روسيا “محبطة” منها.. هل تقنع أنقرة شريكتها بإيقاف هجوم إدلب؟

روسيا “محبطة” منها.. هل تقنع أنقرة شريكتها بإيقاف هجوم إدلب؟

أخبار سورية

الأحد، ٣١ ديسمبر ٢٠١٧

بالكاد مضت ساعات على “تدشين” وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف مرحلة عسكريّة جديدة في سوريا تتضمّن تحرير إدلب من جبهة النصرة، حتى اشتعلت المحافظة بهجوم عنيف شنّته القوّات السوريّة مدعومة من الروس للقضاء على مقاتلي “الجبهة”. وقال لافروف يوم الأربعاء الماضي، إنّ الحرب الأساسيّة ضدّ داعش في سوريا قد انتهت، بينما بات القضاء على جبهة النصرة “أبرز مهمّة في مكافحة الإرهاب” داخل الأراضي السوريّة. لافروف وخلال استضافته رئيس تيّار الغد السوريّ أحمد الجربا في موسكو، تحدّث عن وجود معلومات لدى موسكو بأنّ التنظيم المذكور يحصلون على “دعم خارجيّ”.

الحديث عن جبهة النصرة والتي تشكّل العمود الفقري ل “هيئة التحرير الشام” المسيطرة على معظم محافظة إدلب، لم يقتصر فقط على وزير الخارجيّة، بل تطرّق إليه عدد من المسؤولين الروس. من بين هؤلاء، رئيس الأركان العامّة الروسي فاليري غيراسيموف ونائب وزير الخارجيّة الروسيّ أوليغ سيرومولوتوف. وعلى الرغم من زيارة الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين إلى حميميم وإعلانه بدء سحب قوّاته إلى القواعد الروسيّة الأساسيّة في سوريا، تستمرّ موسكو في مساعدة دمشق على استعادة الأراضي الأساسيّة التي فقدتها خلال النزاع ومن بينها محافظة إدلب الواقعة في شمال غرب البلاد.

انهيارات سريعة
البارز في العمليّة العسكريّة الأخيرة، أنّ دفاعات “هيئة تحرير الشام” تنهار بسرعة إذ استعادت القوّات السوريّة السيطرة على أكثر من 10 بلدات خلال يومين. لكن أيّاً تكن نتيجة هذه المعارك على الصعيد الميدانيّ، تبقى التداعيات السياسيّة والاجتماعيّة هي الطاغية على التطوّرات في إدلب. بداية، يُفترض أن تكون إدلب من ضمن المناطق السوريّة الأربع الخاضعة لنظام خفض التصعيد المتّفق عليه في محادثات أستانا. غير أنّ الحرب المستجدّة تشير إلى أنّ الروس قرّروا إخراج المحافظة من دائرة الاتفاق، مستفيدين من تخلّص الجيش السوريّ من عبء القتال على جبهات متعدّدة بعد القضاء على داعش. إضافة إلى ذلك، أضحت القوى الغربيّة مسلّمة بالدور الروسي و ب “انتصار” موسكو في الحرب، وهو تعبير تحدّث عنه صراحة الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون ولمّح إليه نظيره الأميركيّ دونالد ترامب. وبذلك، بات بوتين أكثر تمتّعاً بالحرّيّة في رسم تحرّكه الميدانيّ سوريّاً.

انتهت “فترة السماح”
إلّا أنّ علامات الاستفهام الحقيقيّة تدور حول علاقة روسيا مع تركيا التي يُفترض بها أن تكون الضامن الحقيقيّ لوقف إطلاق النار في إدلب. يبدو أنّ موسكو قد تعاطت مع أنقرة على قاعدة إعطائها “فترة سماح” للتخلّص من “الهيئة” عبر عمليّات عسكريّة أنيطت بها في الأشهر القليلة الماضية. ومع الفشل التركيّ في تحقيق المهمّة خصوصاً بعد أكثر من شهرين على دخول أنقرة إلى المحافظة وإعلانها إقامة نقاط مراقبة، يظهر أنّ روسيا قرّرت تولّي المسؤوليّة وأخذ الأمور على عاتقها. غير أنّ الأمور لا تتوقّف عند هذا الحدّ، إذ هنالك احتمال لافت في وجود توتّر بين أنقرة و #موسكو. فتلميح لافروف إلى وجود معلومات لدى موسكو بأنّ “الهيئة” تحصل على “دعم خارجيّ” قد يحمل أكثر من دلالة.

تشكيك روسيّ بتحرّك أنقرة
ففي السياق نفسه، كان لافتاً وجود تشكيك روسيّ برز منذ شهرين تقريباً يتمحور حول إقامة أنقرة نقاط تفتيش فعليّة داخل إدلب كما اتّفقت عليه الأطراف الضامنة في أستانا. وقد جاء هذا التشكيك تحديداً على لسان الموفد الروسيّ الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف. فالأخير قال في مقابلة مع “روسيا اليوم” أواخر تشرين الأوّل إنّ “الوضع أكثر تعقيداً بقليل (من سائر مناطق خفض التصعيد) في منطقة إدلب، حيث لم يقم شركاؤنا الأتراك بوضع نقاط مراقبة بشكل كامل”. وأضاف: “إنّ مستوى التوتر لا يزال مرتفعاً جدّاً، وهناك خطر (شنّ) هجمات من قبل بعض المجموعات الموجودة هناك”. وتمنّى لافرنتييف في ختام المقابلة أن “تنفّذ تركيا موجباتها في منطقة إدلب”.

قراءة خاطئة
ويظهر أيضاً أنّ تركيا لم تستطع أن تقرأ “أولويّات” روسيا في المنطقة بحسب بعض المراقبين. تشير الباحثة ريتا كوناييف في ردّها على أسئلة “النهار” أنّ إدلب تمثّل “آخر معقل للمعارضة السوريّة”، وعلى الرغم من أنّه كان يجب أن تكون المحافظة واحدة من مناطق خفض التصعيد بموجب اتفاق أساتانا، فقد جعلت روسيا من القضاء على المجموعة الجهاديّة هيئة تحرير الشام “أولويّة”. ويعود ذلك إلى أنّ “الهيئة” أصبحت مسيطرة على تلك المنطقة. كوناييف المحاضرة في “كلية فلتشر للقانون والديبلوماسيّة” في جامعة “تافتس” الأميركيّة تحدّثت أيضاً عن الوضع الإنسانيّ “المقلق جدّاً” في المنطقة التي أصبحت تضمّ أكثر من مليوني شخص بفعل اللاجئين والمقاتلين الذين لجأوا إليها بعد المكاسب التي حقّقها الأسد.

مصلحة تركيا وإحباط موسكو
تضيف كوناييف أنّ لدى تركيا “مصلحة قوية جداً في تفادي تصعيد خطير في إدلب. فبوجود اقتصاد يسوء و(تعصّب) قوميّ متصاعد وتوترات إثنيّة، لا تستطيع تركيا تحمّل إيواء مزيد من اللاجئين السوريّين”. كانت روسيا بحسب الباحثة تأمل بأن يساعد التدخل التركي في تشرين الأوّل الماضي على إضعاف “الهيئة”. لكنّ “القصف الأخير قد يؤشر إلى إحباط موسكو من إنجازات أنقرة المحدودة في هذه المنطقة”.

تخيّل صعب
وفي جميع الأحوال، يبدو أنّ العلاقات بين البلدين ستبقى محطّ مراقبة خلال المرحلة المقبلة، إذ إنّ اللقاءات الدوريّة بين الطرفين والقمم الثلاثيّة التي تجمع موسكو بأنقرة وطهران لا تكشف جميع خبايا العلاقة الثنائيّة، بصرف النظر عن التقدّم الذي حصل خلال هذه السنة. وهذا ما تشير إليه كوناييف: “فيما تطوّرت العلاقة بين أنقرة وموسكو خلال الأشهر القليلة الماضية، من الصعب تخيّل أنّ تركيا تستطيع الضغط على روسيا إذا صمّمت على محاولة القضاء على هيئة تحرير الشام من خلال القوّة”.