هل نريد لأبنائنا علامات أم نريد تعليماً.. الدروس الخصوصية واقع ومرض ينخر في جسم العملية التربوية

هل نريد لأبنائنا علامات أم نريد تعليماً.. الدروس الخصوصية واقع ومرض ينخر في جسم العملية التربوية

أخبار سورية

السبت، ١٣ يناير ٢٠١٨

معذى هناوي  
لدينا مدرس خصوصي لمادة الإنكليزي والرياضيات ووو.. دروس متابعة في المنزل.. مراكز متابعة لكل مراحل التعليم.. لدينا مدرس لمادة الفيزياء يجري لك كل التفاعلات و«يشرّبك» قوانينها شرب بالملعقة ويطعمك الدروس مع الأكل و«بيفهم اللي عمرو ما فهم» وآخر ينتشلك من بير المناهج التعليمية المعقدة والمتطورة وبالعربي «المشرمح» ينتشل الزير من البير، وعناوين ضجت بها واجهات المحلات و«السوبر ماركت» وحيطان الشوارع وحتى أماكن قضاء الحاجات الشخصية وأرقام هواتف لمدرسين تركت في الشوارع العامة والأماكن المختلفة وباتت شغلة من ليس له شغل حتى الخريجين الجامعيين والعاطلين عن العمل.
ذات يوم تأخر أحد الزملاء عن عمله في الصحيفة وبات ينقطع كثيراً عن العمل وبخاصة قبل الامتحانات الفصلية للطلاب، وعندما ألححت عليه بالسؤال عن سبب إهماله وانقطاعه قال لي: أعمل على تدريس طلاب ثانوية عامة دروساً خصوصية في المحاسبة لكونه خريج اقتصاد.. قال لي إنها فرصتي لتحصيل بعض المال من ذروة موسم الدروس الخصوصية، وقد تعاطفت معه أمام الأجر الشهري الضعيف الذي يتقاضاه من الوظيفة العامة.
وصديق آخر استطاع من خلال الدروس الخصوصية ومتابعة الطلاب في المنازل والبيوت أن يصبح من أصحاب المال والأطيان والأعمال، ولم لا والحصة الدرسية بالآلاف حتى بات العديد من المدرسين وحتى من يحملون شهادات دنيا يلجؤون إلى العمل في مجال الدروس الخصوصية التي لم تعد تقتصر فقط على الطلاب الأغنياء كنوع من «البرستيج والأبهة» لتتجاوزهم وتصبح حالة عامة يلجأ إليها الفقير قبل الغني، وعندما تسأل عن سبب تفشي الظاهرة يأتيك الجواب من كل حدب وصوب: إن المناهج التعليمية صعبة ومتابعتها تحتاج إلى وقت طويل لا يكفي معه مدار الساعة، وبات الأهل في حيرة من أمرهم أمام ضغط الأبناء بضرورة الدروس الخصوصية خوفاً من تأنيب الضمير في حال قصروا مع أولادهم في هذا المجال، وتبدأ أسئلتهم التي لا تنتهي.
أيام زمان لم يكن هناك حتى من يساعدنا في حل الوظائف، وليس لدى الأهل الوقت حتى لمتابعة أولادهم وتدريسهم ومتابعة تحصيلهم العلمي، ومع ذلك كنا ندرس وننجح في ظل ظروف اقتصادية وإمكانات مادية صعبة إلا أن التعليم الإلزامي وفّرها لنا، ويسألون: ما الذي تغير اليوم مع تقدم وتطور العلم، وهل المشكلة في العملية التربوية التعليمية وصعوبة المناهج وتعديلاتها المتكررة؟
أنا شخصياً أعترف بأني أجد صعوبة في متابعة وتدريس أولادي في مرحلة التعليم الأساسي وأجد صعوبات في الفهم ريثما أصل إلى النتائج المرجوة في تدريسهم، ويرى البعض أن المدرسين أنفسهم يجدون صعوبة بالغة في متابعة المناهج التي تفتقر إلى أساليب الإيضاح والصالات والغرف الصفية الكافية لتطبيق المناهج بشكل صحيح.. لكن ما هو غير مفهوم لجوء الكثير من المدرسات والمدرسين إلى متابعة طلابهم في منازلهم وإقامة حلقات درس جماعية وللطلاب ذاتهم في بيوتهم، ما يدعو للسؤال: إذا كان المدرس غير قادر على إفهام الطلاب ومتابعتهم في المدرسة ويعجز حتى عن فهم طبيعة المناهج الجديدة فكيف يتابعها في دروس خصوصية؟ لنعترف أن ظاهرة الدروس الخصوصية استفحلت واستشرت ما يدل على إشكالية في العملية التربوية، ذلك أن هذه الدروس تسيء للعملية التربوية وتجهض كل الاجراءات والتطويرات التي أجريت عليها، ما يتطلب دراسة متأنية للظاهرة ومعالجتها، وحتى لا يفقد التعليم الإلزامي مضمونه وميزاته العامة في توفير التعليم المجاني للجميع من دون استثناء وحتى في المراحل التعليمية العالية أمام ضعف المدرس وصعوبات التدريس.