ضرورة تنموية مستعجلة التوسع بالمشروعات والمنشآت في اللاذقية بين الاشتراطات الوقائية والضوابط الاستثمارية

ضرورة تنموية مستعجلة التوسع بالمشروعات والمنشآت في اللاذقية بين الاشتراطات الوقائية والضوابط الاستثمارية

أخبار سورية

الخميس، ١٨ يناير ٢٠١٨

لا يزال التوسع بالمشروعات والمنشآت في اللاذقية ينوء باشتراطات وقيود محفوظة على مرّ السنوات، وتتفرع بغالبيتها عن كابح رئيسي يأخذ مسمّيات عدة: الشريط الأخضر، والغطاء النباتي، والحزام الأخضر، وغيرها من مسميّات تتصدر كتباً ومراسلات، لا تُخفى مفاعيلها في نزع المظلّة الإدارية والقانونية عن أي مشروع يبحث عن ضوء الشمس في مساحة خضراء مهما كانت المسوّغات والضرورات التي تستدعي إقامة هكذا مشروع ومثيلاته، وكما تسقط في قاموس الغطاء الأخضر أي اعتبارات وأولويات دوائية وغذائية بما في ذلك الإنتاجية الاقتصادية، وهذه الاعتبارات كلها مرهونة توسعاً واستثماراً وتنمية بالغطاء الأخضر في اللاذقية، لأنّ كثيراً من المشروعات والمنشآت والمرافق والتوسعات وئدت، ولم تبصر النور تحت جراء مبرر “ممنوع الاقتراب من الشريط الأخضر”.
برنامج تخطيطي وظيفي مستعجل
ولن نبالغ إذا قلنا بأنّ اللاذقية- وبحسب مختصين وخبراء – أحوج ما تكون، وعلى وجه السرعة إلى برنامج تخطيطي وظيفي لمساحاتها وأراضيها مع بوصلة تخطيطية تمكّن من تحديد إحداثيات مناطق التنمية والتوسع الاستثماري، لأنّها بوصفها محافظة زراعية وسياحية تحتاج راهناً ومستقبلاً إلى “مخرجات” لنشاطها السياحي والزراعي بمثل أهمية توفر المدخلات والمقومات، أي أنّ الضرورة التطويرية تتطلب منشآت ومضخات ومحركات تنتهي إليها، ومن خلالها مدخلات العملية التنموية، وأنّ الإنتاج الزراعي المتزايد موسماً بعد آخر يتطلب منافذ تصنيعية وتصريفية، ولن يحقق القيمة الاقتصادية المضافة من خلال شكله البرّاق والجاذب، وديمومته في الحقل الأخضر دون استثماره، سواء تصنيعاً أم تسويقاً، وكذا الأمر بالنسبة للتعاطي مع الحركة السياحية المتعافية والمتنامية بمزيد من المقاصد والمنشآت التي تحتاج إلى مواقع تبصر النور عليها بما لا يكون بالضرورة على حساب الغطاء الأخضر، ولكن في الوقت نفسه ألا يكون الغطاء الأخضر كابحاً ومانعاً للتوسع بالإنتاج والتنمية،  وهذا يعني إيجاد مواءمة بين الجانبين، وإن كانت هذه المواءمة بالغة الصعوبة والتعقيد، إلا أن أولويات التوسع التنموي تحتّم البحث عن هذه المواءمة الضرورية لفتح الباب أمام الفرص الاستثمارية، ولا يخفى حاجة اللاذقية لمثل هذه الفرص لدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وأيضاً لحلّ مشكلات إنتاجها الزراعي، ولاستثمار طابعها السياحي المميز.

التركيز على القيمة المضافة
يؤكد الأستاذ الدكتور منيف حسون/ أستاذ جامعي في كلية الهمك، وشغل مواقع علمية وإدارية عديدة في جامعة تشرين سابقاً، أنّه من غير المنطقي، وليس مقبولاً تركيز الاهتمام الكلي على مشروعات متناهية الصغر في المنطقة الساحلية بداعي عدم التأثير على الطابع السياحي والغطاء النباتي، وأنه من غير المناسب عدم تشجيع منشآت كبيرة ذات قيمة مضافة اقتصادياً وفق أسس مدروسة تفتح الأفق الاستثماري المجدي في مسارات التنمية في محافظة اللاذقية، ولاسيما المنشآت الصديقة للبيئة القادرة على استثمار الموارد الطبيعية الغنيّة بها محافظة اللاذقية، وأيضاً ضرورة الأخذ بعين الاهتمام الجاد والمدروس فتح فرص تشغيل للطاقات والخبرات والقدرات العلمية المتاحة بوفرة في محافظة اللاذقية، ومن الضروري إيجاد منشآت تستقطب كل المهن والاختصاصات والحرف، وهذا هام جداً في الجانب الاجتماعي والتنموي، ورأى د.حسون ما يتم طرحه من مشروعات خجولة من حيث تواضع حجمها  واختصاصها ومنتجاتها، لا ترتقي إلى الطموح في حسابات الجدوى الاقتصادية والتنموية والإنتاجية.

مشروع دوائي مع وقف التنفيذ
وفي الحديث عن تعذّر التوسع بالمشروعات المنكوصة بالشريط الأخضر نستحضر من الذاكرة القريبة مشروع معمل التصنيع الدوائي لنقابة صيادلة اللاذقية الذي تعثّر لعدم التمكّن من تأمين موقع يستوعبه، ويحتضنه على مدى 4 سنوات رغم أهمية هذا المشروع لدعم الاحتياجات المحلية من بعض الزمر الدوائية الضرورية، حيث أوضحت مديرية الخدمات الفنية في اللاذقية في كتاب لها العام الماضي الموجّه إلى صحيفة البعث حول ما أثارته الصحيفة بشأن تعثّر هذا المشروع أن وزارة الأشغال والإسكان لم توافق على الموقع المقترح لبناء مشروع التصنيع الدوائي لاقترابه من الشريط الأخضر، وحينها أوعز المحافظ إلى الجهات المعنية في المحافظة بضرورة الإسراع بإنجاز الإجراءات المطلوبة بهدف الإقلاع في المنشأة، وهنا نأمل أن تأخذ الجهات المعنية ما أوعز به المحافظ بكل مسؤولية وجدية لتمكين هذا المشروع الدوائي الحيوي الصحي الهام من تخطّي عقدة تأمين الموقع المناسب بأقصر زمن ممكن، وكسر الروتين في التعاطي مع هكذا مشروع  مطروح منذ سنوات عدة، تعذّر فيها تأمين قطعة أرض خالية من الإشارات  برغم الحاجة الماسة لمثل هذه المشروعات في سد وتلبية الاحتياجات المحلية، وللحدّ من ظاهرة فقدان بعض الزمر الدوائية، والاستغناء عن الاستيراد،  كما يعدّ المعمل الدوائي المرتقب مشروعاً حيوياً بالغ الأهمية من الناحية الطبية والصحية، ويفتح فرص عمل لعدد كبير من الصيادلة، ويستوعب العديد من الاختصاصات.

مشكلة عالقة
ومن الضروري أن نشير هنا  إلى أن حالات كبح جماح التوسع الاستثماري يطال قطاعاً استثمارياً، حيث يواجه استثمار المنتجات الرخامية مشكلة تعذّر الحصول على مواقع جديدة للتنقيب والاستثمار لتعارضها مع الغطاء الحراجي ما ينعكس على انحسار مشروعات مؤسسة الجيولوجيا والثروة المعدنية، وبهدف إيجاد حلول ممكنة لهذه المشكلة التي استأثرت بالعديد من الاجتماعات واللقاءات من خلال لجنة المقالع للوقوف على واقع عمل وتوزع المقالع في اللاذقية، وأثرها على البيئة، وإمكانية البحث عن مواقع بديلة مدروسة، إضافة إلى الخيارات المتاحة، ومنها مواقع بديلة لتجميع المقالع في محافظة اللاذقية، ومقترحات حول إمكانية تمديد العمل في المقالع القائمة حالياً لمدة عام آخر، وهي المدة اللازمة والمطلوبة لإنجاز البنية التحتية للموقع البديل، إضافة لإنجاز المخططات الهندسية، وتوزيع المقاسم على أصحاب المقالع بالقطاعين العام والخاص.

التوسع أولوية استثمارية
ويؤكد المهندس مالك خير بك، مدير فرع المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية في اللاذقية، أن فرع المؤسسة بدأ يتعافى إنتاجياً، واستثمارياً رغم تحديات وصعوبات عديدة تعترضه، ومنها مشكلة عدم التمكن من التوسع بجبهات العمل في المقالع، حيث حقق فرع المؤسسة- بحسب خير بك-  إيرادات إجمالية قدرها 633 مليون ليرة، حصيلة خطة نشاطه الإنتاجي، والاستثماري، والتسويقي، مبيّناً أن هذه المؤشرات جاءت مع الانطلاقة المتجددة لمواقع وخطوط ومنشآت فرع المؤسسة، وتعافيها التدريجي من آثار الظروف الراهنة، مبيّناً أن إنتاج مقالع اللاذقية وصل إلى 7418 طناً من الكتل الرخامية، و 21,2 ألف طن من الكتل الرخامية، وهو منتج من قبل متعهدين، كما أنتج معمل الرخام في منطقة الزوبار من الألواح والقطع المفصّلة 22 ألف متر مربع، ولفت خير بك إلى تأثر مؤشرات الخطة الإنتاجية في مقالع الرخام المستثمرة ذاتياً بسبب عدم جاهزية الآليات الهندسية بالشكل المطلوب لتعذر توافر القطع التبديلية اللازمة في مستودعات المؤسسة والأسواق المحلية نتيجة أوضاع الأزمة الراهنة، وضعف الاستجرار من قبل المتعاملين مع مقالع الرخام لعدم إمكانية تسويق المنتجات خارج المحافظة، وأوضح خير بك أن فرع المؤسسة فتح جبهة عمل جديدة في مقلع البدروسية، ما استلزم وقتاً لتحضير جبهة العمل، إضافة إلى حاجة مقلع عين الشرقية إلى عمال إنتاج، وصيانة، ولفت إلى تأثر الخطة الإنتاجية بتوقف الإنتاج في مقلع ومعمل كفرية للاسفلت لعدم وجود مشروعات عزل، ولتوفر احتياطي كبير من مادتي البودرة، والغرافيون، وأشار إلى التعميم الصادر عن طريق وزارة الإدارة المحلية والبيئة، بما يخص مشاريع العزل لدى شركات ومؤسسات القطاع العام لتنفيذها خلال 2018، وكشف المهندس خير بك  عن موافقة مديرية الزراعة على استخدام مكبات ردم لمقالع البدروسية، مع استمرار المسعى الحثيث لتحقيق التوسع في جبهات العمل ومواقع الاستثمار في مقالع البدروسية لزيادة إنتاج مادة الرخام بسبب نوعيته المرغوبة، ومواصفاته الجيدة، وتطوير الخطة الإنتاجية والاستثمارية في  مقالع البدروسية، وكسب، وعين الشرقية.

الطبيعة الحراجية لا تسمح
وحول رأي مديرية زراعة اللاذقية بإمكانية التوسع المقلعي في الغطاء الحراجي، فقد علمنا من المهندس باسم دوبا، رئيس دائرة الحراج والغابات في مديرية زراعة اللاذقية، عن الكشف الذي أجرته دائرة الحراج والغابات في مديرية الزراعة على المساحات والمواقع المقترحة من فرع مؤسسة الجيولوجيا والثروة المعدنية في محافظة اللاذقية لتكون مواقع جديدة لاستثمار الرخام، عن عدم إمكانية استثمار هذه المواقع نظراً لطبيعتها الحراجية التي تحول دون استثمارها باطنياً، وقال المهندس دوبا إنه تم تخصيص المؤسسة خلال سنوات ماضية بعقارات في كسب، والبدروسية، وبيت ياشوط، وتم تحديد المساحة المستثمرة، والمدة الزمنية الاستثمارية بموجب موافقة رئاسة مجلس الوزراء بعد إحالتها من وزارة الزراعة، كونها تحوي ثروة باطنية، وقد انتهى الاستثمار في عدة مواقع، حيث تم استلامها من مؤسسة الجيولوجيا بعد إعادة تأهيلها وتحريجها، أما باقي المواقع المستمر العمل بها فلاتزال ضمن المدة الزمنية، والمساحة المحددة، وأوضح دوبا أن مؤسسة الجيولوجيا حصلت على موافقات سابقة قديمة، ويستمر العمل بها لحين انتهاء المدة الزمنية للترخيص، وهناك شروط موضوعة عند الانتهاء من الاستثمار، وتتضمن إعادة تأهيل وتحريج المواقع، وإعادة الغطاء الأخضر إلى ما كان عليه، وأوضح دوبا أن المؤسسة تقدمت بطلب التوسع في جبهات العمل، وقد أجرينا الكشف على أرض الواقع، إلا أن وزارة الزراعة ارتأت الاكتفاء بالمواقع الحالية المستثمرة حفاظاً على الثروة الحراجية، والشروط البيئية، والتنوع الحيوي.

استثمار مدروس
ويشير المهندس دوبا إلى الاهتمام العملي الإجرائي بتنمية الثروة الحراجية من خلال مشروع إدارة وتنمية الغابات في اللاذقية الذي غطى خلال الموسم الماضي مساحة قدرها /1300/ هكتار، نفذتها دائرة الحراج والغابات في اللاذقية، ولفت إلى أن المساحات الحراجية المشمولة بالمشروع تأتي في إطار خطة سنوية يجري تنفيذها للحفاظ على الغطاء الحراجي، واستثمار النواتج الخشبية التي تتشكّل من تربية وتنمية وتقليم الغابات، وتشذيب الأشجار، وهي ضمن الإجراءات الوقائية، والإنتاجية، والجمالية، وأيضاً السياحية، والبيئية، ويتم تخليص الغابات من النواتج الزائدة، والاستفادة منها اقتصادياً من خلال بيع النواتج بالمزاد بما تعود قيمتها إلى الخزينة العامة، وأوضح دوبا أن هذه النواتج يتم استخلاصها وبيعها على شكل حاصلات حراجية تنتجها الغابات، وتباع وفق قوانين ناظمة صادرة عن وزارة الزراعة، ومنها نواتج خشبية بمعدل 2 طن للأسرة الواحدة من أجل التدفئة بسعر /6/ آلاف ليرة للطن الواحد، وهذا السعر أقل بعدة أضعاف من قيمته الحقيقية في الأسواق، وأوضح المهندس دوبا أن هذا الاستثمار المدروس للغطاء الحراجي يأتي بالتوازي مع الخطة الجاري العمل عليها للتحول على نطاق أوسع إلى أصناف حراجية ذات جدوى اقتصادية، وإنتاجية، وغذائية، وعلفية، ولاسيما أصناف الغار المعروف بقابليته التصديرية، ومن هنا جاء التوجه نحو التوسع بزراعته في خطة التحريج والتشجير الموسمية، وهناك أيضاً صنف الخرنوب، وهو نبات ذو قيمة غذائية عالية، كما أنه نبات مقاوم للحرارة والحرائق، وينتمي إلى العائلة البقولية المخصّبة للتربة، إضافة لكونه من الأزهار الرحيقية التي تساعد على تربية النحل، وإنتاج العسل.

مروان حويجة