زواج القاصرات.. عملية وأد متجدّدة للفتاة.. أهالٍ أغشت عيونهم الأموال فباعوا فلذات أكبادهم الغضّة لرجال وجدوا ضالتهم.. وحالات تقطر ألماً

زواج القاصرات.. عملية وأد متجدّدة للفتاة.. أهالٍ أغشت عيونهم الأموال فباعوا فلذات أكبادهم الغضّة لرجال وجدوا ضالتهم.. وحالات تقطر ألماً

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٤ يناير ٢٠١٨

إلهام العطار
كثيرة هي الأبحاث التي أشارت إلى الآثار الصحية والنفسية والاجتماعية الناجمة عن قضية زواج الصغيرات أو القاصرات، التي كانت ولاتزال تنتشر في كل المجتمعات على اختلاف فئاتها وطبقاتها، ومنها المجتمع السوري الذي حاول من خلال التعديل في القوانين والتشريعات الوقوف في وجه تلك الظاهرة التي لم تكن الحرب لتغذيها وتزيد من انتشارها فحسب، بل إن ظروفها أضحت مسوغاً للكثير من العائلات التي رمت بناتها دون سن الـ 18 عاماً في أحضان زواج وصفته الباحثة الاجتماعية نور السبط بأنه عملية وأد متجددة للفتاة في كل يوم مئة مرة، بينما عدّه الدكتور عهد شهاب اختصاصي نسائية وتوليد وطبيب مشرف في مركز الشاغور التابع لجمعية تنظيم الأسرة أحد أشكال العنف الذي يمارس على المرأة، ولابد من تكثيف جلسات التوعية لجميع أفراد المجتمع حتى يصبح هذا الموضوع من مخلفات الماضي.
من قصصهن.. عبرة
هدى واحدة من عشرات بل مئات الفتيات اللواتي اندرجت أسماؤهن على قائمة زواج الصغيرات، فقد كان عمرها 14 عاماً عندما انقلبت حياتها رأساً على عقب، ففي ليلة وضحاها طلب منها ذووها خلع بدلتها المدرسية، وارتداء الثوب الأبيض، ووسط دموعها وجدت الألوان تملأ وجهها الطفولي البريء، فهي العروس التي ينتظرها عريس يكاد يقترب عمره من عمر والدها، أخذها من مقاعد الدراسة إلى بيت الزوجية، حيث عاش معها سبع سنوات ثم تركها وحيدة مع ثلاثة أطفال، أكبرهم في العاشرة من العمر، وما يحز في نفسها أنها تشعر بالفشل في تربيتهم، تقول هدى التي التقيناها في أحد مراكز المشورة الأسرية: كلامي غير مسموع عند أولادي فهم لا يأخذونني على محمل الجد مطلقاً، فعندما أنجبت أولهم كنت طفلة.
بدورها أم يارا كما أحبت أن نناديها، التي تزوجت وهي في الخامسة عشرة من عمرها، التقيتها في أروقة القصر العدلي، كانت تحتضن طفلتها وتنتظر ورقة طلاقها من حياة لم تتمكن من التأقلم فيها مع رجل استغل ظروف أهلها واشتراها منهم بمهر كبير أغشى عيونهم، قالت والدموع تسبق كلامها: رغم أن زواجي دام خمس سنوات، إلا أن مشاعر الطفولة لم تفارقني، كنت أحن إلى زميلاتي وإلى اللعب معهن، وعندما أنجبت طفلتي تعاملت معها وكأنها لعبة، وهو ما زاد الخلافات بيني وبين زوجي وأهله، وعندما سألتها إن كانت ستزوج ابنتها في عمر صغير مهما كانت الظروف، حتى انتفضت وبعصبية أجابت: بالطبع لا، لن أكرر معها خطأ أهلي بحقي وسأعمل ما في وسعي لتعليمها ولن أجعلها تعيش مأساتي.
خطأ أهل أم يارا، سوغته سندس 16 سنة التي عقد قرانها على رجل يكبرها بـ 25 عاماً يقيم في إحدى الدول العربية، ورغم الحزن الذي ملأ قلبها والدموع التي حفرت أخاديد على قسمات وجهها وهي تودع أسرتها، فإنها لم تلق اللوم على والدها فقد رأت أن الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب وخوفه عليها وعلى أخواتها وضيق الحال المادية هي ما دفعته للموافقة على ذلك الزواج، وهي مسوغات لاقت استحساناً عند أم عبد الله التي زوجت بناتها الثلاث بأعمار صغيرة، متناسية ما قد يصيبهن من سلبيات تبعدهن عن طفولتهن من جراء ذلك.
محفوف بالمخاطر
استحسان أم عبد الله ومسوغاتها، لم ينفها الدكتور عهد شهاب، فهناك، وحسبما أوضح الكثير من العائلات التي تعدّ تزويج بناتها في أعمار صغيرة مسألة عادية، وهو الأمر الذي حوّل زواج الصغيرات من حالة استثنائية إلى ظاهرة تستحق الدراسة والتوقف عندها ملياً للحد من انتشارها وصولاً إلى القضاء عليها، بسبب سلبياتها التي يحرص الدكتور شهاب على ذكرها أمام الأمهات والفتيات اللواتي يراجعن عيادة تنظيم الأسرة في كل يوم، وهي -حسبما أفاد- كثيرة لا يتسع المجال لذكرها لأنها تنسحب على كل الصعد، فعلى الصعيد التربوي يؤدي زواج الفتاة الصغيرة إلى حرمانها بشكل كامل من حقها في التعليم الذي يعد سلاحها الأساس في الوصول إلى كل حقوقها، وفي التنور بحياتها، فذلك الزواج غالباً ما يتم في بيئات مستواها التعليمي ليس كما يجب، أما من الناحية التوليدية والصحية فالمشكلات المترتبة عليه متعددة، فالفتاة في هذا العمر تكون بنيتها صغيرة وجسمها صغيراً وأجهزتها في معظم الأحيان غير مؤهلة لاستقبال حالة الولادة والحمل الذي يصنف طبياً في هذه السن ضمن الحمول عالية الخطورة، أضف إلى إمكانية تعرضها لمجموعة من الاختلاطات الطبية التي تؤدي إلى الإسقاطات المتكررة أو الولادات المبكرة ووفيات الأجنة داخل الرحم، والأهم هو ما يصيبها أثناء الولادة من جراء الأفكار المشوشة والمفاهيم الخاطئة عن تلك العملية من تشنج وقلق وخوف شديد، وينعكس بشكل سلبي على نفسيتها ويعرضها للعمل الجراحي «القيصرية»، وحتى إذا تمت الولادة طبيعياً فستكون -نتيجة عدم تعاونها مع الطبيب أو الطبيبة- ولادة عسيرة ومحفوفة بمجموعة من المخاطر تسبب لها عقابيل طبية كثيرة تفوق طاقتها الاستيعابية الجسدية والنفسية في معظم الأحيان.
وعن البيئات الحاضنة لهذه الظاهرة لفت الدكتور شهاب إلى أن هذه القصة كانت موجودة أصلاً ولاسيما في البيئات الفقيرة والبعيدة عن مراكز التعليم والخدمة الاجتماعية، وخلال سنوات الأزمة ساهمت مفرزات الحرب وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية من فقر وبطالة، وغياب للتعليم ولاسيما بين الأسر المهجرة، ووجود أناس دخلاء على المجتمع السوري محملين بمعتقدات وأفكار ألبسوها ثوب الدين وحاولوا إقناع الأسر بها، إضافة للخوف من العنوسة وتزايد حالات الطلاق وعزوف الشباب عن الزواج، في تعميقها وفي زيادة انتشارها.
غالباً ما ينتهي بالفشل
كلام شاطرته الرأي فيه الاختصاصية النفسية رزان سعيد الجوهري مضيفة: قد تختلف مسوغات الأهل لتزويج بناتهن القاصرات كما أن أساليبه ونسبته تختلف من منطقة إلى أخرى، ولكن ذلك لن يلغي أنه ظاهرة اجتماعية يمكن وصفها بالكارثة لما لها من نتائج سلبية على الفتيات، فغالباً ما ينتهي هذا الزواج بالفشل ومع وجود طفل أو أكثر مع فتاة لا تعرف كيف تعتني بهم وتربيهم، لأن تربيتها هي لم تكتمل أصلاً، تكون المأساة أكبر وأصعب.
لتختم حديثها بالقول: إن الآثار النفسية والاجتماعية لزواج القاصرات الذي عدّته الأمم المتحدة اعتداء على حقوق الطفلة وحرمانها من ممارسة الحياة المناسبة لعمرها غير قابلة للإحصاء، ومن أهمها إضافة إلى ما ذكره الدكتور شهاب يتمثل في عدم نضوج عقل الفتاة والذي يجعلها لا تعرف كيف تتصرف مع زوجها، ولاسيما إن كان فرق السن بينهما كبيراً، أضف إلى أن الرجل قد يلجأ إلى الزواج من فتاة صغيرة لفترة مؤقتة وخلال هذه الفترة يكون تعامله معها وكأنها خادمة له وليست زوجة لها كيانها وشخصيتها، وهو ما يسبب لها جراحاً نفسية ويصيبها بأمراض وعقد تحتاج إلى وقت طويل للتخلص منها والعودة إلى حياتها الطبيعية.
رحلة خطواتها طويلة
وفيما إذا كان هناك من حلول لهذه القضية نوه الدكتور شهاب بأن هذه الظاهرة وغيرها هي مفاهيم مجتمعية لا نأمل انقلابها فجأة، ولكن من خلال تكرار هذه المعلومات في الندوات والحملات المجتمعية وجلسات التوعية التي تستهدف الفتيات بشكل عام، والأهل بشكل خاص، فهم أصحاب القرار لأن الفتاة ليس لها قرار في هذا الموضوع، لابد من أن نصل إلى تحقيق رسالتنا في تجاوز المجتمع لزواج القاصرات أو الصغيرات ورفضه رفضاً قاطعاً.