بعد أن انتهت معركتها ميدانيّا.. ماذا يؤخر إعلان تحرير الغوطة الشرقية رسميًّا؟

بعد أن انتهت معركتها ميدانيّا.. ماذا يؤخر إعلان تحرير الغوطة الشرقية رسميًّا؟

أخبار سورية

الجمعة، ٢٣ مارس ٢٠١٨

حتى الآن، يمكن القول إن الجيش العربي السوري قد حقق اغلب أهدافه الاساسية من معركة تحرير الغوطة الشرقية، وانطلاقا من جميع الوقائع والمعطيات على الأرض، يستنتج أن مسلحي الغوطة الشرقية فقدوا الإمكانية لإحداث اي تغيير عسكري أو ميداني، والمعركة باتت في حكم المنتهية بعد أن تحقق ما يلي:
 
ميدانيًّا:
 
- تم تحرير ما مساحته 85 بالمئة من الغوطة الشرقية حيث كانت تتمركز المجموعات الإرهابية قبل العملية، وتمسك وحدات الجيش حاليّا كافة خطوط المواجهة بين بلداتها.
- تمت السيطرة ميدانيا وبالنار على محاور تمركز المجموعات الارهابية، بالإضافة إلى ربط وحدات الجيش والحلفاء بين شرق الغوطة وبين غربها.
- بعد أن تحقق فصل المجموعات الارهابية وعزلها عن بعضها، تم تنفيذ مناورة حساسة في طريقة الاختراق، نتج عنها إبعاد الاخطار قدر الامكان عن المدنيين، و تأمين الاخلاء الآمن لمن رغب منهم ومن عائلاتهم حيث أراد، وتسوية اوضاع من اختار البقاء ملتزما بشروط الدولة والجيش.
 
استراتيجيًّا:
 
- خسر الإرهابيون ورعاتهم نقطة الارتكاز الأساسية التي كانوا يعولون عليها لإحداث خرق ميداني، عسكري و أمني انطلاقا من الغوطة الشرقية، وحيث كانت خطتهم تقضي بتنفيذ عملية خاصة مُركّبة تستهدف العاصمة، انطلاقا من الغوطة الشرقية، وانطلاقا من القلمون الشرقي ما بين محسة وجيرود، وذلك بعد دعم تواجدهم في تلك المنطقة بمجموعات مسلحة تُنقل جوا من قاعدة التنف بطوافات نقل أميركية سريعة، فقدوا بعد عملية تحرير الغوطة إمكانية تنفيذ تلك المناورة المُركّبة.
- حتى الآن، يمكن القول إن إمكانية إحداث خرق دولي مشبوه ضد الدولة السورية في الموضوع الكيماوي قد انتهت تقريبا، وحيث كانت الغوطة جاهزة لتكون مسرحا لتركيب شماعة استعمال الاسلحة الكيماوية، جاء الدخول الميداني الواسع للجيش داخل الغوطة الشرقية ليعطي الامكانية الواسعة لفضح وبالوقائع الميدانية، تلك التركيبات وتحديد امكنتها، الامر الذي نتج عنه حتى الان ضبط وإفشال ثلاث محاولات كان الإرهابيون يخططون لها.
من هنا، واستنادا لما تحقق حتى الآن في معركة تحرير الغوطة الشرقية، ميدانيا واستراتيجياً كما ذكر اعلاه، ها هم مسلحو الغوطة ورعاتهم اليوم قد اقتنعوا ان معركتهم انتهت، ولم يتبقَّ إلاّ إعلان الاستسلام مع تفاصيل إخراج هذا الاستسلام، في تسوية الانسحاب وتسليم كافة مواقعهم واسلحتهم، ولكن ما الذي يؤخر اعلان هذا الاستسلام او إعلان التفاصيل النهائية لمخرج هزيمتهم؟
مبدئيا، يبدو ان ما يؤخر اعلان استسلام الارهابيين ومخرج تسوية وضعهم، هو مطالب الجيش العربي السوري وما قد يوافقوا عليه منها، وهذا طبعا من الاسباب الصحيحة لذلك، حيث انه من الطبيعي ان تلحظ التسوية معهم وشروطها معادلةَ خسارتهم للمعركة، ولكن لا يمكن استبعاد اسباب اخرى مهمة تتعلق بوضع كل فصيل من فصائل الغوطة بعد الاستسلام، اولا لناحية وجهة انسحابه، وثانيا لناحية مصيره وعلاقته بقوى النفوذ حيث سيتم إخلائه.
احرار الشام
يبدو انه الفصيل الاكثر إمتلاكا للرعاية او للحماية بعد انسحابه، وهذا ما يفسر سرعة تنفيذ التسوية معه، وها هو ينهي تقريبا تنفيذ تفاصيل هذه التسوية عبر اكتمال انسحابه من مدينة حرستا، ومسلحوه وعائلاتهم على الطريق لانهاء تمركزهم في مناطق داخل محافظة ادلب، مع رعاية وعناية تركية تؤمن حمايتهم ومصيرهم.
 
فيلق الرحمن والنصرة
 
 - قد تكون تلك المجموعات هي الاكثر سعيا لاكمال تسوية انسحابها، فهي كانت الاكثر دموية ربما ضد الجيش والمدنيين في العاصمة دمشق، وربما لم تكن تحلم بامكانية تسوية وضعها، خاصة ان العملية العسكرية نزعت منها كل امكانية لاكمال المعركة بعد محاصرتها وفصلها عن مدن ومجموعات الغوطة الشرقية الاخرى.
- ولكن من ناحية اخرى، تعلم جيدا تلك المجموعات (النصرة وفيلق الرحمن) ان وضعها في ادلب لن يكون على ما يرام، اولا لناحية الاتراك، حيث تميزت مؤخرا عن احرار الشام لناحية الانصياع الكامل لانقرة، وكانت غير منضبطة واختارت البقاء اقرب الى الجولاني في رفضه التقيد بمناورة الاتراك، وثانيا لناحية النزاعات العقائدية والتنظيمية مع فصائل ادلب، والتي تستعر حرب التصفيات بين بعضها بشكل دموي، باشراف ورعاية وتوجيه تركي طبعا، الامر الذي يجعلها تخشى او تهاب الانسحاب الى ادلب قبل حصولها على ضمانات هناك، لا يبدو انها مؤمنة، اقله حتى الان.
جيش الإسلام
 
في الظاهر، يبدو ان جيش الإسلام سيكون الفصيل الاسرع في انجاز التسوية مع الجيش العربي السوري، والسبب انه كان قد حيّد نفسه - تقريبا وليس بكل شيء – عن الفصائل الارهابية الاخرى في الغوطة الشرقية، بالاضافة للتواصل الذي لم ينقطع مع الروس، في مفاوضات خاصة بميدان الغوطة، او في مفاوضات اوسع تتعلق بالتسوية وبمؤتمري أستانة وسوتشي، ولكن عمليا، ربما تكون التسوية مع جيش الاسلام هي الاصعب والابعد تحققا من التسويات مع المجموعات الاخرى، واسباب ذلك هي:
- لا مكان آمن له في ادلب، وذلك لاسباب متعلقة بعلاقته الصدامية مع تركيا تبعا لارتباطه مع السعودية، لناحية التوجهات السياسية والتنظيمية ولناحية الدعم المادي، ولاسباب تتعلق بنزاعاته وعدائه مع الفصائل المتواجدة في ادلب، باغلبها دون تسمية تلك الفصائل.
- نظرا لكون جيش الاسلام من اكبر فصائل الغوطة الشرقية عددا وتسليحا، قد يدفعه ذلك، وعطفا على صعوبة انسحابه الى ادلب، او عطفا على ما يميز وضعه لناحية التواصل مع الروس، الى رفع شروط التسوية معه، الامر الذي سيتشدد به حكما الجيش العربي السوري لاسباب كثيرة.
كل هذه الاسباب المذكورة، والتي تحيط بمصير وبوجهة مجموعات جيش الاسلام وفيلق الرحمن مع النصرة، دون احرار الشام الذين انتهت التسوية معهم تقريبا، تدفعنا لترقب تشدد اكثر حساسية في تفاصيل وشروط التسوية مع تلك المجموعات من قبل الجيش العربي السوري، وكما يبدو ان الاخير، بالاضافة لإعطائه اهمية طبعا لتلك التسويات، فهو يعمل على قدم وساق لاكمال ما يتطلبه خيار الحسم العسكري والميداني، لانه بنظره - وهذا منطقيا - الخيار الامثل الذي يؤمن تحرير الغوطة الشرقية بشكل كامل، مع ما ينتج عن ذلك من إنهاء تلك البؤرة التي طالما شكلت ثغرة استراتيجية ضد العاصمة والدولة بشكل عام.