هكذا تورّط السوريون في "حروب الموز"

هكذا تورّط السوريون في "حروب الموز"

أخبار سورية

الاثنين، ١٢ مارس ٢٠١٨

الخبير السوري - ناظم عيد
 
لشغف السوريين بالموز حكاية طويلة  ربما هي ذات صلة بالعقدة التاريخية لدينا إزاء توفر هذه المادة "العزيزة" في أسواقنا ورغم أننا نسمع الكثيرين من الكبار يتحدثون عن عدم اكتراثهم بهذه الفاكهة الاستوائية إلا أن جذوة التشفّي فعلت فعلها ربما بل بشكل مؤكد وانتقلت بالمادة من قائمة الكماليات إلى خانة الأساسيات عبر حالة "تشفي استهلاكي" ونكايات مع الذات والسوق.
 
وقد تماهت الأخبار والمواد الإعلامية المنشورة عن "مأكول الأكابر" في كافة وسائل الميديا السورية  وبشكل مريب من حيث الحجم مع المواد المتعلقة بأهم و أكثر مادة أساسية كالخبز مثلاً  رغم أن "القرن الأصفر" ليس من ضمن قائمة موجودات مائدة السوريين التقليدية إلّا أنه نكأهم في مكان ما موجع على ما يبدو؟؟!!
 
هي طقوس المزاج والمذاق السوري المختلف عن كل النماذج العالمية التي تخضع للدراسة والتقويم في أدبيات الأسواق على امتداد كوكب الأرض …ولا نظن أننا نبالغ أبداً. ففي سورية وحدها يزداد الطلب على المادة التي يرتفع سعرها ، في مخالفة  غير مفهومة المسوغات – لكل أمزجة المستهلكين في هذا العالم  ولعل الموز هو المثال الأبرز والأشد غرابةً  !!
 
الواقع أنها عقدة بأبعاد و دوافع تتصل بخاصيّة التعويض وهي خاصية نفسية تفرض نفسها دوماً في السلوكيات الاستهلاكية سيما وأن هذه المادة "النادرة" أحياناً  في أسواقنا لأنها مستوردة بالكامل تقريباً  كانت في زمن ما  أداة لـ"المفاخرة الاستهلاكية" والتمايز الطبقي في سورية وبما أن الفقراء يرفضون الاعتراف بتفوق امتيازات الأغنياء كان التقليد والإصرار عليه هو الحل.
 
الجانب الآخر والذي لم يكترث له أحد يتعلّق بمكنة تسويق "الفاكهة المعقوفة" ذات الخصوصية التجارية وقنوات الاستيراد أحادية المسار والحصرية  الامتيازية التي تركت "كونترول" التسويق بيد واحدة.
 
ونلاحظ أن حملات "تسويق عصبي" وعصف سوقيين تسبق دوماً وصول شحنات الموز عندما تبدأ بالإبحار من بلد المنشأ فتعلو التصريحات وترتفع معها أسعار المتوفر منها إلى حدود تستفز حالة الشكوى ثم تنخفض الأسعار عندما تصل الشحنات ويتولد إحساس لدى المستهلك بأنه ربح الفرق بين السعرين القديم والجديد لتغدو الفاكهة القادمة للتو مطلوبة من الفقراء والأغنياء على حد سواء وهذه طريقة "غوبلز" في الدعاية السياسية تم إسقاطها في ميدان التسويق السلعي ويبدو أنها نجحت نجاحاً باهراً.
 
النتائج كانت لافتة في هذه اللعبة التسويقية فقد تحول الموز إلى مادة حاضرة دوماً في بيوت الفقراء مهما كانت الوسيلة فيما نسيها الميسورون لأنهم قادرين على توفيرها متى شاؤوا ولو اضطروا لطلبها من لبنان  القريب بتوصية خاصة عندما تخطر على بالهم أو يحنوّن إليها أي تبدلت ماهية مستهلك الموز في سورية واتسعت رقعة الزبائن على اعتبار أن رقعة الفقراء هي الأوسع ولأنه لا بد من زجهم في سوق الاستهلاك جرى ذلك بلعبة تسويقية غاية في الحذاقة والدهاء.
 
وقد كشفت وزارة الزراعة أن الموز جاء في المرتبة الأولى من حيث كمية المواد المستوردة من لبنان إلى سورية خلال العام الماضي  لبنان أوسع بوابة للتدفقات السلعية إلى سورية في زمن الحصار إذ تم استيراد 22083 طناً من هذه الفاكهة التي بتنا على يقين من أنها مافتئت "تجاكر" السوريين وتعاندهم منذ أن اكتشف "القرود" مذاق فاكهتم المفضّلة.
 
الآن علينا أن نتخيل الحال فيما لو انعدمت هذه المادة تماماً من أسواقنا .. ما الذي سيحصل ؟؟ هل ستسجل مكنة الإحصاء أعداداً من الوفيات بسبب "نقص الموز" مثلاً؟؟
 
هل |عقرت| البيئة السورية  و أجدبت لدرجة أن لا بدائل غذائية للموز؟؟ من الذي حوّل الموز كمادة "دوائية علاجية " ..ولماذا لم يخرج طبيب متطوع ليشرح أن الموز ليس دواء بل مجرد غذاء له بدائل ..وما غاية الطبيب الذي ينصح الأم بالموز "كترياق" لأطفالها وتحالف – غباءً - مع زمرة مسوّقي المادة والمطبلين والمزمرين لها ؟؟
 
ماذا لو فاجأنا أطباءنا و مستهلكينا الشغوفين بالموز بدراسة أمريكية تمنع هذه الفاكهة الصفراء منعاً باتاً عن الأشخاص من زمرتي الدم /A/ و/ AB/  لأنه مادة ضارّة بصحة هؤلاء لأسباب عضوية تشرحها الدراسة ويشرحها كتاب الطبيب الأميركي / بيتر دادامو/ …فلماذا نشتري الأذية ونسعى إلى المرض بأسناننا و أيدينا و أرجلنا؟؟
 
هامش لزيادة المعلومات:
 
تتحكم أربع شركات متعددة الجنسية بنحو 70 في المئة من المبادلات التجارية المتعلقة بإنتاج وتسويق الموز في العالم. وتحتل الشركات الأميركية العملاقة الثلاث: "يونايتد براندز" التي تسوق ماركة "تشيكيتا" الشهيرة، و"كاستيل أند كووك"، و"ديل مونتي" الصدارة ، في حين أحدثت البريطانية "فيغز" اختراقاً ملحوظاً في فترة ما ولم تكتفِ هذه الأنكلوساكسونيات الأربع بهذا القدر من السيطرة بل عمدت أيضاً إلى إضعاف نفوذ الشركات الفرنسية في هذا المجال خصوصاً في أفريقيا  على رغم أهمية هذه السوق .
 
وتجدر الإشارة إلى أنه من أصل إنتاج عالمي يبلغ 95 مليون طن سنوياً تصل نسبة 12 في المئة فقط في نهاية المطاف الى الأسواق العالمية وهو واقع تفرضه شروط "الكارتيلات" وصراعاتها الدائمة على النفوذ.
 
فهل "نجونا" نحن السوريين من حروب الموز أم أن أذرع هذه الشركات وصلت إلينا  ؟؟؟؟
 
أليس من ألغاز و أسرار تجارية وتسويقية  تغلّف أسواق هذه المادّة التي لا يحظى منتجوها بأكثر من نذر يسير من عائداتها؟؟
 
أي هل بلعنا الطعم مع مذاق لا يقُاوم ؟؟