من يومياتنا .. مشاهد خارجة عن منظومة القيم وسلوكيات تشوّه المجتمع وتدين الكثير من الجهات!

من يومياتنا .. مشاهد خارجة عن منظومة القيم وسلوكيات تشوّه المجتمع وتدين الكثير من الجهات!

أخبار سورية

الجمعة، ١٩ يناير ٢٠١٨

لم يكن مشهداً من مسلسل يعرض على شاشة التلفاز، بل كان مشهداً واقعياً من قلب الحدث، فما نشاهده اليوم بأم أعيننا لا يشير إلا إلى ظاهرة خطيرة بدأت تجتاح مجتمعنا، وتنهش وتنخر به دون أن نشعر كي نعالجها قبل فوات الأوان، وعلى الرغم من محاولاتنا الكثيرة للبحث عن مصطلح يجمّل هذه الظاهرة، ويلبسها رداء يخفف من بشاعتها، إلا أنها كانت تشرح نفسها بنفسها، الانحراف  السلوكي الذي، للأسف، بدأ ينتشر بشكل مخيف منذ سنوات، وعلى الرغم من إدراك الجهات الاجتماعية المختصة لخطورته، إلا أنها لم تقم بأخذ التدابير الوقائية اللازمة التي تعالج المشكلة من جذورها!.

وباء خطير
هو مشهد بات مكرراً في أزقة الشوارع، وخلف أشجار الحدائق العامة التي خصصت للعائلات للاسترخاء في أيام العطل، إلا أن أبناء هذا الجيل، “جيل التكنولوجيا وصيحات الموضة”، يبدو أنهم قد فهموا الغاية من هذه الحدائق بشكل خاطئ ليجعلوا منها مكاناً للحب، والتعبير بكل الأساليب عن مشاعرهم المشتتة كونهم مازالوا في مرحلة “المراهقة”، لتغدو هذه الحدائق عبارة عن مدرجات قسمت بشكل واضح إلى أجزاء، فنجد جزءاً من هذه الحدائق محجوزاً لطلاب المدارس الهاربين من حصصهم المدرسية المملة والرتيبة، حسب زعمهم، ليقضوا على هذا الملل باللعب بالشطرنج، وأوراق الشدة، أما الجزء الثاني فهو لأصحاب المشاعر المرهفة، حجزوه للتعبير عن حبهم للطرف الآخر دون تكاليف مادية يدفعونها في حال كانت لقاءاتهم العاطفية في الكافتيريا!.
وفي مشهد آخر تكرر في الآونة الأخيرة نجد الكثير من التصرفات غير الصحيحة في وسائل النقل، وخاصة الميكروباصات، إضافة إلى تدخين السجائر، غير آبهين بوجود أطفال وكبار في السن جالسين في الميكروباص نفسه، وغيرها من المشاهد التي باتت حاضرة بقوة هذه الأيام  لتغدو المشكلة كبيرة، ولكن يمكن لنا أن نصوّب المسار، وأن نعيد شباننا وشاباتنا إلى طريق الصواب في حال وجود الرغبة الصادقة بالتغيير، والعودة بمجتمعنا إلى ما كان عليه، إذ يكفي ببساطة أن ننظر بتمعن في أسباب السلوكيات الخاطئة، وفساد الشباب، حتى ندرك الحلول لهذه الظاهرة الخطيرة.

تكاتف بين المؤسسات
لا شك في أن سقف القيم ينخفض في الأزمات، ففي البداية كان الناس يرفضون شراء سلع مشتبه بأنها مسروقة، ولكن استمرار الأزمة، وغلاء المعيشة، وانفلات الأسواق من الرقابة، أمور دفعت الشباب السوري إلى قبول ما تعرضه الأسواق من سلع مسروقة لفرش منزله الأسري، كما أن سبب تغير القيم عند شبابنا خلال الأزمة هو نشوء هوة عميقة بين المجتمع الأهلي والحكومي من جهة، والشباب من جهة أخرى، وهذا يعود إلى سياسات خاطئة مورست بحق هذه الفئة أدت إلى تغييبها بشكل قسري عن سوق العمل، ما دفع الشباب للجوء إلى أساليب وطرق بعيدة عن قيم وأخلاق المجتمع السوري مقابل إغراءات ومنافع مادية بسيطة جداً، فرأينا الشباب منخرطين في مشاريع هدفها الأول خلخلة البنية الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع السوري، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى المسؤولية المشتركة في تعميق القيم وتنميتها لدى شبابنا عن طريق التخطيط والتنسيق بين كافة مؤسسات المجتمع، فأزمة القيم التي يعاني منها المواطن السوري اليوم أكثر حدة عند جيل الشباب الذي يعاني ضياعاً في الأهداف، خاصة بعد الأزمات والهزات الاجتماعية والسياسية العميقة التي عصفت به!.

قيم غريبة
لا يمكن أن ننكر التأثير الكبير للأزمة التي نمر بها على مجتمعنا، وتغييرها للكثير من القواعد التي كنا نعيشها قبل الأزمة، تلك القواعد والقيم والأخلاق التي ورثناها من آبائنا وأجدادنا، والتي لم نستطع، للأسف، الحفاظ عليها، لنتخلى عنها عند أول عاصفة تمر بنا، وبرأي الدكتورة “رشا شعبان”، “أستاذة في جامعة دمشق”، فإن أهم أسباب السلوكيات المنحرفة ينتج عن سوء التربية، وغياب القدوة الحسنة داخل الأسرة، وعدم اكتراث الأهل لأخطاء أبنائهم البسيطة التي تتضخم مع مرور الزمن ونموّهم، لتتحول إلى صفات سيئة يحملونها في جعبتهم وينقلونها إلى الآخرين، وهنا لابد من خلق لغة للحوار الأسري مع الأبناء بدلاً من لغة العقاب والضرب، ولا ننسى التطور الهائل في التكنولوجيا، حيث أصبح بمقدور الشباب الدخول بمتاهات كثيرة متوفرة له مثل الأنترنت بمغرياته التي لا تنتهي، والمحطات الفضائية التي لا تحترم العادات والأخلاق التي تربينا عليها، والتي تسوق شبابنا إلى عالم مليء بالمغريات الفاسدة، وما لا يمكن إغفاله دخول قيم غريبة عن المجتمع السوري خلال الأزمة، وهي لا تمت لقيمنا بصلة، حيث إن البعض تبناها وأصبحت من الوجهات العقلية لأنماط أفكارهم وتصرفاتهم، إذ إن فئة الشباب هي الأكثر حماساً، والأكثر تأثيراً بالمجتمع، لذلك فقد قامت المحطات الفضائية المضللة بلعب دورها في تنميط قيمهم، وبالتالي وقع البعض فريسة للتطرف، لذا لابد من معرفة قيم الشباب حالياً لأنها توصلنا إلى معرفة جيل المستقبل، وكيفية تفكيره، وأضافت شعبان: “لقد عانينا خلال الأزمة من الغزو الثقافي الذي استهدف الهوية عبر التشكيك بقيم الولاء والانتماء للوطن، ولكن من الصعوبة إرجاع مسألة التراجع القيمي عند البعض إلى سبب واحد، وهو الأزمة التي نمر بها، بل هو عبارة أيضاً عن محصلة من الظروف والعوامل تضافرت، فمع التطور الذي طرأ علينا أصبحنا على اطلاع على الكثير من التطورات الثقافية في الحضارات المختلفة، وصرنا نتقبّل كل ما يصدر من هذه الحضارات دون إخضاعها لأي ضابط من الشرع والدين، أو العادات والتقاليد، لذا يجب على كل فرد أن ينأى عن كل ما يشوّه أخلاقه، ويحاول الالتزام بالقيم والأخلاق الحميدة حتى يتغير المجتمع، فبصلاح الفرد يكون صلاح المجتمع، كذلك فإن الاهتمام بالشباب الجامعي يشير بالدرجة الأولى إلى أن قيم الجيل الصاعد هي التي سيبنى عليها مستقبل المجتمع فكرياً، وعلمياً، وذلك بالتركيز على جوانب متعددة من القيم المختلفة، كالولاء، والانتماء، والواجب، والإيمان بقيمة العلم والعمل، وغيرها.
ميس بركات