زيادة أعداد الطلاب في المدارس.. مأزق الفهم من جديد! الضغط يطول الطلاب والكادر التدريسي.. والحلول مؤقتة على مستوى محدود

زيادة أعداد الطلاب في المدارس.. مأزق الفهم من جديد! الضغط يطول الطلاب والكادر التدريسي.. والحلول مؤقتة على مستوى محدود

أخبار سورية

السبت، ٢٤ فبراير ٢٠١٨

لمى علي  
طلابٌ يتشارك كل أربعة منهم مقعداً واحداً ويتقاسمون اللعب والجد بصعوبة.. ومدرّسة تتسابق مع الوقت لإنهاء الحصة الدرسية بأقل خسائر ممكنة لها وأكبر فائدة تستطيع إيصالها لطلابها.. وإدارة تتحايل على القيم الإيجابية لتعزيزها لعلّها تخفف من الضغط والعبء وتستبدلهما بالتعاون والتأقلم مع الظروف الراهنة.. ووزارة تحاول مواجهة مصاعب تحوّل الكثير من مدارسها من شبه نموذجية إلى تحت المستوى المطلوب، بعدما صبّت الحرب آثارها السلبية المباشرة وغير المباشرة على قطاع التعليم… فالواقع الراهن لعدد كبير من مدارس ريف دمشق يكمن بمعاناة من زيادة كبيرة في أعداد الطلاب ضمن الصفوف، ما شكل عرقلة حقيقية لسير العملية التعليمية فيها، فأتت الحلول المؤقتة لتكون القشة التي تسند «كومة» الضغوطات التي يعانيها الطالب من جهة، والكادر التدريسي من جهة أخرى.
 
تأثير سلبي في الطلاب
«تشرين» سلّطت الضوء على مشكلة ازدياد عدد الطلاب ضمن الصف الواحد في عدد من المدارس ولاسيما في ريف دمشق، والتقت المدرّسة مريم سهيل سليمان (معلمة صف ثالث ابتدائي في مدرسة ضمن منطقة جديدة عرطوز) والتي لديها حالياً 44 طالباً في الصف، بعد أن كانت العام الماضي تدرّس في محافظة طرطوس 26 طالباً فقط، تشير إلى أن الصعوبة الأولى التي تواجه المدرّس عند زيادة عدد الطلاب في الشعبة الواحدة تكمن في تحقيق الانضباط، الذي يرتبط بشكل كبير بطبيعة الطلاب وشخصية المدرس معاً، فبوجود طلاب يمتلكون صفات الهدوء والالتزام والاحترام مع مدرّس ذي شخصية قوية ولديه أساليب لجذب الانتباه تتلاشى مشكلة تحقيق الانضباط، وهذه من الحالات القليلة إلى حدّ ما، أما الصعوبة الثانية –وفقاً لما تراه مريم- فتكون في القدرة على إيصال المعلومة للطلاب وبقية تفاصيل سير العملية التربوية، سواء داخل الصف؛ كمتابعة الوظائف والتسميع وتفاعل الطلاب أثناء الشرح، أو خارج الصف كتصحيح أوراق المذاكرات والامتحانات وتجهيز الجلاء المدرسي للطلاب، وهذا العبء الكبير بسبب كثرة عدد الطلاب يشكل ضغطاً وتراكماً للواجبات على المدرّس من جهة، إضافة إلى تأثيره السلبي في الطلاب فلا يأخذ كل الطلاب حقهم من حيث المتابعة والتسميع والمشاركة خلال الحصص، عادّة أن الحل الجزئي الذي تطبقه في صفها هو الأنسب في الفترة الحالية، حيث تقوم بتقسيم الصف لمجموعات وتخصيص يوم في الأسبوع لكل مجموعة لتنفيذ النشاطات المترتبة عليهم، كما أن فروق المستويات بين الطلاب والتي لا يمكن تداركها في شعبة فيها أكثر من 40 طالباً، عملت المدرسة على حلها من خلال نادٍ مجاني يقدم أيام العطل دروس تقوية للطلاب ذوي المستويات الضعيفة، ويركز على نقاط الضعف لدى كل طالب، الشيء الذي لا يملك المدرّس الوقت للقيام به خلال الحصص الدراسية الأسبوعية، وفي النهاية تؤكد أن حل هذه الإشكالية لا يقع على عاتق المدرّس الذي يبذل قصارى جهده للتأقلم مع الوضع الجديد الذي أنتجته الأزمة.
معاناة الكادر التدريسي
أما المدرّسة ندى محمود (خبرة أكثر من 25 سنة في مجال التدريس، تعمل حالياً في إحدى مدارس مدينة جرمانا)، فتدرّس الصف السادس الابتدائي لـ44 طالباً، الكثير منهم طلاب جدد من أبناء الوافدين من المحافظات إلى العاصمة دمشق، تشير إلى اختلاف طرق التعليم بعد زيادة عدد الطلاب في الصف الواحد بمعدل 15 – 20 طالباً زيادة في الشعبة الواحدة عما كان عليه قبل الأزمة، معترفة أن الوضع هذا العام أفضل من العام الماضي، حيث وصل عدد طلابها إلى 50 طالباً، وتقول: أثناء إعطاء الدروس لا يحصل كل طالب على الفرصة بالمشاركة، ويكون التفاعل في الحصص قليلاً، ولاسيما في المواد التي تحتاج إلى حلّ مثل الرياضيات، حيث نكتفي بالمشاركة الجماعية، وتالياً لا يمكن تمييز الطالب الذي استطاع الإمساك بالمعلومة الجديدة من الطالب الذي لم يتمكن، والحل الحالي الذي تتبعه المدرّسة ندى يكون بتخصيص حصص من مادتي الرسم والرياضة لترميم حصص المواد التي تحتاج إلى الكثير من الوقت.
المعاناة ذاتها تعيشها المدرّسة كاترين بشارة (مدرّسة صف رابع ابتدائي في إحدى مدارس منطقة صحنايا) تدرّس حالياً 40 طالباً في الشعبة، وتعاني من ضغط الطلاب في صفها، ولاسيما مع المناهج الجديدة الضخمة التي تحتوي كماً كبيراً من المعلومات، لكون الحصص المخصصة لكل درس في المنهاج التربوي ووفق التوزيع الموجود، لا يمكن تطبيقه إلا في حال وجود 25 – 30 طالباً في كل صف، وتضيف: قد يظن البعض أن مشكلات ضبط الطلاب في الصف يكون مع المدرسات والمدرسين الجدد، بسبب سلوكيات هذا الجيل والظروف المحيطة به، التي أثّرت بشكل سلبي في تعامله مع المدرّس الجديد، كما يعود السبب إلى أن ما تعلّمناه في الجامعات والمعاهد من طرق وأساليب التدريس لا يمكن تطبيقه على عدد كبير من الطلاب، لكن هذا لا ينفي وجود مدرسات ومدرسين جدد قادرين على ضبط الصف، لكن يتم ذلك بصعوبة كبيرة ويبذل المدرس جهداً مضاعفاً يصل إلى حدّ المرض أحياناً.
تعاون وجهود مكثفة
المربية ميادة شنان (مديرة مدرسة الشهيد جاد الله شنان في مدينة جرمانا) تشير إلى أن أعداد الطلاب في مدرستها يتراوح بين 2800-2850 طالباً في مرحلة التعليم الأساسي من الصف الأول إلى السادس، ضمن 44 شعبة في الدوامين، بما فيها 5 شعب لطلاب فئة التعليم (ب)، ويتراوح عدد الطلاب في الشعبة الواحدة بين 65 -70 طالباً، حيث يجلس 4 طلاب في المقعد الواحد في الكثير من الأحيان، وهذه الأعداد بدأت بالتزايد مع بداية الأزمة، وحتى قبلها كانت مرتفعة إلى حدّ ما، أي حوالي 50 طالباً في الشعبة، وذلك نتيجة الضغط السكاني في المنطقة. وعن الإجراءات التي تتبعها الإدارة لتخفيف المشكلات الناتجة عن ارتفاع أعداد الطلاب تقول: يتم تدريب الكادر التدريسي على أساليب ضبط الصف، والتركيز على ترك انطباع جميل لدى الطلاب حتى يكون المدرس قادراً على التحكم بهم، كما عززنا روح التعاون بين أفراد الكادر ككل؛ مدرسين وإداريين ومرشدين نفسيين، لمساعدة بعضهم في التحضير وتصحيح أوراق الامتحانات وحتى في ضبط الطلاب، وفي الفرص كثّفنا أعداد المدرسين المناوبين وقمنا بتوزيعهم في كل أرجاء المدرسة، ومن جانب آخر، أكدنا، كإدارة، على ضرورة التعامل المرن من قبل المدرسين والمدرسات مع الطلاب الوافدين، وزرع فكرة إلزامية استيعاب جميع الطلاب وظروفهم الصعبة، ونشر الحب المتبادل مع الطلاب لتكوين حالة إيجابية تكون مهداً مناسباً لسير العملية التعليمية، كما عملنا على تأمين الكتب المدرسية لجميع الطلاب وتقديم مساعدات مالية لأهالي الطلاب ذوي الحالة المادية السيئة لتأمين الملابس المدرسية والقرطاسية وغيرها، وذلك بالتعاون مع وزارة التربية، إلى جانب تبرعات أهالي المنطقة، وعن المقترحات لتخفيف العبء على الكادر التدريسي ورفع مستوى العملية التعليمية تقول: المقترح الأول، يجب العمل على تطبيق فكرة وجود مدرس مساعد في الصف، الفكرة التي تم طرحها كثيراً لكنها لم تطبق، بسبب نقص في الكادر التدريسي، والمقترح الثاني، تنفيذ عدد أكبر من الأنشطة اللاصفية التي تفرغ شحنات الطلاب الذين يعانون ضغطاً كبيراً، والثالث، زيادة عدد الغرف مسبقة الصنع التي يتم فيها فتح شعب جديدة، كحل بديل عن بناء طابق كامل من الصفوف، حتى نتمكن من تخفيف ضغط الطلاب، للوصول على الأقل إلى 50 طالباً في الشعبة الواحدة.
حلول بديلة
أما المربية جهينة نصر الله (معاون مديرة مدرسة في مدينة جرمانا)، المدرسة التي وصل عدد طلابها إلى 3000 طالب، وتمت الاستعانة بمدرسة الإعدادية المجاورة لها في الدوام المسائي، لتخفيض عدد طلاب الشعبة الواحدة من 110 إلى 60 طالباً تقريباً، لكن الأعداد غير ثابتة فهي في تزايد مستمر، ولاسيما مع استمرار قدوم الوافدين إلى مدينة جرمانا..
وعن معاناة الكادر التدريسي تشير إلى أن المدرسة شهدت عدداً من حالات الإغماء والانهيار العصبي لعدد من المدرسات أثناء إعطاء الدروس، إضافة إلى عدد من حالات الإصابات الجسدية لدى الطلاب أثناء الفرص أو الدخول والخروج من الصف، وتقول: إننا غير مهيئين لهذا الضغط العددي الكبير، ولكن يجب أن نتقبل الصعوبات ونتأقلم مع الظروف، فاستقبال الطلاب أمر مفروغ منه، لكن ذلك يجب أن يترافق مع حلول بديلة، وليس إلقاء كامل المسؤولية على الكادر التدريسي، وعدم القيام بأي إجراء تحت ذريعة نحن نمر بأزمة.. المدرس المساعد أمر ملّح جداً في الوقت الراهن، ولاسيما في الصفين الأول والثاني الابتدائي، لكن لم يتم تطبيقه حتى الآن، وقلة الكوادر مجرد حجة، حيث يوجد عدد كبير من الخريجين يبحثون عن فرص عمل.
استيعاب كلي للطلاب
وفي رد على أسئلة «تشرين» عن زيادة أعداد الطلاب إلى حدّ كبير في عدد من المدارس في ريف دمشق، أجاب مدير التعليم الأساسي في وزارة التربية وائل محمد، وأشار إلى وجود ضغط في أعداد طلاب المدارس في ريف دمشق ولاسيما في أماكن تجمع الوافدين، حيث تبلغ الكثافة العددية للتلاميذ في مدارس المناطق الآمنة التي تستقطب الوافدين بين 55 -60 طالباً في الصف الواحد، أما في مدارس المناطق التي بقيت بعيدة عن آثار الأزمة ولم يأتها تلاميذ وافدون فتبلغ 30-40 طالباً، مع الإشارة إلى أن المتوسط الطبيعي لأعداد الطلاب في الشعبة يتراوح ما بين 30-36 طالباً مع مراعاة الاستيعاب الكلي للطلاب، مؤكداً أنه مهما كثرت أعداد الطلاب، ستحافظ وزارة التربية على إلزامية ومجانية التعليم في صفوف التعليم الأساسي، موضحاً أن الوزارة كانت تسعى بعد عام 2010 للوصول إلى صفوف نموذجية على مستوى العالم، إلا أننا اليوم قد نكون تراجعنا 10 سنوات إلى الوراء في هذا الجانب.
من جانب آخر، يشير محمد إلى أن الارتفاع في أعداد التلاميذ أدى إلى صعوبة في تمكين المعلم من السير في الخطة الدرسية كما يجب، وعدم القدرة على مراعاة الفروق الفردية فيما بين التلاميذ والتفاوت العمري والعقلي بين التلاميذ الوافدين من المحافظات، فعملت الوزارة على اتخاذ الإجراءات كحلول إسعافية، ومنها تحويل الكثير من المدارس إلى نظام الدوام النصفي (صباحي من الساعة 7.30 حتى 12 إلا ربعاً، ومسائي من الساعة 12 حتى 4 إلا ربعاً) بهدف زيادة القدرة الاستيعابية للتلاميذ، إضافة إلى الاستفادة من الغرف الإدارية في المدارس واستخدامها كقاعات صفية، كلما اقتضت الحاجة، وتزويد المدارس بغرف صفية مسبقة الصنع، إلى جانب تكليف معلمين اثنين في الصف الواحد لتخفيف الضغط على المعلم.
وعن الخطط المستقبلية لعودة أعداد الطلاب في الصفوف إلى وضعها الطبيعي يقول محمد: من خلال ترميم المدارس وإعادة إعمار ما تم هدمه في المناطق التي تم تحريرها، تزامناً مع عودة أهالي تلك المناطق إلى ديارهم، إضافة إلى بناء مدارس جديدة وفقاً للخريطة المدرسية المستقبلية.