ليست مجرد “بريستيج” المعارض.. نشاط اقتصادي ترويجي بعائدات مضمونة وفرص للالتقاء بين المنتجين والتجار والمستوردين

ليست مجرد “بريستيج” المعارض.. نشاط اقتصادي ترويجي بعائدات مضمونة وفرص للالتقاء بين المنتجين والتجار والمستوردين

أخبار سورية

الأحد، ٢٥ فبراير ٢٠١٨

تتعامل دول عديدة مع المعارض كقطاع اقتصادي مهم، وتولي هذا القطاع الاهتمام الكبير، من حيث إنه رافعة اقتصادية مهمة كبقية روافع الاقتصاد في تلك الدول، إلا أن هذا الركن الفعال في التعاطي مع الأعمال ومقتضيات البزنس، لم يحظ بنصيب وافٍ من الاهتمام في قوام ثقافة رجالات البزنس السوري على مر حقبة غير قصيرة من الزمن، إذ كانت المعارض في النظرة العامة لقطاع الأعمال نحوها، مجرد ترف ونشاط يتصل بمفهوم البريستيج أكثر مما هو فعل اقتصادي يعد بما وعد به الغير من عائدات تحققت، ووفقاً لإحصاءات وأرقام موثقة لدى من جربوا ونجحوا.
الآن بدأت ملامح تحول حقيقي في توجه قطاع الأعمال السوري نحو المعارض كنشاط اقتصادي مكمل للأعمال، واللافت أن هذا التحول حصل في زمن الحصار والحرب، أي ليس في الظرف الأنسب والأفضل للنشاط الترويجي، وقد يكون ثمة من اكتشف أن المعارض وصفة إنعاشية وإسعافية لحالة التموّت والترهل التي عصفت بالاقتصاد السوري على أرضية الأزمة التي تسببت بها الحرب الضروس على سورية.
ثقافة المعارض تبدو اليوم شريكاً لسلسلة مزدحمة من الأفكار، فرض نفسه بقوة على برامج وأجندات المؤسسات السورية العامة والخاصة، بدأت تشهد النور في مؤسساتنا الاقتصادية التي أولت هذا الجانب “المعارض” حيزاً كبيراً من اهتمامها، شاهدنا آثاره ونتائجه واضحة وجلية خلال عام 2017، وكان ذلك بهدف تنويع القاعدة الاقتصادية.
فبقدر ما تخلق المعارض جواً من التواصل الذي يتيحه لقاء الشركات فيما بينها، بقدر ما تساهم في تحقيق انتشار أوسع لما تقدمه هذه الشركات، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وخاصة من خلال المشاركات في العديد من المعارض الدولية، ولذلك يمكننا عدها من الأدوات الاقتصادية والسياسية والثقافية المهمة.
فهل حققت هذه المعارض الجدوى المطلوبة، وهل استطاعت أن تكون عنصراً فاعلاً من عناصر تنوع القاعدة الاقتصادية في سورية، وهل يمكننا أن نقول: إن معرض دمشق الدولي حقق نقلة نوعية في دور المعارض الهام من خلال استعادة الأسواق القديمة، واستقطاب أسواق جديدة تكون مجمعاً لتدفق المنتجات السورية على اختلافها؟.
 
تأمين فرص الالتقاء
إن العناصر التي تلعب دوراً أساسياً في هذه المعارض، تنقسم إلى ثلاث جهات، الجهة الرسمية أو الراعية، والمنظم، والتاجر (كمشارك).
فإذا بدأنا من الجهة الرسمية التي تتمثل بوزارة الاقتصاد والمؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية، فإن إقامة هذه المعارض تحقق أرباحاً، سواء حالية أو مستقبلية، والدليل على هذه الفوائد أو الأرباح، هو تكرار المشاركات.
وهذه ليست مجرد وجهة نظر، بل نتيجة بعد تجربة تكررت، وتنوعت في فحواها ومحتواها، يشخصها وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور محمد سامر الخليل الذي يشير في حديثه لـ “البعث” إلى دور المعارض في تأمين فرص الالتقاء بين المنتجين والتجار والمستوردين في الدول المستهدفة، وتوقيع العقود والصفقات التجارية، وتسريع عجلة التبادل التجاري، وانسياب البضائع والمنتجات بالكم والنوع المطلوبين.‏
كما يشير الوزير الخليل إلى دور المعارض في التعريف بالمنتج الوطني من جهة، وفتح أسواق تصريف جديدة أمام المنتجات السورية (على اختلاف أنواعها) من جهة أخرى، ولا سيما في معارض البيع المباشر، وهذا ما نشاهده من خلال تكرار مشاركات القطاع الخاص في هذه المعارض، فإن لم تحمل هذه المشاركات فوائد اقتصادية له، لا يشارك فيها مرة أخرى، لذا فإن تكرار المشاركات في هذه المعارض يثبت جدواها لدى القطاعين العام والخاص على حد سواء.
 
استقدام بضائع بالأطنان
لم يذهب فارس كرتلي، مدير عام المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية، بعيداً عن وجهة نظر الوزير، فهو يرى أن المؤسسة ذات دور هام بتهيئة الظرف المناسب لإقامة المعارض، من المكان والزمان والإعلان، وطرق الانتقال.
وهناك الكثير من المعطيات التي تثبت فاعلية هذه المعارض للمشاركين وللزوار على حد سواء، ويرى كرتلي أن ما تم تصديره في معرض صنع في سورية وصل للمئة طن أو أكثر، والكثير من التجار المشاركين في المعارض عبّروا عن استفادتهم منها، وخاصة معارض البيع المباشر، فعندما تستقدم إحدى الشركات للمعرض أطناناً من منتجاتها بشكل يومي، فهذا يعني أن البضائع الموجودة لديهم تصرف، هذا عدا عن العقود التي يتم توقيعها مع الجهات الخارجية.
ويتابع كرتلي: لهذا الغرض يتم العمل على تفعيل دور مدينة المعارض لتخدم المعارض بشكل أكبر، كما أنه جرى العمل مع الجانب العراقي على وضع برنامج تنفيذي لمذكرة تفاهم تم توقيعها معهم منذ عام 2011، الآن أعيد تفعيلها، ووضع لها برنامج تنفيذي، وسيكون أول معرض بيع للمنتجات السورية في العراق في شهر نيسان القادم.
 
حجر الأساس للاستثمار
أما الحلقة الثانية في المعارض، فهي المنظمون والمنسقون الذين يمثلون صلة الوصل بين الجهة الرسمية وبين التجار المشاركين فيها، فهي ترى أن هذه المعارض تشكل حجر الأساس في جذب المستثمرين، وتحريك عجلة الاقتصاد والصناعة الوطنية، إذ تشكل الأرض الخصبة للطلب بكل أنواعه ومضامينه ومحتواه، وإن كانت الملكية هي المعيار والدليل الأول على قوة الاقتصاد، فإن المالكين يذهبون إلى تلك المعارض لدعم ملكيتهم، ويرون آخر ما وصل إليه الإنتاج أولاً، ثم يقررون الشراء، ودعم ملكيتهم واقتصادهم ثانياً، هذا بحسب رأي خلف مشهداني، مدير مجموعة متخصصة بتنظيم المعارض، حيث يرى أن المستثمرين الذين يقومون بتوظيف أموالهم في التجارة، تشكل تلك المعارض لهم بيئة جيدة للاطلاع والتخطيط لأعمالهم التجارية في القادم، وهم يسعون دائماً لتوظيف أموالهم بما يعود عليهم بالربح الوفير من خلال المشاركة في هذه المعارض، أو زيارتها، والاستثمار بها، ومن خلالها.
ويتابع مشهداني: في سورية أصبحت صناعة المعارض من أهم الأدوات الاقتصادية التي أخذت حيزاً هاماً من اهتمام الدول في سعيها لتنمية هذا القطاع وتطويره، لتصبح صناعة لها كيانها الخاص، ولتشكل عنصراً مهماً في نمو الاقتصاد، وجزءاً أساسياً في بناء التفاهم والعلاقات بين الدول، وتأتي أهميتها من الدخل الاقتصادي الذي تقدمه للمدينة المستضيفة، إضافة إلى كون المعارض عامل جذب للسياح للاطلاع على آخر الابتكارات التي يحدثها العارضون أثناء عرضهم وممارستهم التاريخية في إنتاج السلع والخدمات التي يريدون تسويقها، وبالتالي لا تقل أهمية المعارض بالنسبة للسياحة عنها بالنسبة للاقتصاد والصناعة.
وبما أن المنظمين هم صلة الوصل بين جميع الجهات التي تشكل المعارض، فهم الأكثر اطلاعاً على الفوائد التي حققتها هذه المشاركات وتلك في المعرض، ما يحسب للمنظم قدرته على تنظيم معرض، والتوجه إليه مرة أخرى في تنظيم معارض لاحقة.
فوائد غير مباشرة
تأتي بعد ذلك الحلقة الثالثة في هذه المعارض، وهي المشاركون من شركات ورجال أعمال ومؤسسات عامة أو خاصة، حيث إن هذه المشاركة قد لا تحمل الفائدة المباشرة، ولكنها بشكل أو بآخر، تقدم فوائد مؤجلة، فإن لم يوقعوا عقوداً ويعقدوا اتفاقيات من خلال مشاركتهم في أحد المعارض، إلا أن هذه المشاركة تساهم بشكل كبير بتوسيع انتشارهم لدى الناس والتجار ورجال الأعمال، وهذا ما أكد عليه رامي زعرور، مدير شركة للمعايير الدولية ونظم الجودة، الذي قال: انطلاقاً من تخصصنا وخصوصية مجال عملنا كمؤسسة استشارية تخصصية تُعنى بتدريب وتأهيل المؤسسات العامة والخاصة لتطبيق نظم الإدارة، اتجهنا نحو المعارض الداخلية للتعريف بخدماتنا، ولتكون منصة الوصل مع الفعاليات الاقتصادية السورية، فتواجدنا في هذه المعارض يتيح لنا الفرصة بعرض خدماتنا للمشاركين والزوار، وتكون منصة تعريفية تجمعنا بأصحاب القرار في هذه المؤسسات، نتبادل وإياهم المعرفة والمعلومات، ما يؤهلنا لبناء علاقات مع عملاء مستقبليين، أو دعم وتشجيع عملائنا الحاليين.
ويرى زعرور أن هذه المعارض تحقق الفائدة المشتركة للجهات الحكومية التي تدعمها وللجهات الأخرى التي تشارك بها كشركات وللزائرين، ولذلك يطلب أن تأخذ دعماً واهتماماً أكبر بحيث تساهم في دفع العملية الاقتصادية، ويقول: انطلاقنا من مبدأ الفائدة المشتركة بين العارضين والزائرين، ودعمنا لعملية تفعيل العجلة الاقتصادية السورية بعد سنوات الأزمة، فلا بد من دعم هذه المعارض والملتقيات بشكل مباشر من الجهات الحكومية، وذلك من خلال تقديم التسهيلات التي تساعد المنظمين على طرح أسعار مقبولة وتشجيعية للعارضين.
وشركات أخرى رأت أن إقامة المعارض، وخاصة التخصصية يقدّم فائدة كبيرة للشركات من ناحية جذب المستثمرين، ورجال الأعمال الراغبين بالتعاون مع هذه الشركات ليتم التعاون فيما بينهم على إقامة المشاريع، وتبادل المنتجات والبضائع والخبرات على حد سواء، كما يرى حسين سكران، مدير شركة للشحن والتخلص الجمركي، حيث إنه يؤسس لعقود واتفاقيات قادمة من خلال المشاهدات التي وقع عليها الزائر لما قدمه المشارك في المعرض.
 
نتائج على الأرض
فإذا حاولنا إحصاء النفع الحقيقي الذي تجلى من خلال هذه المعارض، فإننا نقف على نتيجة، مفادها أن المعارض التخصصية، ومعارض البيع المباشر تتجلى فوائدها الحقيقية في التصدير، وتوقيع الاتفاقيات مع البلدان المجاورة لتصدير البضائع والمنتجات السورية لهم، كما حدث في معرض صنع في سورية الذي استقطب العديد من الصناعيين والتجار من العراق والجزائر والسودان، وتأتي بعد ذلك المشاركة في المعارض الدولية التي تحقق النفع ذاته من خلال التصدير، كالمشاركة في معرض بغداد الدولي، ومعرض الخرطوم الدولي، والكثير من المعارض التي تحمل ذات الطابع.
بينما المعارض والملتقيات التي تخص رجال الأعمال فإن فوائدها تتجلى في الاستثمار، وإقامة بيوت الأعمال، كالإعلان عن تأسيس الشركة الروسية السورية للاستثمار والتجارة (موسكوفا) خلال فعاليات معرض رجال الأعمال– سيرفكس 2016، وتأسيس مركز بيت الأعمال (BHC)، إضافة إلى الإعلان بشكل رسمي عن تأسيس وانطلاق أعمال الشركة الروسية (أوليفو الدولية للتجارة) في معرض روميكس 2017، والاتفاق بين أحد رجال الأعمال العراقيين الزائر لمعرض روميكس مع شركة الحموي للبلاستيك على فتح معمل سوري في العراق لإنتاج البلاستيك بأنواعه.
مادلين جليس