النبـاتات الطبية والعطرية كـنز سورية الـمهدور.. أحد المصـدرين: 4.5 مليارات دولار قيمة صادرات 40 صنفاً

النبـاتات الطبية والعطرية كـنز سورية الـمهدور.. أحد المصـدرين: 4.5 مليارات دولار قيمة صادرات 40 صنفاً

أخبار سورية

الأحد، ٣١ ديسمبر ٢٠١٧

منال صافـي:
حقيقة مؤلمة، أن تدخل صيدلية لشراء دواء مستورد مكون من خلاصة الزعتر البري، في الوقت الذي تنتشر فيه هذه النبتة بكثرة في جبالنا..
فهل نحن عاجزون عن تصنيعها حتى نقوم بتصديرها خاماً ونعود لاستيرادها بأغلى الأسعار؟
في محاولتنا البحث عن الجواب الشافي لهذا التساؤل نجد أن لاعقبات تمنع من ذلك سوى الاستهتار بأهمية هذه الثروة الوطنية ورفع الجهات المعنية يدها تماماً عن هذا القطاع بدلاً من استثماره في الصناعة الدوائية تاركة هذا السوق في أيدي حفنة من المنتفعين.
ردة عكسية
الارتفاع الذي طرأ على أسعار الأدوية في الآونة الأخيرة نتيجة الحرب وما لحق القطاع الدوائي من أضرار دفع أحد المواطنين لزيارة العطارين والمتمرسين في مجال طب الأعشاب لسؤالهم عن العلاج العشبي المناسب لكل حالة صحية تعترضه وذلك بعد تجربته مع حالة «الفطور» الجلدية التي تخلص منها باستخدام عشبة طبية، وبحسبة بسيطة يقول : في حال ذهبت إلى الطبيب فإن معاينته تتراوح بين الـ 1500- 3000 ليرة وسيكتب لي «راشيته» ربما يتجاوز سعرها 2000 ليرة وهذا مبلغ كبير بالمقارنة مع أجري لذلك أعتمد على الطب البديل الذي لن يكلفني أكثر من 500 ليرة.
أما مريم سعيد فتتردد باستمرار على إحدى «البزوريات» الموجودة في الحي الذي تقطنه وتشتري كميات من البابونج والميرمية واليانسون وغيرها من الأعشاب كبديل عن الأدوية الموجودة في الصيدليات لأن الأجداد كانوا يعتمدون على هذه الأعشاب لعلاج حالات البرد والسعال وأوجاع المفاصل والجهاز الهضمي وغيرها من الحالات، وهي تحاول تكريس هذه الثقافة لدى عائلتها، وبحسب رأيها لايجوز اللجوء فوراً إلى الأدوية لما لها من آثار جانبية ومضاعفات في بعض الأحيان.
بين الخبرة والجهل
وفي لقائنا ماجد ياسين صاحب أحد محلات العطارة والذي ورث المهنة عن والده المهندس الزراعي يشير إلى أن النجاح في هذه المهنة يعتمد على الخبرة التراكمية ودراسة المراجع العلمية التي تتعلق بهذا الشأن، لافتاً إلى أن هناك جهلاً كبيراً لدى بعض العاملين في هذا المجال يسببون الضرر للمرضى وخاصة تلك الوصفات التي تنشر على النت فيها الكثير من اللغط وعدم الدقة، لافتاً إلى أن بعض الزبائن يطلبون أعشاباً تساعد على الإنجاب وشفاء الأمراض المستعصية كالقولون العصبي وتساقط الشعر والبروستات أو غيرها مثل الأورام الخبيثة وأمراض القلب.
ويضيف: من خلال خبرتي أعطي الأعشاب لكنني أؤكد على الزبون أن يلجأ إلى الطبيب وأن يكون علاج الأعشاب متمماً ومكملاً ولا أحاول بيع الأوهام بأن العشبة سحرية كما يفعل البعض، لكن عندما يشعر الإنسان باليأس وخاصة الذين يتعرضون للعلاج الكيماوي يلجؤون إلى الطب البديل هناك من نعطيهم وصفات يستفيدون منها.
ولفت إلى أن هناك من يطلب خلطات ومواد محددة لأجل أعمال السحر والشعوذه كالفاسوخ مثلاً ولبان الذكر وغيرها، وبعض السحرة يصفون مواد مرتفعة الثمن ومستوردة كالعنبر مثلاً الذي يصل سعر الغرام الواحد منه لحوالي 12 ألف ليرة، كما أن بعض النسوة يأتين لطلب خلطات لإعادة الزوج الخائن إلى بيته أو ليقع فلان في غرام فلانة.
وبيّن أن هناك بعض الأعشاب والنباتات غير متوافرة منذ أكثر من /6/ سنوات وخاصة تلك التي التي كانت تزرع في الغوطة وريف دمشق كزهرة الخبيزة.
«الرزق الداشر»
تحجز هذه النباتات مكاناً لها في ميزان الصادرات وهي تصدر خاماً بأكملها بوساطة حلقات يشوبها الكثير من العشوائية ويبين علي بطة أحد مصدري النباتات الطبية والعطرية أن هذه النباتات ينمو أغلبها في المناطق الحراجية التي تعود ملكيتها للحكومة، وبموجب قانون الحراج فإنه غير مسموح لأي شخص أن يقوم بجني هذه النباتات ومن تثبت عليه التهمة يتعرض للمساءلة القانونية، لذلك فإن كل ما يأتي للتجار هو ما يتم قطافه من قبل جامعي الأعشاب بعيداً عن أعين الجهات المعنية، معتبراً أن هذا النوع من العمل يؤمن باب رزق لكثير من العائلات الفقيرة وعلى الجهات المعنية السماح لهم بالعمل بحرية في هذا المجال وتشجيع هذه الزراعة.
ويشير إلى أن حوالي 40 صنفاً من هذه النباتات تصدر خاماً من دون أن تخضع لأي عمليات تصنيع وتصل كميتها سنوياً لحوالي 3000 طن بقيمة 4.5 مليارات دولار تقريباً وأهمها ورق الغار إذ يصدر سنوياً حوالي ألفي طن وتصل قيمة الطن الواحد إلى 1200 دولار والزعتر البري 300 طن بقيمة ألفي دولار كحد وسطي أما الميرمية فتصدر كمية تقدر بـ20- 25 طناً بقيمة 3000 دولار للطن الواحد. أما بالنسبة للأسعار التي يدفعها التجار والمصدرون للعاملين في مجال القطاف لهذه النباتات فتصل إلى 1300 ليرة للكيلو الواحد من الميرمية و450 ليرة لورق الغار و1300 ليرة للكيلو من الزعتر البري.
فوضى تصديرية
أما النقطة التي تثير القلق وتبين مدى الإجرام بحق الاقتصاد والمنتج الوطني فهي ماذكره مدير مكتب الشؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين جلال حمود أنه في بعض الأحيان يتم تصدير هذه النباتات إلى بعض الدول المجاورة بشكلها الخام وتوضب وتغلف فيها ثم يعاد تصديرها إلى أوروبا على أنها إنتاج غير سوري.
وشدد على ضرورة أن تلقى هذه الزراعة الاهتمام بتقديم الدعم الفني اللازم للمزارعين والاهتمام بعمليات ما بعد الحصاد كالتوضيب والتغليف وخاصة تلك المعدة للتصدير لتحقق قيمة مضافة وتساهم في زيادة الدخل الوطني وجلب القطع الأجنبي، لافتاً إلى تحول عدد كبير من الفلاحين لزراعة هذا النوع من النباتات وخاصة خلال الأزمة وما رافقها من نقص مستلزمات الإنتاج وارتفاع أسعارها لأنها تحقق جدوى اقتصادية ومردوديتها عالية ولا تحتاج إلى مستلزمات زراعية مكلفة كما هو الحال في المحاصيل الأخرى كالقطن والشوندر السكري كما أن أمراضها محدودة.
استثمار محدود
خمسة أنواع فقط من النباتات الطبية والعطرية تدخل في خطط وزارة الزراعة وهي: الكمون واليانسون والكزبرة اليابسة وحبة البركة والشمرا أما ما تبقى من كل أصناف النباتات الطبية والعطرية فالقطاع الخاص يتولى أمر قطافها وتسويقها وتصديرها، هذا ما يؤكده مهند الأصفر مدير الإنتاج الزراعي في الوزارة، موضحاً أن المساحات المزروعة بهذه الأصناف الخمسة ازدادت خلال الأزمة نظراً للصعوبات التي واجهتها زراعة المحاصيل الرئيسة إضافة لأن هذه النباتات موسمية وتسهل زراعتها وحصادها خلال فترات قليلة.
وأكد أن هذه الأصناف تلقى الاهتمام اللازم من قبل الوزارة من خلال التوسع بالمساحات المزروعة والتواصل مع الجهات المعنية بوزارة الصناعة لبيان حجم الإنتاج المتاح لدينا للدخول في عمليات التصنيع والتغليف والتعبئة، إضافة للتواصل مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية لتصدير الفائض من هذه المنتجات لما لها من أهمية في تحقيق عائد اقتصادي وهامش ربح للفلاح وتحقيق قيمة مضافة من خلال عمليات التصنيع التي تخضع لها هذه النباتات.
ولدى سؤالنا عن عدم تولي الوزارة بقية النباتات العطرية والطبية وتفويت عائدات اقتصادية أجاب بأنه في كل دول العالم وزارة الزراعة مهمتها فقط تقديم التسهيلات والدعم الفني للفلاح وما تبقى من مراحل الإنتاج تتولى جهات أخرى مسؤوليتها، والحكومة تحقق ايرادات من خلال الرسوم والضرائب المفروضة على عمليات التصدير لهذه الأصناف.
ولفت إلى العديد من المشاريع التي يتم بحثها مع هيئة الاستثمار لتشميل بعض المشاريع المتعلقة بهذه الزراعات وإلى أن الوزارة تولي اهتماماً مباشراً لهذه النباتات إذ تقدم كل المستلزمات الزراعية لنبتة الوردة الشامية من استصلاح أراضٍ وآبار مياه لسقايتها لما لها من أهمية في استقرار الفلاحين والاستفادة من المخرجات والعوائد (بتلات الزهور– تقطير الزيت) حيث يصل سعر ليتر الزيت من الوردة الشامية إلى حوالي /8/ ملايين ليرة سورية.
وأشار الأصفر إلى أنه- بحسب إحصاءات وزارة الزراعة- وصل الإنتاج حتى 2016 إلى 25 ألف طن من الكزبرة اليابسة، واليانسون 9188 طناً، أما الكمون فـ 51.768 طناً، والحبة السوداء 23.840 طناً.
وقد تم تصدير 28 ألف طن من الكمون و7600 طن من اليانسون، أما حبة البركة فوصلت الكمية المصدرة إلى 12 ألف طن، والكزبرة 21 ألف طن.
وبيّن الأصفر أنه لا توجد أرقام عن قيم الصادرات.!
مطلوب هيكلة متكاملة
الدكتور شادي خطيب- رئيس الجمعية العلمية السورية للأعشاب الطبية وعضو في نقابة الصيادلة تحدث عن الغنى بالنباتات الطبية والعطرية الذي تتمتع به بلادنا، لافتاً إلى أن الاستثمار في الصناعة الدوائية لهذه الأعشاب لايزال خجولاً ويقتصر على بعض المعامل التي تقوم بتعبئة الخلطات المكونة من مجموعة من الزهورات والمساحيق النباتية التي تطحن ضمن كبسولات.
ويضرب مثالاً على ذلك نبات الخلة الذي ينمو في سورية وفيه مواد فعالة لعلاج تشنجات ومشكلات الالتهابات البولية ونحن نستخدمه كمسحوق ونصدره ليعاد إلينا دواء مستورداً تحت اسم «الخلين» بأسعار باهظة، وكذلك الأمر بالنسبة لشقائق النعمان التي تستخدم شعبياً كمهدئ للسعال.
ونبات اللبلاب الذي هو في حقيقة الأمر نبات سام ولكن عندما يتعرض لدرجة حرارة معينة يتحول لأفضل دواء عالمي للسعال كذلك الصبار الشوكي المنتشر على الطرقات يمكننا الاستفادة منه بدلاً من استيراد أدوية تتكون من خلاصته من المكسيك. ولفت إلى أن كل الدراسات والأبحاث المتخصصة بفوائد هذه الأعشاب تكون نهايتها الأرفف والأدراج.
وشدد على ضرورة وجود هيكلة متكاملة وتكاتف الجهود للتعامل مع النباتات الطبية والتي تتلخص بالحماية الكاملة لهذا الغطاء النباتي ومنع الحصاد الجائر، فهناك أعشاب تتعرض للانقراض ومنها حشيشة السعال إضافة إلى تشجيع زراعة الأنواع التي تثبت أهميتها طبياً ولها مردود اقتصادي، وكذلك تشجيع البحث العلمي فكل نتائج الدراسات والأبحاث والتوصيات بهذا الشأن لم تعمم وكانت نهايتها الأدراج لذلك يجب استثمار مخرجات البحث العلمي الأكاديمي والتنسيق بين وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة للاستثمار في هذا المجال وأن يكون في وزارة الصحة تسجيل لهذه النباتات السورية وأن تتخلى الوزارة عن شرط أن يكون هناك مشابه أجنبي في الأدوية النباتية وذلك لتنشيط الاستثمار في هذا المجال.
احتكار ممنهج
تهديد كبير للبيئة الزراعية وفشل ذريع بالاستثمار الاقتصادي الأمثل لهذه الثروة التي تمتاز بالتنوع النباتي (صحراوية- جبلية- ساحلية) يكشف عنه د. عمار يوسف الخبير الاقتصادي ويتمثل بالجني الجائر لهذه النباتات وخاصة التي تنمو في البراري عن طريق أشخاص لا خبرة لهم في هذا المجال الأمر الذي يهدد هذه البيئة، كما أن استخدام المبيدات للتخلص من الأعشاب قضى على كمّ هائل من هذه النباتات وتالياً تم القضاء على الكثير من الأصول الوراثية التي كانت متوافرة وهنا مكمن الخطر الهائل والأساس، ويجب الانتباه إلى هذه القضية وإعادة تجميع ما تبقى من أصول وراثية في سبيل الحفاظ عليها لاستخدامها في مراكز البحوث العلمية حالياً ومستقبلاً لتطوير هذه النباتات.
وأضاف أن المواطن لايمتلك الوعي الكافي لأهمية هذه النباتات كطب بديل، وهناك ثغرة بين عملية الجني وعملية التسويق والتصنيع لم تفلح الجهات المعنية بردمها.
ولم يخفِ د. يوسف أن وزارة الصناعة والاقتصاد والصحة لم يقدموا التسهيلات والدعم للصناعيين لاستغلال هذه الثروة، فهناك تجربة واحدة يتيمة هي «العطار» لكنها خجولة، وهناك من له مصلحة حقيقية في احتكار القطاع الخاص لهذه الثروة لإمكانية استغلالها في التصنيع الدوائي متسائلاً: لماذا نستورد دواء أساسه مكون من الزعتر البري بـ 2000 ليرة وهذه العشبة متوافرة بكثرة عندنا؟
وبيّن أن المصدّر يشتري من الفلاح بأبخس الأثمان ويصدرها بأعلى سعر خام.
ولا يتفق د. يوسف بالرأي مع وزارة الزراعة التي ترى أن مهمتها تقديم الدعم والتسهيلات فقط للفلاح، وفي رأيه أن التجارب أثبتت أن القطاع العام هو الأساس ولو أن وزارة الزراعة تدخل على خط الاستثمار في هذا القطاع فإنها ستنافس الخاص بقوة وتحقق أرباحاً تقدر بملايين الليرات، لكن وزارة الزراعة لا تريد أن ترهق نفسها.
متسائلاً: لماذا يسمح بالجني الجائر لهذه النباتات التي تنمو في أراضٍ تملكها إدارة الأحراج التابعة لوزارة الزراعة.
يمكن القول..
في معادلة الاقتصاد السوري نجد أنه لا يزال هناك الكثير من الثروات الوطنية المهدورة وأهمها النباتات الطبية والعطرية التي يجب أن يحسن استثمارها بالشكل الأمثل لأنها تشكل رافداً حقيقياً للصناعات الدوائية والطبية، وتدعم الاقتصاد.