كيف نجعل الطفل يفتخر بمهنة أبيه.. أبناء يخجلون من مهن آبائهم..المـجـتمع يحتاج حارس البناء ومصلّح الأحذية وعامل التنظيفات

كيف نجعل الطفل يفتخر بمهنة أبيه.. أبناء يخجلون من مهن آبائهم..المـجـتمع يحتاج حارس البناء ومصلّح الأحذية وعامل التنظيفات

أخبار سورية

الثلاثاء، ٩ يناير ٢٠١٨

دينا عبد
لا يرضى رامي أن يغسل والده سيارات الغير، لأنه كما يقول: لا يحب أن يكون والده خادماً لأحد من هؤلاء الجوار..
فوالد رامي يعمل حارساً لأحد الأبنية (ناطور) كما يسميه البعض، حيث يعيش في البناء ذاته المحامي والمهندس والطبيب و.. و.. ومن المعلوم أن قيمة العمل لا تكمن في ماهيته بل في فائدته للمجتمع، وهنا يأتي دور الوالدين في التربية الصحيحة التي تعتمد توجيه الطفل بأسلوب معين ليفخر بوالده مهما كانت مهنته، إضافة إلى توعية الطفل بأهمية تقدير والده الذي رضي بالعمل في تلك المهنة من أجل راحته وتوفير لقمة العيش له ولإخوته.
يعمل والد (علا) بائع يانصيب، وعندما تسألها صديقاتها في المدرسة عن عمل والدها تحاول أن تخفي خجلها من مجرد طرح السؤال، فوالدها كما تقول يخرج من السابعة صباحاً ولا يعود قبل أن ينتهي من بيع كل أوراق اليانصيب، في البرد وفي الحر وفي كل فصول السنة مقابل ربح زهيد، مضيفة: إن والدي غير متعلم حتى يحصل على فرصة عمل أفضل من هذه.
أما يوسف فيعمل والده في تصليح الأحذية، يقول: فيما مضى كنت أتردد في الإفصاح عن طبيعة عمل والدي فقد كنت أتصور أنه بائع أحذية ولكن عندما كبرت اكتشفت أنه يصلح الأحذية، موضحاً: على الرغم من أن عمله شريف إلا أنني أتردد أحيانا في إخبار زملائي بطبيعة عمل والدي، ولكني عرفت مع الأيام أنهم يعرفون الحقيقة، الأمر الذي شجعني على كشف ذلك ولم أطلب من والدي في أي يوم أن يترك هذه المهنة لأني كنت أحسب لمشاعره ألف حساب.
شعور بالخجل
لناهد حكاية خاصة، فوالدها يعمل منذ فترة تزيد على 20 عاماً عاملاً في التنظيفات، وخلال هذه المدة التي استمرت حتى تخرجها من الجامعة لم يحدث أن صرحت بمهنته لأحد بل قالت: كنت أترك ذلك للمصادفة وحدها لأنني كنت أشعر بالخجل الشديد من مجرد ذكر وظيفته، وأضافت كنت أبتعد عن تكوين العلاقات الاجتماعية وخاصة في الجامعة التي زاد إحساسي فيها بالضيق، وخاصة أنني أتعامل مع زميلات كل آبائهن يعملون في مهن فاخرة فهذه والدها طبيب والأخرى مهندس و..و.. و.. مع ذلك هي تفتخر بمهنة والدها لأنها مصدر رزقه فهي لا يمكن أن تقلل من شأنه.
أما سلوى التي كانت تخجل من مهنة والدتها تتحدث اليوم عنها بفخر.. فوالدتها تعمل (مدبرة منزل) لإحدى الأسر الميسورة، وتقول: إن العمل الشريف أفضل مليون مرة من التسول، واليوم تعتز سلوى بوالدتها أكثر من اعتزازها بنفسها موضحة أنها كغيرها من الناس يمكن أن تتردد ويمكن أن تشعر بالحرج والضيق ولكن تتغلب على مشاعرها بالتصريح لأن إخفاء هذه الحقيقة يعد إساءة لعلاقتها بوالدتها وتقليلاً من شأنها وهذا ما لا ترضاه، ولاسيما أن عمل أمها يشكل أهمية كبرى في حياتها وحياة إخوتها، لافتة إلى أنه لولا عمل أمها طباخة ومدبرة منزل لم تستطع هي وإخوتها أن تكمل دراستها فدخلها جيد بالمقارنة بمهن أخرى خاصة بعد وفاة والدها منذ خمسة عشر عاماً.
تخلص الأبناء من مشاعرهم
الاختصاصية الاجتماعية سميحة العش أوضحت أنه في البداية على الأهل شرح أهمية العمل التي تكمن في عدة نواحٍ أهمها إشباع الحاجات النفسية وتوفير المتطلبات المادية للأبناء من مأكل ومسكن وغيرهما من اللوازم الضرورية فالعمل ضرورة حياتية وشخصية ولا حياة سعيدة لمن لاعمل له.. مضيفة أن هناك أبناء لا يتنكرون لمهن آبائهم علماً أن بعض الأطفال أحياناً يضطرون للكذب ما يشعرهم بالاكتئاب عندما يذكرون مهنهم، فمسؤولية الأبوين تتمثل في ضرورة غرس الشعور بالاعتزاز لدى أبنائهم منذ الصغر وتربيتهم على قاعدة (قسم الأرزاق بين الناس بالعدل) وشددت على ضرورة تخلص الأبناء من مشاعرهم تجاه مهن آبائهم، فبقدر حاجة المجتمع إلى المهندس والمدرس والمحامي والطبيب، يحتاج أيضاً إلى حارس البناء ومصلح الأحذية وعامل التنظيفات و… و..
مؤكدة أنه من الطبيعي في ظل ظروف مجتمعنا الذي بدأت تظهر على سطحه بعض الظواهر السلبية أن ينشأ الأبناء وفي داخلهم الإحساس بالتقليل من مهنة آبائهم، بل من الطبيعي أن يشعر بالخجل والتردد نتيجة النقص الذي حدث في تكوين الشخصية ما أدى إلى التأثير في سلوكهم وتصرفاتهم في الحياة بشكل غير سليم.
فغرس قيمة العمل في الأبناء بغض النظر عن نوعه له دور في تقبل الأبناء وتقديرهم لمهنة آبائهم وتعريفهم بأن العيب فيمن لا يعمل وليس في العمل، فالسخرية من المهن وعمالها ما هي إلا مشكلة ثقافية مجتمعية لأن الأهل إن حرصوا على تربية أولادهم لتقبل وظيفة أوليائهم داخل المنزل وخارجه فالابن لن يشعر بالفخر في حال كان والده لا يعمل، بل سيشعر بالذل إذا اضطر والده إلى اقتراض المال من أحدهم.