«فوق الموتة عصة قبر» تكاليف «الموت» وزيادة الطلب على القبور دفعت بأسعارها للتحليق

«فوق الموتة عصة قبر» تكاليف «الموت» وزيادة الطلب على القبور دفعت بأسعارها للتحليق

أخبار سورية

السبت، ٢٣ ديسمبر ٢٠١٧

معذى هناوي
عندما يضرب الإرهاب ويفرض إيقاعه على كل نواحي الحياة ينتعش الفساد وينمو فوق بيئة قذرة توفر له كل مقومات النمو ويصبح الموت بالمجان وتتسارع وتيرته كحق مطلق، وتبدو مقولة «إكرام الميت دفنه» ضاغطة وبقوة على مسألة تأمين القبور لاحتواء الجسد، ما ينعش التجارة بالموت، وينشط المتاجرة بالقبور التي ضاقت على الأجساد بزيادة الطلب عليها في ظل تصاعد الإرهاب والتهجير القسري للناس، وكغيرها من المهن انتعشت معها تجارة القبور بأسعار خيالية وبات تأمينها يدفع بالبعض ممن يعجزون عن شراء قبر لو استطاعوا تأجيل قضاء الله وقدره لما قصّروا في ذلك، وحاشى لله، بعد أن ضرب ارتفاع الأسعار كل الحاجات المعيشية للمواطن، وطالت مثواه الأخير، رغم أن الكثيرين ممن يمرضون ويتعرضون للوعكات الصحية والأمراض يتقاعسون كثيراً ويؤجلون حالات الاستشفاء أمام ارتفاع أسعارها وتكلفتها.
وعندما تسمع وتلمس بالمشاهدة أن ثمن القبر يصل لأكثر من مليون ونصف المليون لا تُدهش أمام الطلب المتزايد، لدرجة أن بعض القبور أصبحت تبنى بنظام طابقي من اثنين وحتى ثلاثة طوابق بشرط ألا يزعج جيرانه الأموات ويضيّق عليهم قبورهم وشرفات مثاويهم، وباتت القبور درجات وامتيازات وفق رسومها، ولكل درجة رسم، ورغم أن القانون لا يسمح ببيع القبور إلا وفق القانون، ما دفع البعض إلى بيع وتأجير قبورهم بعيداً عند القانون، وساهم في رفع أسعارها وباتت تجارة تخضع للاحتكار كغيرها من السلع الأخرى، ورغم ذلك فهناك قبور مخصصة للفقراء في محافظة دمشق على الأقل، ولمن يثبت فقرهم بموجب شهادة مختار الحي مثلاً، ولكن في المقابل ذلك لا يعفيهم من تكاليف وترتيبات الدفن كأجرة الحفّار والكفن وغير ذلك من مستلزمات الدفن اللائق على الأقل.
لم تقتصر معاناة ذوي المتوفى ولا تنتهي بمجرد تأمين المدفن وبأي شكل كان وبالسعر الذي يُفرض عند ذلك، وإنما تتعداها إلى اللوازم ومتممات عملية الدفن كأجور حفاري القبور التي ارتفعت هي الأخرى وطالتها الحُمى، وأسعار الكفن، كما نشطت مع ارتفاع الطلب على القبور تجارات متعددة، وانتعشت مهنة نحاتي الشواهد والشواخص التي تُعرِّف بالميت، وتُنحت عليها بعض الآيات الكريمة والعبارات، تلك المهنة الباقية والمرافقة للموت ولا تموت أو تضعف مادام الموت حقاً.
وكغيرها من المهن انتعشت وزاد الطلب عليها مع ارتفاع وتيرة الإرهاب وحصده الأرواح من الشهداء، حيث يعمد الناس، وعلى مختلف مشاربهم، لاختيار الشواهد من الرخام بأنواعها المختلفة التي ارتفعت أسعاره وتضاعفت، ما انعكس سلباً على أصحاب المهنة وربما تراجع الطلب على الثمين منها والمزركش، ولم يقتصر الانتعاش على مهنة نحاتي الشواهد فقط، فقد نشطت أيضاً مكاتب وأجور متممات العزاء من الخيم والشوادر ومقدمي الخدمة في العزاء من مآكل ومشرب وغيرها من ترتيبات «الموت» التي ضغطت بقوة على الجيوب وبخاصة الفقراء منهم الذين بات عبء الموت وإكرام الميت دفنه يشكل هاجساً في الحياة قبل الموت لما يحمله من تكاليف باهظة وأسعار ضاعفها الجشع حيناً وظروف الأزمة والإرهاب حيناً آخر، وزاد منها طمع العاملين في مهنة الموت من غسيل وتكفين وحفر قبر ومستلزمات العزاء، حتى بات عبئاً ثقيلاً على المواطن الذي لو استطاع سبيلاً في هذه الظروف تأجيل موته لما قصّر وحاشى لله، إنما واقع الأمر كذلك شاء من شاء وأبى من أبى.