يدعم المنتج المحلي.. تصنيع المنتجات الزراعية.. قيمة مضافة للاقتصاد الوطني ووفرة في فرص العمل

يدعم المنتج المحلي.. تصنيع المنتجات الزراعية.. قيمة مضافة للاقتصاد الوطني ووفرة في فرص العمل

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٦ يناير ٢٠١٨

يرتبط مفهوم الصناعة المحلية بانتماء جميع المواد الأولية التي تدخل في صناعة أية سلعة إلى البلد المصنع، ومن هنا لابد من الكشف عن العلاقة ما بين القطاعين الزراعي والصناعي في الواقع الاقتصادي السوري والتي تميزت بطابع التبادلية، وارتباطها بسلسلة حلقات الإنتاج لكلا القطاعين، وخاصة  بتوفير الاحتياجات لكل منهما، سواء من مستلزمات الإنتاج الجاهز أو نصف المصنّع، ولهذه العلاقة دور هام في تطوير الاقتصاد المحلي عموماً، وتحقيق التنمية  الاقتصادية والاجتماعية، حيث سمحت هذه العلاقة للقطاع الزراعي بتوفير الطلب المستقر والدائم على الإنتاج الزراعي والحيواني، واستقرار دخل المزارعين، كما شجعت على التوسع، وزيادة المردود، وخفض التكلفة مع تحسين نوعية المنتج، إضافة إلى المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي، والاكتفاء الذاتي من المنتجات الاستراتيجية، ناهيك عن فرص تطوير الصناعات الريفية التقليدية والحديثة، أما الصناعة بهذه العلاقة، فيمكنها تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعية والحيوانية، وتقليص تكاليف الاستيراد والنقل والتخزين والقطع الأجنبي إلى جانب خلق طلب دائم ومتطور من مستلزمات الإنتاج والآليات الزراعية والأسمدة وأجهزة الري الحديث والأعلاف والأدوية البيطرية والمبيدات ومواد التعبئة والتغليف.

صناعة متأصلة

صناعات عديدة ومختلفة اشتهرت بها سورية عبر الزمن، وذاع صيتها حتى في أعظم الدول الصناعية.. هذا التاريخ العريق مر بمراحل تطور كبيرة، ويوضح الدكتور في كلية الاقتصاد فادي عياش أن أهم ما يميز تلك الفترة هو العلاقة التبادلية بين قطاعي الزراعة والصناعة التي أعطت قيمة مضافة للمنتج الزراعي في الاقتصاد الوطني، وساهمت في زيادة الدخل، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي، بدليل أن معظم تلك الصناعات السورية اعتمدت في نشأتها على المواد الأولية من منتجاتنا الزراعية التي تجسّدت بمنتجات الزيوت والصابون ومنسوجات الحرير والصوف والجلود وغيرها من المنتجات التي اشتهرت باسم صنع في سورية، ويضيف عياش: تمثلت العلاقة بين الزراعة والصناعة منذ القرن الماضي بزراعة وتصنيع التبغ وزراعة القطن وحلجه وغزله ونسجه وحياكته، إضافة إلى إقامة معامل السكر والزيوت والكونسروة والمطاحن وغيرها بالإضافة إلى إقامة العديد من الشركات الخاصة، والمساهمة الكبيرة في مختلف المدن السورية، وبشكل خاص في دمشق وحلب وحمص، وحققت نجاحات كبيرة في التشغيل والإنتاج والتصدير، ويتابع عياش: تطبيق قوانين الإصلاح الزراعي، وتأميم المعامل الخاصة، كانت مرحلة مختلفة، حيث تولت فيها الحكومة إعداد الخطط الخمسية لتطوير الاقتصاد، ودعم القطاعين الزراعي والصناعي بإقامة السدود، وأقنية الري، واستصلاح الأراضي، وإحداث الجمعيات التعاونية الزراعية، ودعم المزارعين، والتوسع في الإنتاج الزراعي، وخاصة في المحاصيل الاستراتيجية، سواء في مجال القروض، أو في توفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة، وبشروط ميسرة، وتقديم أسعار مشجعة لمنتجاتهم.

توازي الدعم

جاءت قوانين دعم الزراعة في تلك المرحلة بالتوازي مع الدعم الصناعي، حيث تم التوسع في إقامة المحالج، ومعامل الغزل، والنسيج، والألبسة، والأصواف، والجلود، وصوامع، ومطاحن الحبوب، ومعامل السكر، والألبان والزيوت، وتصنيع العنب والكونسروة التي تشكل المنتجات الزراعية والحيوانية، كما تمت إقامة العديد من المعامل التي تحتاجها عملية تنمية القطاع الزراعي مثل معامل الأسمدة الفوسفاتية والآزوتية واليوريا والجرارات والأعلاف، وترافق ذلك مع تطوير شبكات النقل الطرقية والسكك الحديدية، وبحسب عياش توجت مرحلة الانفتاح على القطاع الخاص بإصدار قانون تشجيع الاستثمار الذي تضمّن تقديم العديد من التسهيلات والإعفاءات، ما سمح بإقامة مصانع متطورة كبيرة  ومتوسطة وصغيرة في مختلف الصناعات الغذائية والنسيجية، ونشطت حركة الصادرات.

كشف الفجوات

أظهرت فترة الحرب على سورية السلبيات العديدة للعلاقة التبادلية ما بين القطاعين الزراعي والصناعي كوجود فجوة بين حجم الإنتاج الزراعي  كالقطن والخضار والحمضيات، وبين الطاقة التصنيعية القائمة لهذه المنتجات، ويرى الاقتصادي الزراعي فؤاد اللحام أن الفجوة بين الإنتاج الصناعي من مدخلات الإنتاج الزراعي وحلقات الإنتاج الأخرى، أدت إلى تصدير الإنتاج غير المصنّع محلياً كمادة خام دون الاستفادة من القيمة المضافة التي يمكن تحقيقها من خلال عملية التصنيع كالقطن والغزول القطنية والحمضيات والصوف والجلود والمنتجات العطرية، ويرى اللحام أن رفع أسعار الطاقة، وتخفيف الدعم  المقدم للمزارعين، أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وإساءة استخدام عملية الدعم، كما كشفت هذه المرحلة محدودية تطوير النوعية، ومردود  المنتجات الزراعية والصناعية، وتدني كفاءة إدارة الموارد المائية، واستنزاف الموجود منها، وضعف الانتقال إلى الري الحديث، وتسبب تراجع تربية دودة القز إلى ضعف إنتاج الحرير الطبيعي والمنتجات النسيجية التراثية، ما أدى إلى انخفاض نسبة المشتغلين في قطاع الزراعة، وفشل تجربة إنتاج وتصنيع  القطن العضوي، ومن أهم عيوب تلك الفترة التأخر في إقامة مشروع تصنيع العصائر في اللاذقية، وتعثر مشروع عصير الجبل في السويداء.

الواقع الزراعي

تراجع الإنتاج المحلي الفعلي أو المسوق من المنتجات الزراعية والحيوانية التي  تشكل مستلزمات إنتاح العديد من الصناعات الغذائية والنسيجية كالقطن والقمح والشوندر السكري، فبحسب اللحام أن هناك العديد من الأسباب أدت لتراجع المحاصيل الاستراتيجية، وأهمها نتج عنها قطع أعداد كبيرة من الأشجار، وصعوبة جني المحاصيل ونقلها وتسويقها، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الأسمدة والبذار والمبيدات والعلف والأدوية البيطرية، والحصول على الطاقة، والتأخر في تحديد أسعار شراء بعض هذه المنتجات المحصور بيعها وتسويقها بالجهات الحكومية من المزارعين، ما أدى إلى عدم تسليمها للجهات العامة المعنية وبيعها أو تهريبها بأسعار أعلى كالقمح والقطن، أو العدول عن زراعتها كالشوندر السكري، والانتقال لزراعة محاصيل أخرى أكثر اقتصادية بالنسبة للمزارع، على الرغم من لجوء الحكومة إلى التعاقد مع شركات خاصة لنقل القطن والقمح من المناطق التي يسيطر عليها المسلحون من أجل تأمين ما يكفي من هذه المنتجات إلى المحالج ومعامل الغزل والمطاحن.

حلول إسعافية

عملت الحكومة السورية خلال الأزمة على رفع أسعار المحاصيل الاستراتيجية، وتوزيع الأسمدة، وإعفاء الدواجن والأبقار من ضريبة الدخل لمدة خمس سنوات.. المهندس مهند الأصفر في وزارة الزراعة يؤكد على التسهيلات التي قدمتها الحكومة لتسويق المحاصيل الاستراتيجية، وتطبيق تعريفة الكهرباء الزراعية على منشآت الثروة الحيوانية، وتسعير المحروقات بسعر الاستهلاك المنزلي، ووقف ضريبة الأعلاف، والسماح بالاستيراد دون موافقة مؤسسة الأعلاف، والإعفاء من الرسوم الجمركة عند استيراد الأبقار الحية، بالإضافة إلى الموافقة على نقل معامل الأدوية البيطرية المرخصة إلى الأماكن الآمنة، والسماح باستيراد الآليات الزراعية  المستعملة،  واستمرار توزيع المقنن العلفي بأسعار مدعومة، وعدم تنظيم المخالفات الزراعية، والاستمرار بالإرشاد الزراعي.

دعم صناعي

ساهمت الحكومة بتسهيل عمل الصناعيين، فقامت بإعفائهم من تصديق الفواتير الخاصة بالمواد الأولية، ومستلزمات الإنتاج الصناعي المستوردة، كما سمحت للصناعيين بنقل منشآتهم من المناطق الساخنة إلى المناطق الحرة، والذين لم يتمكنوا من نقل آلاتهم المسجلة بالسجل الصناعي بسبب سرقتها أو تخريبها، باستبدالها بأخرى جديدة، أو مستعملة من الأسواق المحلية، أو مستوردة، ويكشف الصناعي سامر رباطة أن الحكومة سمحت للصناعيين باستيراد مولدات الكهرباء المستعملة لزوم منشآتهم، وعملت على تنظيم توقيت تقنين الطاقة الكهربائية في عدد محدود من المناطق الصناعية بشكل لا يؤثر كثيراً على العملية الإنتاجية، وإعفاء الآلات الصناعية من الرسوم الجمركية، والسماح باستيراد الآلات المستعملة.

قرارات غير موفقة

لم تكن القرارات الحكومية صائبة فيما يتعلق بدعم الزراعة والصناعة، ويشير الباحث الاقتصادي ايهاب اسمندر إلى أن بعض القرارات التي  اتخذتها الحكومة أثارت ردود فعل وخلافات في الرأي فيما يتعلق برفع أسعار المحروقات والكهرباء، أو فيما يتعلق بالرسوم الجمركية على المواد الجاهزة، وفرض رسم الإنفاق الاستهلاكي على عدد من الصناعات المحلية،  والأسعار التأشيرية، وغيرها، ما عكس تبايناً واضحاً في المصالح والآراء والمواقف التي لاتزال مستمرة حتى الآن، وبعض القرارات تميزت بالارتجال والتسرّع دون العودة إلى دراسات معمقة لها، وعدم مشاركة المزارعين والصناعيين والتجار في هذه القرارات.

بناء العلاقة

أهمية العلاقة ما بين القطاعين الزراعي والصناعي تكمن في خلق فرص العمل، وتحسين سبل العيش، وعودة الكفاءات العلمية والفنية، ورؤوس  الأموال التي غادرت سورية بسبب الأزمة، ومن وجهة نظر الباحث فإن هذه المرحلة تحتاج لإعداد نقلة نوعية جديدة لبناء هذه العلاقة من خلال وضع رؤية مستقبلية لإعادة هيكلة وتطوير هذين القطاعين، والقطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى المرتبطة بهما، في إطار إعادة هيكلة الاقتصاد السوري بمجمله، ووضع الخطط، واتخاذ الإجراءات والتدابير المطلوبة لتنفيذ هذه الرؤية، سواء بالشكل الفوري، أو على المدى القصير والمتوسط  لتمكين سورية من الانتقال من الأزمة إلى النهوض، كما تتطلب العلاقة ما بين القطاعين إجراء مسح فوري شامل لكل من القطاعين الزراعي والصناعي للوقوف بشكل دقيق وصحيح على أوضاع كل منهما من قبل المكتب المركزي للإحصاء، وإعلان نتائجه، ووضعها في متناول المعنيين والدارسين للاستفادة منها في بلورة السياسات والإجراءات المطلوبة لتطوير هذين القطاعين، وتحليل سلسلة القيمة للمنتجات الحالية والمستقبلية التي تشكّل هذه العلاقة لتحديد متطلبات كل حلقة إنتاج من حلقات سلسلة الإنتاج في القطاع الآخر من أجل توفيرها وتطويرها في كلا القطاعين، والقطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى، والعمل على ترويج الفرص الاستثمارية المستهدفة لتفعيل التشابك الزراعي الصناعي، وطرحها للاستثمار من قبل القطاع الخاص، أو بالمشاركة مع القطاع العام، وتشجيع البحث والتطوير باحتياجات القطاعين ذات الأولوية، وترشيد استخدام المياه والطاقة، ومراعاة المتطلبات البيئية، بالإضافة إلى إقامة التجمعات العنقودية الأفقية والشاقولية في الصناعات النسيجية والغذائية في المناطق الملائمة اقتصادياً واجتماعياً لهذه العناقيد.

آراء علمية

يرى بعض الاختصاصيين والخبراء أنه لابد من خلق المزيد من القيمة  المضافة للمنتجات المحلية كالتصميم، والنوعية، والتعبئة، والتغليف، وخلق فرص عمل لائقة لتحسين سبل العيش، بما يساهم في تنمية الريف والمناطق الزراعية، بالتوازي مع إعادة تأهيل الأراضي الزراعية، ومعالجة الآثار البيئية السلبية التي تأثرت بها لتسهيل عودة المهجّرين والنازحين إلى أراضيهم وقراهم، وتوفير البيئة التمكينية لمعاودتهم  العمل والإنتاج من جديد، ومن وجهة نظر علمية لابد من إعداد وتنفيذ البرامج التدريبية اللازمة لسد النقص الكبير الموجود في  اليد العاملة المؤهلة وبشكل متكامل، وإعادة منح القروض متوسطة وطويلة الأجل، وتوفير التمويل  اللازم بشروط ميسرة  للمزارعين والصناعيين، وتقديم مستلزمات الإنتاج الزراعي المدعومة بشكل فعال، ولابد من تحديد أسعار مجزية للمحاصيل الاستراتيجية، وإعلانها بشكل مسبق، بما يشجع على زراعة وتسويق هذه المحاصيل، وتحديد المساحات المزروعة من المحاصيل الاستراتيجية، وبشكل خاص القطن، بما يكفي حاجة الاستهلاك المحلي، وبما يتناسب مع طاقة وحاجة التصنيع المحلي من هذه المحاصيل، وتحقيق قيمة مضافة منها، وعدم تصديرها كمادة خام.

الاستفادة من الطاقة

أهم ما يشغل بال الباحثين والمختصين خلال هذه المرحلة هو إعطاء عناية قصوى للتحول  للري الحديث والطاقة البديلة، ورفع نسبة دعمها  لتشجيع الانتقال إليها، وخاصة في مجال إنتاج القطن والصناعات النسيجية  المستهلكة للماء والطاقة، لأن تطبيق نظام الري الحديث في زراعة القطن يخفض استهلاكه من المياه إلى مستوى استهلاك القمح المروي، ويشجع الانتقال للمنتجات العضوية المتكاملة، والمنتجات الزراعية الصناعية ذات القيمة المضافة العالية، والعمل على تشجيع المشاريع الزراعية والصناعية الصغيرة ومتناهية الصغر الريفية والمنزلية، مع تطوير صناعة التوضيب والتعبئة والتغليف، وتطوير الصناعات العطرية.

وجهة نظر

إذا كنا نبحث بشكل جدي وواقعي عن علامة “صنع في سورية”، فلابد لنا من الوقوف على جميع الأفكار العلمية، والدراسات، والخبرات لدعم المنتج الزراعي، وتحويله إلى صناعة نرتقي بها، وهنا يمكننا أيضاً التعويل على الماضي العريق لصناعتنا النسيجية والغذائية، وغيرها من المنتجات التي مازالت إلى الآن، ورغم كل الأوجاع الاقتصادية، تحافظ على سمعتها الطيبة، ولابد أن نذكر أنه رغم الفجوات التي أظهرتها الحرب، إلا أننا لا ننكر النهضة الزراعية والصناعية في مرحلة ما قبل الحرب، فالمنتجات المحلية ضاهت المستورد في تلك المرحلة.

ميادة حسن