويج ممنوع

الفحص الطبي العام «تشيك آب»… ثقافة مفقودة وترويج ممنوع

أخبار سورية

السبت، ١٦ ديسمبر ٢٠١٧

فراس القاضي – لمى علي
يتحدث الأطباء دوماً عن ضرورة القيام بفحوصات طبية دورية، أو ما يدعى (تشيك أب chek up) وهناك شبه اتفاق على أن المدة الزمنية الفاصلة بين الفحص والآخر يجب ألا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على سنة بحسب نوع الفحص، وذلك بهدف الاطمئنان الدائم على الصحة، والكشف المبكر عن أي أمراض، وذلك لما لهذا الأمر من دور إيجابي كبير في عدم استفحال المرض وتمكنه من جسم المريض، وإمكانية معالجته.
لكن، قلما نسمع عن أحد أجرى هذه الفحوصات، وذلك لعدة أسباب، أولها عدم انتشار هذه الثقافة بين الناس، وضعف الوعي الصحي بشكل عام، إضافة إلى ارتفاع أسعار هذه الفحوصات في المخابر الخاصة قياساً بمتوسط الدخل العام، وعدم معرفة الكثير من المواطنين بأن مشافي الدولة (الهيئات المستقلة) تقوم بها بأسعار مخفضة دون 50% من أسعار المخابر الخاصة، وذلك بسبب ضعف، أو بوصف أدق، انعدام الترويج لهذه الثقافة في القطاعين العام والخاص، ومنع المخابر الخاصة من الترويج لها.
أهمية كبرى
عن أهمية الفحص الطبي الشامل والوقائي، قال الدكتور نواف البشير: إن من أهم أسباب تفوق دول الغرب في جودة الحياة (الصحة)، ومداها (متوسط الأعمار)، هي البرامج الوقائية، أو برامج جودة الصحة المعتمدة على الفحص الطبي الدوري، إذ إن اكتشاف المرض في مرحلته الصامتة، (أي قبل ظهور أعراضه)، له أهمية كبيرة من الجانب الصحي والمادي أيضاً، موضحاً أن على من يمتنع عن إجراء هذه الفحوص لأسباب مادية – في حال كانت لديه الإمكانية – أن يعلم أن كل ما يدفعه للتأكد والاطمئنان، هو أقل بكثير مما سينفقه على المرض عند ظهور الأعراض.
وعن تفاصيل الفحص الطبي الوقائي، أوضح د. البشير أن هناك مجموعة من التحاليل تُجرى حسب جنس المريض وعمره، فللسيدات يُجرى عادة فحص لطاخة من عنق الرحم، وإيكو للثدي من أجل الكشف عن ما قبل السرطان الذي يسمى مراحل تحول الخلية، أو الخلايا السرطانية في مراحلها الأولى، إضافة إلى وظائف الكلية والشوارد وصورة للصدر وبقية التحاليل البدهية.
أما الرجال، وبعد عمر معين يُجرى مس شرجي للتأكد من عدم وجود ضخامة في البروستات التي من الممكن أن تتحول إلى سرطان، إضافة إلى وظائف الكلية والشوارد وصورة للصدر أيضاً، وبالطبع قياس ضغط الدم والكوليسترول والسكر للجنسين.
ثقافة مفقودة
وأشار البشير إلى أن فحوص ما قبل الزواج هي خطوة مبدئية في هذا المجال، فهي ليست فقط للبحث عن مورثة مرض موجودة عند الزوج والزوجة، بل هي أيضاً فحص عام للطرفين.
أما أسباب عدم انتشار هذه الثقافة، بحسب البشير فتعود لغياب الوعي الصحي المتقدم، غير الموجود في مجتمعاتنا للأسف، لكن الموضوع مهم جداً، وبحاجة إلى تسويق صحيح؛ تسويق يركز على فائدة الاكتشاف المبكر وما يوفره من مرض وعجز ومصاريف، موضحاً أن التسويق غير مرتبط بوزارة الصحة حصراً، بل على القطاع الخاص أيضاً أن يضطلع بهذه المهمة، وأن يسوق لهذا الإجراء الوقائي المهم، فهو – وإلى جانب أهميته الصحية والاجتماعية – مجدٍ مادياً.
إقبال ضعيف وترويج ممنوع
دعوة الدكتور البشير إلى الترويج لثقافة الـ chek up من قبل القطاع الصحي الخاص، دفعت (تشرين) إلى زيارة أكثر من مخبر ومشفى خاص للسؤال عن الإقبال على إجراء هذا الفحص وسبب عدم الترويج له، وفي لقاء مع الدكتور المخبري إياد القطرنجي مدير أحد مخابر التحاليل في دمشق أشار إلى أن ظروف الأزمة وزيادة الأسعار أثرت سلباً في إقبال المواطنين على إجراء التحاليل المخبرية الشاملة، إضافة إلى عدم وجود ترويج لهذا الجانب بسبب منع الهيئة العامة لمخابر التحاليل الطبية أي نوع من الدعاية فيما يخص عمل المخابر، حيث تعد أي إعلان حتى وإن كان ضمن الدليل الطبي مخالفة، وبالنسبة لنا نكتفي ببعض البوسترات داخل بناء المخبر للإعلان عن خدماتنا ومنها التحاليل المخبرية الشاملة وحتى إمكانية إجرائها في المنزل من قبل كوادرنا.
ويرجع د. القطرنجي سبب غياب ثقافة الـ chek up إلى غياب طبيب الأسرة، الذي يعد المحور الأساس في هذا الموضوع من خلال مسؤوليته عن طلب التحاليل الطبية السنوية والقيام بتقييمها عوضاً عن المخبر، وبما أن مفهوم التحاليل الشاملة لا يزال ضبابياً ويعتمد على المخبري أو الصيدلي وأحياناً على معلومات الإنترنت، سيكون من الصعب أن يرقى إلى المستوى المطلوب، والحل بإعادة تفعيل دور طبيب الأسرة، ويكون دور مخابر التحاليل الطبية بالتوجيه فقط.
مشافي الوزارة غير مخوّلة
المستشفيات الحكومية التي تتبع مباشرة إما لوزارة الصحة أو لوزارة التعليم العالي، أي ليست هيئات مستقلة، لا تستقبل زبائن من خارج المستشفى يودون إجراء تحاليل طبية شاملة من دون تحويلة طبيب.. هذا ما أكده الدكتور علي إبراهيم الذي يعمل في أكثر من مشفى حكومي، وأضاف: بسبب الضغط التي تعيشه المشافي الحكومية التي تقدم خدماتها بشكل مجاني، فإنها غير قادرة على استقبال أي مريض يرغب في فحص وظائف جسمه للاطمئنان فقط، أما أي مريض يدخل المشفى ويعاني مرضاً معيناً، فيتم تحويله إلى قسم المخبر إذا لزم الأمر، وهذا الحال ينطبق على نزلاء المشفى حيث يتم تقديم التحاليل الطبية لهم بشكل مجاني عندما يطلبها الطبيب القائم على العلاج.
الهيئات المستقلة والأسعار المخفّضة
د. رولا فرح رئيسة قسم المخبر في الهيئة العامة لمستشفى الشهيد باسل الأسد لأمراض وجراحة القلب، أشارت إلى أن مخبر المشفى الذي تعمل فيه يستقبل جميع الحالات لإجراء التحاليل الطبية، سواء التي تأتي وفقاً لتحويلة طبيب أو التي تأتي وفقاً لرغبة المريض فقط، وتلك الحالات تكون من داخل المشفى أو خارجها، إلا أن الإقبال على إجراء التحاليل الطبية المخبرية الشاملة في مخبر المستشفى ليس كبيراً بسبب الموقع الجغرافي للمستشفى الذي يعدّ بعيداً إلى حدّ ما عن مركز المدينة، حيث يقع في منطقة مشروع دمر، وإن أغلب المرضى المراجعين لقسم المخبر من سكان المنطقة وما حولها فقط، وإقبال هؤلاء يكون بطلب تحاليل محددة أو التحاليل الطبية الشاملة في بعض الحالات، وذلك بعد الثقة التي تشكلت لديهم من نتائج تحاليل المستشفى وما توليه من اهتمام ومراقبة ودقة لكل مرضاها ومراجعيها، إضافة إلى أن أسعار التحاليل الطبية تعدّ أرخص من أسعارها في المخابر الخاصة حيث تلتزم مخابر الهيئات الطبية المستقلة جميعها بالتسعيرة المحددة من قبل وزارة الصحة، وهي بشكل عام أسعار معتدلة.
ستة إلى عشرة آلاف
وأضافت د. رولا أنه لا توجد تكلفة محددة لمجموع التحاليل الطبية الشاملة لأنها تكون وفق نوع التحليل المطلوب، ولكن يمكن القول إن التحاليل الطبية الأساسية تصل إلى حدود 6-7 آلاف ليرة سورية، أما مع وجود تحاليل تخصصية فتصل إلى أكثر من 10 آلاف ليرة، وذلك حسب نوع وعدد التحاليل، وغالباً ما ننصح المرضى غير المصابين بأمراض محددة، والذين يودون إجراء تحاليل طبية شاملة دورية للاطمئنان على صحتهم، بأن يقوموا مبدئياً بالتحاليل الطبية الأساسية فقط، ومن ثم في حال ظهور أي مؤشر غير طبيعي في وظيفة ما من وظائف الجسم نقوم بإجراء تحاليل تخصصية للغدد – للكبد – للكلى.. وغيرها.
وتابعت د. فرح: يوجد زبائن دائمون في مخبر المستشفى يجرون عدداً من التحاليل الطبية سواء تحاليل معينة حسب حالتهم المرضية أو التحاليل المخبرية الشاملة، ولكن أغلب الحالات وخاصة للتحاليل الطبية الدورية تكون لأمراض محددة مثل تحليل السكر وتمييع الدم الذي يجرى كل 15 يوماً تقريباً، وبالنسبة للتحاليل الطبية الشاملة هناك فئة من الموظفين في القطاعات الحكومية القريبة من المستشفى يقومون بإجرائها بين الحين والآخر.
الترويج مسؤولية الوزارة والهيئة
وعن الترويج لثقافة التحاليل الطبية الشاملة بينت د. رولا أن هذه المسؤولية لا تقع على عاتق مخبر في حدّ ذاته، وإنما يجب أن يكون هناك توجه من قبل القائمين على الموضوع في وزارة الصحة والهيئة العامة لمخابر التحاليل الطبية، من خلال وضع خطة شاملة لتعزيز ثقافة الـ chek up وإجراء التحاليل الطبية الدورية كل 6 أشهر أو كل سنة على الأقل، وضرورة إجراء تلك التحاليل الطبية بعد الانتهاء من الفترة العلاجية بالأدوية، وخاصة مع أهمية هذه التحاليل المخبرية في كشف الأمراض في وقت مبكر والسرعة في علاجها قبل تفاقم المرض. أما ما نقوم به في المستشفى من ترويج في هذا المجال؛ فهو الإعلان عن استقبال جميع الحالات على مدى الـ 24 ساعة، وإمكانية إجراء الفحوصات المخبرية على فترتين صباحية ومسائية.
المواطن آخر من يعلم
(تشرين) وقبل أن تلتقي عدداً من المواطنين لاستطلاع آرائهم بشأن الموضوع، قصدت أكثر من مخبر تحاليل خاص،(خمسة مخابر في مناطق مختلفة)، وسألت عن أسعار التحاليل والفحوصات الكاملة، فتراوحت بين 23 و 25 ألف ليرة، بينما في الهيئات المستقلة التابعة للدولة لا تتجاوز (في حال وجود تحاليل خاصة) مبلغ 10 آلاف ليرة.
أيمن معتوق (عامل حر) تفاجأ بالمبلغ الذي ذكرناه، وأوضح أنه كان يعتقد أن تكلفة الفحوصات الشاملة أكبر بكثير، لذا لم يفكر يوماً بإجرائها لنفسه أو لأحد أفراد أسرته. لكنه تساءل عن سبب عدم الترويج لأمر مهم كهذا من قبل القائمين على القطاع الصحي.
أما الموظف سعيد العمر، ورغم مفاجأته أيضاً بأن تكلفة الفحص الكامل ليست 100 ألف ليرة كما كان يعتقد، إلا أن السعر الحقيقي لم يغير من موقفه تجاه الأمر، لأن معاشه الشهري 40 ألف ليرة، وهو والد لأربعة أبناء، وحتى لو فكر بإجراء هذه الفحوصات، فإنه لن يقوم بها لنفسه فقط، بل لزوجته وأبنائه أيضاً، وهذا يعني أن عليه دفع 125 ألف ليرة، وهو مبلغ لا يستطيع تأمينه أبداً، لأنه إن أراد إجراء الـ chek up فسيقوم به في مخبر خاص.
المدرِّسة أم عمر وبعد تعريفها بالموضوع وبالسعر، قررت فوراً أن تجري هذه الفحوصات حتى لو استدانت المبلغ، ووجهت لوماً لوزارة الصحة التي لا تروج لهذا الموضوع رغم أهميته، وتكتفي بالترويج لحملات لقاح شلل الأطفال وبعض نشاطاتها الأخرى.
خدمات الوزارة شاملة وطبيب الأسرة موجود
كل ما سبق، نقلناه إلى معاون وزير الصحة الدكتور أحمد خليفاوي الذي بدأ حديثه بأن مصطلح الـchek up كبير جداً وواسع وله محاور عديدة، ولا وجود لصيغة موحدة له، بل هو يتبع لما يطلبه الطبيب وما تفرضه (القصة العائلية) للشخص وأمور أخرى كثيرة.
وقال د. خليفاوي: (طبيب الأسرة الذي ذُكر في المثال السابق موجود في سورية، لكن بصيغة مختلفة، إذ إن هناك عدداً كبيراً من الأطباء في المراكز الصحية المتاحة لجميع المواطنين، والتي كان عددها قبل الحرب 1826 مركزاً موزعة على كامل الجغرافيا السورية، (خرب الإرهاب 631 منها)، وفي وزارة الصحة، هناك تكامل خدمات بين الرعاية الصحية الأولية والثانوية والثالثية، أي بين مراكز الرعاية الصحية، والمراكز التخصصية، والمشافي التي كان عددها قبل الحرب 98 مشفى (خرب منها الإرهاب 52 مشفى بين أضرار كاملة وأضرار جزئية)، وكل الخدمات المقدمة فيها مجانية بالكامل، كما أن هناك نوعين من المشافي، نوع يتبع لمديريات الصحة (مجاني بالكامل)، ومشافٍ هي هيئات مستقلة لها نظامها المالي وميزانياتها الخاصة، وتتقاضى أجوراً وفق الحدود الدنيا لتعرفة وزارة الصحة لا تصل إلى حدود تكلفة الخدمة المقدمة، وخدماتها متاحة لجميع المواطنين، وفيما يخص الاطمئنان على الصحة، بإمكان أي مواطن أن يرتادها ويطلب إجراء التحاليل التي يريدها.
برامج الوزارة «chek up»
وأضاف د. خليفاوي أن لدى المراكز الصحية برامج متعددة لأمراض السكري وضغط الدم، وبرامج للصحة الإنجابية وصحة الوليد وصحة المراهقين وصحة المسنين، ويتم من خلال هذه البرامج رصد ومتابعة الوضع الصحي لكل الفئات المذكورة والمستهدفة، وتقام لها حملات توعية وتثقيف، ومن خلال هذه البرامج يتم الكشف المبكر عن كثير من الأمراض، ففي الشهر العاشر كان لدى الوزارة حملة للكشف المبكر عن سرطان الثدي، وقبلها عن سرطان البروستات، وبقدر ما يتم الكشف المبكر عن الأمراض، تقل الفاتورة الاقتصادية على الحكومة، وليس المقصود بالفاتورة الاقتصادية الدفع المالي للمشافي فقط، بل لأن هذا المريض منتج في قطاع آخر، وسينقطع عنه في حال استحكام المرض، لذا لا يوجد أي مانع من أن يتوجه المواطن إلى أي مشفى ويطلب تحليلاً معيناً للاطمئنان عن وضع معين.
الترويج مسؤولية مشتركة
وفيما يخص الترويج لثقافة الكشف الوقائي، أوضح د. خليفاوي أن موضوع التثقيف الصحي والتوعية الصحية تضطلع به وزارة الإعلام من خلال وسائل الإعلام المتنوعة وتنفذه بشكل دائم، وهو دور تكاملي بين وزارتي الصحة والإعلام، من دون إنكار أن هناك ضعفاً في الترويج للخدمات التي تقدمها وزارة الصحة للمواطنين، لكن، يتم التركيز من قبل وزارة الصحة على عوامل الخطورة عند الفئات المستهدفة بأعمار معينة، لذا لا داعي للترويج لفحوصات كثيرة تجرى مع بعضها فترفع التكلفة المالية على المواطن، وفي مشافي الدولة لا يُجرى تحليل لمواطن إلا بموجب تحويل من طبيب، وهذا الطبيب موجود دوماً، ففي كل المشافي هناك عيادات خارجية مجانية بإمكان أي مواطن مراجعتها والشرح لأطبائها عن (قصته العائلية) وما يريد الاطمئنان عنه، فيتم تحويله فوراً إلى المخبر أو أي جهة أخرى داخل المشفى لإجراء اللازم.
طب وليس تجارة
أما عن سبب عدم السماح للمخابر الخاصة بالترويج لثقافة الـ chek up، فأرجع د. خليفاوي السبب إلى أن ترويجاً كهذا سيدفع المواطن للجوء إلى المخابر من دون العودة إلى الطبيب المتوافر في مراكز الوزارة ومشافيها كما أوضحنا سابقاً، الذي لو توجه إليه المواطن بداية ربما سيختصر عليه الكثير مما سيفعله ضمن باقة الفحوص المروج لها، إضافة إلى أن هذا الترويج سيؤدي إلى حالة من التنافس بين المخابر في الأسعار، وهذا ليس من مصلحة المواطن كما يبدو في ظاهره، وذلك لأن لوائح ال chek up ستتعدد، وحينها سيتحول العمل الطبي إلى تجارة.