في حضرة الحديث عن الإعمار.. حل مشكلة السكن مرتبط بإدارة التوظيفات المالية في القنوات الاستثمارية العقارية

في حضرة الحديث عن الإعمار.. حل مشكلة السكن مرتبط بإدارة التوظيفات المالية في القنوات الاستثمارية العقارية

أخبار سورية

الأربعاء، ١٧ يناير ٢٠١٨

ربما لا يختلف اثنان على الكمّ الهائل من رأس المال الموظف في سوقنا العقارية، ورغم ذلك يعتقد البعض أن سبب تمرّد العقار وتخبّطه من جهة ارتفاع الأسعار هو نقص التمويل اللازم الذي من شأنه –وفق قواعد السوق- أن يكسر حدة الطلب بزيادة نسبة العرض، على اعتبار أن رأس المال هو اللاعب الأكثر تأثيراً في هذه المعادلة، فبمقدار وزنه وحجمه يكون تأثيره والعكس صحيح، لكن هذه القاعدة لا تنطبق على سوقنا العقارية التي حارَ كثير من المراقبين والمعنيين في الشأن العقاري بفك طلاسمها!!. فرغم الكتلة النقدية الموظفة في السوق، وما نتج عنها من معروض كبير خلف مئات الآلاف من الوحدات السكنية الخالية، لا تزال هناك صعوبة بالغة بالحصول على مسكن، ما يعني أن المشكلة لا تتعلق بالتمويل، وإنما بسوء التوزيع الناجم عن الاحتكار والمضاربة، نتيجة ممارسة القطاع الخاص المسيطر على هذا القطاع. وما “زاد الطين بلّة” هو دخول أصحاب الرساميل ممن صنّفوا أنفسهم ضمن قائمة المستثمرين الذين أقبلوا –خاصة خلال سنوات ما قبل الأزمة- على شراء الأراضي لتكون حاضنة لمشاريعهم الاستثمارية المزعومة، ولاسيما الصناعية منها، ليغيّروا فيما بعد اتجاه بوصلتهم نحو المضاربة بما حازوا من أراضٍ، فرفعوا أسعارها لتكون حجة واهية برفع أسعار الوحدات السكنية والتجارية لدى من اشتراها من تجار البناء!!.

أرباح مفقودة!

هذا المشهد المشوّه لقطاعنا العقاري –إن صح التعبير- بات بحاجة لحلول جذرية ومن طراز خاص، تحقّق له التوازن أسوة بنظرائه في دول العالم، وتحدث نقلة نوعية تعيد تسييل الأموال الموظفة في السوق، بحيث تحدّ من المضاربة وتفسح المجال أمام المنافسة الحقيقية، ولعلّ أفضل السبل لتحقيق ذلك هو توجيه فوائض الأموال المودعة في المصارف لإنتاج وحدات سكنية بأسعار منافسة. فدخول المصارف على خط التمويل العقاري مسألة في غاية الأهمية نظراً لدورها المهمّ لحل أزمة السكن -وفق بعض المراقبين لحركة السوق- في حال توفر الفوائض المالية التي كانت تشكّل عبئاً عليها في فترة من الفترات، معتبرين أن المشكلة الأساسية لدى المصارف هي ضيق هامش التحرك لديها ما بين فوائد المودعين والتوظيفات الخاصة بها، بحيث تتمكّن من تحصيل كلفة المبالغ المودعة لديها وتحقيق هامش من الربح، في حين أنه يمكن لها أن تستثمر ودائعها في قطاعات كثيرة، ومن بينها الإسكان، وتنمّيه شأنه شأن أي قطاع آخر من خلال إنشاء ضواحٍ سكنية كاملة، وهذه التجربة مطبقة في كثير من دول العالم على اعتبار أن المصارف فيها حرة ونظام عملياتها يسمح بذلك.

إرادة..

وفي السياق نفسه يؤكد المراقبون أن التمويل ليس هو المعضلة الحقيقية في قطاع العقار، فالتمويل موجود في حال وُجدت الإرادة الحقيقية لتوظيفه في القنوات الاستثمارية العقارية، ولطالما عانت مصارفنا في فترة من الفترات من ترهل نتيجة فوائضها التي كانت مكدسة في أقبيتها، وخاصة في السنوات السابقة للأزمة، وكان بالإمكان تفعيلها بهذا الاتجاه وبناء عشرات الضواحي الراقية على غرار مشروع دمر، وبذلك تحقق عوائد مالية مجزية تعود على المودعين والمصرف، وعلى المساهمين في حال تعاونت المصارف لإنشاء شركات عقارية مساهمة.

… وإدارة

كما يمكن للكثير من المؤسسات العامة والنقابات المهنية التي لديها فوائض مالية مودعة في البنوك أن تدخل مضمار الاستثمار السكني أيضاً، ولاسيما أن قطاعنا العقاري وصل مرحلة باتت تستدعي التدخل الحكومي الفعّال، ولعلّ أفضل السبل لاستمالة هذه الجهات –خاصة ونحن على عتبة الإعمار- هو تأهيل وتخديم المناطق النائية والبعيدة عن مراكز المدن بحيث تصبح أكثر جاذبية للاستثمار العقاري، وتحقّق جدوى اقتصادية للمستثمرين وأخرى اجتماعية لطالبي السكن.

خيارات متعددة

يُعتبر التمويل المصرفي للسكن في كثير من الدول أسهل وأبسط مما هو عليه في سورية، حيث الفائدة منخفضة جداً ونسبة التمويل تصل إلى 100%، وذلك لأن مجالات الاستثمار فيها بالنسبة للمصارف مفتوحة على جميع القطاعات، فبإمكان أي مصرف أن يقوم بدور التاجر ويوظف أمواله بأي قطاع يشاء، بغية الحصول على أكبر قدر ممكن من العوائد المالية، كما أنه وفي بعض الدول يمكن للمصرف –على سبيل المثال- أن يقوم بدور تاجر العقارات وينشئ ضواحي سكنية لبيعها ويحقّق بذلك أرباحاً جيدة، أو أن يبني فنادق ليستثمرها، أو يوظف أمواله في البورصة ويدخل بالمضاربات، بل إن بعض المصارف في أوروبا تقوم بشراء أندية رياضية…الخ، ما يعني في نهاية المطاف توظيف كتلة رأس مال في أكثر من قطاع، والحصول على أرباح يُوزع قسم منها على المودعين، فإذا خسر المصرف في قطاع ما ربح في قطاعات أخرى، وبالتالي نجد أنه يمكن له أن يطرح منتجات مصرفية وبشروط ميسّرة لأن لديه خيارات متعددة إن خسر بأحدها عوّض خسارته بالبقية، ومن الحلول الكفيلة أيضاً بحلّ مشكلة التمويل السكني وتوسيع شريحة المستفيدين من طالبي السكن هو التمويل العقاري بأنظمة خاصة خارج إطار عمل المصارف، وذلك عبر إحداث صناديق تمويل سكنية بشروط ميسرة أكثر من المصارف، ما يعني بالمحصلة أن الخيارات مفتوحة أمام سلطتنا التنفيذية للوصول إلى صيغة يمكن من خلالها تذليل جميع العقبات، وتخطي كل التحديات لحل أزمة طالما استعصى حلها!!.

حسن النابلسي