من “كسر” الأيدي الماهرة السورية في زمن الفورات التنموية الكاذبة ؟؟!!

من “كسر” الأيدي الماهرة السورية في زمن الفورات التنموية الكاذبة ؟؟!!

أخبار سورية

السبت، ١٠ مارس ٢٠١٨

الخبير السوري – ناظم عيد
 
كان لافتاً بجرأته محمد الغنوشي الوزير الأول التونسي ، حين رفض في العام 2009 إدراج الصناعات اليدوية والتراثية ، على جدول أعمال اللجنة العليا المشتركة السورية التونسية المنعقدة هناك في عاصمة “البلد الشقيق”، عندما كان تذليل الحواجز الجمركية من سبيل التدفقات السلعية بين البلدين ، مطروحاً على بساط البحث كبند أول على طاولة المفاوضات.
 
اللافت أن تحفظ الغنوشي جاء في ذروة التصفيق لتواتر فصول تطبيقات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ، وحينها كان لا يجرؤ مسؤول عربي على التحفظ بشأن تهديم الجدر الجمركية ، وتحقيق الدفع المزعوم لخطوات العمل العربي المشترك ، حتى ولو كان “كذب بكذب”.
 
إلّا أننا لم نملك حينها كإعلاميين حاضرين للمشهد ، إلّا أن نقدّر ضمناً حرص الغنوشي التونسي ، على حماية أهم ميزة نسبيه لمواطنيه الفقراء ، وهي الصناعات اليدوية التراثية ، في زمن تزاحم السلع وسياسات الإغراق “الوقحة” التي كانت علامة فارقة في العلاقات التجارية للدول ، ونذكر أن سورية قد تجرعت كؤوساً مرّة جرّاء اتباع دول الشراكة التجارية لهذه الإجراءات القذرة ، وفي المقدمة تركيا التي كادت توقف عجلة الصناعة السورية تماماً ، عبر إحلال البدائل التركية المدعومة في الأسواق السورية.
 
قدّرنا موقف الغنوشي بصمت ، وفي داخلنا تساؤل ملحّ واستفسار نظنه غاية في الموضوعية ، يتحرّى عمّا فعلناه نحن لحماية ميزاتنا الاقتصادية وخصوصياتنا ، ومنها المهن اليدوية التي طالما كانت علامة اقتصادية سورية فارقة ، وخاصيّة مهملة لاقت ما لاقته من تعسّف و تحييد حقيقي عن الفعل التنموي بشقيه الاقتصادي والاجتماعي ؟؟؟
 
بذات الزمن الذي سجلنا فيه هذه الحادثة ، كان الاقتصاد السوري يسجّل يومياً ، أحداثاً جديدة خلناها إضافات تنموية ، إما افتتاح معرض سيارات جديد ، أو شركة تأمين أو مصرف أو شركة صرافة ، و أمام كل من هذه “الفتوحات” كنا نمنى بتقهقر جديد زراعي أو صناعي ، والتقهقر الأبرز كان شبه اندثار الصناعة اليدوية و “تكسير” الأيدي الماهرة !!؟
 
و كانت تساؤلاتنا تزداد إلحاحاً ، مع معاينتنا لحمولة طائرة الخطوط التونسية التي أقلتنا إلى هناك ، وجلّها “بصحبة مسافر” قوامها منتجات الحرف السورية التقليدية..  الشرقيات النحاسية والخزفية والموزاييك و الجلديات ، وسلسلة طويلة من”إبداعات” اليد السورية ، وطبعاً سوق المقصد ليس تونس ، بل أوروبا عبر تجار تجميع البضائع التوانسة.
 
هي حقائق لم يطلع عليها آنذاك الوفد الحكومي الذي استقل طائرة خاصة ، بعيداً عن تجار الشنطة وما تنطوي عليه جعبهم وحقائبهم العامرة بما “صنع في سورية” ، بالتالي كانت تساؤلاتنا مجرد خواطر مراقبين ، بعيدة عن رؤى أصحاب القرار الشغوفين بالبروتوكول وتبادل كلمات المجاملة التي ثبت أنها لم تغن ولم تسمن…
 
منذ العام 2009 إلى الآن مروراً بسبع سنوات من الحرب والحصار والتجربة المريرة ، نجد أنفسنا نتقهقر في الدوران والعودة إلى المربع الأول ، وقد كان العام 2017 حافلاً بطقوس “القصاص من النعمة” إذ علت أصوات الاحتفال والتصفيق بإعلان “الانتصار” على الأزمة عبر تدشين سلسلة مصانع لتجميع السيارات ، وملامح أخرى لايمكن فهمها إلا على أنها إمعان في أشكال البطر الاقتصادي ، وفقدان البوصلة التنموية الحقيقية .
 
ونعود لنسأل …ماذا عن الصناعات اليدوية السورية المرغوبة عالمياً ؟؟
هل نبدو في كامل وعينا ونحن نتوقع أن نصدر السيارات – المجمعة – إلى عالم حجز فيه صانعو السيارات الحاذقون أماكنهم في الأسواق العالمية ؟؟
أم سنصدر المعدات الهندسية والكيماوية وننافس في صناعات لسنا إلا دخلاء ومتطفلين على أسواقها ، وحسبنا أن نحقق منها كفايتنا الذاتية أو نحمي أنفسنا من تدفقات مثيلاتها الأفضل والأعلى جودة..وطبعاً لم نفلح ؟؟
 
صادراتنا المتوقعة ليست إلا من القطاعات المهملة ذاتها ..وعلى رأسها المنتجات الحرفية التقليدية المهددة بالانقراض ، إضافة إلى سلسلة من منتجات الخصوصية السورية المهملة بدورها ، فهل سنستيقظ ونقلع عن الأوهام و التطبيل والتزمير لأنفسنا ونحن نحتفي بما يشبه الأحلام التي تتحول إلى كوابيس ، عندما تكون عبارة عن طموحات لمن لم يؤهلوا أنفسهم بعد لاستثمار النعمة ، فغرقوا في طقوس “رفس النعمة”..
 
لا نظن أننا سنحتاج إلى خارطة طريق لإعادة إنعاش قطاع الحرف و “اللمسة السورية” ، فقط نحتاج إلى لفته وسؤال أهل الكار عن احتياجاتهم التي لا تبدو صعبة التلبية إطلاقاً ، بل لعلها أبسط مما يتوقع مسؤولونا المأخوذون بـ “قص أشرطة الحرير” وافتتاح المشروعات السياحية من تصنيفات النجوم وسلاسلها التي تبدأ ولا تنتهي.