بوابات ومنافذ عبور … المناطق الحرة.. شريان اقتصادي رابح.. ودور هام في جذب المستثمرين ورؤوس الأموال الأجنبية

بوابات ومنافذ عبور … المناطق الحرة.. شريان اقتصادي رابح.. ودور هام في جذب المستثمرين ورؤوس الأموال الأجنبية

أخبار سورية

الخميس، ١١ يناير ٢٠١٨

أدوار هامة لعبتها المناطق الحرة في كسر الحصار الاقتصادي الذي عرفته سورية خلال سنوات حربها مع الإرهاب، فشكلت بدائل اقتصادية فعالة، وكانت بوابات ومنافذ عبور، استمر من خلالها تدفق الاحتياجات والمواد الضرورية لدعم الصمود السوري، ورغم أن تلك المناطق لم تكن بمنأى عن خطر الإرهاب، فطالتها براثنه في كل من حلب وحسية وعدرا واليعربية، وواجه عملها صعوبات وضغوط أخرى، تمثلت بخروج العديد من المنافذ الحدودية والمعابر عن الخدمة، رغم ذلك استمر الأداء بفعالية في مناطق أخرى في دمشق والمدن الساحلية عبر المنافذ البحرية والجوية.
واليوم مع بدء التعافي الاقتصادي، وعودة بعض المعابر الهامة، وخطط إعادة الإعمار، تبدو الأنظار متجهة مجدداً إلى المناطق الحرة، كشريان اقتصادي رابح، وعجلة أساسية من العجلات التي تدير دفة الاقتصاد السوري لبحث إمكانية توسيع أدوارها، وإنعاشها في المرحلة المقبلة،  خاصة أنها تمثل اليوم أداة الجذب الأكثر إغراء للمستثمرين، ورؤوس الأموال الأجنبية، وهو ما يتطلب تشجيع الصناعات بصورة خاصة في المناطق الحرة، وتوسيع مهامها، وتعديل التشريعات الناظمة لآليات عملها لتواكب عملية إعادة الإعمار. أهمية خاصة
يؤكد العديد من المستثمرين السوريين أهمية المناطق الحرة بالنسبة لرؤوس الأموال، ودورها في جذب استثماراتهم، ويرى فهد درويش رئيس اللجنة العليا للمستثمرين في المناطق الحرة السورية أن الميزة الأساسية لتلك المناطق أن رأسمال فيها يُدخل من قبل المستثمر بالعملة الأجنبية، ويستطيع تحويله في أي وقت يريده لأي دولة أخرى، لأن أمواله حرة، وهذا الأمر يشكل عامل ارتياح بالنسبة للمستثمرين، ويؤدي لجلب الاستثمارات، فالأهم بالنسبة للتاجر هو الحفاظ على رأسماله والربح، وبالتالي فالمنطقة الحرة تتميز بالتعامل بالعملة الأجنبية، وإمكانية تحويل الأرباح ورأس المال، لكن وبحسب درويش، فالمناطق الحرة السورية شهدت في الفترة الماضية العديد من الإشكاليات يُفهم بعضُها في ضوء ظروف الحرب، وبالتالي لم تأخذ دورها كما يجب، خاصة في ظل القرارات التي أوقفت شحن بعض البضائع إلى المناطق الحرة والقرار 145، والتي ينتظر أن تتحسن مع الوزارة الحالية، فنعمل سوية على خلق بنية تطويرية لنظام المناطق الحرة، وهو أمر طالبنا فيه سابقاً منذ سنوات، ومازلنا نطالب فيه باعتبارنا شركاء أيضاً في مجلس الإدارة كمستثمرين.

تراجع صناعي
ولما كان من المعروف أن الأدوار التي تؤديها المناطق الحرة تتعدى الدور التجاري إلى أنشطة مختلفة منها الصناعية والخدمية، فالصناعة في المناطق الحرة تشكّل فائدة اقتصادية مزدوجة، إذ تمكّن المستثمر من إعادة التصدير مباشرة، والأمر الثاني تدخل الصناعات للسوق السورية، لكن الملاحظ هو تراجع الأداء الصناعي على حساب الدور التقليدي السابق، وهو ما يفسره درويش نتيجة إعطاء امتيازات للصناعيين في الداخل أكثر من الميزات الموجودة عند المستثمرين ورجال الأعمال في المناطق الحرة، وبالتالي ضعفت الصناعة في هذه المناطق، ويمكن الملاحظة أن المستثمر في المدن الصناعية يستطيع أن يتملك العقار المستثمر بخلاف المستثمر المنطقة الحرة، كذلك فالقانون الحالي يجعل الصناعات في المناطق الحرة أجنبية بالكامل، ويجب دفع رسوم كاملة عليها، وكأنها صناعات أجنبية، والملفت أن معظم الدول المجاورة اليوم تعتبر البضائع المصنعة في مناطقها الحرة هي بضائع ذات منشأ وطني بخلاف ما نعمل به نحن، ونلاحظ أنه في كل من دبي والأردن تدفع الرسوم فقط للمواد الداخلة في هذه الصناعة، وتكون مستوردة، وهو الأمر الذي طالبنا فيه كمستثمرين مراراً، فمن غير المعقول أن ندفع رسوماً على كامل المنتج، لأن الصناعي يدخل أحياناً بضاعة من منشأ وطني للمناطق الحرة، كذلك رأس المال العامل، واليد العاملة هي يد سورية، والكهرباء إنتاج سوري، وهذا كله يجب أن يؤخذ في الاعتبار.

تعديلات ملحة
وفي ظل النشاط الحالي الذي يسبق إعادة الإعمار يطالب رئيس اللجنة العليا للمستثمرين في المناطق الحرة بتعديل المرسوم رقم 40 الناظم لعملها، وهو الأمر الذي تأخر لأكثر من سبع سنوات نتيجة غياب التنسيق بين الجهات المعنية، يقول درويش: بعد أن كنا سباقين بالتشريع سبقتنا كل الدول الأخرى في المنطقة مثل تركيا والأردن ودبي، فمثلاً في دبي يدفع المستثمر رسوماً وتأمينات على بضائعه المدخلة، وتُمنح مدة سنة إذا تم تصدير البضائع، وخلال تلك المدة يستعيد كل الرسوم التي دفعها، لماذا لا يكون لدينا قوانين مماثلة؟! ولماذا لا تشجع القوانين لدينا إنشاء مناطق استراتيجية كبيرة متممة للصناعات الوطنية؟ فلدينا على سبيل المثال في حسية منطقة حرة من أبدع المناطق الصناعية في الشرق الأوسط، وفيها أراضٍ وبنية تحتية كلفت مليارات الليرات، لماذا لا يتم إيجاد خطة لها لجعلها منطقة حرة صناعية تتمتع بميزات تجذب الصناعي ليقوم بالاستثمار بدل أن تتوقف نتيجة قرارات جائرة؟ فالمطلوب اليوم بحسب درويش قانون يراعي كل هذه الإشكاليات، لأن نجاح المناطق الحرة يصب في الميزانية العامة للاقتصاد الوطني.
ويختم: سورية تمتلك كل المقومات لإنجاح هذه المناطق، خاصة بموقعها الاستراتيجي، وبعد انتهاء الحرب لا يوجد سبب للتأخير في تطوير تلك المناطق، خاصة أن دولاً بأكملها عُرفت من خلال تجارتها، ومناطقها الحرة مثل دبي التي تميزت بجبل علي، وانطلقت من خلاله، وسلطنة عمان التي تقوم بإشادة مناطق حرة، وتقدّم استثمارات كبيرة، وتعتبر هذه المناطق بالنسبة للدول عاملاً اقتصادياً قومياً.

مبررات منطقية
في المقابل يؤكد إياد كوسا المدير العام للمؤسسة العامة للمناطق الحرة واقع تراجع الاستثمار الصناعي، ويقول: بالفعل نسبة الإشغال الصناعي في المناطق الحرة ضعيفة، خاصة بالنسبة لإنتاج السلع، والاستثمار الصناعي محصور ببعض مصانع الأدوية، والمونتاج والدوبلاج، أما موضوع الصناعة، فالنشاط قليل جداً، لدينا فقط معملان، أحدهما للزيت، والآخر لشعر الماعز، ويفهم هذا الأمر في ضوء أسباب عديدة ومختلفة، فبعد الأحداث أخذت المدن الصناعية ميزات أكثر، فالأرض تمنح بتسهيلات وأجور مخفضة، وحق التملك متاح، بينما في المناطق الحرة مستأجر، والدفع بالقطع الأجنبي، كذلك بالنسبة للكهرباء، والتعامل حر في المدن الصناعية بعكس المناطق الحرة، فكل ما يدخل إليها أو يخرج يكون في ظل قيود وبيانات جمركية، وأتت اتفاقية الشراكة العربية الكبرى التي منحت مزايا للمناطق الحرة حرمت سورية منها، فالاستثمار الصناعي أصبح محصوراً للدول خارج الاتفاقية، وليس للسوق المحلي، والحصار الموجود علينا، سواء من بعض الدول العربية، أو الدول خارج الاتفاق، أدى لإغلاق أسواق التصريف بالنسبة للمنتج الصناعي في الخارج، وفي المقابل قمنا بإعداد دراسة وضعت في أيدي الجهات الوصائية بأن تكون هناك شهادة منشأ عن البضائع التي لا تقل قيمتها المضافة عن 40%، وإذا وضعت في الاستهلاك المحلي تعفى بنسبة المدخلات المحلية، وتستوفى رسوم عن مدخلات الإنتاج المستوردة من الخارج حتى تستطيع المنافسة، ويجب أن نصل لمرحلة تتكامل فيها المزايا الموجودة في المناطق الحرة مع الموجودة في المدن الصناعية، ولا تؤثران على بعضهما، بحيث تشجع على جذب مستثمرين جدد.

واقع المناطق والإيرادات
وعن وضع هذه المناطق وواقعها الحالي يتحدث الكوسا: لدينا في سورية تسع مناطق حرة، بعضها خرج عن الخدمة، أو تعرّض للإرهاب في السنوات الماضية مثل اليعربية، وحسية، وحلب، وعدرا، في حين استمر العمل بالمناطق الحرة في دمشق، وهي مركز خدمات، والعمل بالسلع فيها ضعيف، لكنها تتمتع بموقع استراتيجي هام وسط العاصمة، وترفد المؤسسة بإيرادات كبيرة نتيجة النشاطات التي تجري بداخلها، وهناك المنطقة الحرة في طرطوس، وهي ملاصقة للمرفأ، والمنطقة الحرة في اللاذقية البرية، والأخرى الملاصقة للمرفأ، ولدينا المنطقة الحرة في المطار، ويمكن القول إن النشاط في الفترة الأخيرة تأثر نتيجة الحصار، وقيود الاستيراد، ولكن نتطلع قريباً لاستعادة النشاط التجاري بعد فتح المعابر الحدودية، وأهمها التنف، لأن أساس عمل المناطق الحرة هو حركة الترانزيت الخارجي، ونقل البضائع من الخارج عن طريق المرافئ إلى المناطق الحرة، ثم تصديره إلى الدول عبر المنافذ الحدودية الموجودة، وبالتالي اجتمعت كل الأسباب التي أدت لانخفاض التبادل التجاري في المنطقة، سواء بإغلاق المعابر، أو قيود الاستيراد، واليوم تعمل الدولة على الأولويات والمتطلبات الضرورية، أما الأشياء الرفاهية فمن المهم المحافظة على القطع، واستقرار سعر الصرف.
أما بالنسبة لإيرادات المناطق الحرة فكانت، كما أوضح مديرها العام، ملياراً و47 مليون ليرة سورية في عام 2010، والبدلات نتقاضاها بالقطع الأجنبي والدولار، رغم خروج بعض الفروع، وانخفاض الحركة، في حين تجاوزنا اليوم الـ 3 مليارات و334 مليوناً لنهاية الشهر 11 كإيرادات بالليرة السورية، ولكن بالنسبة للدولار كان الإيراد في الـ 2010  بحدود 22,9 مليون دولار، اليوم الإيرادات هي فقط 6,7 ملايين دولار، هذا الانخفاض هو نتيجة الظروف، وانخفاض حركة التبادل، لكن الارتفاع بسعر الصرف كسوري ناتج عن ارتفاع سعر الصرف بين الـ 2010 والـ 2018.

خطط عمل
ويتحدث الكوسا عن خطة عمل متكاملة، ورؤية تمت الموافقة عليها من وزير الاقتصاد، واللجنة الاقتصادية، حيث تتعلق بمجموعة من البنود أهمها موضوع إعادة الإعمار للمناطق الحرة المتضررة التي استعادها الجيش السوري: عدرا وحلب، وبالنسبة لعدرا تمت مباشرة إعادة الإعمار فيها، وتنفيذ البنى التحتية، ونأمل أن يكون الانتهاء منها قريباً، سواء الكهرباء، أو المياه الحلوة، أو الاتصالات، أو المنشآت والمباني، وتبقى بعض المواضيع التي تتعلق بالصرف الصحي، ومنشآت المستثمرين، وهناك دراسات لها سيتم تنفيذها في ضوء الاعتمادات التي ترصد في الـ 2018، وهناك موضوع معالجة وضع المستثمرين الموجودين خلال فترة خروج المنطقة الحرة من الـ 2013 وحتى عودتهم المقدرة في الـ 2018، وبدل الإشغالات التي نتقاضاها منهم، حيث تم الاتفاق على إعداد مرسوم مشروع لإعفائهم، فالمنطقة كانت عسكرية ومغلقة، ولم يتمكنوا من ممارسة نشاطهم، وتضررت موجوداتهم، أما موضوع الآليات والبضائع فستجتمع الجهات المعنية مع المستثمرين لرؤية إمكانية معالجة البضائع والآليات التي تضررت خلال فترة خروج المنطقة، وفيما يتعلق بحلب يتم تنفيذ دراسة بالتعاون مع الشركة العامة للدراسات لتقدير الأضرار، والبنية التحتية التي تضررت، وفي ضوئها سيتم رفع كتاب لرئيس لجنة إعادة الإعمار، ودراسة إمكانية تخصيص المبالغ المطلوبة، فحلب العاصمة الاقتصادية، والمنطقة الحرة لها أهمية كبيرة فيها، وبالنسبة لليعربية مازالت خارج الخدمة، أما حسية فهناك توجه لطرحها كمنطقة حرة خاصة اقتصادية، أو خاصة، أو مشتركة مع الجانبين الروسي أو الصيني، وهو اتفاق سيكون بين حكومتين يتم خلاله تحديد آليات العمل، ونأمل أن تأتي شركات، سواء حكومية أو خاصة، من هذه الدول الصديقة لهذه المنطقة الحرة التي تتمتع بمزايا هامة كونها ملاصقة للمدينة الصناعية لحسية، وتتوسط سورية.

خطط مستقبلية
وفي ظل بقاء نشاط المناطق الحرة السورية محصوراً بالسلع التي توضع إما للتخزين ثم التصدير، أو الوضع بالاستهلاك المحلي، أو بموضوع الصناعة التي تكون إما للتصدير، أو السوق المحلي، يتطلع الكوسا لأنواع أخرى من المناطق الحرة تم إعداد دراسة مؤخراً لتنفيذها، وهي مناطق حرة خاصة، فاليوم الحكومة لديها أولويات بإعادة الإعمار والمشاريع، ويمكن أن تسمح بتنفيذ منطقة حرة يتحمّل تكاليفها القطاع الخاص، أو مشتركة بحسية، وتوسع اللاذقية، والتي سنتعاون فيها مع الأصدقاء، كذلك هناك موضوع التخصصية، حيث نتطلع لإنشاء مناطق حرة اقتصادية، وستكون عبارة عن تجمعات خدمية تخرج من مفهوم التعامل بالسلع، وتقدم خدمات لحاجة القطر في المرحلة القادمة، وتكون معنية بالخدمات الاستراتيجية التي يحتاجها القطر كتنفيذ مناطق حرة طبية، أو إعلامية، أو سياحية، أو تكنولوجية على غرار تلك المناطق الموجودة في دول أخرى، نأمل أن تساعد الحكومة، وتكون تجمعات اقتصادية هامة حين تُحدث، ويختم الكوسا: وضعنا مسودة مشروع تعديل قانون الاستثمار، وتم عرضه على اللجنة الاقتصادية، وأحيل إلى اللجنة الإشرافية لدراسة الإمكانية، والقوانين الناظمة لإقامة هذه المناطق والطرق التي يتم فيها الإعلان والتعاقد.

محمد محمود

– لعبت المناطق الحرة دوراً اقتصادياً بارزاً، وسورية من أوائل الدول العربية التي أسست مناطق حرة في دمشق عام 1952.
– عام 1972 صدر قانون بإحداث المناطق الحرة السورية، وأصبحت تابعة لوزارة الاقتصاد.
– المناطق الحرة تلعب دوراً كبيراً في فترات الحصار الاقتصادي، وخاصة في ظل العقوبات الاقتصادية من الدول التي تآمرت على سورية وشعبها.