فروقات أسعار كاوية بين المدينة وضواحيها.. حمايـة المستهلك تصرّ على أنها تقوم بعملها

فروقات أسعار كاوية بين المدينة وضواحيها.. حمايـة المستهلك تصرّ على أنها تقوم بعملها

أخبار سورية

السبت، ١٤ أبريل ٢٠١٨

يكفي أن تبتعد عن مركز دمشق عدة كيلومترات حتى تظن أنك في بلد آخر تماماً من الناحية الاقتصادية، وفي كثير من الأحيان من ناحية الخدمات أيضاً.
فأسعار الخضر مضروبة باثنين، وفي بعض المناطق بأكثر من اثنين، أما المواصلات.. فحدّث ولا حرج، إن كان داخل هذه الأماكن، أو منها إلى دمشق، حيث لا تسعيرة ثابتة، وكل سائق يفرض سعره الخاص.
تتساءل تلقائياً عن الرقابة التموينية، فيأتيك الجواب من الباعة أنفسهم: (ما عجبك روح اشتكي)، وبالطبع قائل هذه الجملة يعلم تماماً أن شكواك بلا جدوى.
والحجة الجاهزة دوماً: الطريق، والنقل، وأمور أخرى.. وهنا لابد من أن نكون منصفين، بالفعل يتكلف الباعة في المناطق البعيدة مصاريف زائدة عن زملائهم داخل المدينة، لكن هذا لا يبرر أبداً أن يصل الفرق أحياناً إلى 70%، إضافة إلى أمر أهم وهو أن راتب الموظف وأجر العامل المقيم في منطقة خارج المدينة، هو ذاته أجر المقيم فيها.
 
ضاحية قدسيا.. كوكب آخر
في ضاحية قدسيا المقسومة إلى شرقية (فيصل)، وغربية (زهور+ سكن شبابي)، ترى التناقض بأم عينك بين القسمين، وتجد فيها ما لا تجده في ضواحٍ أخرى من حيث فلتان الأسعار.
يقول عبد الرحمن أحمد وهو من سكان (الفيصل): لا نعرف من الذي أقنع باعة مختلف البضائع بأن سكان هذا القسم من الضاحية أثرياء ولا تهمهم فروقات الأسعار؟
لا ننكر وجود طبقة ميسورين، لكن الأغلبية موظفون عاديون، وسيلة مواصلاتنا إلى أعمالنا هي السرافيس، ونحاول توفير كل ليرة ممكنة لندفع إيجار منازلنا المرتفعة جداً، لأن أغلبية سكان الضاحية من المهجرين من مناطق دمشق وغيرها، فيزيد علينا الباعة العبء بأسعارهم المرتفعة جداً، بل أحياناً غير المنطقية. وإما هذا، وإما علينا الذهاب إلى القسم الثاني من الضاحية للتبضع، وإذا أضفنا مبلغ المواصلات إليها ومنها، فسيقترب مما سندفعه هنا، إذاً النتيجة واحدة.
ويضيف سامر محاميد (مدرّس): بالتأكيد لا نتوقع أن تكون الأسعار في الضاحية كالأسعار في مركز المدينة، ونعلم أن هناك أجور نقل وأموراً أخرى، لكن كل ما نطلبه هو زيادة منطقية تؤدي إلى مرابح معقولة للبائع، ولا تشكل عبئاً كبيراً على المواطن، وأعتقد أن هذا طلب منطقي، لكن المشكلة هي أن الكثير من الباعة يريدون جني أكبر الأرباح بأقصر الطرق وفي أقصر وقت.
الموظفة (نور.ع) تقول: إن في الضاحية محلاً يعد من أهم وأشهر محلات المكياج والإكسسوارات، يصلح لأن يكون موضوعاً لإحدى حلقات مسلسل (بقعة ضوء) الكوميدي، إذا إن الأسعار فيه صباحاً غير الأسعار مساءً، وذلك حسب الشخص الموجود في المحل، وتروي: أعجبتني في إحدى المرات نظارة شمسية، وكان ثمنها – حسب البائعة – ثمانية آلاف ليرة، فتمهلت، وعند المساء مررت مرة أخرى بقرب المحل ذاته، فرأيت شخصاً مختلفاً يتولى عملية البيع، فسألته عن سعر النظارة ذاتها، فقال إن سعرها خمسة آلاف ليرة! وفيما بعد، عرفت أن ما حصل معي حصل مع كثيرين، فامتنعت عن الشراء وعن مجرد السؤال عن السعر.
50% الفرق
في القسم الغربي من الضاحية (الزهور)، تجد ما يخالف الكلام السابق.. أسعار منطقية، ولاسيما الخضر في السوق المسمى (أبو خليل)، وبشكل منطقي جداً في الصالة السورية للتجارة، لكن هذه النعمة الاقتصادية لا ينعم بها الجميع، بسبب ترامي المسافات في الضاحية كما قلنا سابقاً.
أما المواصلات، فهي كما يشتهي أصحاب السيارات -حسب قول الموظف أبو يامن- فمن الممكن أن تصل بسيارة أجرة من الضاحية إلى دمشق بـ 1500 ليرة، وقد يطلب منك البعض 2000 ليرة، أما مساء، ولا نقصد بكلمة مساء بعد منتصف الليل، وإنما بعد السابعة، فعليك إضافة 500 أو ألف ليرة إلى المبالغ السابقة.
ضاحية الأسد أيضاً
ولا يختلف ما يجري في ضاحية الأسد كثيراً عما يجري في سابقتها، ومن سكانها جمال عواد الذي يقول: يوجد غلاء في كل السلع على الإطلاق مقارنة بمدينة دمشق، وبنسبة لا تقل عن 15% وقد تصل أحياناً إلى 50% عند البعض، والعذر دائماً تكاليف النقل، وصعوبة الوصول إلى الضاحية ووضع الطرقات، إضافة للعذر الرائج في كل الأمكنة وهو تذبذب سعر صرف الدولار، بل أحياناً لا يوجد أي عذر، بمعنى (عجبك اشتري، ما عجبك فرجينا عرض كتافك).
كذلك محمد عبوش من سكان الضاحية يقول: إن الأسعار تجعلك تشعر بأنك تسكن في أحد الأحياء الثرية في دمشق، والغلاء لا يقتصر على سلع معينة، بل يطول كل شيء، فالمواصلات حدث ولا حرج، ولاسيما عند المساء، والجميع يستغل الناس.
ويؤكد الكلام ذاته بشار السيد، الذي يقول: إن فرق الأسعار بين الضاحية والمدينة يتراوح بين 25 و50% من ناحية الخضر والفاكهة واللحوم، والحجة دائماً انقطاع الطرق، لكن حتى مع انتفاء هذه الحجة بقيت الأسعار كما هي.
جديدة عرطوز مع الجوقة
المهندس مازن سفان من سكان بلدة جديدة عرطوز، يقول إنهم يعانون من المشكلة ذاتها، حيث توجد فوارق في الأسعار عن مدينة دمشق من حيث المواد الغذائية والمواصلات، فمثلاً، تنص نشرة الأسعار التي وزعتها مديرية النقل في ريف دمشق، على أن أجرة السرفيس من الجديدة إلى دمشق وبالعكس، 90 ليرة، لكنّ السائقين يتقاضون 100 ليرة على الراكب الواحد، هذا عدا عن الأوقات المتأخرة التي يتقاضى فيها السائق أحياناً أكثر من مئتي ليرة، أما أسعار المواد الغذائية، فهناك فرق في كل سلعة يصل إلى 15%، وسعر كيلو لحمة العجل 5000 ليرة، والغنم 5500 ليرة.
ويضيف عمار السيد (من سكان الجديدة) أنهم يعانون في كثير من الأحيان من نقص في مواد معينة، والسبب هو عزوف موزعي الجُملة عن الذهاب إلى الجديدة وتوزيع المادة المطلوبة، بسبب طول الطريق والمبالغ الإضافية التي يدفعونها.
وحاولنا الحديث مع أكثر من بائع عن الموضوع في أكثر من منطقة، لكنهم رفضوا جميعاً الحديث معنا، مبررين رفضهم بأن هناك أموراً لا يستطيعون البوح بها، وقد تتسبب لهم بالكثير من المشكلات.
حماية المستهلك: نقوم بعملنا على أكمل وجه
«تشرين» حملت الموضوع كاملاً إلى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، فكان الرد من مدير حماية المستهلك الدكتور حسام نصر الله لا يلبي الطموح، بل يبرر في بعض ما جاء فيه لمن يريد رفع السعر، حيث أكد أن الرقابة على المواد الغذائية وغير الغذائية مستمرة على كل الأسواق والمحلات في مراكز المدن والضواحي، وأن وجود أي فارق سعري على مادة أو مواد، يعود إلى صنف ونوع المادة كالخضر والفواكه مثلاً، وضمن اللوائح السعرية الخاصة بهذه المواد التي تتضمن (نوع أول– نوع ثان– نوع ثالث)، إضافة إلى تكاليف النقل المختلفة بين المناطق والأسواق، وحسب بُعد المسافة وقربها من مركز التسويق، كما أن بعض التجار يقبلون بهامش ربح بسيط ضمن هوامش الربح النظامية بين الأعلى والأدنى والمقررة من الوزارة.
وأضاف د.نصر الله: إن دوريات حماية المستهلك تقوم بمتابعة الأسواق والمواد المطروحة فيها وفق التسعيرة النظامية لكل مادة، ومن خلال الفواتير المتداولة بين حلقات الوساطة التجارية، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية بأي مخالفة يتم ضبطها وفق القانون 14 لعام 2015 والقرارات الناظمة بهذا الخصوص.
وهنا، نود أن نطرح الأسئلة التالية التي تنقض ما جاء أعلاه، ومنها: كيف تختلف الأسعار بشكل واضح بين أسواق ضاحية قدسيا وجرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا ذاتها؟
وكيف تختلف بين ضاحية قدسيا ومنطقة قدسيا، رغم أن الطريق واحد والمسافة واحدة بين مركز التسويق ومركز البيع؟
وإن كان السعر يتعلق بجودة الصنف، فما المبرر لوجود عدة أسعار للصنف ذاته في الأسواق المذكورة؟
وماذا عن المواصلات والألبسة؟ وبقية المواد؟ هل تتبع للمقاييس ذاتها؟
وأوضح د. نصر الله أن الوزارة أنجزت تطبيقاً يتم تحميله على الهواتف الذكية من موقع الوزارة على الانترنت، اسمه (عين المواطن)، يتم عبره تقديم كل الشكاوى التي يريد المواطن تقديمها، ويضمن التطبيق السرية الكاملة، وبناء على الشكوى المقدمة، يتم وعلى الفور إرسال مراقب تمويني إلى المكان المشتكى عليه لمعالجة الأمر فوراً.
انعدام الآليات وفرق القوة الشرائية
الباحث الاقتصادي الدكتور أدهم شقير، قال: إن الأمر معقد ومركب، ولا نستطيع وضع اللوم على طرف بعينه، لكن المواطن هو الحلقة الأضعف، وهو الخاسر الأكبر في النهاية، لكن في الإمكان تلخيص المشكلة بعدة نقاط، أولها، قلة عدد المراقبين قياساً بمساحات الريف المترامية والكبيرة جداً، حيث توجد كمية هائلة من القرى والبلدات، وسابقاً، تم طرح موضوع إنشاء شعب تموينية في الأرياف توفر على المراقب والوزارة عبء الوصول إلى المنطقة المطلوب الوصول إليها التي غالباً ستكون بعيدة عن مركز المدينة.
ثانياً –حسب شقير– على المتابع لهذا الموضوع ألا يُغفل موضوع ارتفاع إيجار النقل من مركز التسويق إلى مكان البيع في الأرياف، والمصاريف الأخرى المخفية، إضافة إلى غلاء وارتفاع إيجار المحلات، وأن صاحب المحل تترتب عليه مصاريف وضرائب لا تترتب على صاحب البسطة.
وأضاف د.شقير: إن ما سبق يضاف إليه عدم خوف البائع من القانون، وانعدام ثقافتي المقاطعة والشكوى، وفيما يخص ثقافة الشكوى، فإنها معدومة لعدم ثقة المواطن بأن حقه سيعود، وهذا يفسّر قلة عدد المشتركين بتطبيق (عين المواطن) المتاح للملايين، بينما يستخدمه آلاف فقط!
أضف إلى ذلك موضوع القوة الشرائية المهم جداً، حيث يتمتع سكان بعض المناطق بقوة شرائية عالية تدفع الباعة إلى رفع الأسعار من دون خوف من كساد بضائعهم.
كل هذا يضاف إليه ضعف الرقابة على الأسواق وعدم جدواها في نظر المواطن. وأوضح د. شقير أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وعلى رأسها السيد الوزير ومدير حماية المستهلك، يحاولون بكل الطرق تقليل أبواب الفساد، وهم منفتحون على كل الآراء التي تخدم هذا موضوع، لكن آلياتهم في السوق غير قادرة على ضبط الأسعار وكسرها، وتالياً النتيجة غير مرضية للمواطن الذي لديه قناعة كاملة بأن لا أحد يدافع عنه، وهذا – كما قلنا سابقاً – سبب عدم إيمانه بتقديم الشكوى.
من الداخل.. التجار أقوى
استطاعت «تشرين» التواصل مع مراقب تمويني سابق، فضّل عدم ذكر اسمه، وكشف لنا الكثير من المعلومات المفاجئة.. يقول:
نحن، كمراقبين تموينيين، نعلم أن الجميع يتهمنا بالرشوة، وبالتقاعس، وبغض الطرف عن المخالفين لقاء مبالغ أو بضائع أو ما شابه، وبالطبع لا أحد ينكر وجود مثل هذه النماذج، لكن ما لا يعلمه الكثير أنهم قلة، وكذلك لا يعلم الكثيرون أن التاجر أقوى من المراقب التمويني بكثير، بل إن الكثير منّا لا يجرؤون على مخالفة الكثير من التجار، لأن إصرارنا على المخالفة قد يتسبب – وغالباً – يتسبب بأذية للمراقب من قبل التاجر الواصل والمتنفذ.
ويضيف: كثيرة هي المواقف التي حصلت معنا وتثبت كلامي السابق، فكم من مرة دخلنا إلى محلات لكتابة ضبوط، وفجأة نتلقى اتصالاً يطلب منا الخروج فوراً.
وكم من مرة حُرمنا من دخول أسواق بعينها مدة طويلة، بسبب مخالفة كُتبت وأزعجت أحد التجار الكبار، أما الكازيات، فحدث ولا حرج، سرقة موصوفة وعلنية، وعلى عينك يا تاجر كما يقال.
ومع هذا، مطلوب من كل مراقب تمويني عدد من الضبوط اليومية، وعلينا تنظيمها، وبكل صراحة، نلجأ لمخالفة البائع (الدرويش)، ونتقصد تخفيض المخالفة قدر الإمكان، لأننا نخجل من مخالفته في الحين الذي لا نجرؤ فيه على مخالفة التاجر الكبير خوفاً على أنفسنا.
وعن موضوع إغلاق المحلات عند وصول دوريات التموين يقول:
يكفي أن يعرف أول بائع وأول محل بوصولنا، فيقوم بإبلاغ جيرانه، والجميع يتناقل الخبر، فيقوم البعض بوضع لوائح الأسعار أو تخفيضها فوراً (شكلياً طبعاً)، والبعض يقوم بإغلاق المحل حتى يطمئن لخروجنا من المنطقة، فيعاود عمله بالطريقة ذاتها.
ويوضح المراقب التمويني أن من أهم المشكلات التي يجب الحديث عنها أمرين: الأول هو عدم تناسب مبلغ المخالفة مع الربح الحاصل منها، وضرب لنا مثلاً عدم اعتراض عدد غير قليل من محلات بيع (الشاورما) على مخالفتهم لأنهم رفضوا تخفيض سعر (السندويشة) من 500 إلى 300 ليرة، لأن فرق الربح الحاصل من الـ 200 ليرة يدر مبلغاً كبيراً لا يمانع في دفع قسم بسيط منه كمخالفة، لذا الحل في رفع مبلغ المخالفة.
والأمر الثاني هو ما يجري بين موزع الجملة والمفرق، حيث لا يمنح الكثير من موزعي الجُملة فواتير لأصحاب المحلات التي يوردون لها بضائعهم، وذلك من أجل التهرب الضريبي، فيقع صاحب محل المفرق في مشكلة عند طلب الفواتير، وتتم مخالفته، ويرفض الاعتراف بأن الموزع لا يمنحه فاتورة، وذلك خوفاً من غضب الموزع الذي سيعاقبه بعدم توريد بضاعته إليه، وتالياً فقدان عدة أصناف من محله، وقد تكون أحياناً أصنافاً مهمة يقوم عليها أغلب الربح.