الحمضيات.. بيــن فائـض العـرض الكبيـر.. وأرقـام التصديـر الخجولـة..

الحمضيات.. بيــن فائـض العـرض الكبيـر.. وأرقـام التصديـر الخجولـة..

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٧ فبراير ٢٠١٨

لمى يوسف
لم يكن واقع حال الحمضيات لهذا العام كما الأعوام السابقة... خطوة خطتها التجارة الداخلية أسقطت بعضاً من هم التسويق الذي يثقل كاهل المزارعين.. فقد قامت بشراء محصول الحمضيات عبر مراكز التوضيب المتواجدة بالقرب من البساتين وبأسعار تحددها الجودة والنوعية، وهذه الأسعار جيدة إذا ما قورنت بما هي عليه في الأسواق المحلية.. وقد وزعت المحاصيل المشتراة مجاناً ضمن مناطق متفرقة من المحافظة..
و أثارت هذه الخطوة جدلاً واسعاً بين المعنيين والمتابعين لمشكلة تسويق الحمضيات حيث اعتبرها البعض حلاً مؤقتاً لا يمكن الاستمرار بها.. وأكد آخرون أن أثرها على المنتج سيء لأنه قلل من أهمية ثمرة الحمضيات في السوق، فيما بين البعض أن الفائدة كانت ثنائية الجانب حيث تم تسويق منتج مزارعي الحمضيات ببساطة ويسر وبتكاليف زهيدة، ومن جانب آخر تم توزيع هذه الثمار على المواطنين في المدينة والريف البعيد مجاناً.‏
تكاليف الانتاج عالية‏
خلال جولة للثورة ولقائها بعض مزارعي الحمضيات أشاروا أن الخسارة هذا العام كانت اقل نوعاً ما من الأعوام الماضية لأن التجارة الداخلية اشترت المحصول بأسعار مناسبة.. وأضافوا كاشفين عن بعض هواجسهم: ان تكاليف الانتاج عالية فقد تزايدت أسعار الأسمدة الضرورية بشكل جنوني والتي يتم شراؤها من المؤسسات العامة عبر الجمعيات الفلاحية حيث وصل سعر 50 كغ من سوبر فوسفات إلى 8500 ل.س وهذه الكمية تكفي لـ 50 شجرة فقط.. بينما 50 كغ من الآزوت «يوريا» تحدد سعره 9400 ل.س تكفي لـ 40 شجرة فقط..‏
وفي ظل غياب البوتاس الهام للاثمار تم الاعتماد على الذواب المتواجد في الأسواق والذي وصل سعر الكيلو الغرام إلى750- 800 ل س ويكفي لشجرتين..‏
وكذلك الأمر بالنسبة لأسعار المبيدات فقد تراوح سعر الليتر من الزيت الصيفي الضروري للقضاء على الحشرات بين 2500 - 3500 ل.س حسب المصدر. أما النحاس المستخدم للوقاية من الأمراض الفطرية فقد بلغ سعر الكيلو الغرام منه نحو 4500 ل.س. وتراوح سعر الليتر من المبيدات العناكبية بين 8000- 9000 ل.س هذا ناهيك عن كلف مبيدات الأعشاب والحشرات والفطريات.‏
 
كما بلغت أجرة تقليم الشجرة الواحدة 500 ل.س. إضافة إلى ارتفاع أجور الحراثة والعمال الزراعيين.‏
منفذ وحيد‏
في المسير عرّجنا على بعض مراكز التوضيب والفرز والتشميع على اختلاف استطاعتها «خط جر واحد، 4 خطوط، 12 خط جر» ولم نستطع الحصول على رقم دقيق عن الكميات التي يتم فرزها وتوضيبها وتشميعها، وكذلك لم نحصل على رقم دقيق عن الكميات التي يتم تصديرها فقد قال البعض هناك تصدير لعدة دول «روسيا الاتحادية، أوكرانيا، والعراق» فقط.‏
 
والكميات المصدرة أرقام خجولة لا تستحق الذكر، لأنها تتم من أفراد إلى أفراد، كما أنها تقتصر على صنف أو صنفين «ماوردي- كريفون» علماً أن المنفذ الوحيد هو النقل البحري بسبب إغلاق الحدود وغالباً لا تصل البواخر لمرفأ اللاذقية، لذلك يعمل البعض على إيصال الشحنة إلى مرفأ بيروت ما يزيد من التكلفة للشحنة الواحدة ما بين 300-400 دولار حسب ما أكده أصحاب هذه المراكز. كما أن هناك تجاراً يقومون بالتصدير من دمشق وحلب والقليل من أهالي اللاذقية.‏
 
فائض العرض‏
 
 حول مشاكل الحمضيات وتبعاتها التقت الثورة المستشار والخبير الاقتصادي د.فادي عياش فأعطى موجزاً عن أسبابها بمفاهيم اقتصادية قائلاً: إن المشاكل الخاصة بالحمضيات تتحدد: بالتوسع غير المنضبط لزراعة الحمضيات وذلك لعاملي الحرمان والتقليد وبدافع المنفعة.. فقد كنا نستورد الحمضيات الفاخرة حتى نهاية الثمانينات من لبنان بالدرجة الأولى، وكانت الزراعات محدودة عندما بدأت زراعته بالتوسع, تم الأمر دون ضوابط، فكان هذا التوسع غير مدروس لا من حيث المساحات والمواقع والأصناف ولا من حيث الأساليب وطرق الزراعة والعناية. قلعت أشجار الزيتون وزرعت الحمضيات مكانها، فقد كانت أكثر جدوى من زراعة الزيتون حينها وهذا مبرر. أدى ذلك مع الأيام إلى تنوع شديد في أصناف المنتج بشكل غير مدروس أي بدون مراعاة الأفضل «للمائدة، للتصنيع، للتصدير، والأكثر مقاومة...» وغيرها من المعايير.‏
 
بدأت المشكلة الفعلية عند ظهور فائض العرض عن الطلب، واستمر العرض في النمو بنسب أكبر بكثير من نمو الطلب على سبيل المثال أن: يقدر الإنتاج السنوي بين مليون و200 طن بينما الاستهلاك لا يتجاوز 400 ألف طن.. بالتالي هناك فائض كبير فاقم المشكلات المتعلقة بهذا المحصول كافة.. واكد عياش انه عندما يكون هناك فائض كبير للعرض تتدهور الأسعار، وعندما يكون هناك عدم تخصص تقل قيمة الانتاج التسويقية، فإذا أضفنا إلى ذلك زيادة التكاليف تصبح المشكلة أكثر تعقيداً. التصدير إلى الأسواق العراقية خفف من وطأة هذه الآثار خلال فترة محدودة، مع ملاحظة أن هذا التصدير لم يكن بثقافة التصدير الحقيقية اللازمة في تسويق منتج ضمن أسواق خارجية لأن الآليات بقيت واحدة وبالتالي لم تتطور ثقافة التصدير ونتيجة الحرب والظروف والحصار الاقتصادي لاسيما إغلاق المنافذ الحدودية توقفت عمليات التصدير إلى الأسواق التقليدية وزادت تكاليف الانتاج بشكل كبير بحكم الارتفاع العام للأسعار وتراجع الطلب نتيجة غلاء المعيشة وتراجع القدرة الشرائية وصعوبة تدفق وانسياب المنتج إلى الأسواق المحلية «الساحلية» ؟؟؟‏
 
جملة هذه العوامل مع الحفاظ على نفس مستويات الانتاج تقريباً أدى إلى تراجع الأسعار والاهتمام وفقدان الجدوى تقريباً وعلى اعتبار أن الثقافة التي كانت سائدة في المجتمع هي ثقافة الدولة الراعية حمّل المزارع كامل همه على الدولة، وحاولت هذه الأخيرة القيام بما تستطيع لمساعدة المزارع أو لإنقاذ المحصول.. فمن الاجراءات التي تمت: الدعم المباشر بتخصيص مبالغ كبيرة «مليار دولار لدعم شراء المحاصيل في 2016، و350 مليوناً لدعم التصدير». وقامت بمحاولات كثيرة لفتح أسواق جديدة لاسيما روسيا وبعض البلدان الصديقة الأخرى خلال 2017 وحسب الاجتماع الأخير للحمضيات تقرر تخصيص 3,5 مليارات لدعم وإنشاء مجمعات خاصة لفرز وتوضيب وتجهيز الحمضيات، وتصنيف وترقيم البساتين كافة والأصناف. وعملت على تشجيع إنشاء منشآت فرز وتوضيب وتشميع وتخزين الحمضيات مع تقديم التسهيلات والدعم لمستلزمات التسويق لاسيما العبوات والنقل.. كما تم وضع حجر الأساس لمصنع انتاج العصائر «الحمضيات» ويوجد دراسات لمصنع آخر للقطاع الخاص..‏
 
ثقافة عمل‏
 
ولكن السؤال الذي يطرح في عالم الحمضيات السورية لماذا لم ننجح بالتصدير رغم الجهود؟ هل الأمل مفقود؟‏
 
يضيف د.عياش: حين نقول التصدير يكون الحديث عن أسواق دولية خارجية تحكمها معايير دقيقة وشديدة ومختلفة يتحكم بها نمط الاستهلاك، ومن المعروف أن التصدير ثقافة عمل، وفي الواقع لم نكن جاهزين لذلك فتعلم المزارع لدينا كيف يتدبر أمره مع تجار السوق المحلي ونشأ لدينا ثقافة البوري «الغش في التوضيب» وهذا لا يصلح في الأسواق الدولية وحتى في تجارب التصدير السابقة كانت بأسواق شبيهة بأسواقنا كالسوق العراقي.. وحتى تلك المرحلة لم تكن منظمة وإنما قام بها أفراد وتجار ولم تبن على ثقافة تصديرية صحيحة ولم تنعكس على آليات التوضيب والفرز والتشميع والخزن، بالتالي عندما انطلقنا إلى أسواق عالية المعايير لم نوفق حتى إنه لم يكن لدينا سابقاً ورشات فرز وتوضيب الحمضيات وما هو متوفر الآن أقل من الحاجة بكثير..‏
 
نهاية النفق‏
 
صحيح أن الدولة حاولت القيام بالكثير من الاجراءات لمعالجة هذا الوضع لكن في أغلبها اجراءات إسعافية تحت دافع واجب الدولة تجاه المجتمع إلا أنها لن تتمكن من خلالها معالجة المشكلة الفعلية، ولكن على الرغم من ذلك هناك محاولات الآن لإعادة تنظيم هذه الزراعة ولا مشكلة من اقتلاع بعض البساتين وإعادة زراعتها بأصناف مدروسة وكذلك توحيد الأصناف لتخفيف التنوع الشديد.‏
 
واضاف عياش التوسع في تصنيع منتجات الحمضيات هي أكبر بكثير من فكرة عصائر، ضمن دراساتنا المتخصصة تبين أن نكهات العصائر المرغوبة في السوق السورية هي نكهات العصائر الاستوائية كالمانجو والجوافة والأناناس أكثر من نكهات الفواكه المتاحة في بلادنا كالحمضيات والتفاح العنب والرمان والسبب الفعلي هو غياب معيار ذاكرة التذوق. على اعتبار أن الفواكه الاستوائية غير متاحة في بلادنا، فالمستهلك لا يعرف طعمها الحقيقي بل تعرف عليها من خلال العصائر المستوردة أو مركزات.. فأصبح طعم العصير هو المرجع، بينما المرجع في المحاصيل المحلية هي الفاكهة ذاتها وبالتالي لا يستسيغ عصائر هذه الفاكهة المصنعة لأنها تتعرض لمعالجة فيزيائية وكميائية تغير من صفاتها.. من هنا نجد أهمية التركيز على إنتاج منتجات أخرى من هذه الفواكه المحلية أكثر جدوى وأكثر قدرة تسويقية على مستوى السوق المحلي والأسواق الدولية. مثال ذلك صناعة المكثفات والمثخنات الغذائية، والملونات والمنكهات والزيوت العطرية وهي بمجملها مدخلات أساسية في العديد من الصناعات كونها حاجة ملحة وسلعة مطلوبة على المستوى العالمي وتمتلك فيها ميزة تنافسية كونها بنت الطبيعة.. وهذا النوع من المنتجات الصناعية لا يحتاج إلى أصناف خاصة بالعصائر لا بل يتكفل بتصنيع كل ما هو غير قابل للتسويق وتبقى العصائر منتجات ثانوية.‏
 
ولا بد من المحاولة لزيادة الطلب المحلي وتشجيع الاستهلاك المحلي لأنه يعتبر قليلاً مقارنة مع الدول المجاورة ولكن للاطمئنان مجرد فتح المعابر الحدودية لاسيما مع العراق ستختفي معظم آثار المشكلة وستتحسن الأسعار وتقل الشكوى ولكن حذار من جوهر القضية اذا لم يحل. هناك من يستبدل بساتين الحمضيات بأصناف وأنواع أخرى من الأشجار لكن نتمنى ألا تعاد الكرة وأن تكون هذه الأصناف مدروسة بعناية وبإشراف مديريات الزراعة كي لا تتكرر المشكلة بمحاصيل أخرى.