هشاشة في القانون وضعف في الحماية.. نفقة المطلقة لا تسد الرمق.. والظروف المعيشية تطعن في كفايتها!

هشاشة في القانون وضعف في الحماية.. نفقة المطلقة لا تسد الرمق.. والظروف المعيشية تطعن في كفايتها!

أخبار سورية

الاثنين، ٢٢ يناير ٢٠١٨

لم يكن أمام نبال، ذات “الثلاثين” ربيعاً، من حل سوى الرضوخ لضغوط زوجها وأهلها بالعودة إلى منزلها الذي غادرته لمدة سنتين بعد أن استحالت حياتها مع زوج يحمل في جعبته شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي والتي يغلّفها بعباءة الرجل المثقف أمام الناس، لكن ظروف المعيشة القاسية التي واجهتها بعد انفصالها عن زوجها، وعدم قدرتها على تحمّل مصاريف طفلتيها لوحدها مع نفقة حددها لها القاضي، لا تكاد تكفي بضعة أيام في ظل الغلاء الفاحش الذي نعيشه اليوم، جعلت من  قرار العودة إلى زوجها، والرضوخ للعودة إلى حياة الجحيم معه أفضل من البقاء تحت رحمة “نفقة” لا تسد الرمق هذه الأيام، وأهل عاجزين عن إعالة ابنتهم وطفلتيها.

تجارب الغرب

نبال ليست المرأة الوحيدة التي ضحّت، وعانت، وصبرت على حياة مأساوية رفضاً منها لكلمة مطلقة، وحياة لا ترحم تحت ظل نفقة، حددها القانون على أسس غير عادلة برأي الكثيرات ممن خسرن سنين العمر، وقدمن التضحيات على مذبح قوانين، لا تضمن للزوجة أي حقوق إلا مؤخرها المسجل منذ سنوات طوال، وبناء على تلك الصورة طالبن منذ زمن بعيد ولازلن يطالبن بتعديل قانون الأحوال الشخصية في سورية بصورة تضمن المزيد من الميزات للمرأة، وتكفل لها ضمانات إضافية، إذ وصل البعض للمطالبة باستيراد تجارب دول غربية تمنح الزوجة حين الطلاق نصف ما امتلكه الزوج منذ اليوم الأول لزواجهما، باعتبار أن المرأة شريكة للزوج، إما عبر العمل، أو عبر رعاية المنزل، والقيام بخدمة الزوج ورعايته، ما يعني أنها  تساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في زيادة ثروة زوجها.

طروحات

اللافت بالأمر أن جميع الجهات والمؤسسات تعرف حق المعرفة أن هذا القانون بحاجة كبيرة إلى تعديل منذ عشرات السنين، لكن وعلى الرغم من جميع الصيحات النسائية والمؤسساتية إلّا أن الحال بقي على ما هو عليه، ومن الأمثلة والمشاريع الكثير التي سعت لتعديل، ولو جزء طرح بسيط من مواد هذا القانون، وكان آخرها المشروع الذي تم إطلاقه من قبل مركز مداد للأبحاث الاستراتيجية بمشاركة جمعيات سورية المدنية، ورابطة النساء السوريات بهدف تعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية السورية، حيث أكدت لنا الدكتورة انصاف الحمد “عضو مجلس إدارة في مركز مداد”  عدم نجاح ورشة العمل التي تم إطلاقها عام 2016 مع أعضاء مجلس الشعب والتي كانت شاملة لجميع المواد التمييزية ضد المرأة، إذ لم يتبن المجلس توصيات الورشة ونتائجها، ويأخذها على محمل الجدّ، ومن ثم قام مركز”مداد” للأبحاث بمشروع عام 2017 تضمّن المطالبة بتعديل مواد الزواج والطلاق والحضانة والنفقة والوصية الواجبة المتعلقة بالميراث، أهمها المادة 86 من القانون، والمتعلقة بالطلاق التعسفي، وذلك بأنه يجوز للقاضي أن يحكم للمطلقة من دون سبب على مطلقها بالتعويض بموجب لجنة خبرة تقدّر حالة ودرجة تسعفه على ألا يتجاوز نفقة خمس سنوات لأمثالها فوق نفقة العدة على حين تنص المادة الحالية أن القاضي يحكم للزوجة المطلقة تعسفياً دون سبب، وأنه سيصيبها فقر وفاقة تعويضاً لا يتجاوز نفقة ثلاث سنوات فوق نفقة العدة، وفيما يتعلق بالحضانة نص التعديل الجديد الذي طالبنا به على حق الحضانة للأب بعد الأم، علماً أن القانون الحالي لم ينص على ذلك، وأن نفقة السكن على نفقة والد المحضون، مشيراً إلى تعديل المادة 143 والتي تنص على أنه لا تستحق الأم أجرة للحاضنة في حال قيام الزوجة، أو في عدة الطلاق، فحذف التعديل عدة الطلاق، ونص المشروع الجديد الذي طالبا به على مادة جديدة، وهو أن تنفق الزوجة على زوجها في حال كان معسراً، وهذا لم ينص عليه القانون الحالي، وأكد المشروع أن استخدام الولي العنف ضد القاصر يسقط حق الولاية عليه، وذلك من باب حماية الطفولة في حال كان وضعه المادي سيئاً، لكن وعلى الرغم من إقامة الورشة والمشروع، إلا أنه بقي حبيس الرفوف، حيث وحسب ما أوضحته الحمد، لم يتم أخذ المشروع بعين الاعتبار على الرغم من الوعود الكثيرة التي وعد بها أعضاء مجلس الشعب، لكن وللأسف لم يتم تبني المشروع.

واجب

إن كل امرأة متزوجة تستحق النفقة من زوجها، وقد منحتها هذا الحق قوانين معظم الدول، لكن بنسبٍ متفاوتة، تشمل النفقة تكاليف الغذاء والمسكن واللباس ومصاريف العلاج، بالإضافة للعديد من المصاريف الحياتية الأخرى، وعلى الرغم من أن قانون الأحوال الشخصية السوري، يقرّ بحق الأم المطلقة الحاضنة بالحصول على نفقة لأولادها من أبيهم، إلا أن المختصين في سلك القضاء والمحاماة في سورية يؤكدون أن الأحكام القضائية قد استقرت بإلزام الزوج أن يدفع إلى مطلقته نفقة تتضمن مبلغاً ضئيلاً جداً يقدر بألفي ليرة سورية لكل طفل، حيث فسر لنا المحامي محمود الحموي موضوع النفقة، فالنفقة الواجبة بشكل عام هي نفقة الكفاية بلا إسراف أو تقصير، ويكون أداؤها بطريق التمكين أو التمليك، ويعني التمكين توفير الطعام، وما يلزم من نفقة، أما التمليك فهو أن يعطيها المال الكافي لتصرف على نفسها، وتنفق منه على نفسها، كذلك على القاضي المراعاة في تقديره للنفقة أحوالاً معينة، معتمداً بذلك على أساس معين حين يتم التقدير السليم لقيمة النفقة، كما أن قانون الأحوال الشخصية السوري لا يلزم الأب على خلاف معظم الدول العربية الأخرى بتأمين مسكن لطليقته الحاضنة وللأولاد، فإذا تمسكت الأم المطلقة بحق حضانتها لأولادها ممن هم ضمن سنّ الحضانة القانوني، فلن تجد مسكناً، وإن توافر لها المسكن، وهذا من النادر حدوثه، فإنها ستقف عاجزة عن تأمين المصروف فإن لم تكن عاملة، فهذا يعني أن عبء إقامتها ونفقتها هي وأولاد طليقها ستكون على عاتق أهل الزوجة، وهو ما يجرّ على المطلقة الحاضنة عادة الكثير من الضغوط النفسية، واستياء الأهل من المصروف، وتذمرهم من تبعات تحمل نفقة وإقامة أولادها، ويدفع الكثير من الأمهات المطلقات إلى التخلي عن حق حضانتهن لأولادهن، ما ينعكس على الأولاد بأسوأ الآثار النفسية، فهم سيعيشون في كنف أبيهم تحت رعاية زوجة الأب غالباً، أو تحت رعاية أهل الأب، هذا الواقع يسبب أضراراً هائلة من الناحيتين النفسية، والاجتماعية للأم المطلقة، وللأولاد ضحية الطلاق، كما أنه يتنافى مع قواعد الشريعة الإسلامية التي يدعي المشرعون في سورية أنها مصدر قانون الأحوال الشخصية السوري، ولا يختلف الأمر في المحاكم الروحية التي تفرض نفقة على الزوج تقدر بثلاثة آلاف شهرياً لكل طفل، ورغم أنها تفوق المبلغ الذي تفرضه المحاكم الشرعية، إلا أنها لا تكفي لشراء أبسط مستلزمات الطفل، وفي حالات كثيرة يتهرب الزوج أيضاً من دفعها لمطلقته دون أي رادع أخلاقي، لتواجه المرأة الصعاب والمشاكل ذاتها التي تواجهها المرأة المسلمة، ورغم متابعة رجال الدين المسيحي والمحكمة الروحية، فمازالت المشكلة قائمة!.

رأي مخالف

في المقابل وجدنا الكثير من الآراء المخالفة لما نبحث عنه، إذ وجد المحامي علي عمران أن إلقاء اللوم على الرجل، والتشكيك بقوة مواد قانون الأحوال الشخصية، ليس أمراً صحيحاً بالمطلق، ففي الكثير من دعاوى الطلاق يكون اللوم على المرأة بشكل لا يختلف حوله اثنان، وعلى الرغم من ذلك، ومن عدم حاجتها المادية للنفقة، إلا أنها تبقى مصرة على الحصول عليها كنوع من الإذلال للرجل، وبالتالي زيادة الأعباء على كاهل الأب، فمعظم الآباء في مجتمعنا لن يكونوا قادرين على تأمين مسكنين، أحدهما لطليقته والأولاد، والآخر لنفسه ولزوجته الجديدة على الأغلب، كما قد يصعب على الكثير من الآباء المطلقين في مجتمعنا أن يلتزموا بمصروف منزلين، منزل الطليقة والأولاد، ومنزل الزوجة الجديدة وأولادها أيضاً، وبناء على ذلك اقترح عمران تأمين رعاية حكومية للأم المطلقة الحاضنة، وإنشاء صندوق للنفقة يتولى تأمين مصروف مقبول لها ولأولادها، وهنا يجب التركيز على مؤسسات المجتمع المدني، كالجمعيات الخيرية في هذا المجال، واستشهد عمران على رأيه بقوانين الولايات المتحدة، حيث انقلبت المعايير في محاكم الطلاق في الولايات المتحدة مع بلوغ أعداد النساء اللواتي يدفعن نفقة الزوج والطفل مستوى لم يسبق له مثيل، وفي ظل تدرج النساء في السلم المهني، وتقاضيهن رواتب تفوق رواتب أزواجهن، فهن يجبرن عندما يغيب الحب ويتفكك الزواج على المساهمة في معيشة أزواجهن السابقين، ما دفع بعضهن إلى إبداء استيائهن من هذا الواقع الجديد، ووفقاً للأكاديمية الأمريكية لمحامي الزواج، أشار 56% من المحامين في الولايات المتحدة إلى ارتفاع في معدل الأمهات اللواتي يدفعن نفقة الأطفال خلال السنوات الثلاث المنصرمة، فيما لفت 47% منهم إلى ارتفاع عدد النساء اللواتي يتكبدن نفقة الزوج.

 

حق شرعي

الدكتور عبد الرزاق المؤنس، معاون وزير الأوقاف سابقاً، وجد أنه من المعيب البحث في مسألة لم يبق بحث ومقال ولقاء ومنتدى إلا وتحدث عنها، فموضوع نفقة المرأة المطلقة، وهشاشة القانون وضعفه في حماية هذه المرأة التي تعرّضت للظلم الكثير، بات من المواضيع الشائكة التي لم نجد لها حلاً إلى يومنا، حيث جاء قانوننا وزادها ظلماً، وتحدث المؤنس عن حالات الطلاق الكثيرة التي اتسعت ظلماً خلال السنوات الأخيرة، خاصة تلك النسوة اللواتي لم يعدن يملكن أهاليهن بعد أن هاجروا أو غادروا الحياة، ليصبح خيار البقاء مع أزواجهن، والعيش تحت ظروف قاسية، أرحم لهن من العيش في الحدائق ومراكز الإيواء، حيث لم يخل لقاء أو مقال أو بحث من الإشارة إلى ضرورة تعديل أو تغيير بعض المواد، ولهذا تم تشكيل لجنة عام 2007 لإعداد مشروع القانون، لكن الشكل الذي جاء به المشروع برمته كان مخيّباً للآمال، وللانتظار الطويل، بأنه كان صورة مستنسخة بل ومشوّهة عن سلفه القانون المعمول به حالياً، بحيث ضيّع كل بادرة أمل في إمكانية السير بالمجتمع نحو الأمام، خاصة المواد المتعلقة بنفقة المطلقة التي لا تراعي الوضع الاقتصادي الصعب إذ يجب أن تقدر النفقة شرعاً بما تحتاجه المرأة في هذا الوقت بالمعروف، واليوم يجب ألا تقل النفقة عن 25 ألف ليرة سورية، لكن القضاء للأسف لا يتفهم مسألة النفقة بطريقة إسلامية وإيمانية، والمطلوب وجود لجنة من أية جهة كانت لإيجاد حل جذري لنفقة المرأة، وهذا يتم بتضافر اجتماعي كلي، ولفت المؤنس إلى كثرة حالات الطلاق خلال الأزمة نتيجة حالات الزواج غير المنطقي، وغير المتعقل، وغير المتكافئ بين الأزواج المصرين على عقد قرانهم قبل معرفتهم لواجباتهم وحقوقهم، والمطلوب اليوم من المحكمة إجبار الزوج على التوقيع على ورقة قبل الزواج تلزمه بالنفقة على زوجته بالمعروف وهي على ذمته، كذلك الأمر في حال حدوث طلاق، الهدف من ذلك إجبار الزوج على التفكير بشكل كلي وموضوعي وحقيقي بإقامة أسرة على أسس سليمة، فالطلاق اليوم يشكّل ظاهرة وحالة تؤرق المجتمع، وتثقل كاهل المرأة، لاسيما في ظل الظروف الاقتصادية بالغة التعقيد، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لأنها تعتبر وضعية ظلم واضطهاد للمرأة من خلال تبعات الطلاق على أنواعه، إضافة إلى تبعات الحضانة، والسكن، وما إلى ذلك!.

أذن صاغية

لا شك في أن التحديات التي تواجه المرأة المطلقة في الحصول على حقوقها كثيرة، والضغوط التي تعانيها كبيرة، ومحاولاتها لإثبات الظلم الذي تعانيه في حال بقائها مع زوج ظالم أو طلاقها منه محاولات بائسة، ليبقى الواقع شاهداً على كثير من القصص والمواقف التي انتهت فيها المرأة إلى المحاكم بحثاً عمن ينصفها، ويلملم جراحها، دون أذن صاغية لهمومها، وعن قرارات وقوانين عادلة تنصفها وتعيد لها جزءاً ولو بسيطاً من حقوقها التي تضيع مع كل حكم قضائي يصدر حاملاً في طياته الكثير من الظلم لها ولأبنائها!.

ميس بركات