الجبهةُ الجنوبيّةُ في سورية.. بين "التّسخينِ" و"التسكين"

الجبهةُ الجنوبيّةُ في سورية.. بين "التّسخينِ" و"التسكين"

أخبار سورية

الجمعة، ١٦ فبراير ٢٠١٨

الجبهةُ الجنوبيّةُ في سورية واحدةٌ من أعقدِ الجبهاتِ في بلادٍ مشتعلةٍ بحربٍ تطرقُ باب عامها الثامن دونَ بوادرَ واضحةٍ لحلٍّ سياسيٍّ قد يُفضي إلى نهايتها، ففي هذه الجبهة تتداخلُ الحساباتُ الدوليّةُ التي تُعيقُ العملَ العسكريّ الذي قد يبدأهُ الجيشُ السوريّ لإنهاءِ الوجودِ المسلّحِ بالقربِ من شريطِ الفصلِ مع الأراضي المحتلّة خصوصاً، وفي كامل المنطقة الجنوبيّة عموماً.
فصائلُ الجنوبِ المتحالِفة مع جبهةِ النصرةِ كانت قد أطلقت معركةً ضدَّ وجودِ داعش في منطقةِ "حوض اليرموك" التي تمدَّد منها إلى مناطقَ أُخرى كـ "تل الجموع" الأكثر إستراتيجيّة في حساباتِ المناطق المحيطة بمدينة "نوى" كبرى المعاقل التي تنتشرُ فيها النصرةُ قريباً من شريطِ الفصل، إلّا أنَّ هذه المعركة توقّفت فجأةً من خلالِ عمليّة تفاوضٍ بين "النصرة" التي كانت تتوقّع دعماً عسكريّاً مباشراً من قوّات جيش الاحتلال الإسرائيليّ، وهو أمرٌ أشاعتْه فصائل الجنوب في بداية المعركة الّتي انطلقتْ قبل أسبوعَيْن من الآن عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ.
وجود داعش العلنيّ في المنطقة الجنوبيّة يعود للعاشر من نيسان للعام 2016، حيث اندمج فصيل "لواء شهداء اليرموك" مع كلٍّ من "حركة المثنّى الإسلاميةّ" و "جيش المجاهدين"، ضمن فصيلٍ واحدٍ أطلق عليه تسمية "جيش خالد بن الوليد"، وخلال شهر شباط من العام الماضي تمدّد التّنظيم من قرى "حوض اليرموك" إلى مناطق "تسيل - تل الجموع" وغيرها"، وعلى الرّغم من أنّ الجيب الّذي ينتشر فيه تنظيم داعش محاطٌ بمناطقَ سوريّةٍ تسيطر عليها الفصائل المعادية له، إلّا أّن عمليّة نقل الإمدادات إلى داخل هذا الجيب تتمّ عن طريق الحدود الأردنيّة والحدود مع الأراضي المحتلّة، ولكون المنطقة الّتي ينتشر فيها "فقيرةً" قياساً على بقيّة المناطق الّتي كان ينتشر فيها داعش، فإنّ موارد التّمويل بالنّسبة لـ "جيش خالد بن الوليد" غير معلنةٍ، لكنّ مصادر ميدانيّةً وسياسيّةً سوريّةً ترجّح لعب حكوماتٍ إقليميّةٍ كـ "دول الخليج" دوراً أساسيّاً في عمليّةِ تمويلِ داعش في الجنوب السّوريّ.
وقرب شريطِ الفصلِ مع الجولان السّوريّ، يعزّزُ الجيشُ والقوّاتُ الرّديفة له من وجودِهم في محيطِ مدينة "حضر" من الجهةِ الجنوبيّة، فالنّصرةُ وبقيّة الفصائلِ المنتشرةِ في "طرنجة - جباتا الخشب" والمناطق المحيطة بهما، رفضت أيّة عمليّةٍ تفاوضيّةٍ مع "دمشقَ" لإخلاءِ المنطقةِ من السّلاحِ غير الشّرعيّ، والمصادرُ الميدانيّةُ في المنطقةِ تُرجّحُ أنْ يكونَ ثمّة عملٌ عسكريٌّ شبيهٌ بالعملِ الّذي أنهى وجودَ النّصرةِ وحلفائها في مناطقِ "بيت جن - مزرعة بيت جن - مغر المير" قبلَ نحو شهرٍ ونصفٍ من الآن، وهذا يعني أنّ القوّاتِ السّوريّةَ ستعملُ في المنطقةِ من دونِ أيّة عمليّةٍ جويّةٍ معتمدةٍ على "الصّعقِ الناريّ" أرضيّاً لإنهاءِ مسألةِ الشّريطِ الفاصلِ مع الجولانِ المحتلّ.
مصادرُ ميدانيّةٌ سوريّةٌ أوضحت لـ "وكالة أنباء آسيا"، أنّ المسلّحين في المنطقة يستفيدون من شريط الفصل كطريقٍ لنقل الدّعم الإسرائيليّ الّذي لا تخجل "تل أبيب" منه، كما أنّ راجمات الصّواريخ والمدفعيّة الخاصّة بـ "النّصرة" وحلفائها متموضعةٌ في مرابطَ ملاصقةٍ للشّريط الفاصل بين الجولان السّوريّ المحتلّ، الأمر الّذي يصعب من عمليّة استهدافها بالنّيران المباشرة؛ نظراً لأنّ إسرائيل تعتبر أيّة عمليّة "انزلاق للنّيران"، هي عمليّةٌ متعمدةٌ وتتضرّعُ بها لتنفّذ اعتداءاتٍ مباشرة على نقاطِ الجيشِ في المنطقةِ الجنوبيّةِ كما حدثَ أكثر من مرّةٍ خلالِ الصّيفِ الماضي.
أعقدُ الملفّاتِ خلالَ المرحلةِ الحاليّةِ هي عمليّةُ الاستنفارِ القُصوى لكاملِ قطعاتِ الدّفاع الجوّيّ السّوريّ في المنطقة الجنوبيّة والوسطى، فخلالَ ليلِ الأربعاء - الخميس، تصدّتْ المضادّات الأرضيّة السّوريّة لطائرةٍ من دونِ طيّارٍ إسرائيليّةٍ، وتؤكّد مصادرُ "وكالة أنباء آسيا"، أنَّ الطائرةَ أُصيبت قبلَ أنْ تهبطَ في منطقةٍ قريبةٍ من شريطِ الفصلِ داخلَ الأراضي المحتلّة، كما أنَّ رشقاتٍ طويلةً من الرشّاشاتِ المضادّةِ للطيرانِ أُطلقت في أكثر من مكانٍ ضدّ أهدافٍ يُعتقَدُ أنّها طائراتٌ إسرائيليّةٌ من دونِ طيّار أيضاً كانت تُحاولُ دخولَ الأجواءِ السوريّة.
تعقيداتُ الجنوبِ على طاولةِ السياسةِ تأتي من فشلِ الفصائلِ المسلّحةِ في أكثرِ من معركةٍ داخلَ مدينةِ درعا، وداخلَ منطقةِ "مثلّث الموت" الواقعةِ بين أريافِ "دمشق - القنيطرة - درعا"، إضافةً لفشلِ الفصائلِ نفسها في تحقيقِ أيِّ تقدّمٍ باتّجاهِ محافظةِ السويداء من الجهةِ الغربيّة، وآخر الأحداثِ التي شَهِدَتها المحافظةُ كانت الأسبوعَ الماضي من خلالِ استهدافِ الفصائلِ لمدينةِ "القريا" وقريتي "عرى" و"المجيمر" بعددٍ من قذائفِ الهاون، ولأنَّ المعلوماتِ الواردة من الأراضي الأردنيّة تُؤكّدُ فشلَ التوصلِ إلى بنيةٍ حقيقيّةٍ لطرحِ مشروعِ "فدرلةِ الجنوب" على طاولةِ التفاوضِ في عمليّةٍ سياسيّةٍ يدعمُها ميدانيّاً فصيلُ "معتدل" مُشكّلٌ من مجموعِ الفصائلِ المنتشرةِ في الجنوب، كان من الطبيعيّ أنْ تذهبَ هذه الجبهةُ نحو التسكينِ الميدانيّ خلالَ المراحلِ الماضية كي تتمكّنَ الدولُ المحرِّكةُ للفصائلِ المسلّحةِ في سوريّة من رسمِ إستراتيجيّةٍ جديدةٍ للجنوب، وفي هذه النقطة، تقولُ مصادرُ دمشقيّةٌ إنَّ الحكومةَ السوريّةَ لا تؤجّلُ معركةَ الجنوبِ لِمَا بعدَ حسمِ ملفِّ إدلب، وإنّما تحاولُ إخراجَ هذه الجبهة من حساباتِ الميدانِ من خلالِ "اتّفاقيّاتِ المصالحة" أوّلاً، وهذا يرجّحُ أنْ تدخلَ قُرى قريبة من "أوتوستراد درعا"، و"طريق درعا - دمشق" القديم ضمنَ سلسلةِ "المصالحاتِ"، في حين أنَّ الحديثَ عن اتّفاقِ تشغيلِ معبر "نصيب" الحدوديّ مع الأردن من قِبَلِ الجيشِ السوريّ بعدَ إخلائهِ من الوجودِ المسلّح، أمرٌ لمْ تقبل به النصرة، وما زالت تُعرقلُ أيّ حديثٍ سياسيٍّ حولَ الملفّ.
وفي نقطةِ "نصيب" تحديداً، تؤكّدُ المصادرُ السياسيّةُ المتعدِّدةُ أنَّ الحكومةَ الأردنيّةَ هي التي تجهدُ في إقناعِ مختلفِ الأطرافِ المتدخلةِ في الملفِّ السوريّ لحلحلةِ هذه العقدة، بهدفِ إعادةِ الحركةِ التجاريّةِ الأردنيّة من الموانئ السوريّة، إذْ إنَّ الاقتصادَ الأردنيّ اعتمدَ طيلةَ سنواتٍ على هذهِ الموانئ في استيرادِ ما يحتاجهُ وتصديرِ ما ينتجهُ، وهنا تُبدِي دمشقُ ارتياحاً نسبيّاً، فأحد خصومها وهو "الأردن" يحاولُ أنْ يُحلحلَ الملفّ، وفي مثلِ هذه الحال للحكومةِ السوريّة أنْ تراقبَ ما يجري بين الفصائلِ ومشغّليها بارتياحٍ شديد، فالخلافاتُ كانت سبباً في وقفِ تمويل "غرفة الموك" لعددٍ كبيرٍ من الفصائلِ في الجنوب.
وفي حين أنَّ الجنوبَ الغربيّ في سوريةَ لا يقلُّ أهميّةً في الحساباتِ عن الشمالِ الغربيّ منها، لأنّهما المنطقتين الأكثر تعقيداً بالتجاذباتِ الدوليّة، فالمتوقّع أنْ تكونَ غوطةُ دمشقَ الشرقيّةَ هي بوصلة العمليّةِ العسكريّةِ الكبرى خلالَ المرحلةِ القادمة، وعلى هذا الأساس يُقرأُ تكثيف الجيشِ السوريّ لنشاطِهِ العسكريّ والاستخباريّ في منطقةِ الباديةِ والطرقِ القادمةِ من الجنوبِ السوريّ إلى شرقِ العاصمةِ، لأنَّ هذه الطرقَ هي التي كانت الأساسَ في تفاعلِ الأزمةِ السوريّة وطول الحربِ المفروضةِ في البلاد، وخلالَ الشهرينِ الماضيين، أكّدت المصادرُ الميدانيّةُ أنَّ أكثرَ من 15 دفعةً من الأسلحةِ والذخائرَ المتنوّعة وقعت تحتَ سيطرةِ الجيشِ نتيجةً لفاعليّةِ المراقبةِ والمتابعةِ لملفِّ طُرقِ التهريبِ التي تُعرفُ محليّاً لدى سكّانِ الباديةِ الجنوبيّة باسمِ "طرق القجقج".