ارتفاع أسعار الأحذية.. ينعش مهنة «الإسكافي».. من أصل 300 «إسكافي» ثلاثة فقط منتسبون لنقابة الحرفيين

ارتفاع أسعار الأحذية.. ينعش مهنة «الإسكافي».. من أصل 300 «إسكافي» ثلاثة فقط منتسبون لنقابة الحرفيين

أخبار سورية

الاثنين، ١ يناير ٢٠١٨

منال عيسى:
لسنوات قريبة كادت مهنة الإسكافي أن تنقرض ويطولها الاهتراء على أعتاب الأحذية الصينية المستوردة الرخيصة، ولكن مالبثت أن عادت بقوة وانتعشت من جديد خلال الأزمة، حتى يمكن القول إنها وصلت إلى أوجها خلال سنوات الحرب، والسبب الرئيس في ذلك يعود إلى ارتفاع أسعار الأحذية الجديدة لمستويات يصعب على شريحة كبيرة من الناس شراؤها، حيث إن ثمن حذاء جديد يعادل راتب موظف من الفئة الأولى وقد يتجاوز في بعض المحلات الأخرى راتب مدير، فسعر الأحذية في المحلات الشعبية بـ 4000 ليرة ليصل إلى أكثر من 100 ألف ليرة في محلات الماركات، وحتى بالات الأحذية أصبحت تنافس في أسعارها الأحذية الجديدة وتتفوق عليها في بعض الأحيان، الأمر الذي دفع الكثير من الناس للجوء إلى محلات تصليح الأحذية «الإسكافي» لتجديد أحذيتهم وإعادة «الحياة» إليها بدلاً من اللجوء لشراء حذاء جديد.

قبل الاستعمال

يقول ماجد إنه اعتاد انتعال الأحذية من ماركة معينة ولا يستطيع استبدالها بأي نوع رخيص بسبب وجع في قدميه، ومع ارتفاع أسعار أحذية الماركات اضطر للجوء إلى محلات تصليح الأحذية لإصلاح أحذيته التي يمكن إصلاحها وترميمها قدر الإمكان خاصة أن إصلاحها لا يكلف سوى العديد من الليرات.
ومما هو لافت للانتباه أن كثيرا من الناس يلجؤون إلى خياطة الأحذية بعد شرائها مباشرة أي قبل انتعالها وذلك للمحافظة عليها أطول فترة ممكنة ولضمان عدم عطبها بسرعة ولاسيما أحذية الأطفال.. سمر ربة منزل تقول: عند بداية كل عام دراسي وعند شرائي أحذية المدارس لأولادي أقوم بأخذها إلى مصلح أحذية لتثبيت خياطتها وتلزيقها جيداً حتى أضمن أن تخدمهم طوال فترة المدرسة وحتى لا أضطر لشراء دفعة جديدة من الأحذية بعد فترة ، ولاسيما أن أسعارها ترتفع بشكل جنوني حيث الشعبي منها وصل إلى 5000 ليرة سورية للحذاء الواحد.

الأكثر عطباً

تقول ليلى وهي موظفة: كنت أقوم بتبديل أحذيتي في كل موسم وأشتري جديداً ولكن مع ارتفاع أسعارها وخاصة الشتوية منها، أقوم بأخذها إلى محلات الإسكافي لإصلاحها ولتخدمني حتى موسم التنزيلات لأتمكن من شراء حذاء جديد لأن أحذية الشتاء (الجزمات )هي الأكثر عطباً بسبب مياه الأمطار فأقوم بإجراء «عمليات تجميلية» لها لدى الإسكافي ولا يكلفني ذلك أكثر من 500 ليرة لكل «جزمة» وهذا أرحم بكثير من شراء واحدة جديدة .

في المحلات

هناك في أحد أسواق دمشق القديمة التي يتجمع فيها مصلحو الأحذية، يجلس أبو مروان في محله المتواضع خلف ماكينته التي تكونت علاقة وثيقة بينه وبينها وحوله المطرقة والسندان والمسامير والخيوط والنعال وعلب طلاء الأحذية وأكوام من الأحذية تحيط به من كل صوب ، الذي أشار من جهته إلى إن مهنة إصلاح الأحذية قديمة وشاقة وتحتاج كثيراً من الصبر والدقة والمرونة فضلاً عن أنها تحتاج إلى الحذر والاحتياط، «وأنا امتهنتها منذ أكثر من 40 عاماً» حيث كنت موظفاً وبعد عملي أمارسها، وبعد التقاعد أصبحت مهنة أساسية أعيش منها، ويتابع: يقصدني يومياً الكثير من الناس وأحيانا يتجاوز عددهم الـ50 شخصاً من مختلف شرائح المجتمع لتصليح أحذيتهم، فأقوم بخياطتها أو تلزيقها أو تركيب «كعابيات» ونعال جديدة لها مستخدماً أدوات عديدة في التصليح، وأقوم بالتعامل مع هذا الحذاء مثل «طبيب» معالج يجري «عمليات تجميلية» سريعة لترميم هذا الحذاء مما لحق به من تمزيق أو تشوهات في الكعب (النعل)، حيث أقوم «بفحص» الحذاء مباشرة ومن خلال خبرتي أحدد «إصابته» وأعرف عيبه ثم أقوم بإصلاحه وإعادة «الحياة» إليه، وعن سؤالنا أبا مروان عن نوعية المواد المستخدمة في التصليح وجودتها أجاب: إنني أشتري المواد الجيدة والممتازة وأبتعد عن المواد الرخيصة وعندما يأتي الزبون أقول له عن نوعية المواد وهو يختار وطبعاً لكل نوع سعر فهناك مثلاً صباغ من النوع الجيد وهناك نوع مستورد وممتاز وهنا حسب طلب الزبون، ويتابع أبو مروان الحديث عن طرق التصليح فهي إما يدوية تعتمد على المطرقة أو الغراء عند تركيب الكعب أو تلزيق الحذاء أو عن طريق الماكينة عندما يحتاج الحذاء إلى خياطة.
وعن الأسعار يقول أبو مروان مع ارتفاع أسعار المواد المستخدمة في التصليح قمت بزيادة أجور التصليح بشكل يتناسب مع أسعار المواد الأولية ولكنها بقيت أرحم بكثير من نار أسعار الأحذية الجديدة ، ويتراوح تركيب «كعابية» مابين 150 إلى 300 ليرة، بينما سعر الخياطة والتلزيق يتراوح من 300 إلى500ليرة سورية ويختلف ذلك حسب نوعية الحذاء، مضيفاً أنه بعد كل إصلاح أقوم بتلميع الحذاء بدهان الأحذية الخاص حتى يبدو وكأنه جديد.
وعن صعوبات هذه المهنة يقول أبو مروان إنهم قد يتعرضون للإصابة أثناء عملهم هو والأغلبية من رفاقه في المهنة وهم غير منتسبين لأي نقابة أو جمعية تضمن لهم حقوقهم وتعوضهم, وبابتسامة استطرد قائلاً (العوض على الله) وحتى هذه اللحظة مهنة الإسكافي خارج أي تنظيم حرفي.

ليس إلزامياً

ولدى توجهنا إلى اتحاد الحرفيين في دمشق وسؤالهم عن هذه المهنة وتنظيمها قال جوزيف جوزيف رئيس المكتب الإداري والقانوني في اتحاد الجمعيات الحرفية في دمشق إن الانتساب لهذه الجمعية هو اختياري وذلك بموجب أحكام المرسوم التشريعي رقم 250 لعام 1969الذي ينص على أن الانتساب للتنظيم الحرفي ليس إلزامياً، والجمعية توافق على أي طلب يقدمه من يعمل بتصليح الأحذية وتتم مساعدته بسحب قروض من المصارف ومنحه تراخيص إدارية وإشراكه بصندوق المساعدة الاجتماعية ومنحه تعويض وفاة من الصندوق والطبابة من تحاليل وتصوير وغيرها ، وفي حال تعرضه لأي إصابة يكون هناك لجنة طبية تحدد نسبة الإصابة ويمنحه الصندوق تعويضاً بناء على تقرير اللجنة ويتابع جوزيف: إن عدد الذين يمتهنون مهنة تصليح الأحذية يتجاوز الـ300 مصلح, منتسب منهم للجمعية ثلاثة فقط ممن يقومون بتصنيع الأحذية إضافة لتصليحها مشيراً إلى أن أغلب مصلحي الأحذية لايعلمون بوجود جمعية لهم ويحتاجون توعية، ونحن سنقوم في المرحلة القادمة بجولات ميدانية على محلاتهم لتعريفهم بهذا التنظيم وشرح ميزاته وإشراكهم بصندوق المساعدة الاجتماعية لضمان ولو جزء من حقوقهم ومحاولة استيعاب أكبر عدد من هؤلاء المصلحين وللحفاظ على هذه المهنة المهمة من الاندثار.