نافذةٌ على الحربِ السّوريّة.. سنةٌ ثامنةٌ من خرابِ التعليم

نافذةٌ على الحربِ السّوريّة.. سنةٌ ثامنةٌ من خرابِ التعليم

أخبار سورية

الجمعة، ١٦ مارس ٢٠١٨

 تدخلُ الحربُ السّوريّة عامَها الثامنِ في ظلِّ خرابٍ ودمارٍ حلّا بمعظمِ مُدنِها وقراها، مع تهجيرِ أكثر من 12 مليون شخصٍ، ومقتل ما يزيد عن ربعِ مليون آخرين، وما تزالُ رحى الحرب دائرةً سنةً بعد سنةٍ؛ لتؤثّر على جميعِ قطاعاتِ ومفاصلِ العملِ في البلاد.
ويصادفُ ذكرى اندلاعِ الحربِ في سورية، يوم المعلّم العربيّ الذي يحتفي به السوريّونَ في الخميس الثاني من آذار في كلّ عام، ليشعلَ المعلمُ شمعتهُ اليوم في وقتٍ تحرقُ نيرانُ الخرابِ المدارسَ كما المشافي والبيوت والمؤسّساتِ في مناطقَ عدّة من الجغرافيا السوريّة.
ولمْ يكن يعرف الأستاذ عبد الرزاق أنّه سيقضي عيدهُ الثامن بعد العشرينَ في ظلِّ التهجيرِ بعيداً عن سبّورةِ مدرستِهِ في ريف إدلب، فمع كلِّ نهايةِ عامٍ دراسيٍّ لهُ في مدارس اللاذقية، يُودّع تلاميذهُ على أملِ أنْ يحملَ لهُ الصيفُ بشارةً حارّةً تُعيدهُ إلى المدرسةِ البسيطةِ في ريف المحافظةِ الخضراءَ، كما ذكر في حديثه لـ وكالة أنباء آسيا.
وأضاف الأستاذ الإدلبيّ قائلاً: "عشرون عاماً قضيتُها في تدريسِ مادّةِ الجغرافيا لطلبتي في إدلب، لمْ أتخيّل يوماً أنّي وبعد أنْ هُجِّرتُ من بلدتي في ريفِ المحافظةِ إلى اللاذقية حيث أقيمُ الآن، لمْ أتخيّل أنّي سأشكّكُ في معلوماتٍ أُقدّمها لتلاميذي"، مُوضّحاً: "ربّما تغيّرت الجغرافيا السوريّة –شكليّاً- بعد سبعِ سنواتٍ من الدّمارِ والخرابِ، فلا زيتونَ في إدلبَ ولا قمحَ في الحسكةِ ولا بندورة في درعا، جميعها باتت رماداً إلّا ما ندر".
وتابعَ عبد الرزاق، أيّ عيدٍ للمعلِمِ سأتحدّثُ به لطلّابي وأنا اليوم أرى التعليمَ ينحدرُ عن مستواه الذي طالما كانت سورية من روّادِهِ عربيّاً وربّما عالميّاً، مُشيراً إلى أنَّ التعليمَ فقدَ كثيراً من أركانِهِ على مستوى الكوادرِ والأخلاقِ على حدٍّ سواء.
ولفت أستاذ الجغرافيا إلى مسألةِ الانحطاطِ التعليميّ في ظلِّ الحربِ، قائلاً: بغضِّ النظرِ عن المبالغاتِ في تَبِعاتِ الأزمةِ السوريّة على الأرض، إلّا أنّها ومن دونِ أدنى شك قد أثّرت سلبيّاً بشكلٍ كبيرٍ على نفوسِ الطلبةِ والمعلّمينَ من جميعِ النواحي، فلا الطّالب يحترمُ الأستاذَ ولا الأخير يدرّسُ طلّابَهُ بضميرٍ مهنيٍّ هُم بأمسِّ الحاجةِ إليه الآن للخروجِ بأقلِّ الخسائرِ المعنويّة من هذه الحرب.
ونوّهَ الأستاذ المدرسيّ إلى أنَّ المعلّمَ باتَ قليلَ قدرٍ في نظرِ التلاميذ، فلا احترامَ لمهنةِ المدرّسِ من الجيلِ الصاعدِ على الإطلاق، بحسبِ تعبيره، منوّهاً إلى أنَّ الأستاذَ خَسِرَ مكانتهُ منذ بدءِ الحربِ في سورية.
وحولَ أثرِ الحربِ على طلّابِ المدارسِ والأساتذة في سورية، أكّدَ مصدرٌ مسؤولٌ في مديريّةِ التربيةِ لـ"آسيا"، أنَّ آثارَ الأزمةِ التي تعيشها البلادُ تختلفُ من قطاعٍ لآخر، مُبيّناً أنَّ للحربِ انعكاساً سلبيّاً على المؤسّسةِ التعليميّةِ والتربويّة.
ولفت المصدرُ إلى وجودِ أسبابٍ وعواملَ عدّة ساهمت في خلقِ هوّةٍ بين المعلّمِ والطالبِ من الناحيةِ السلوكيّة، مُشيراً إلى أنَّ أهمّ هذه العوامل هي الحربُ التي تضربُ البلادَ منذ عام 2011، وما أفرزتهُ على نفسيّةِ الطالبِ وخلقت في داخلِهِ نوعاً من الانطوائيّةِ والعدوانيّة تجاه مدرستِهِ ومعلّميه، مقابل خلقِها حالةً من اللامبالاةِ في تعاطي المدرّسِ مع واجبِهِ تجاهَ طلّابهِ في المدارسِ الحكوميّة.
وشدّدَ المصدرُ على ضرورةِ تكثيفِ الجهودِ بين القائمينَ على العمليّةِ التربويّةِ والتعليميّةِ لتصحيحِ المسارِ السلوكيّ للطلّابِ بمساعدةِ مرشدينَ نفسيّينَ يتمُّ إعدادهم وتدريبهم بالشكلِ الأمثلِ للتعاملِ مع طلبةِ الجيلِ الجديدِ في سورية، بالإضافةِ للعملِ على رفعِ مستوى معيشةِ المعلّمِ حتّى لا يلجأ للمدارسِ الخاصّة ويُهمل واجبه في المدارسِ العامّة.
وكما كلّ عامٍ من عُمرِ الحرب.. ينتظرُ السوريّونَ إغلاقَ بابِها نهائيّاً في وقتٍ تشرعُ أبوابُ سنتها الثامنة لتضربَ رياح دمارِها مناطق عدّة في شمالِ وشرقِ وبعضِ مناطق جنوب البلاد، ليسألَ مواطنونَ ومنهم معلّمون وأساتِذة هل ستحملُ السنة الثامنة الهدوءَ إلى بلادٍ كانت تتغنّى يوماً بأنّها أرضُ المحبّةِ والسَّلامِ وبلدُ العلمِ، أمْ أنّها ستعودُ فتفتحُ البابَ التاسع ليعود السّؤال نفسه ليُطرحَ من جديد؟