المعاهـد المتوســــطة.. ملف ساخن بإنتظار الحلول.. ولجنة التنمية البشرية تتريث

المعاهـد المتوســــطة.. ملف ساخن بإنتظار الحلول.. ولجنة التنمية البشرية تتريث

أخبار سورية

الخميس، ٨ فبراير ٢٠١٨

ميساء الجردي
يشكل التعليم التقاني والمتوسط قاعدة عريضة للبناء والتنمية لدى معظم دول العالم، في حين لا تزال معاهدنا تقبع خلف سياسات تعليمية تقليدية وقرارات لم تنفض الغبار عن ستائرها القديمة، وحالها أشبه بالرجل المريض الذي كشف العلاج ولم يتمكن من تناول الدواء.
واقع الحال‏
وفي واقع الحال انطلقت مطالب إصلاح التعليم التقاني منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، حيث كان التوجه لعقد أول مؤتمر يناقش مشكلات هذا التعليم على مستوى المكان والأبنية والبنى التحتية وأعداد الطلاب ووسائل التعليم.‏
ولكن مع مرور السنوات وغياب التنسيق بين الجهات التي تتبع لها هذه المعاهد، وبين الجهات التي يفترض أن تستقبل الخريجين أصبحت هذه المعاهد في وادٍ بعيد جداً عن متطلبات سوق العمل المعاصرة. فهناك اختصاصات قديمة عمرها يفوق الأربعين عاماً واختصاصات مطلوبة ولكنها غير موجودة، واختيارات القبول تفرضها الظروف أكثر مما تفرضها الحاجة للخريجين في عملية التنمية. وبالنهاية لايوجد إنصاف لحملة شهادات المعاهد من حيث توافر فرص العمل أو استقطابهم في المسابقات التي تعلن عن الجهات الرسمية ومنذ خمس سنوات وحتى الآن لم نسمع عن مسابقة خاصة بهؤلاء الخريجين. وفي أحسن الحالات النسب وصلت إلى 14%. وهناك نسب كبيرة لأعداد الخريجين يصل نسبة توظيفهم إلى 0%. كما أن أغلبية الجهات المعنية لا تنظر إلى المعاهد بعين التطوير والتحفيز ولا يتوافر لطلابها فرص التأهيل والتدريب، وبالنهاية يذهب إلى المعاهد من لا يحصل على مقعد في الجامعة.‏
15 جهة وصائية‏
يعتبر المجلس الأعلى للمعاهد التقانية الجهة الوحيدة من حيث الإشراف على هذه المعاهد التي يصل عددها إلى 203 معاهد على مستوى سورية، وهذا يشكل عبئا كبيرا على وزارة التعليم العالي في متابعة هذا العدد الكبير من المعاهد التي تتبع لأكثر من 15 جهة تعليمية معظمها جهات غير أكاديمية.‏
فقد أكد الدكتور رياض طيفور معاون وزير التعليم العالي ورئيس المجلس الأعلى للمعاهد أن الوزارة تسعى منذ فترة طويلة ضمن استراتيجيتها إلى توحيد تبعية المعاهد بهدف إعادة هيكليتها وبخاصة في موضوع جمع المعاهد المتماثلة وجمع الاختصاصات المتماثلة، الأمر الذي يقلل من عدد هذه المعاهد إلى 150 أو 100 معهد، فيمكن متابعتها وتجهيزها بشكل أفضل، كما يتم التخفيف من الهدر الإداري والمالي، لأن هناك معاهد عدد الموظفين الإداريين فيها أكبر من عدد الطلاب، ويوجد صعوبة في المتابعة لكون هذه المعاهد تتبع تنظيمياً إلى وزارة التعليم العالي لكنها تتبع إدارياً ومالياً إلى جهات أخرى، وهذا يشكل صعوبة كبيرة.‏
الطريق غير سالك‏
مما تقدم يتبين أن حل المشكلات العالقة مرتبط بمسألة لم شمل المعاهد تحت مظلة واحدة، وهنا يبين طيفور: أن الوزارة قدمت دراسة شاملة تضمنت البيانات العددية للطلاب المسجلين وأعداد الخريجين، والأعداد التي استقطبتها الوزارات خلال السنوات الخمس الأخيرة، ورفع الموضوع إلى رئاسة مجلس الوزراء ومنه أحيل إلى لجنة التنمية البشرية التي أوقفت المشروع ورأت ضرورة التريث وإبقاء المعاهد على ما هي عليه إلا إذا رغبت إحدى الجهات بضم معاهدها إلى وزارة التعليم العالي، الامر الذي جعل الاختيار فردياً ولا يمكن تحقيقه على مستوى سورية. وأوضح معاون الوزير: أن الهدف من توحيد تبعية المعاهد بالإضافة إلى تخفيف الهدر وتحسين إدارة المعاهد والعملية التعليمية، هو الوصول إلى منظمومة تعليم تقاني مستقلة أسوة ببعض الدول المتطورة، لأن هذا التعليم له دور كبير في بناء الاقتصاد بخاصة أن الدورة التعليمية لهذه الدراسة مدتها عامان الأمر الذي يساعد في تغذية سوق العمل بالمهارات المطلوبة خلال فترة قصيرة. وأن المنظومة المستقلة للتعليم التقاني التي تعمل الوزارة على إيجادها، لا تضم المعاهد فقط، بل تضم الكليات التطبيقية التي تم إحداثها خلال السنوات الأخيرة، والتي يمكن أن تتحول مستقبلا إلى جامعة تقنية أو أكاديمية تقنية تضم هذه المكونات من معاهد وكليات ومراكز بحثية وتدريبية.‏
عقبات أخرى‏
حديث الافتقار للمناهج المتطورة والتجهيزات والكوادر؟ يرد عليه الدكتور طيفور قائلاً: لا نستطيع أن نقول: إن المناهج قديمة لأنه بشكل تقريبي تم خلال السنوات السبع الأخيرة تحديث المناهج أكثر من مرة، ولكن المشكلة ليست بالتحديث وإنما بالتنفيذ، فهذه المناهج تحتاج من أجل تطبيقها إلى أدوات وتجهيزات ووسائل تعليمية مختلفة، وبالعودة إلى الجهات التي تتبع لها هذه المعاهد نجد أن هذه الأمور غير متوافرة لأنها جهات غير مختصة، كما أنه لا فائدة من وضع خطة درسية متطورة في معاهد وزارة التعليم العالي وهناك معاهد متماثلة لا تقدم لها نفس الخدمات، وعلى سبيل المثال هناك معاهد طبية وصحية موجودة في كل من وزارتي التعليم العالي والصحة، لكن من يدرس في معاهد التعليم العالي هم أساتذة من الجامعات وأشخاص على الملاك، ومن يدرس في المعاهد الصحية هم أشخاص مكلفون في التدريس وليسوا على الملاك. وهذا ينطبق على كافة المعاهد الأخرى. وهنا يمكن التساؤل ما القيمة المضافة من وجود المعاهد في وزارات مختلفة إذا كانت هذه الجهات لا توظف خريجيها، وكوادرها ليست على ملاكها، وإذا كانت هذه المعاهد لا تمتلك الصفة الأكاديمية، ما ينتج عن ذلك مزيداً من الخسارات المادية والبشرية.‏
تعطيل لبنود المرسوم 39‏
لا تنتهي القصة عند هذا الحد فقد تضمن المرسوم 39 لعام 2001 أحكاماً حول تحويل المعاهد إلى مراكز إنتاجية، وبحسب الدكتور طيفور هذا الأمر موجود ضمن خطة وزارة التعليم العالي، إلا أن نجاحه مرتبط أيضاً بعملية توحيد المعاهد بحيث تصبح الكوادر كافية وتتجمع الإمكانيات البشرية والمادية في مكان واحد. مشيراً إلى أن القانون 39 أعاد هيكلية المجلس الأعلى للعلوم والتقانة في عام 2013 وتضمن إحداث الكليات التطبيقية التي تتبع إلى هذا المجلس لا إلى مجلس التعليم العالي، بالإضافة إلى ذلك تم إحداث مجالس تقنية في المحافظات تتبع لها جميع المعاهد الموجودة في المحافظة، وأي معهد أو اختصاص يطرح للافتتاح في هذه المحافظة أو تلك يطرح أولاً على المجلس الذي يشكل مظلة المؤسسة التعليمية التقانية فيها، ثم ينقل إلى الوزارة.‏
تسرب طلاب المعاهد‏
لا إحصائية دقيقة أو رقم حول التسرب الطلابي من المعاهد، لكنها ظاهرة منتشرة ولها أسباب عديدة كما صرح معاون الوزير:‏
منها عدم قناعة الطالب بالتعليم التقاني، غياب المحفزات ماعدا محفز قبول الأوائل في الجامعات المماثلة والذي حددته الوزارة بنسبة 3% لكل اختصاص، وهناك نسبة كبيرة من الخريجين لا يحصلون على فرصة عمل في سوق العمل، والكثير من الطلاب يتوجهون إلى المعاهد كمرحلة أولية ريثما يتمكنون من إعادة الثانوية العامة والحصول على مكان له في الجامعة. هذه النقاط مجتمعة تشكل حالة التسرب التي نلاحظها في معاهدنا.‏
تشخيص بلا علاج‏
هناك العديد من الدراسات التي شخصت مشكلات المعاهد، منها دراسة وزارة التعليم العالي والدراسة التي أعدها اتحاد الطلبة.‏
وقد تقاطعت نتائج البحث والنقاش عند دمج المعاهد ذات الاختصاصات المتقاربة والمتماثلة تحت إدارة واحدة، ربط احتياجات سوق العمل بالمناهج والخطط والتدريب والاختصاصات التي يجب إحداثها، منح خريج المعاهد المتوسطة حوافز مادية ومعنوية وتشجيعهم على إنشاء مشاريع صغيرة خاصة ومنحهم القروض من هيئة مكافحة البطالة، ربط خطط التعليم التقاني بأولويات السياسة الاقتصادية والتنموية، وربط هذه المعاهد بالإنتاج، الإصلاح الهيكلي والإداري للمعاهد، وكل هذه النقاط تلتقي مع توحيد تبعيتها إلى جهة واحدة. ومع ذلك ليس هناك من يحرك ساكناً والوضع مازال كما هو.‏
الثورة