الغوطة الشرقيّة.. من المنافسة على "القصر" إلى صراع البقاء

الغوطة الشرقيّة.. من المنافسة على "القصر" إلى صراع البقاء

أخبار سورية

الجمعة، ٢٣ فبراير ٢٠١٨

 لطالما ارتبط اسم الغوطة شرقها وغربها بالقذائف التي طالت العاصمة دمشق. كانت الغوطتان بمثابة القواعد المتقدّمة التي تنافست عليها الجماعات المسلّحة للسيطرة على القصر الرئاسي في العاصمة في مرحلة ما، إلا أنّها اليوم أصبحت مرتعاً لصراع البقاء الذي تخوضه الجماعات المسلّحة فيما بينها.
 
الغربيّة بقيت ستّ سنوات تحت سيطرة المسلّحين الذين شكّلوا ورقة ضغط قويّة على دمشق، لينتهي العام 2017 بتحرير ما تبقى من الغوطة الغربية إثر اتفاق مناطق مزرعة بيت جن ومغر المير وتل مروان.
 
بقيت الغوطة الشرقيّة تحت يد المسلّحين، وخاصرة رخوة للعاصمة دمشق تستخدمها الجماعات المسلّحة، والدول الداعمة لها، للضغط على سوريا رغم شمول هذه المنطقة باتفاقيات خفض التصعيد الموقّعة بين الثلاثي الروسي والإيراني والتركي.
 
تكرّرت الاعتداءات من الغوطة الشرقية على قلب العاصمة، أشهرها مؤخراً قصف معرض دمشق الدولي، الذي أعاد لسوريا الحياة بعد سبع سنوات. استمرّ المعرض رغم تكرار عمليات القصف من الجماعات المسلّحة التي لم تقم وزناً لاتفاقيات خفض التصعيد، ظناّ منها أن دمشق غير قادرة على الردّ حفاظاً على المدنيين في العاصمة من جهة، وسعياً منها لارساء الاستقرار في العاصمة دمشق لأهداف سياسية إقليمية ودولية من ناحية أخرى.
 
جنت على نفسها "براقش"، فحسمت دمشق قرارها بالمواجهة مع تكرار دويّ قذائف الهاون والقذائف الصاروخية في سماء العاصمة التي قاربت الألف قذيفة. القرار السوري حظي بدعم روسيا التي تعرّضت ملحقاتها التجارية في دمشق لقصف مصدره الغوطة، لينتقل على إثر هذا الحسم العميد السوري سهيل الحسن "النمر"، من جبهة الشمال إلى الغوطة، وهو العميد الوحيد الذي حضر إلى جانب الرئيس الأسد خلال زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الأخيرة للقاعدة العسكرية الروسية في مطار حميميم حيث أثنى الأخير حينها على أداء الحسن في المعارك.
 
العملية العسكرية الأخيرة على محاور الغوطة أثارت ردود أفعال إقليمية وغربية، غابت عن الساحة إثر استهداف مسلّحي هذه المنطقة لدمشق. وفي حين أعلن مركز حميم الروسي للمصالحة فشل المناشدات للجماعات المسلّحة الشرقية بوقف القتال ومنع المدنيين من مغادرة المنطقة ما ينذر بكارثة إنسانية، تحدّثت صحيفة "الوطن" السورية عن أنباء عن وجود وساطة مصرية يقودها رئيس "تيار الغد" أحمد الجربا ورئيس المكتب السياسي "لجيش الاسلام" محمد علوش برعاية مصرية من جهة، مع الجانب الروسي من جهة ثانية، لإيقاف عمليات متوقعة للجيش السوري في الغوطة الشرقية.
 
الإعلام الغربي انتفض دفاعاً عن مسلّحي الغوطة، وبدأت الأروقة السياسية المعارضة لدمشق بطرح العديد من المشاريع على الساحة الأممية ومجلس الامن بغية وقف العملية العسكريّة، إلا أن هذه المشاريع في أغلبها حاولت تسكين الآلام الناتجة عن "الغوطة"، لا معالجتها عبر مشروع متكامل يتضمن الآلية الكافية للمراقبة، يحقّق الأمن والاستقرار لسكان دمشق والغوطة على حدّ سواء، ويمنع المسلّحين من استهداف مدنتيي الغوطة عبر منعهم من مغادرة المنطقة.
 
في الحقيقة هناك سببان رئيسيان يعطيان للجيش السوري الحقّ في شنّ عمليته العسكرية الأخيرة على معاقل المسلّحين في الغوطة. الأول يتمثّل في انتهاك الجماعات المسلّحة هناك لاتفاقيات وقف التصعيد وبالتالي فإن هذا يمنحه الحقّ فيما هو أبعد من الردّ على مصادر النيران، والثانيّ لأن جبهة النصرة التي تتقاسم السيطرة على الغوطة الشرقية مع جيش الرحمن وفيلق الشام وجيش الإسلام لم يشملها اتفاق وقف التصعيد.
 
لا ندري، أو بالأحرى لا نوجّه، منع الجماعات المسلّحة لسكّان الغوطة الشرقيّة من الخروج نحو مكان آمن، وهي التهمة التي حاولت الجماعات لصقها خلال السنوات الماضيّة بـ"النظام السوري"، وبالتالي تتحمّل هذه الجهات ومن يقف خلفها مسؤولية أرواح المدنيين حتّى أولئك الذين يسقطون بنيران الجيش السوري إثر استهدافه للمقرّات العسكرية لهذه الجماعات. بعبارة أدقّ، مدنيو الغوطة اليوم هم ضحايا مشروع عسكري-سياسي تقوده الجماعات المسلّحة هناك، بالتنسيق مع دول إقليمية بغية استنزاف الرئيس الأسد الذي نجح مع حلفائه خلال العامين الماضيين في قلب الموازين العسكرية على المسرح السوري منذ معركة حلب الكبرى.
 
رغم إدراك دمشق أن الحل الوحيد لمسألة الغوطة يكمن في استئصال الجماعات المسلّحة سواءً عبر المعارك العسكرية ام عبر انتقالها إلى إدلب، إلا أنها التزمت باتفاق وقف التصعيد، ولكن هذا لا يعني أبداً السماح باستخدام هذه المنطقة كورقة ضغط سياسيّة عليها، ولاسيّما أن قرارت الحسم في سوريا المفيدة وغير المفيدة قد حسم منذ زمن، فكيف بالعاصمة دمشق؟