“تصافي المحلات”.. لعبـــة تجاريـــة تســـتثمر الظـــروف الاقتصـــادية الصعبـــة

“تصافي المحلات”.. لعبـــة تجاريـــة تســـتثمر الظـــروف الاقتصـــادية الصعبـــة

أخبار سورية

الجمعة، ٢٩ ديسمبر ٢٠١٧

في منطقة الحريقة، وعلى امتداد سوق الصوف، تتوزع سلسلة محلات تشكّل بضائعها مصدراً أساسياً لزبائن يبحثون عن قطع ملابس رخيصة الثمن خارج مواسم التخفيضات، وهي كما يسميها باعتها “تصافي محلات”، وعروض التخفيضات في محلاتها مستمرة على مدار العام، وهي قطع ملابس فيها عيب صغير في كثير من الأحيان لا يظهر إلا بفحص القطعة بشكل تفصيلي ودقيق.

أما المشترون والمقبلون عليها فيرونها أزياء رخيصة الثمن تباع بأسعار مقبولة تصل أحياناً لنصف التسعيرة الموجودة على القطعة (ملابس التخفيضات)، وتناسب ما في جيوبهم من نقود، وأياً كان تجميل الكلمة أو ما يطلق عليها، فالتعبير الأصح عن المعنى يمكن أن يكون (الستوكات)، البضائع التي ازدهرت تجارتها في ظل الأزمة الاقتصادية، والقدرة الشرائية المنخفضة عند الكثير من الزبائن، فكانت حلهم وملجأهم.

تناسب الجيب

يرى الكثير من المقبلين على شراء هذه النوعية من الثياب أن الميزة الأساسية فيها هي سعرها الرخيص مقارنة بالبضائع الأخرى (الماركات وملابس النخب الأول)، ويرى (فراس)، أحد الزبائن ممن يشترون هذه الثياب على نحو متكرر، أن تكلفتها المادية منخفضة، وعيوبها غالباً لا تظهر للعيان، وبحاجة للتدقيق حتى يراها الآخرون، لذلك لا يرى عيباً في ارتدائها، ويقول: لست من نوعية الناس الذين يهتمون كثيراً باللباس، المهم فقط أن يكون من مقاسي، وأن يناسب دخلي، حيث يمكنني، على سبيل المثال، شراء ثلاثة “بنطلونات” جينز بسعر “بنطال” واحد،  علماً أن النوعية لا تختلف كثيراً عن تلك التي أشتريها، فيمكن أن تجد بنطال جينز في هذا السوق بسعر 3500، في حين تتدرج الأسعار في منطقة الصالحية صعوداً رغم كل ما يدعيه أصحابها على واجهات محلاتهم من تخفيضات حقيقية، وكسر للأسعار ابتداء من  6000  ليرة للقطعة الواحدة؟!.

بعيداً عن الموضة

أما (أنس)، زبون آخر لهذه البضائع، فيرى أيضاً أنها مناسبة للدخل، ولا تقل أبداً عن ملابس النخب الأول، ولتأكيد صحة ما يدّعي يستشهد بالقميص الذي يلبسه فيقول: “عيب هذا القميص أن زراً من الأزرار ينقص كمه، ولا شيء آخر، ونتيجة غياب هذا الزر أخذته بنصف القيمة المعلن عنها، حيث اشتريته بسعر رخيص جداً، علماً أنه من ماركة معروفة”، ويكمل: “أشتري بصورة دائمة من هذا المكان المخصص للتخفيضات، (والمكان بناء موجود في منطقة الحريقة يدعى بناء التخفيضات، مكوّن من ثلاثة طوابق، ومعظم محلاته تبيع الملابس بنصف قيمتها)، وأرى أن بضائعه ذات جودة عالية، علماً أن أصحاب المحلات فيه يشيرون للزبون إلى العيب الموجود في القطعة ومكانها، وأحياناً تخلو القطعة من أي عيب، ويكون سبب بيعها بنصف القيمة أن موضتها انتهت، وبالنسبة إلي لست ممن يتابعون أو يهتمون بالموضة”.

تنتظر الموسم

تستغرب السيدة ميساء، (موظفة)، كلمة “الستوكات” عند سؤالها إن كانت تقبل شراءها أو لا، وتجيب بأنها غالباً ما تنتظر مواسم التخفيضات لتشتري ملابسها، وأنها لا تسمع بوجود ملابس فيها عيوب معروضة للبيع في الأماكن التي تشتري منها، لكنها تتابع بالقول: “إن هذه الملابس إن كانت أرخص ثمناً، وذات جودة مماثلة، وعيبها شيء بسيط لا يذكر، فلا مانع لدي من شرائها مقابل توفير بعض النقود لشراء أشياء أخرى في المقابل”، أما إن كان في القطعة عيب واضح فإنها ترفض شراءها مطلقاً حتى لو قُدمت لها بالمجان.

لا غنى عن الموضة

وبعكس الآراء السابقة ترى السيدة ندى، (ربة منزل)، أن هذه الملابس أياً كانت تسميتها: (ستوكات- تصافي محلات)، ذات جودة منخفضة، وعديمة النفع بالنسبة لها، وإلا لما عرضت للبيع بأرخص الأسعار، وعلى أرصفة الطرقات، كما أنها لا تنسجم مع الأناقة والموضة التي تحرص باستمرار على مجاراتها، وتقول: “إن قطعة الملابس عنوان لأناقة السيدة، ومظهر يعكس الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها، وهي وإن كانت لا تقترب من طبقة اجتماعية مترفة، لكنها بملابس من نوع فاخر يمكنها ذلك، لذلك ترى بوجوب انتقائها للملابس بعناية، وعدم الاسترخاص عند الشراء، لأن الغالي كما تضيف ثمنه فيه.

ورش تجارية

يشير (أبو ياسر)، صاحب أحد المحلات في سوق “الحريقة”، إلى أن المصدر والمغذي الرئيسي لهذه البضائع يكون غالباً ورشاً محلية صغيرة لا تصل لمستوى المعامل، نشطت خلال فترة الأزمة بشكل ملحوظ، وتقوم بتصنيع قطع من الملابس بكميات وافرة، لكن بجودة متدنية، وهمها الأول الإنتاج بكثرة على حساب النوعية والجودة، وتطرح في السوق بسعر رخيص جداً بغرض الربح المادي فقط، أي أن هذه الورش لا يعنيها أن تصنع اسماً، أو أن تنافس في السوق بماركة معينة من المنتجات التي تصنعها، وهمها فقط التجارة والربح!.

السيد أبو ياسر يكمل: “وأحياناً يمكن لبعض المعامل أن تصدّر إلى السوق قطعاً من “الستوكات” الناتجة عن خلل معين في التصنيع مثل: (تسحيبة خيط.. مسمار خياطة.. خطأ بالقص.. بقعة أو علامة غريبة عن لون القطعة الأصلي “لطعة” ناتجة عن المكنات في المعمل)، لكن هذه المعامل إما أن تصرف هذه القطع، مع الإشارة إلى عيبها وبأسعار رخيصة جداً، أو أن تقوم بسحبها من الأسواق وإتلافها”.

بالجملة.. والمفرق

أسواق أخرى لمثل هذه الثياب تتركز في تجمعات الأرياف، وبعض الأماكن خارج المدينة، ويتحدث السيد (أحمد صبحي)، صاحب محل آخر في منطقة “الحريقة”، عن أحدها بالقول: “تباع كميات كبيرة من الستوكات في مناطق مختلفة، وتحديداً بالقرب من منطقة “نهر عيشة” فيما يعرف باسم (سوق عاصم)”، وعنه يتابع التوضيح بالقول: “تتجمع في هذا السوق وبشكل كبير قطع ملابس (ستوكات)، وتباع لتجار الجملة، ولزبائن المفرق على حد سواء، بأسعار رخيصة الثمن جداً”.

ويضيف: “يتم بيع هذه البضائع لأصحاب المحلات بالجملة مرة واحدة، ودون التدقيق في البضاعة أو تفحصها (مشايلة)، فمثلاً تباع كمية معينة من “بنطلونات” الجينز دفعة واحدة لتاجر الجملة، في حين تباع لزبائن المفرق بزيادة بسيطة”.

وينتقل السيد أحمد لفكرة أخرى مفادها أن موقع المحل يحدد سعر الملابس التي يحتويها، إذ يقول: “من غير المعقول أن يكون سعر قطعة ملابس في سوق شعبي مماثلاً لتلك المعروضة للبيع في الصالحية، لأن ضريبة المحلات منخفضة في الأولى، ومرتفعة جداً في الأخيرة، لذلك من الطبيعي أن يختلف السعر بين المكانين حتى لو كانت البضاعة من نوع واحد في كلا المكانين، كما أن للملابس المسجلة والماركات دوراً لا يغفل في تحديد السعر”.

في المقابل يبرر (أبو عز الدين)، تاجر ألبسة، وصاحب أحد محلات المفرق في السوق نفسه، بيع الكثير من الثياب للزبائن بسعر رخيص، ويقول بأنها موديلات قديمة لم تبع أو تصرف معه، ومرّ على وجودها في دكانه عام كامل، وأنه كتاجر مفرق بحاجة إلى سيولة مستمرة من النقد ليشتري بضائع جديدة تجذب الزبائن، لذلك يضطر في كثير من الأحيان إلى بيع هذه الموديلات برأسمالها فقط، أو بهامش ربح بسيط، والعملية بمجملها لتجديد بضاعة المحل، وتنشيط حركة البيع فيه، ويوضح أنه بذلك يضرب عصفورين بحجر، فمن جهة يقبل الزبون للشراء من محله عندما يسمع بتواجد بضاعة رخيصة الثمن ومخفضة، ومن جهة أخرى يجتذب زبائن إضافيين عندما يسمعون بتوفر موديلات جديدة في الدكان بعد أن استطاع توفير السيولة لتجديد البضاعة.

ختاماً

يبقى أن نقول: إن تجارة هذه الأنواع من الملابس ورواجها تحت أية تسمية كانت: (ستوكات- تنزيلات- تصافي محلات)، ترضي جمهوراً واسعاً والكثير من الناس ممن يعتبرون أن الأهم في قطعة الثياب التي يشترونها قبل كل شيء أن تناسب محتويات جيوبهم، وقدراتهم المتواضعة على الشراء، خاصة في ظل ظروف اقتصادية سيئة جداً.

محمد محمود-البعث