بحاجة إلى الضبط السوق العقارية.. عشوائية وفوضى.. أسعار جنونية.. واستغاثات الناس في مهب الريح

بحاجة إلى الضبط السوق العقارية.. عشوائية وفوضى.. أسعار جنونية.. واستغاثات الناس في مهب الريح

أخبار سورية

الاثنين، ٥ مارس ٢٠١٨

ليست وليدة الأزمة، لكن الأزمة أضرمت النار فيها ليعلو لهيبها من جديد..وليست المرة الأولى التي تعلو فيها الأصوات مناشدة أصحاب العلاقة بإيجاد حل جذري مع أصحاب العقارات الذين لم تعد آلاف الليرات تشبع أفواههم لقاء تأجير عقاراتهم.. وها نحن نقترب من السنة الثامنة من عمر الأزمة، ومازال ارتفاع الإيجارات، وحالة العشوائية التي يشهدها السوق العقاري يشكلان مشكلة مزمنة للمواطنين والمقيمين على حد سواء في ظل غياب آليات قانونية وإدارية تضبط إيقاع سوق العقارات، لتصبح وسائل “تطفيش” المستأجر من قبل صاحب العقار جزءاً أساسياً من يومياته..واليوم وقد شهدت الكثير من المناطق حالة من الاستقرار والأمن، رافقها جنون هستيري في أسعار العقارات لتفوق إيجارات المنازل في ريف دمشق الجنوبي تحديداً “جديدة عرطوز- قطنا وصحنايا” الخمسين ألفاً للشقق غير المفروشة، في حين وصلت في تلك المناطق إلى المئة ألف للشقق المفروشة مع غياب كامل لأعين المحافظة، والجهات صاحبة القرار عن هذه الأسعار.
ضحايا استغلال
كثيرة هي القصص التي نسمعها خلال يومنا عن معاناة المواطنين الذين اضطروا لترك منازلهم، والبحث عن أماكن أكثر أمناً، ليكونوا ضحايا استغلال وجشع أصحاب العقارات، فأمام حاجة المواطن للإيجار بدأ أصحاب العقارات والمكاتب العقارية بزيادة الضغط على المستأجرين من خلال تحميلهم كلفة تسجيل العقود في الدوائر الحكومية المعنية، وكذلك التلاعب بحقيقة الأسعار المعلن عنها في العقد، كما أن جميع المؤجرين لا يقبلون إلا بتقاضي قيمة الإيجار المتفق عليها، وعن كامل المدة المحددة في العقد مسبقاً، وقبل توقيع عقد الإيجار، وهنا لا يملك المستأجر إلا الرضوخ لرغبة المؤجر، إضافة إلى قيام مالكي الشقق السكنية بتأجيرها لفترات قصيرة تتراوح بين ثلاثة أشهر وستة أشهر طمعاً بزيادة الأجرة للمؤجر نفسه أو لغيره، والبعض الآخر قام ببناء وحدات سكنية دون تحقيق المواصفات بهدف تأجيرها، خاصة في مناطق السكن العشوائي، وعند تداول أية شائعة بزيادة في الرواتب نشهد سباقاً بين أصحاب العقارات لرفع أجرة عقاراتهم، متناسين أن أغلب من هجّروا من منازلهم هم أصحاب مهن خاصة دمرها الإرهاب، لتسبق تبريراتهم اتهامات المواطنين المهجّرين بأن ارتفاع الأسعار يعود إلى كثرة الطلب على الشقق هذه الأيام من قبل الناس، وقلة المعروض في السوق، وبأن الاعتماد الحالي للمواطنين في تأمين قوت الشهر لا يتوقف على الراتب الذي لا يكاد يسد الرمق، بل على مدخراتهم، سواء كانت عقارات أو أراضي، أو حتى البحث عن أعمال إضافية غير وظيفتهم، عسى ولعل يستطيعون إكمال شهرهم دون الحاجة لمد طلب العون من أحد، لذلك نجد أصحاب العقارات وجدوا ضالتهم في رفع الأسعار تماشياً مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والمشتقات النفطية دون الأخذ بالحسبان انخفاض سعر الدولار الذي كان لابد أن ينعكس بشكل إيجابي على حالة السوق بشكل عام، وسوق العقارات بشكل خاص، لكن ما شهدناه على أرض الواقع هو العكس تماماً.
 
حلول بديلة
لا يمكننا أن نغض النظر عن الكثير من العائلات التي هجّرت من منازلها، سواء من محافظات أخرى، أو حتى من ريف دمشق، هذه العائلات التي لا تستطيع دفع أجرة لمنزل في دمشق، أو حتى في ريفها بعد أن أصبحت الأجرة لغرفة واحدة تعادل راتباً شهرياً لموظف، ليكون الحل الوحيد أمام هذه العائلات هي مراكز الإيواء، أو الحدائق، أو حتى المنازل التي لا تزال ورشات البناء تقوم بتشييدها، حيث نجد الكثير من العائلات وجدت ضالتها في هياكل الشقق هذه، لتدرأ عنها برد الشتاء، وحر الصيف تحت سقف ليس لهم، وشقة بلا أبواب، أو حتى نوافذ تقيهم من البرد، في المقابل وجدنا عائلات أخرى قامت باستئجار منزل بالاشتراك مع عائلتين، أو ثلاث عائلات مناصفة في دفع الأجرة كمسكن مشترك بما يخفف ثقل الأجرة المرتفعة، والتي تصدّرتها مدينة دمشق من بين جميع المحافظات، إذ وصل إيجار شقة سكنية في منطقة “أبو رمانة” بين 80 و 100 متر إلى حوالي 500 ألف ليرة سورية، وهناك شقق في منطقة المالكي يصل إيجارها الشهري إلى حوالي مليون ليرة سورية، كذلك يمكن أن تجد أسعاراً أقل في مناطق أخرى كمنطقة الزاهرة، حيث وصل إيجار المنزل فيها بين 150 و200 ألف ليرة، في حين يوجد مناطق على أطراف العاصمة، كصحنايا وجرمانا وقدسيا، تتراوح الإيجارات فيها بين 50 و75 ألف ليرة سورية، مع العلم أن هذه المناطق تفتقر للمواصلات وللكثير من الخدمات.
 
مكاتب الكترونية
وتنتشر عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي متخصصة ببيع العقارات، تعرض شققاً ومحلات تجارية في مختلف المناطق السورية، وأغلب هذه العقارات للبيع وليست للشراء، في خطوة يفسرها المتابعون لحركة السوق على أنها رغبة من قبل الملّاك ببيع بيوتهم وممتلكاتهم بداعي السفر والهجرة، إذ يمكن لمتتبع صفحات بيع وتجارة العقارات على “فيسبوك” أن يلحظ إقبالًا على الإيجار على حساب الشراء، وذلك بسبب ارتفاع أسعار العقارات الباهظ، فلا يمكن لمن يرغب بالعيش ضمن أحياء مدينة دمشق أن يجد منزلاً بأقل من 50 مليون ليرة دون فرش، ولا يمكن لمن يرغب باستئجار منزل أيضاً أن يفعل ذلك دون أن يدفع 150– 200 ألف ليرة شهرياً.
 
بدل إيجار وهمي
ومن الأمور التي لا نستطيع أن نغلق أعيننا عنها هو لجوء أصحاب العقارات لأساليب وطرق ملتوية يلتف بها على القانون، ولأسباب مختلفة، وطبعاً ذلك لا يكون دون تواطؤ من الجهة المعنية، والتي تعلم بوجود خلل ما، لكن رغم ذلك تتغاضى عنه، والأمثلة على ذلك كثيرة، فعقود الإيجار التي يتم تنظيمها في الدوائر الإدارية، ويكون أغلبها مسجلاً ببدل إيجار وهمي، تفسر ما نقصده، والغاية من ذلك التهرب الضريبي فقط، والمستأجر لا يجد أمامه من خيار سوى قبول الأمر الواقع، فهو أيضاً سيستفيد من ذلك بشكل من الأشكال، خاصة عند حدوث مشكلة بينه وبين المؤجر، ويضطر لمغادرة المنزل، فهو بهذه الحالة لا يدفع إلا ما ذكر في العقد، ولأن المالك المؤجر يكون غالباً صاحب خبرة طويلة بهذا المجال، ويعلم جميع الثغرات القانونية التي يمكن أن يستفيد منها المستأجر، فيلجأ لاستيفاء أجره عن كامل السنة، أو يكتب سند أمانة على المستأجر، بحيث يضمن تحصيل أمواله مهما حصل، وفي الوقت ذاته يحتال على القانون ليتهرب من دفع ما يترتب عليه للدولة؟!.
 
قرارات استثنائية
كثرت المطالب بإيجاد حل إسعافي لسوق العقارات، وقلّت الآذان الصاغية لهذه المطالب، وبرأي المحامي “علي عمران” فإنه لابد اليوم من وضع دراسة لسوق العقارات، ووضع حلول وأنظمة لضبط العلاقة بين المستأجر والمؤجر، خاصة تنظيم عمل المكاتب العقارية لحفظ حقوق المؤجر والمستأجر، إذ إننا نحتاج في الأزمة إلى قوانين أزمة تحفظ كرامة المواطن، وتجعله متمسكاً بوطنه، فالقوانين نظمت لخدمة المواطن، وليس لمن يعتبر بلده فندقاً يغادره متى ساءت الظروف، ولابد من التدخل سريعاً في سوق العقارات، ومحاربة الظواهر الفاسدة، والابتزاز في مجال الإيجارات والإخلاءات، وإذا كان من غير المستطاع إصدار قوانين استثنائية، فلابد من إصدار قرارات استثنائية تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ومن وجهة نظر “عمران” فإن الحلول تبدأ من الناس أنفسهم، وخاصة مالكي العقارات، فالأخلاق قبل القانون، لأن القانون ينظّم علاقة، ولكنه لا ينظّم خلقاً، فيتوجب على أصحاب العقارات تحكيم ضميرهم، وتقدير ظروف من دفعتهم الأزمة كي يكونوا باحثين عن مأوى، والإسراع من قبل الدولة قدر الإمكان لإيجاد أبنية مسبقة الصنع تضم العدد الأكبر من الإخوة المشردين.
 
الحل بيد الحكومة
يشهد سوق العقارات حالة تأرجح بشكل مستمر حتى قبل سنوات الأزمة، حيث وصف محمد كوسا، “دكتور في الاقتصاد”، أن الزيادة السنوية في سوق العقارات في حدود متسارعة جداً، على عكس سكون الدخل، وفي ظل عدم إمكانية تطوير الدخل في مواقع أخرى نتيجة الظروف الحالية، وما نلحظه اليوم هو قلّة العرض المتاح من العقارات السكنية والتجارية بسبب عدم وجود إمكانية للبناء الجديد، وعدم وجود إمكانية لتشييد الأبنية الموجودة على العظم، كذلك عدم وجود سيولة كافية في جيوب المستثمرين لإنشاءات جديدة، ناهيك عن الارتفاع الهائل في أسعار مواد البناء نتيجة سعر الصرف المتذبذب، إذ إن غالبية هذه المواد مستوردة، ولا ننسى عدم تمكن الدولة من تقديم خدمات البنية التحتية: “طرقات، وكهرباء، وماء” للأماكن الجديدة في حال تم تشييدها، وعدم تخصيص أراض جديدة معدة للبناء من قبل الحكومة تتاح للمستثمرين، حيث أتيح جزء بسيط منها مؤخراً العام الماضي في ضاحية الفيحاء، وعدة مدن، لكنها غير كافية لسد حاجة الطلب المتزايدة على السكن والتجارة، هذه الأسباب مجتمعة أدت لعرض قليل، وطلب كبير، ووفق مبدأ التضخم أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار في سوق العقارات بشكل جنوني، لنشهد حالة من الفوضى العارمة أضاف عليها التجار وأصحاب العقارات فوضى أخرى بجشعهم الذي ترافق مع نزوح كم كبير من المواطنين إلى المناطق الآمنة، ولم تستطع الدولة إيجاد آلية خاصة لاستيعاب وتوزيع النازحين بشكل أكثر تنظيماً، ويخفف من الضغط السكني، وما رافقته من مشاكل اجتماعية ومادية، ولم ينف كوسا وجود تلاعب كبير ببدل الإيجار للتهرب من دفع حق الدولة من الرسوم والضرائب المترتبة على عقد الإيجار، فكلما كان مبلغ الإيجار المسجل في العقد كبيراً كانت الرسوم أكبر، وبالتالي ليس من مصلحة كلا الطرفين في العقد تسجيل أرقام كبيرة، وطبعاً هذا الموضوع يحتاج لتنظيم من قبل وزارة الإدارة المحلية، والبلديات، و”إغراء المستأجرين” بالتصريح عن المبلغ الحقيقي، وإلزام المؤجر فقط بدفع الضريبة.
ولم يجد كوسا في مرحلة إعادة الإعمار في المنظور القريب حلاً سريعاً لمشكلة السكن، وارتفاع سوق العقارات، فهذه المسألة تحتاج إلى مدى أبعد من سنتين، وثلاث سنوات، كذلك لابد من اتباع بعض السياسات الحكومية المستعجلة في مرحلة الإعمار، ووضع القطاع الإنشائي كأولوية في هذه المرحلة، ومن الممكن أن تقوم الحكومة حالياً بتأمين مستلزمات الإنتاج في القطاع الإنشائي بنسب دعم محدودة، وتسهيل سياسات الإقراض من قبل المصارف، “فتح القروض السكنية”، وتقديم تسهيلات كبيرة في هذا الجانب، من ضمنها إطالة زمن سداد القرض، وتقليص فائدة هذا القرض.
 
نشر ثقافة جديدة
محافظة دمشق تؤكد دائماً أن حالات التلاعب ببدل الإيجارات موجودة ومنتشرة بشكل كبير، ولكن ليس بإمكان المحافظة أن تفعل شيئاً، وإن كانت تعلم ضمنياً أن بدل الإيجار المذكور غير صحيح طالما أن الطرفين قد اتفقا على ذلك، وتدعو دوماً إلى نشر ثقافة جديدة لتوعية المواطن بأهمية تسجيل العقد بشكل منظم، لأن توثيق العقد بين المالك المؤجر والمستأجر في الدوائر المحلية، والبلدية، والمالية، ضمانة لحقوق كليهما إذا حصلت أية منازعة بشأن هذا العقد، مع نصح المؤجر بكتابة بدل الإيجار الحقيقي للمأجور، وعدم اللجوء إلى كتابة بدل إيجار وهمي من أجل التهرب الجزئي من الضرائب والرسوم، ولكي لا يضع نفسه في مأزق قد يندم عليه، ويفقد جزءاً من حقوقه!.
 
ميس بركات